القدّيسة البارة بلاجيا التائبة
ولادتها*:
ولدت* بيلاجية* على* الوثنية* في* مدينة* أنطاكية* العظمى،* وقد* أنعم* الله* عليها* بجمال* أخّاذ* سخّرته* لخدمة* شهوات* نفسها،* فتسبّبت* في* هلاك* الكثيرين*.
كانت* أشهر* زانيات* المدينة،* وكانت* راقصة* تستلذّ* استئسار* الناس* حتى* كانت* تخرج* في* شوارع* المدينة* على* ظهر* بغلة،* على* طريقة* أهل* المشرق،* والناس* من* حولها* يواكبونها* كأنها* الملكة* وينادونها*: *«يا* لؤلؤة*»*.
كانت* تتزيّن* بأفخر* الأثواب* وتتحلّى* بالعقود* والخواتم،* عارية* القدمين* تتدلّى* منهما* سلاسل* من* الذهب،* ورائحة* الطيب* تفوح* منها* لتسكّر* الرجال،* لا* سيّما* الشبان* منهم*. وقد* جمعت* من* امتهان* الخطيئة* ثروة* يعتد* بها*. وحدث* مرّةً* أن* كانت* بيلاجية* عابرة* بالقرب* من* كنيسة* القدّيس* يوليانوس،* وكان* واقفًا* أسقف* بعلبك،* نونس،* يتحدّث* إلى* بعض* الأساقفة*. فما* أن* وقع* نظر* الحاضرين* عليها* حتى* استحوا* ونظروا* أرضًا*.
وحده* نونس* تطلّع* إليها* وقال*: *«ألأنّ* هذا* الجمال* يخيفكم* خفضتم* عيونكم؟*»* فلم* يفتح* أحد* فاه*. وطأطأ* رأسه* قائلًا*: *«جمال* هذه* المرأة* يسرّني* لأن* الله* اختارها* لتكون* زينة* تاجه،* أمّا* نحن* فلعلّ* الله* يديننا*! ماذا* تظنون،* كم* بقيت* هذه* المرأة* تغتسل* وتتعطّر* لتفتن* المولعين* بها،* فيما* نحن* المدعوين* إلى* التأمل* في* ختن* نفوسنا* الملكيّ* العظيم* والدخول* إلى* فرحه،* لا* نحرك* ساكنًا* لنجمّل* النفوس* ونؤهّلها* له؟*!*»*.
ثم* أنّه* في* الليلة* التي* سبقت* يوم* الأحد،* ذلك* الأسبوع،* رأى* نونس* الأسقف* حلمًا*: *«حمامة* سوداء* تحوم* في* الكنيسة* حول* المذبح،* فأمسكها* وألقى* بها* في* جرن* ماء* عند* مدخل* الكنيسة،* فخرجت* من* الماء* ناصعة* البياض* متلألئة،* بهيّة*.*»
توبتها*:
في* اليوم* التالي،* خطر* ببال* بيلاجية* أن* تأتي* إلى* الكنيسة*. فبعد* قراءة* الإنجيل،* قام* نونس* الأسقف* واعظًا* مفسّرًا* عن* الدينونة* العتيدة* أن* تأتي* على* بني* البشر،* وما* سيكون* عليه* عذاب* الخطأة،* لا* سيّما* الذين* يعثرون* إحد* أخوة* المسيح* الصغار*.
وقد* كان* كلامه* قويًّا* ونفاذًا* لدرجة* إنّه* اخترق* نفسها* كالسيف* الحاد،* فاغرورقت* عيناها* بالدموع،* وأحسّت* بفظاعة* ما* أتته* من* خطايا،* واشتعلت* رغبة* في* التوّبة* والتكّفير*. لقد* كسرت* النعمة* قسوة* قلبها* وحدث* العجب*.
انصرفت* بيلاجية* إلى* بيتها* مضطربة،* وبقيت* هكذا* طوال* الليل* لا* تهدأ* إلى* حال*. ثم* في* اليوم* التالي* أرسلت* إلى* الأسقف* رسالة* ملؤها* التوبة* والدموع* تتوسّل* فيها* أن* يأذن* لها* بالمثول* لديه،* فاستقبلها* في* حضور* الأساقفة* الباقين*.
