وهنا نرى المفارقة العجيبة، فإن أصحاب هذه الخنازير رفضوا المسيح، لأن الخنازير عندهم أهم من المجنون، والعكس صحيح عند السيد المبارك، كانت كورة الجدريين شرقي الأردن، وكان أغلب سكانها من اليونانيين الذين يتاجرون في الخنازير ويتكسبون منها، ولا نعلم بالتأكيد هل كان أصحاب الخنازير كلهم من اليونانيين أو أنهم كانوا خليطًا من اليونانيين اليهود، لكن التجارة على أي حال كانت تجارة محرمة، ومهما كان الأمر، فإن المسيح تصرف على أساس أن أصحابها، وهم يعلمون أنها محرمة عند اليهود، كانوا لا يبالون بالتحريم، ويحللونه من أجل المكسب، ومن هنا أصاب المسيح هدفين بضربة واحدة، أنقذ إنسانًا مستعبدًا ودان تجارة محرمة، وهو يريد أن يكشف على الدوام أن حبه نقي ومقدس وطاهر، ومن المؤسف أن القصة كشفت عن نوعين من الجنون، شفى المسيح الأول، ورفض المجانين الشفاء في الثاني، وفي الواقع أنه إذا كان لجئون قد أغرق الخنازير وماتت في البحر، إلا أنه تحول إلى أصحاب الخنازير الذين رفضوا يسوع في حصرهم الشديد على شرهم وتجارتهم الآثمة.