مريم في المجد
انتهي “صيام السيدة” الى رقادها في منتصف هذا الشهر. تقشّفنا لنستحق رعاية والدة الإله وانعطافها. وهذا الانعطاف أعلنه المخلّص نفسه على الصليب حيث كانت هي واقفة مع التلميذ الذي كان يسوع يحبّه، فسمع هذا قول الرب عن مريم: “هذه أُمّك”. هذه الأمومة لم تنسكب فقط على هذا التلميذ ولكن على كل مؤمن يحبه المعلّم.
شعورنا بوالدة الإله ليس تحرّكا عاطفيا تجاهها وحسب ولكنه إرادة المخلّص أن نكون تجاهها في حالة بنوّة اي ان مريم في حياتنا الروحية. تكريمنا مريم جاء أمرا من يسوع. هو الذي أعلن أُمومتها بالنسبة إلينا.
يطرح المؤمنون سؤالا حول ما جرى لها بعد موتها. الخدمة الإلهية تستعمل لفظة انتقال بمعنى إصعاد الله لجسدها اليه. السنة الـ1950 قررت الكنيسة الغربية إعلان انتقال العذراء نفسًا وجسدًا عقيدة من عقائد الإيمان.
نحن تكلّمنا طقوسيا عن الانتقال ولكن لم نصنعه عقيدة، فهناك لاهوتيون يقولون به وهناك من لا يقول هذا. أيقونة الانتقال تُصوّر العذراء راقدة ويسوع الى جانبها حاملا روحها بشكل طفلة مقمّطة بثياب بيضاء للدلالة على أنها في السماء. كل شيء عندنا يدلّ على أنها في المجد كالشهداء وأنها تتوسل من أجلنا بحيث دعوناها “أَكرم من الشيروبيم وأرفع مجدًا بغير قياس من السيرافيم”.
الاعتقاد السائد في الكنيسة انها بلا عيب ولا فساد بمعنى أن الكنيسة تُنزّهها عن الخطيئة وتُسمّيها “عروس الله” وتُركّز على أهميتها الأساسية في سرّ التجسد الإلهي الذي تمَّ بخضوعها لمشيئة الله التي عبّر عنها الرب ببشارة الملاك إذ قالت له: “أنا أَمةٌ للرب، فليكن لي حسب قولك”.التجسّد الإلهي اقتضى أن تقبل دعوة جبرائيل إليها لتحمل في نفسها هذا السرّ العظيم ولتكون صورة عن الكنيسة العذراء كما رأى صاحب سفر الرؤيا (الإصحاح 12).
أجل يسوع الإنسان هو الوسيط الوحيد بين الله والناس. هذا بمعنى انه الوحيد الذي تمّم الخلاص. غير أن القديسين وعلى رأسهم سيدتنا العذراء هم معه وحوله يُصلّون من أجلنا. فقد أعطاهم يسوع قوّة الشفاعة لخلاصنا بعد أن أثقلَتنا الخطيئة.
مريم في الملكوت فوق كل محاكمة وكل إدانة، وجعلَها ابنُها إلى جانبه في الملكوت لتشفع من أجلنا ويشاركها كل القديسين بهذا التشفع.
لذلك يرد ذكرها كثيرًا جدا في كل الكتب الطقوسية، ولا تخلو خدمة إلهيّة واحدة من التكلّم عنها والتكلّم معها.
لذلك كانت لها أعياد كثيرة قمّتُها عيد الرقاد الآتي حيث نعلن أنها مقيمة في المجد الإلهي منتظرة أن ننال نحن القيامة في اليوم الأخير ونرى مجدها الى جانب مجد يسوع.
جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان).