ضرورة الجهاد
كثيرة هي النصوص المقدسة التي تشرح ضرورة الجهاد..
نذكر من بينها قول الرسول
(لذلك نحن أيضًا إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا، لنطرح كل ثقل والخطيئة المحيطة بنا بسهولة، ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا) (عب 12: 1).
يقول الرسول هذا ثم يوبخ العبرانيين قائلًا
(لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطيئة) (عب 12: 4)
فالمفروض إذن أن نجاهد، وليس جهادًا عاديًا، إنما جهاد حتى الدم ضد الخطيئة. وإن سأل أحد: إلى متى هذا الجهاد؟ نقول إنه جهاد العمر كله.
وكما يقول الكتاب (الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص) (مت 10: 22) ورسول الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان. وأخيرًا قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل) (2تى 4: 7، 8).
إنه جهاد، ولكنه ليس جهادًا شخصيًا منفصلًا عن عمل الله فيه. بل انه يجمع الاثنين معًا إذ يقول عن كرازته
(الأمر الذي لأجله أتعب أيضًا مجاهدًا، بحسب عمله الذي يعمل في بقوة) (كو 1: 29).
ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى:
أما الذين يتطوفون في الحديث عن النعمة بحيث يحتقرون عمل الجهاد، فإنهم يعترضون بالآية التي تقول
(ليس لمن يشاء ولا من يسعى، بل لله الذي يرحم) (رو 9: 16).
فما معنى هذا؟ هل معناه أن رحمة الله تعطينا الخلاص المجانى، وتنقلنا إلى الملكوت، بدون سعى وبدون مشيئة صالحة؟!
هل معنى هذا أن ينام كل إنسان ويكسل، ولا يسعى نحو الخير، ولا يريده، مكتفيا بأن يرحمه الله وهو في هذا التراخي؟!
مستحيل أن يقصد الرسول. مستحيل أن يقصد هذا المعنى من قوله ولا لمن يسعى، بينما يقول (جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي..)
ان الذي قال (ليس لمن يسعى)، قد أكمل السعي.. ونال إكليل البر نتيجة لهذا السعي، ونتيجة لجهاده الحسن.
إن الذي قال (ليس لمن يسعى)، هو الذي قال عن نفسه
(ليس أنى قد نلت أو صرت كاملًا، ولكنى أسعى لعلى أدرك الذى لأجله أدركني أيضًا المسيح يسوع.. أيها الأخوة أنا لست أحسب نفسي قد أدركت، ولكنى أفعل شيئًا واحدًا، إذ أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض، لأجل جعالة دعوة الله العليا) (فى 3: 12-14).
إن بولس نفسه يسعى لكي يدرك. فهل هذا هو مجرد اختبار خاص قد مر بك يا بولس؟ أبدًا.. أنه للكل. لذلك يتابع الرسول كلامه فيقول
(فليفتكر هذا جميع الكاملين منا) (فى 3: 15).
إن كنت كاملًا إذن عليك أن تسعى لكي تدرك.
وبولس الرسول نفسه يدعونا جميعًا إلى هذا السعي وهذا الجهاد فيقول:
(ألستم تعلمون أن الذين يركضون في الميدان جميعهم يركضون ولكن واحد يأخذالجعالة، هكذا اركضوا لكي تنالوا) (1كو 9: 24)
ما الذي تطلبه منا أيها الرسول العظيم؟! كيف نركض والأمر ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى؟!
ما الفائدة من أن نركض وأن نجاهد؟ كفانا أن نجلس كما نحن، وتأتينا النعمة من عند الله، فتنقلنا من الموت إلى الحياة، وتدخلنا مجانا إلى الملكوت، دون أن نشاء ودون أن نسعى..!
أن بولس يكمل كلامه فيقول
(وكل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء.. إذن أن أركض هكذا.... بل أقمع جسدي واستعبده، حتى بعدما كرزت للآخرين، لا أصير أنا نفسي مرفوضًا) (1كو 9: 25-27).
إذن فهذا الركض وهذا السعي، ليس لنا فقط نحن المؤمنين الضعفاء وإنما هو للرسل أيضًا. فبولس نفسه يركض. بولس الذي كان ممتلئًا من الروح القدس، الذي كانت تعمل فيه النعمة أكثر من الجميع، هو أيضاَ كان محتاجًا أن يركض، وأن يسعى، وأن يكمل السعي، وأن يجاهد الجهاد الحسن..
ويدعونا معه أن نركض مثله لكي ننال..
بل أن بولس العظيم نراه يقمع جسده ويستعبده، حتى لا يصير هو نفسه مرفوضًا! فان كان بولس الرسول يجاهد ويخاف أن يرفض فماذا نفعل نحن؟
ما معنى إذن قوله (ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل الله الذي يرحم)؟
معناه أن الملكوت لا تصل إليه بمجرد مشيئتك فقط، أو بمجرد سعيك فقط، بدون عمل الله معك، وبدون معونة من نعمته، وبدون شركة الروح القدس.
فالجانب الأساسي في الموضوع يرجع إلى الله الذي يرحم. فالذي يعتمد على مشيئته وحده، وعلى سعيه وحده، هو مخطئ، فأنا أسعى والله يرحم. وعندما يبارك الله سعيي، أرجع الفضل إلى الله وليس إلى هذا السعي.
حقيقي ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى، ولكن الله الذي يرحم. ولكن من هو الذي يرحمه الله؟ يقول أحد القديسين (إن الله يرحم الذين يشاءون والذين يسعون).
تذكرني هذه الآية بقول بولس الرسول أيضًا
(إذن ليس الغارس شيئًا ولا الساقي بل الله الذي ينمى) (1 كو 3: 7).
حقيقي أن الفضل لله الذي ينمى. ولكن الله ينمى الغرس الذي غرس وسقى.
ليس معنى الآية أننا لا نغرس ولا نسقى. قائلين في أنفسنا ليس الغارس شيئًا ولا الساقي، ثم بعد ذلك في جهالة ننتظر أن الله ينمى!!
بل أننا نغرس ونسقى، ونقول ليس الغارس شيئًا ولا الساقي بل الله الذي ينمى. تمامًا مثلما نشاء ونسعى، ونقول ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل الله الذي يرحم.