تقع جثسيماني على سفح جبل الزيتون ومعناها: معصرة الزيت، لأنَّهم كانوا يُحضرون الزيتون من أشجاره، الَّتي تنمو هناك في الحدائق المجاورة لتُعصر ويُستخرج منها زيت الزيتون، وفي المعصرة سُحق المسيح وحده (إش3:63)، وقد سُرَّ الله بذلك ليخرج منه زيتاً جديداً لكل من يؤمن به، ولكي نشترك نحن في أصل الزيتونة الجديدة ودسمها (رو11:17).
هناك كانت تنمو أشجار الزيتون، والمسيح قد جاء إلى جثسيمانى، لكي يغرس الزيتون الصغير بقوَّته الإلهيَّة فهو الزارع السماويّ وكل غرس يغرسه في الحقل الإلهيّ يُعلن: " أمَّا أَنَا فَمِثْلُ زَيْتُونَةٍ خَضْرَاءَ في بَيْتِ اللهِ " (مز8:52).
والزيتون إن كان يرمز إلى الألـم لمرارته، إلاَّ أنَّه يرمز أيضاً إلى السلام، فالحمامة الَّتي أرسلها نوح من الفُلك عندما غطَّت مياه الطوفان الأرض، عادت إليه وهى تحمل غصن زيتون أخضر في فمها، فعلم نوح أنَّ المياه قلَّت عن الأرض (تك8: 11)، وكان ذلك إشارة إلى حلول سلام الله على الأرض.
ومنذ ذلك الوقت قد صار غصن الزيتون شعار السلام بين البشر، وشجرة الزيتون علامة تُشير إلى النجاح والبركة الإلهيّة: " تَمْتَدُّ خَرَاعِيبُهُ وَيَكُونُ بَهَاؤُهُ كَالزَّيْتُونَةِ وَلَهُ رَائِحَةٌ كَلُبْنَانَ " (هو6:14)، وهذا يعني:
إننا لن نحيا في سلام إلاَّ من خلال آلام المسيح، فعن طريق الآلام تم الفداء، ومن ثمار الفداء عودة السلام إلى الأرض مرّة ثانية بعد أن سادها الرعب سنينَ طويلة، ولهذا عندما وُلِدَ المسيح شقّت الملائكة ببهائها ظلام الليل، فحوَّلت الأرض سماءً وملأت الكون بأنغامها الروحيّة، وعزفت على قيثارات الحُب: " الْمَجْدُ لِلَّهِ في الأَعَالِي وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ " (لو14:2).