العين البسيطة والعين الشريرة
فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً. وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مُظلماً (مت6: 22،23)
العين في الجسد تمثل النوافذ في البيوت، ليس فقط لأن منها نطل على الأشياء التي خارجنا، بل والأهم أن منها يدخل النور إلى كياننا. ولكي يحدد الرب ذهن السامع في هذا المعنى الأخير، فإنه استخدم تشبيه السراج لا النافذة. ونلاحظ أن الرب لم يَقُل إن العين نور الجسد، بل سراج الجسد. فالعين لا تنشئ النور بل تستقبله. إنها لا تمثل مصدر المعرفة، فهذه نحصل عليها فقط من كلمة الله، بل هى تمثل وسيلة المعرفة.
ما أهم العين بالنسبة للجسد إذاً؟ فمع أنها عضو صغير، لكن بدونه يمسي الكيان كله مُظلماً، لا تدخله شعاعة نور واحدة.
ولما تكلم الرب عن العين الشريرة، لم يذكر في المقابل لها العين الصالحة، بل العين البسيطة. وكم يمتدح الرب تلك العين البسيطة التي لا ترى سوى غرض واحد فقط. فالعريس أكثر من مرة امتدح تلك العين في عروسه، عين الحمام (نش1: 15، 4: 1). ولعل الرب قصد أن يربط هذا بما كان مزمعاً أن يقوله بعد ذلك مباشرة « لا يقدر أحد أن يخدم سيدين ».
اجعل ما في هذا العالم هدفك، وسرعان ما ستكتشف أنه يستحيل أن تكتفي بشيء واحد على الإطلاق. ألم يَقُل الحكيم « العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع » (جا1: 8). إنك ستنظر إلى هذا الشيء وإلى ذاك، ثم إلى هذه وإلى تلك دون شبع. فالقلب أكبر من العالم بأسره.
على العكس من ذلك لو تحولت عن كل شيء إلى الله، فسيكون النظر مستقراً عليه، لأن الله أكبر من قلوبنا. وبهذا سيكون للعين هدف واحد، وسيكون الجسد كله نيراً، لأن النور الذي يأتينا من عند الله أبي الأنوار، سيدخل من خلال العين البسيطة إلى الجسد كله فينير كل الكيان!
ولقد كانت للرسول بولس هذه العين البسيطة فقال « أنا ... أفعل شيئاً واحدا » بالمقابلة مع الكثيرين الذين يفتكرون في الأرضيات (بالجمع) (في3: 13،19). بل وفي العهد القديم أيضاً كانت لداود في مزمور4 العين البسيطة، بالمقابلة مع الكثيرين الذين يقولون مَنْ يُرينا خيراً، فقال هو « ارفع علينا نور وجهك يا رب » من ثم استطرد قائلاً « جعلت سروراً في قلبي أعظم من سرورهم إذ كثرت حنطتهم وخمرهم ».
يا رب حوّل نظري
عن كلِ منظرٍ هنا فكلُ منظرٍ سواك
فيه المرارُ والعنا