صورة مغلوطة

walaa farouk · رقم المشاركة : ( 1 ) 11 - 01 - 2017, 07:26 AM

زيارة المجوس لم تكن بعد سنتين. معلومة مغلوطة منتشرة تتكرر كل عام
-----------------------------------------------------------------
في كل عام وقت عيد الميلاد المجيد يبرز الحديث عن المجوس الآتين من المشرق لتقديم هداياهم إلى المولود ملك اليهود.
والقصة الكتابية موجودة في إنجيل معلمنا متى البشير الأصحاح الثاني.
المشكلة تكمن في أن بعض الوعاظ يعظون بأن المجوس قد أتوا بعد ميلاد السيد المسيح بسنتين...سنتين كاملتين...وذلك إستنادا على فهم خاطئ للآية رقم 16 من الأصحاح:
"حينئذ لما رأى هيرودس أن المجوس سخروا به غضب جدا. فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها، من ابن سنتين فما دون، بحسب الزمان الذي تحققه من المجوس"
.
ويبدأ الوعاظ في تبرير هذه الفترة بالقول بأنها "فترة السفر بين مكان المجوس (المشرق - بلاد فارس - إيران حاليا) وبين أورشليم وبيت لحم.
.
وما زاد المغالطة هذه السنة هو ظهور صورة تمثل السيد المسيح كطفل يمشي على قدميه ويقدم له المجوس هداياهم.
ومكتوب تحت الصورة:
"الصورة دي من اصح الصور للمجوس لان المجوس لم ياتوا للمسيح في المذود المجوس أتوا بعد سنتين تقريبا من ظهور النجم وده عشان المسافة والسفر"
.
والحقيقة إن هذا الإفتراض هو خاطئ تماما من الناحية الكتابية والجغرافية والمنطقية.
دعونا نري أوجه الخطأ.
.
أولا من الناحية الكتابية:
------------
ذكر لنا إنجيل متي الأصحاح الثاني الحقائق التالية:
---------------------------
1- السيد المسيح ولد في بيت لحم - آية 1
أتى المجوس إلى أورشليم - آية 1
"إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم"
2- المجوس رأوا نجما ولم يذكر الكتاب المقدس صراحة متى رأوه - آية 2
"فإننا رأينا نجمه في المشرق"
3- هيرودس أرسل المجوس إلى بيت لحم - آية 8
4- المجوس "ذهبوا" إلى مكان ما - آية 9
وفي الترجمة الإنجليزية لهذه الكلمة نجد
King James Version: Departed
New International Version: Went Away
وفي الأصل اليوناني:
ἐπορεύθησαν
إيبوريثيسان
وكلها تعني ذهبوا من المكان الذي كانوا فيه وليس بالضرورة ذهبوا إلى بيت لحم تحديدا
5- المجوس إتبعوا النجم إلى ذلك المكان "حيث كان الصبي" - آية 9
6- بعدما إنصرفوا ظهر ملاك الرب ليوسف في حلم قائلا:
قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك. لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه. آية 13
7- القديس يوسف النجار قام وأخذ الصبي وأمه """ليلا""" وانصرف إلى مصر - آية 14
8- كان في مصر حتى وفاة هيرودس - آية 15
9- لما مات هيرودس أمر ملاك الرب يوسف البار بالعودة إلى أرض إسرائيل
10- العائلة المقدسة جاءت إلى أرض إسرائيل - آية 21
11- خاف القديس يوسف النجار من أرخيلاوس الذي ملك على اليهودية فإوحي إليه أن ينصرف إلى نواحي الجليل
12- القديس يوسف النجار (والعائلة المقدسة طبعا) أتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة، لكي يتم ما قيل بالأنبياء: إنه سيدعى ناصريا
.
نستكمل باقي القصة من إنجيل معلمنا لوقا الأصحاح الثاني
----------------------------
13- القديس يوسف النجار كان من الجليل من مدينة الناصرة. وكان يعيش بها مع خطيبته العذراء قبل ذهابه إلى اليهودية للإكتتاب - آية 4
14- العائلة المقدسة لم تكن في أورشليم قبل بلوغ السيد المسيح أربعين يوما. لأنه حينما تمت أيام تطهير السيدة العذراء حسب شريعة موسى (بعد أربعين يوما للذكر) فإنهم "صعدوا" إلى أورشليم
ولما تمت أيام تطهيرها، حسب شريعة موسى، صعدوا به إلى أورشليم ليقدموه للرب، - آية 22
وفي الترجمة الإنجيلزية كينج جيمس نقرأ:
they brought him to Jerusalem
بمعني أنهم أحضروه إلى أورشليم
أما في الأصل اليوناني:
ἀνήγαγον αὐτὸν εἰς Ἱεροσόλυμα
آنيجاجون أٌوتون إييس ييروسوليما
والتي تعني حرفيا أحضروه - أتوا به إلى أورشليم
15- بعد إنتهاء طقس التطهير رجعوا إلى الناصرة
ولما أكملوا كل شيء حسب ناموس الرب، رجعوا إلى الجليل إلى مدينتهم الناصرة. - آية 39
..........
