البركة مقترنة دائماً بالطاعة أينما وُجدت، أما الشك فيلقي الوساوس في النفس فيجد العدو له باباً، ولا شك أنه يدخل منه، ومتى دخل اتسعت هوة البُعد بين النفس والله، لذلك فالنفس التي تسمح لهواجس الشك أن تجول في بالها، ينتهي بها الأمر أخيراً إلى رفض الكلمة. هذه حقيقة يتبين لنا منها الخطر الهائل الذي يتهدد التصريح لأي شيء من الشك أن يطرق باب القلب من جهة كمال الوحي الإلهي وعصمته وسلطانه. والعقليات مهما كانت حسنة في الظاهر، لا تختلف عن الكفر الصريح، والذي يتجاسر على مناقضة الكلمة أو الحكم فيها عقلياً، ليس هو أبعد من مُنكر وجود الله، بل كلاهما في شرع الكفر واحد، إذ لولا أن حواء أظهرت عدم مُبالاة بالأمر الإلهي وتساهلت في أقواله، لما وصلت إلى الإصغاء إلى الكُفر الصريح. كانت تبدو كأنها تتثبت في الإيمان مع أنها تتثبت في الكفر، وقد بلغ بها الحال إلى مناهضة خالقها لأن الكلمة لم يبق لها سطوة على قلبها وضميرها وذهنها.
وفي هذا عبرة بالغة لكل الذين هم في خطر الوقوع تحت أنياب العقليين، لأن سلامتنا متعلقة على الإيمان الشديد بعصمة الوحي وسلطان « كل الكتاب ». ومتى تشبعت النفس في هذا الحق، وجدت جواباً سديداً لكل اعتراض أيّاً كان مصدره « فليس شيء جديداً تحت الشمس ». ونفس ينبوع الشر العامل الآن في إفساد الحاسيات الدينية في كل أنحاء العالم، هو نفسه الذي أفسد قلب حواء في جنة عدن، وأول خطوة سارت بها إلى هوة السقوط إنما كانت في ذلك السؤال « أحقاً قال الله؟ » ثم أخذت تهوي من مركزها إلى أن سلمت ذاتها للحية وخضعت لها فأصبح الحق عندها ما قالته الحية، وصارت الحية إلهها. نعم أيها القارئ إن حواء استبدلت الله بالحية وصدْق الله بكذبها، هكذا كان الأمر في سقوط الإنسان، وهكذا شأن نسله الساقط. وكلمة الله ليس لها مركز في قلب الإنسان الطبيعي، أما كذب الحية فله مكان. وإنك إذا امتحنت ابن آدم لتجدن فيه متسعاً لقبول كذب الشيطان، أما حق الله فليس له موضع، وهذا يعطينا فهماً أعمق لقول المسيح لنيقوديموس « ينبغي أن تولدوا من فوق ».