السامرية ومَنْ هى؟
مَنْ هذه المرأة؟ لا نعرف اسمها وما بنا رغبة إلى معرفته فإن للوحى أدباً رفيقاً رقيقاً عزيزاً يجدر بنا أن نتعلّمه ونترسمه..انه ما من امرأة أخطأت واقتربت من المسيح الا وغطى اسمها ودثر ماضيها..قل لى ما اسم المرأة التى جاءته فى بيت سمعان الفريسى؟..ما اسم المرأة التى أمسكها اليهود ليرجموها؟..ما اسم السامرية؟..قد يكن هن على أتم استعداد لذكر أسمائهن وتفصيل حياتهن لكن المخلص دائماً رقيق المشاعر رفيقاً بالنفس التى تحس ذلة الماضى انه يسترها بظل يديه الحلوتين الرقيقتين العطوفتين..على أنه وان فاتنا معرفة اسمها فإننا نعلم أنها من مدينة سوخار والكلمة"سوخار"تعنى الهاجعة أو السكرى ولعلها بهذا الاسم تمثل إلى حد بعيد الحياة الخليغة الماضية التى كانت تحياها هذه المرأة كما أنها كانت على الأغلب امرأة فقيرة فالاستقاء من الآبار أمراً لم تكن تلجأ إليه الا الفقيرات أو الخادمات أو الأجيرات وأنها كانت على مسحة كبيرة من الجمال وهى قوية المنطق وتحسن الحوار وهذا يبدو جلياً فى حديثها مع المسيح وأهل بلدتها.
كيف عالجها المسيح؟؟؟
عالجها المسيح بمحبته وحكمته
أولاً عالجها بمحبته..كان هناك عداوة بين اليهود والسامريين ولكن هل يسير المسيح فى طريق أنشأتها العداوة وهل يخضع لتلك العواطف البغيضة التى تذهب بأجمل ما فى الإنسان من آداب وخلق وسمو وإنسانية..كلا أن الوضع العظيم لمثل السامرى الصالح من المحال أن يتدانى أو ينزل إلى هذا المستوى الضعيف القاصر الذى هبط إليه البشر.
والظمأ المحرق الذى انتهت إليه السامرية هى صورة صادقة للنفس البشرية تشرب من مياة العالم وتحس فى النهاية أن هذه المياه أشبه الكل بالمياه المالحة تزيد مَنْ يتجرعها ظمأ على ظمأ..
لقد صوّر أوغسطينوس هذه الحقيقة فى كتابه العظيم"اعترافات أوغسطينوس"..وقد كان هذا الرجل ذا طبيعة عميقة التفكير شديدة الاحساس وقد قضى فجر شبابه مستهتراً ماجناً وكان يبحث عن السعادة ولما لم يجدها فى"الشهوة"صرف عنها وتحوّل إلى"الصداقة"آملاً أن يجد فى العلاقة مع المجتمع بعض راحته واستقراره غير أنه صدم بوفاة أعز"صديق"له الصديق الى قال:
"لقد عجبت كيف ظل الناس أحياء بعد وفاة مَنْ أحببت بل كيف بقيت أنا حياً وقد كان هذا الصديق نفسى الثانية"...وإذ لم يجد فى الشهوة أو الصداقة شبعه تحوّل إلى"العلم"آملاً أن يجد راحته هناك فانصب فى الدراسات العلمية والفلسفية آملاً أن يجد فى أفلاطون وأرسطو ما يستشعر من حزن وأسى وارتباك ولكن العلم لم يزده الا احساساً أعمق باليأس والتعاسة والبؤس والشقاء..وفى عام 386 وفى حديقة من حدائق ميلان سمع صوت صبى يقول افتح واقرأ وأسرع إلى الكتاب المقدس ليجد الكلمات التى جاءت به إلى المسيح وكانت هذه الكلمات هى المحوّل العظيم للرجل الذى ارتوى من المسيح إلى الدرجة التى قال له فيها عبارته المشهورة:"يؤلمنى أننى أحببتك متأخراً أيها الجميل القديم الأيام"
ثانياً عالجها بحكمته..ولم يكن المسيح محباً للسامرية فحسب بل كان حكيماً جداً معها..ومع أنه كان يعلم كل ماضيها الا أنه لم يشر على الاطلاق.
لقد أثار المسيح فى السامرية أموراً ثلاثة:
1-أثار ذاتيتها وكيانها
2-أثار دهشتها وتعجبها
3-أثار ضعفها وحاجتها
ما مظهر توبتها؟؟؟
مظهر توبتها ثنائى الاعتراف والشهادة
أما فى الاعتراف فقد برز فى قولها:"قال لى كل ما فعلت"..انها لا تخشى أن تتحدث بماضيها وهذا هو الأمر الأول الحقيقى لكل توبة.
أما الجانب الثانى فى توبتها هو الشهادة.لقد تركت جرتها وذهبت لتنادى بالمسيح ولعل أزواجها الأولين والشخص الذى كان يعيش معها بعض مَنْ خرجوا فى ذلك اليوم من مدينة سوخار ليروا الشخص العجيب الذى حدثتهم عنه لقد اختبرته هى فأرادت لغيرها أن يختبروه وارتوت منه فأرادت ألا تحرم العطاش من ينابيع خلاصه.
وليس هناك شخص رأى المسيح وارتوى من المسيح دون أن يرى هذا الامتياز ديناً وضرورة وأمراً تلزمه أن يسعى وراء الآخرين ليبشرهم بالمسيح.