وهو رجل يمكن أن تضيف إلى هذا كله أنه ربما يأس من فرط المرض الطويل الذي استمر ثماني وثلاثين سنة، وهو رقم مخيف، ليس من السهل تصوره، وهو مثل لتعاسة الإنسان في الأرض، هذا المرض كان لابد أن يترك أثره العميق الغائر في ذهن الرجل وطباعه، إذ يقتل فيه الإرادة الحرة المتحركة النشطة، ويستبدلها بذهن متبلد، يركن إلى التواكل والضعة، فهو يعيش على الفتات الساقط من أيدي المحسنين، أو الذي يزورنه إلى جانب المرضى الآخرين، بهذا يجد لقمته التي تمسك عليه رمق الحياة، إن كان وجوده في الدنيا على هذا الوضع يمكن أن يوصف بالحياة، وفي الأغلب إن عذابات الرجل جلعته يضيق بالحياة نفسها أو يعيش حاقدًا على كل شيء، على الحياة، والناس، والنفس فهو منبوذ مكروه من الناس، وهو يكره الناس جميعًا، ولا سيما عندما يرى غيره يهبط إلى البركة مغتنمًا تحريك الماء، وهو ليس له إنسان يلقيه فيها، إذ هو المشلول الذي فقد الحركة فلم يستطع منافسة الآخرين فيها، مثل هذا الإنسان الذي ران عليه صدأ الحياة، وانهال عليه ترابها من كل جانب. كان حاجته الأولى الملحة، قبل الشفاء، إيقاظ معنى الشفاء في نفسه، إذ كان لابد أن يكون السؤال الصحيح: أيها التعس المريض، هل تحولت تعاستك إلى «عادة التعاسة» إن صح التعبير، وهل بكيت في الحياة، إلى أن يتحول البكاء «نغمة الحياة» عندك، وهل ركنت إلى الأرض، إلى أن أصبحت الأرض فراشك الذي لا يتغير، ولا تروم عنه تحركًا أو بديلاً، أو بعبارة أخرى هل تجمدت الحياة عندك، فأصبحت كتلة جامدة في الحياة انترعت منها إرادة الحياة، فلم تعد سوى الوجود بلا إرادة!! نحن لا نستطيع أن نعرف الحقيقة الرجل قبل أن ندرك أنه الصورة المخيفة التي تفعلها الخطية، عندما تميت الحياة وتترك صاحبها بليد الذهن والعاطفة والإرادة،