محبة الذات:من الخطايا الأمهات
السبت 03 مارس 2012
بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
نقول إنها من الخطايا الأمهات,لأن محبة الذات,أو المحبة الخاطئة للذات,هي أم ولود,تلد كثرة من الخطايا:
من أولي الخطايا التي تلدها(الأنا):الكبرياء
نقول إنها من الخطايا الأمهات,لأن محبة الذات,أو المحبة الخاطئة للذات,هي أم ولود,تلد كثرة من الخطايا:
من أولي الخطايا التي تلدها(الأنا):الكبرياء
المهتم بالأنا,يريد باستمرار أن يكبر ذاته فتكون ذاته كبيرة في عينيه,وأيضا كبيرة في أعين الآخرين.وفي ذلك يكون معجبا بذاته.وقد يقع فيما يسمونه(عشق الذات) نفسه جميلة جدا في عينيه.كمن يحب باستمرار أن ينظر في مرآة,ويتأمل محاسنه...!
ومن هنا الذي يقع في محبة(الأنا).قد يقع في الغرور
ويظن في ذاته أكثر من حقيقة ذاته...إنه إنسان يحس بقيمة ذاته,يحس أنه شئ وأن له أهمية خاصة أو له مواهب خاصة, أو أنه يمتاز علي غيره:يفهم أكثر,أو له مركز أكبر.وهذا الشعور يعطيه ثقة زائدة بالنفس,يريد أن يفرضها علي الآخرين.
وبهذا الشعور ينقاد إلي العظمة وإلي محبة المتكآت الأولي...
ربما هذا الشعور بالذات يأتي إلي الإنسان في سن المراهقة
عندما يشعر بانتقاله إلي مرحلة أعلي تمنحه أهمية معينة وما أكثر ما يستمر هذا الشعور المراهق معه كلما طال به العمر,ولكنه يأخذ مظاهر أخري غير مظاهر سن المراهقة...وقد يحدث هذا الشعور للطفل من كثرة المديح أو التشجيع,أو بسبب التفوق,أو بسبب ملكات خاصة.غير أن هذا الشعور قد لاتكون له خطورة عند الطفل.ولكنه غالبا ماينحرف عند الكبار.
في كل هذا يكون المهتم بذاته بعيدا كل البعد عن التواضع
ذلك لأن محبته للكرامة قد تقف حائلا أمامه في الوصول إلي حياة الاتضاع.فهو يري في التواضع إقلالا من شأنه.وإبعادا له عن العظمة التي يريدها لنفسه.إنه يحب لذاته أن تحترم من الجميع بل يلذ له أن يكون المحترم الوحيد,ويريد أن يكون هو الوحيد الذي هو موضع اهتمام الناس وتقديرهم...
من أجل هذا قد يقع أيضا في خطايا الغيرة والحسد
وفي هذه الغيرة,يريد أن كل شئ يصل إليه هو:المديح والمال والإعجاب والنجاح والتفوق والاهتمام.
إنه ليس فقط يحب لذاته أن تمدح,بل أن يكون المدح كله له وحده.إن مدحوا غيره تتعب نفسه وتتضايق كما لو كان ذلك الغير الذي مدحوه قد اغتصب منه حقا موقوفا عليه.
وهكذا كانت الذات أو الأنا سببا لصراعات سجلها الكتاب:
بسبب(الأنا) قام قايين علي أخيه هابيل وقتله.لأن هابيل كان أبر منه,وقد استجاب الله لهابيل وقبل منه محرقته(تك4) وبسبب(الأنا) قام الخلاف بين إبراهيم ولوط.وقال عنهما الكتابولم تسعهما الأرض أن يسكنا معا(تك13:6).فحدثت مخاصمة بين رعاة مواشي إبرآم,ورعاة مواشي لوط....لمن تكون الأرض المعشبة.
حتي أن أبانا إبرآم القديس قال للوط ابن أخيهلاتكن مخاصمة بيني وبينك,وبين رعاتي ورعاتك,لأننا نحن أخوان,أليست الأرض كلها أمامك.اعتزل عني.إن ذهبت شمالا,فأنا يمينا وإن يمينا,فأنا شمالا(تك13:7-9).
وهكذا افترقا
وبسبب (الذات) أيضا قامت عداوة بين يعقوب وعيسو,وهما شقيقان.
يعقوب قال في قلبه:أنا الذي آخذ البكورية بدلا من أخي, وانتهز فرصة جوع أخيه وإعيائه,واشتري منه البكورية بأكله عدس(تك25:29-34).وعاد بنفس الأنا وتحايل بمساعدة أمه أن يأخذ لنفسه البركة بدلا من أخيه,ولا مانع في سبيل ذلك من أن يخدع أباه الكفيف البصر,ويكذب ويقول لأبيهأنا بكرك عيسو(تك27:19)...
وعيسو أيضا من أجل انتقامه لذاته يقول في قلبهقربت أيام مناحة أبي.فأقبل يعقوب أخي(تك 27:41).
كذلك فإن (الأنا) أوجدت صراعا بين شقيقتين هما ليئة وراحيل.
