يـِوْلـَعْ!!!

walaa farouk · رقم المشاركة : ( 1 ) 29 - 09 - 2016, 10:02 PM

– " إمتى حايصلحوا السور المهدوم ده ؟"
– " يا عم يولع النادي. مش تسلم عليا أنا؟!"
– " ها ها. إزيك يا معلم!"
حوار عادي جداً يدور بين الناس مئات المرات في اليوم وفي كل مكان. لكنني لا أدري ما الذي جعلني اليوم أنظر إليه من نقطة أخرى خارجية، وكأنتي أنظر إليه من خارج المجتمع الذي تربيت فيه، فرأيت مثالاً صارخاً من عدم الانتماء ـــــ مدرب يعمل في نادي عريق يتيح له فرصة تدريب ميسوري الحال بأسعار تدر عليه دخلاً محترماً جداً.
لماذا لا يحب هذا المدرب ناديه؟!
بالطبع سوف تقول لي أنه لا يقصد، و أن هذا مجرد "هزار". لكن مثل هذا الكلام في بلاد ومجتمعات أخرى أمر يبعث على الاشمئزاز والعار، و إن قال مدرب في نادي "يولع النادي" لن يُقابل مثل هذا الكلام بضحكات ممن يتحدث معه. بل سوف تأخذه الدهشة وربما تدفعه الصدمة إلى الغضب والشعور بالاحتقار لمثل هذا الكلام. وسوف يؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى أن يتم رفد هذا المدرب من ناديه.
كلام اليأس والعدمية وعدم الانتماء من السهل جداً أن يتحول إلى دمار، فأنت لا تحتاج الكثير لكي تدمر صروحاً شامخة. مجرد الإهمال سوف يقوم بالمهمة. المصريون بناؤون بطبيعة تكوينهم. إننا منذ فجر التاريخ نبني صروحاً شامخة. و الأهرام تقف شاهدة على ذلك، مع غيرها من المعابد الفرعونية، ودور العبادة المسيحية والإسلامية. و نحن لا نزال نبني مستشفيات ضخمة وكباري هائلة و قرى سياحية جميلة. لكننا كثيراً ما نتركها فريسة للإهمال والتآكل. كل هذا لأننا لا نتملك ما نبنيه. نحن نبني للفرعون، وللحكومة، وللشركة وللبنك. فلا نشعر بالامتلاك أو بالإدارة لما نبنيه فبالتالي.. دعه "يِولَع" !
نحن لا نشعر أن النادي نادينا ولا الأتوبيس وسيلة موصلات نمتلكها جميعاً، و لا حتى البناية التي نسكن فيها، نرى أنها ملكنا، فننظف فقط داخل الشقة أما "البسطة" التي أمامها فنتركها قذرة تقضي فيها القطط الضالة حاجتها.
نفس الأمر بالنسبة لأجسادنا إننا لا نهتم بصحتنا لأننا لا نشعر أننا نمتلك أجسادنا. يبدأ الإحساس بالقدرة على إدارة الجسد مبكراً جداً في حياة الإنسان وبالتحديد حول سن الثانية. الطفل في هذه المرحلة يميل للحركة الكثيرة والاستكشاف والتمرد الطفلي البسيط، من خلال الإلقاء بالأشياء، وعدم الطاعة للأوامر. بهذه الطريقة يؤكد فرديته وكيانه المستقل وقدرته على "امتلاك جسده" و "إدارته" و التحرك به حيثما يشاء. قبل هذه السن يكون الطفل أقرب للشيء منه للشخص، لا يستطيع تحريك جسده، أو التعبير عن نفسه. أما في هذه المرحلة فهو يبدأ في الحركة الذاتية و التحكم في تبوله وتبرزه ويتكلم معبراً عما بداخله. باختصار يبدأ في أن يكون له، ما يسمى بالحكم الذاتي!
لأننا في أسرنا لا نبارك الاستقلال ونشجب الحكم الذاتي، فإننا نضرب الطفل لأنه يلقي بالأشياء، ونمنعه من أن يأكل بيديه لئلا يبعثر الطعام حوله ويلوث ملابسه. وهكذا خلال سنوات الطفولة التالية، لا نعمل على التعليم والتقويم و التدريب على الفردية والاستقلالية مع احترام والحدود والقوانين الأسرية، وإنما نلجأ للضرب والتخويف، لكونه أسرع وأنجع في تغيير السلوك ولا يحتاج لا إلى حكمة ولا إلى قوة شخصية أو معرفة. فتكون النتيجة طفل يشعر بالخزي والشك في نفسه و عدم امتلاك للجسد الذي لا يتمتع بحرية إدارته.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الإساءات الجسدية بالضرب المبرح الذي تعرضت له الغالبية العظمى من المصريين إن لم يكن في البيوت ففي المدارس، تخفف من "حدة" امتلاك الإنسان لجسده، وشعوره بالقدرة على إدارته. والأمر أعظم بالنسبة للإساءات الجنسية التي تجعل الفتاة لا تشعر بأن جسدها ملك لها، فإن لم تسئ إليه بالقطع والتشريط، فهي على الأقل لا تهتم به لا بالأكل الصحّي ولا بالرياضة ولا بالكشف الطبي الدوري. بعض الفتيات يحاولن استرداد التحكم الذاتي المفقود من خلال الامتناع عن الأكل لفترات طويلة حتى يفقدوا نسبة كبيرة من أوزانهم ويتعرضن لخطر الموت، وهذا المرض هو ما يسمى بفقدان الشهية العصابي. هو ليس فقداناً للشهية وإنما هو محاولة لاستعادة الحكم الذاتي المفقود من خلال سيطرة مرضية مضرّة.
إننا لكي نمتلك حياتنا الفردية والعامة ونرعاها، نحتاج لمزيد من الحرية.