رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"إن أحببتم الّذين يحبّونكم، فأيّ فضل لكم؟" ( لو 32:6) نحبّ في المسيح إذن نحبّ بلا شروط. الحرف الإنجيليّ، النّور المتدفّق من علو، لا يسعى إلى الوعظ والإرشاد وحسب، وإنّما ينفذ إلى مطاوي النّفس ليبلّغها مقاصد الرّبّ. وبالتّالي فقراءة المحبّة في الإنجيل المقدّس لا تستوي وقراءته في أيّ كتاب آخر مهما بلغ من قوّة وعظمة. تدلّنا الآية في ( لو 32:6) على الحبّ الكامل المستمدّ من الله المحبّة. بل تعكس لنا المحبّة الإلهيّة المعلّمة والمرشدة والمربية لمشاعرنا الهشّة والمتناقضة. وتعرّفنا على الحبّ الّذي لا نعرفه، ولا نقبله بسهولة نسبة لكبريائنا الإنسانيّ. ولمّا كانت المسيحيّة رتبة اكتمال الإنسانيّة المتصاعدة نحو الكمال الإلهي، لزمنا كمؤمنين الاجتهاد في تقويم مشاعرنا ورفعها إلى مستوى كلمة الرّبّ. - " إن أحببتم الّذين يحبّونكم، فأيّ فضل لكم؟ فإنّ الخطأة أيضاً يحبّون الّذين يحبّونهم." يمكننا تقسيم الآية إلى قسمين، الأوّل الاجتهاد لبلوغ المحبّة الإلهيّة (إن أحببتم الّذين يحبّونكم، فأيّ فضل لكم؟). والثّاني المحبّة كفعل إنسانيّ مرتبطة بالمصلحة الشّخصيّة لا بالمحبّة بذاتها. (فإنّ الخطأة أيضاً يحبّون الّذين يحبّونهم). من الطّبيعي جدّاً أن نحبّ من يحبّنا أو من تجمعنا به روابط ومصالح مشتركة. وأمّا الدّعوة بحسب فكر المسيح، فهي الدّعوة إلى المحبّة بقلب الله، وبالتّالي محبّة شاملة ترنو إلى الأعماق الإنسانيّة من دون مقابل أو حاجة. محبّة تعزّز الشّركة بين الله والإنسان من جهة، ومن جهة أخرى بين الإخوة. بالمقابل، المحبّة المتبادلة بين الأفراد المنسجمين مع بعضهم البعض، لا تؤدّي إلى البنيان، بل لعلّها أحياناً تخلق النّزاعات، لأنّها تدل على ولاء ما يلبث أن يندثر حين يبلغ هدفه، وليس لغاية بلوغ قلب الله. يساوي السّيّد بين محبّتنا لمن نحبّ بمحبّة الخطأة لبعضهم البعض، فينبّهنا إلى هشاشة هذه المحبّة وضعفها. ويؤكّد على استبعادها لأنّها لا تمثّل أبناء الله، ولا تعكس صورته البهيّة. ولا ريب في أنّ الإنسان لا يقوى على محبّة من لا يحبّه، ولا يقدر أن يتقبّل عدم التّقدير، بيد أنّ الّذي ارتبط بالمسيح ينبغي عليه أن يحبّ كما المسيح ( أحبّوا بعضكم كما أنا أحببتكم). أو بمعنى أصح يعوزه أن يحبّ بقلب المسيح ويستغني عن قلبه الّذي تارة يقسو وطوراً يلين. ولعلّ الآية في ( لوقا 32:6) تحرّك ضميرنا وتجعلنا نقف أمام أنفسنا لنتفحّص علاقتنا بالمسيح وبالتّالي بالآخر. المحبّة غير المشروطة والشّاملة، قوّة تعليميّة تهذّب الإنسان. تروّض فكره، وتمنح نفسه السّلام، وتطهّر روحه، فتتجلّى صورة الرّبّ وتتحقّق في العالم ويبلغ خلاصه. |
|