كل منهما تريد أن تكسب الرجل.وأن تنافس أختها في كثرة البنين.حتي أن راحيل في هذا الصراع علي محبة زوجهما المشترك,وفي التنافس في الإنجاب,قالت مصارعات الله قد صارعت أختي(تك3:8),وفي هذا الصراع منحت كل منهما جاريتها ليعقوب لكي ينجب منها نسلا يحسب لها!
بسبب(الأنا) أيضا كانت فننة تغيظ حنة.
لأن فننة كان لها أولاد,وضرتها حنة كانت عاقرا...فظلت فننة تغيظها حتي أبكتها,ولم تستطع أن تأكل من شدة الغيظ والحزن(1صم1:2-7) وكأن فننة تقول:أنا التي لها أولاد...وهي ليس لها...وبنفس (الأنا) اشتكت مرثا من أختها مريم التي تجلس عند قدمي المسيح وشعورها:لماذا أتعب أنا,ومريم مستريحة تستمع للرب.وهكذا قالت لهيارب أما تبالي بأن أختي قد تركتني أخدم وحدي! فقل لها أن تعينني(لو10:40).
وبنفس (الأنا) شاول الملك عادل داود وطلب أن يقتله
تصايق منه,وغار منه,وحسده,لأن النساء مدحته أكثر منه(حينما قتل جليات),وأنشدن قائلا ضرب شاول ألوفه وداود ربواته,فاحتمي شاول جدا,وساء هذا الكلام في عينيه.وقال أعطين داود ربوات,وأما أنا فاعطينني الألوف.وبعد نقط تبقي له المملكة(1صم18:6-8).ومنذ ذلك الحين بذل كل جهده ليقتل داود الذي أنقذه وأنقذ الجيش كله من جليات الجبار...ولكنها الذات!
وبسبب الذات استاء الابن الأكبر,ومن إكرام أبيه لأخيه التائب!
فلما سمع صوت الفرح برجوع أخيه,غضب ولم يرد أن يدخل إلي البيت,ولا أن يشترك في الفرح بعودة أخيه.ولما خرج إليه أبوه ليدعوه إلي الدخول,عاتب أباه بشدة,مركزا علي ذاته بقوله لأبيه:ها أنا أخدمك سنين هذا عددها,وقط لم أتجاوز وصيتك,وجديا لم تعطني قط,لأفرح مع أصدقائي! ولكن لما جاء ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني,ذبحت له العجل المسمن!!(لو15:25-30).
حقا,إن التركيز علي الذات,قد يضيع المحبة بين الإخوة والأشقاء
بل يوجد العدواة بينهم,عداوة تتطور إلي القتل,أو علي الأقل يصل الأمر إلي التنافس والصراع,أو الشكوي والانتقاد...
وبنفس السبب يفترق الأقارب كما حدث بين إبرآم ولوط...
كذلك نلاحظ أن المهتم بالأنا,يركز علي تحقيق ذاته
إنه لايفكر في ملكوت الله,وإنما في ملكوته هو.. ملكوت الله لايشغله,إنما تشغله ذاته,وكيف يحقق لها وجودها وطموحاتها...حتي في صلاته,يري أن عمل الله الأول هو أن يكون لذاته,ويكبر له ذاته,علي الأرض وفي السماء ولا تشكل صلاته إلا عبارات أريد...وأريد!
الذي يركز علي ذاته,يريد أن الكل يحقق له ذاته
المجتمع الذي يحيط به,عليه أن يحقق ذاته,والكنسية واجبها أن تحقق له ذاته.وكذلك هذا هو عمل أب الاعتراف وإن دخل في الخدمة يهدف أن الخدمة إيضا تحقق له ذاته.وإذا لم يحدث هذا يثور علي الكل,يثور علي الكنيسة,إذا وجد أنها لاتحقق له ذاته.ويثور علي أب الاعتراف,إن رأي أنه لايحقق له ذاته.ويبتعد عن الوسط الديني كله ساخطا عليه,لأنه لايجد ذاته فيه!!بل أن كل شخص لا يحقق له ذاته يبتعد عنه حتي الله نفسه!!
لعل هذا يذكرنا بالوجوديين الملحدين
الذين كل منهم يبحث عن وجوده هو,وكيف يتمتع بهذا الوجود...ولسان حاله يقول:من الخير أن الله لايوجد لكي أوجد أنا!!
ومعني الوجود عنده,هو أن يتمتع باللذة.واللذة في نظره تتعلق بالمادة والحواس,فإن كانت وصية إلله تقف ضد متعته الجسدية والمادية,فلا كان الله ولا كانت وصيته !!إلي هذا الحد تقود الأنا والذات...!
محبو الذات:كل فرحهم في الأخذ,لا في العطاء
يظنون أنهم بالأخذ يبنون الذات ويكبرونها,ويضيفون إليها جديدا!يذكروننا بالغني الغبي الذي قالأهدم مخازني وأبني أعظم منها.وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي.وأقول لك يا نفسي خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة.استريحي وكلي واشربي وافرحي...(لو12:16-19).
أما العطاء,فيقوم به الإنسان الذي يخرج من الاهتمام بذاته إلي الاهتمام بغيره,ويؤمن بأنهمغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ(أع20:35).
وبعد لقد طال الموضوع علينا,نحاول أن نستمر فيه العدد المقبل إن أحبت نعمة الرب وعشنا.
|