إذا نستخلص من هذه الخمسة عشر القصة كالتالي:
----------------------------
ا- السيد المسيح ولد في بيت لحم اليهودية (نقطة 1)
ب- النجم ظهر للمجوس في وقت غير محدد كتابيا (نقطة 2)
ج- المجوس تبعوه حتى أورشليم وهي رحلة تستغرق وقتا غير مذكور في الكتاب المقدس (نقطة 1)
د- السيد المسيح أتم الأربعين يوما وذهبوا به إلى أورشليم ليتمموا ناموس موسى (نقطة 14)
هـ- سأل المجوس هيرودس عن ميلاد الملك فسأل هو رؤساء الكهنة وكتبة الشعب فأجابوه في بيت لحم اليهودية (وهو ما حدث بالفعل في نقطة 1)
و- أشار هيرودس على المجوس الذهاب إلى بيت لحم ظنا منه أن السيد المسيح هناك (نقطة 3)
ز- المجوس ذهبوا من عند هيرودس لكن النص الكتابي يقول أنهم اتبعوا النجم ولم يجزم بذهابهم إلى بيت لحم (نقطة 4)
ح- في هذه الأثناء كانت العائلة المقدسة قد إنتهت من الزيارة الطقسية لأورشليم و"رجعوا إلى مدينتهم الناصرة"(النقطتان 15 و 13)
طـ- قابل المجوس العائلة المقدسة. والمكان الوحيد المنطقي للمقابلة من خلال ترتيب الأحداث هو في "ناصرة الجليل"
ي- لما انصرف المجوس ظهر ملاك الرب ليوسف وأشار عليه بإن يأخد الصبي وأمه لأرض مصر (نقطة 6)
ك- القديس يوسف النجار قام بسرعة "ليلا" وإنصرف لأرض مصر. قد يكون ذلك في نفس الليلة (نقطة 7)
ل- كانت العائلة المقدسة في مصر حتى وفاة هيرودس (نقطة8)
م- من مصر عادوا إلى اليهودية(نقطة 10)
ن- لم تمكث العائلة المقدسة في اليهودية لخوف القديس يوسف النجار من أرخيلاوس فإرسلهم الملاك إلى نواحي الجليل (نقطة 11)
ص- إستقرت العائلة المقدسة في مدينة يوسف النجار الأصلية (نقطة 13) ودعي السيد المسيح ناصريا (نقطة 12)
.
من ترتيب الأحداث نستخلص أنه لا يمكن أن يكون المجوس قد زاروا السيد المسيح بعد سنتين في بيت لحم أو أورشليم. لأن آخر مرة ذكر عن السيد المسيح أنه كان في أورشليم كان عند تقديم العذراء مريم لذبيحة تطهيرها بعد أربعين يوما من الولادة. ومن أورشليم ذهبوا إلى الجليل.
فالمكان المنطقي الوحيد من المنظور الكتابي هو ناصرة الجليل. فهو:
----------------------------------
- المكان الذي كان به السيد المسيح بعد الهيكل
- ينطبق عليه حالة العائلة المقدسة أنها كانت في "منزل"
وتترجم في الإنجليزية
house
وفي الأصل اليوناني
οἰκίαν
أويكيان
وقد وردت هذه الكلمة في العهد الجديد اليوناني 41 مرة كلها بمعني منزل أو بيت
.
ما المانع إذا أن يكون المجوس قد قابلوا السيد المسيح في بيت لحم في أول 40 يوما لميلاده قبل ذهاب العائلة المقدسة لأورشليم؟
--------------------------------
المانع هو النص الصريح الموجود في إنجيل معلمنا لوقا الأصحاح الثاني الآيات من13 الى 15:
13 وبعدما انصرفوا، إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلا: «قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك. لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه».
14 فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف إلى مصر.
15 وكان هناك إلى وفاة هيرودس.
أي أن العائلة المقدسة ذهبت مباشرة من المكان الذي قابلت فيه المجوس إلى مصر. وفي إنجيل معلمنا لوقا أصحاح 2 آية 39 نصا صريحا بأن العائلة المقدسة ذهبت من الهيكل إلى الجليل.
39 ولما أكملوا كل شيء حسب ناموس الرب، رجعوا إلى الجليل إلى مدينتهم الناصرة.
فلا يمكن أن مقابلة المجوس كانت قبل التطهير لأن الرحلة إلى مصر بدأت بعد زيارة المجوس مباشرة.
وهذا سوف يكون معناه أن طقس التطهير لم يتم في أورشليم لأن العائلة المقدسة لم تكن ذهبت إلى أورشليم وهذا ضد النص في إنجيل معلمنا لوقا.
ولا يمكن أن تكون المقابلة تمت في بيت لحم بعد التطهير لأن العائلة المقدسة لم تذهب لبيت لحم بعد التطهير اساسا بل ذهبت إلى ناصرة الجليل.