لما* حضرت* أبدت* من* علائم* التوبة،* دموعًا* وسجدات* وانكسارًا،* ما* جعل* نونس* يسلمها* إلى* الشمّاسة* رومانا* التي* تعهدتها* أمًّا* روحيّة* لها،* ولقّنتها* طرائق* التوبة* وحياة* الفضيلة* إلى* أن* جرت* عمادتها*.
وبعد* عمادتها* حملت* بيلاجية* كلّ* ما* لديها* من* جواهر* وذهب* وثياب* فاخرة،* وألقت* بها* عند* قدميّ* الأسقف* قائلةً*: *«هذا* هو* الغنى* الذي* اقتنيته* من* الشيطان،* فافعل* به* ما* تشاء،* أما* الآن* فلست* أرغب* بعد* إلاّ* بالغنى* الذي* أسبغه* علي* ربّي* يسوع*»*.
فدعا* الأسقف* المدبّر* ودفع* إليه* بهذه* الثروة* قائلاً*: *«خذ* هذه* ووزّعها* على* الأرامل* والأيتام*...*»*.
وكما* كانت* بيلاجية* غيّورة* على* شهوات* نفسها* مجدّة* في* تجميل* بدنها* في* زمن* السوء،* أضحت،* في* زمن* افتقادها،* غيّورة* على* كلمة* ربّها* مجدّة* في* التوّبة* والدموع*.
تنسّكها* وتنكّرها* بزي* الرجال*:
فبعدما* مضى* عليها* أسبوع* كامل،* اتّشحت* خلاله* بالبياض* على* حسب* عادة* الكنيسة* بالنسبة* للمعمّدين* حديثًا،* قامت* فخلعت* عنها* البياض* وتدرّعت* بالمسح،* وخرجت* تطلب* أورشليم* والأرض* المقدّسة*.
هناك* سجدت* أمام* الصليب* عند* الجلجلة،* ثم* تحوّلت* إلى* مغارة* في* جبل* الزيتون* نسكت* فيها* لابسةً* زي* الرجال* ودعت* نفسها* بيلاجيوس*.
رقادها*:
كرّت* السنون* إلى* أن* حدث* مرّةً* أن* خرج* شمّاس* من* شمامسة* بعلبك* اسمه* يعقوب* عرف* بيلاجية* شخصيًّا* وشهد* هدايتها،* إلى* نواحي* أورشليم*.
وهناك* سمع* براهب* ناسك* اسمه* بيلاجيوس* كان* ذكره* على* كل* شفّة* ولسان،* فرغب* في* التعرّف* إليه* وأخذ* بركته*.
فجاء* إلى* جبل* الزيتون* إلى* حيث* كانت* المغارة،* ونقر* على* الشباك* فلم* يرد* عليه* أحد* جوابًا*.
فنادى،* ولكن* دون* جدوى*. أخيرًا* دفع* الشماس* النافذة* قليلاً* فرأى* جثّةً* ممدّدة* على* الأرض،* فطرح* الصوت،* فجاء* من* جاء* وكسر* الباب*.
كان* الناسك* بيلاجيوس* قد* رقد*. وعندما* أراد* الإخوة* أن* يطيّبوا* جسده،* اكتشفوا* أنّهم* أمام* امرأة* لا* أمام* رجل*.
في* هذه* اللحظة* بالذّات،* تحرّك* قلب* الشمّاس* وعرف* أنّها* بيلاجية*.
كانت* قد* اختفت* منذ* ثلاث* سنين،* ولم* يدر* بأمرها* أحد* بعد* ذلك*.
البار* يعقوب* الشمّاس* هو* الذي* كتب* خبرها* المذهل،* وأكمل* حياته* في* الفضائل* ورقد* بسلام*.
بيلاجية* التائبة* تسمّى* أحيانًا* بالمجدلية* الثالثة،* بعد* مريم* المجدلية* ومريم* المصرية*.
لقد* صدق* فيها* قول* نونس* الأسقف* *«جمال* هذه* المرأة* يسرّ* ني* لأن* الله* اختارها* لتكون* زينة* تاجه*....*»*.