=============
ثانيا من الناحية الجغرافية:
------------
يدعي البعض أن الرحلة إستغرقت سنتين إعتمادا على مفهوم خاطئ لكلمة "من إبن سنتين فما دون (متى 2: 16)
ولحل مشكلة السنتين يقترح البعض إما أن النجم ظهر قبل الميلاد بسنتين
أو المجوس وصلوا للسيد المسيح بعد سنتين.
ولكن دعونا نتفحص هذه المسألة ببعض الحقائق:
-----------------------
يمكن التحقق من هذه المعلومات بسهولة عن طريق مراجعة الخرائط والبحث على الإنترنت
1- المسافة بين بلاد فارس و أورشليم تتراوح بين 500 كم و1800 كم تقريبا. بحسب مكان المجوس في بلاد فارس. دعونا نفترض أنهم كانوا في بقعة بعيدة ونستخدم ال1800 كم
2- أنسب وسيلة تنقل في هذه المنطقة كانت بالجمال. قافلة الجمال تقطع من 16 إلى 40 كم في اليوم

دعونا نأخذ المتوسط الحسابي
(16+40)/2 = 28 كم في اليوم
3- بقسمة المسافة الكلية على المسافة المقطوعة في اليوم
1800/28 = 65 يوما
4- لنقل أنهم يستريحون يوما كل إسبوع
إذا بقسمة 65/ 6 ايام نحصل على 11 إسبوعا أي أقل من ثلاثة أشهر
5- لكي يقطع المجوس مسافة 1800كم في سنتين لابد أن تكون المسافة التي يقطعونها في اليوم هي كالآتي:
الفرضيات:
- 2 سنة
- 52 أسبوعا في السنة
- 6 أيام في الأسبوع
2*52*6 = 624 يوم سفر
نقسم 1800 على 624 فيكون الناتج: 2.9 كم في اليوم
إذا كان المجوس يتحركون 2.9 كم في اليوم. لو المجوس كانوا يمشون على ركبهم وليس على جمال لقطعوا مسافة أكثر من ثلاثة كيلومترات في اليوم!!!
5- ماذا لو كانوا يسيرون بالسرعة المتوسطة لمدة سنتين؟
624*28 = 17,472 كيلومترا
إذا اخذنا في الأعتبار أن محيط الكرة الأرضية هو
40,075 كيلومتر
إذا فالمجوس يكونوا قد قطعوا حوالي 44% من محيط الكرة الأرضية
....
الخلاصة أنه لا يمكن تبرير قصة السنتين بالسفر وإلا كان المجوس هم أبطأ قافلة عرفها التاريخ

=============
ثالثا من الناحية المنطقية:
------------
هذه النقاط ليست فاصلة في الموضوع لكن لابد من أخذها في الإعتبار:
1- رحلة سنتين تحتاج ترتيباتا وأموالا طائلة. مأكل ومشرب للمجوس وللجمال وملابس تتهرأ. كما قد تنفق الجمال منهم في هذه الرحلة الرهيبة
2- سنتين متواصلتين في الطريق شئ يفوق إحتمال البشر. ولا نعلم بوجود أي آثار تاريخية لقافلة ظلت في إتجاه واحد لمدة سنتين
3- لابد أن تتوفر لهؤلاء المجوس عزيمة من صلب حتي يقدموا على رحلة تأخذ من أعمارهم أربع سنوات (سنتين في كل إتجاه) حتي يقدموا 3 هدايا رمزية ويمضوا في طريق عودتهم
.
=============
إذا ما هو تفسير قول الكتاب المقدس "من إبن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحققه من المجوس
-------------------------------------------------
1- الموضوع ببساطة أن هيرودس في ثورة غضبه من وجود ملك آخر...وإزدياد غضبه من هروب المجوس قد يكون قرر أن يذبح كل الأطفال في هذه الفئة العمرية لكي يضمن إن يقتل المسيح من بينهم.
مثال: لو وجد موظفا خطأ ما في بعض الحسابات التي حدثت من شهر مضي قد يقول له المدير: راجع حسابات أخر ثلاثة أشهر لنطمئن.
المهم في هذه النقطة أنها تتفق منطقيا مع ترتيب الأحداث الكتابية. وأيضا كل من كان أقل من السنتين هو يقع منطقيا في المجموعة التي قتلها هيرودس. إذا لا يوجد إلتفاف حول النص هنا.
2- لو الرحلة إستغرقت سنتين تحديدا كان من الأكثر منطقية أن يقتل هيرودس الأطفال ذوي عمر سنتين. ولكنه قتل فئة عمرية كاملة لكي لا يترك شيئا للمصادفة.
.
=============
ماذا عن الآباء الذين قالوا كذا أو كذا
------------------
الفيصل هنا هو النص الكتابي وترتيب الأحداث وعلم المنطق. فليس معني أن أبا ما قال شيئا فيكون هذا الرأي ملزما لنا أكثر من النص الكتابي وخصوصا أن النصر الكتابي هو النص الوحيد الموحي به من الله