رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عظمة سر الشكر المقدس نيقولا كاباسيلاس نتقدم من المائدة السرية لنصير شركاء في جسد السيد الطاهر ودمه الكريم. يستقي المسيحي من المناولة الإلهية الحياة الروحية بقوتها العظيمة. لا يستطيع الإنسان أن يتصور سعادة أسمى من سعادة الاشتراك في هذا السر العظيم. فالمقصود هنا ليست الحياة الفضلى فقط بل ما هو أسمى. بالمناولة المقدسة لا نأخذ بعض الهدايا من الروح القدس بل السيد الناهض، المحسن الكبير، الهيكل الحاوي لكل النعم والمواهب الإلهية. لا شك أن المسيح موجود في كل أسرار كنيستنا. أنه حاضر في الذين يشتركون فيها ويعطي النعم بطرق مختلفة ولكنه عندما يقود المؤمن إلى سر الشكر الإلهي ويعطي جسده طعاماً روحياً ودمه فإنه يحول الإنسان. يبقى الإنسان حتى المناولة طيناً ولكنه بعد المناولة لا يبقى كما كان طيناً. يأخذ شكلاً ملوكياً، يصبح جسد المسيح الملك. أية سعادة أعظم من ذلك؟ إن المسيح، وفقاً للوعد الذي قطعه، يسكن فينا ونحن فيه بالمناولة المقدسة: "من أكل جسدي وشرب دمي يبقى في وأنا فيه". وعندما يسكن المسيح فينا على الدوام، عندما يسكن في قلوبنا فماذا نحتاج بعد؟ أيمكن أن نحرم من أية خيرات حقيقية؟ إن المسيح مسكن لنا وساكن. أننا سعداء لأن لنا بيتاً كهذا. إننا سعداء أيضاً لأن المسيح جعل بيته فينا. أية خيرات ليست في متناول يدنا؟ أية خيرات روحية تنقصنا إذا كنا مرتبطين بهذا الرباط مع السيد؟ عندما نصل إلى هذا البهاء الروحي أيمكننا أن نهتم ببطل العالم وفساده؟ أي شرير، أي ماكرٍ يمكنه أن يقف في وجه غنى الخيرات الروحية؟ إذا كان المسيح فينا فلن يدخل شر واحد إلى قلوبنا، إذا كان يملأ قلوبنا بحضوره ويسكن في أعماق نفوسنا ويدخل إليها ويسود ويحوطنا من كل جانب انه يطرد من داخلنا كل اندفاع مجرم لأنه ساكن فينا إنه يريد أن يملأ بذاته كل البيت، يريد أن يملأ قلوبنا. ففينا لا يسكن قسم من المسيح بل المسيح كله، ولا أنوار قليلة وأشعة روحية معينة بل الشمس الروحية كلها. إننا نصبح مع المسيح روحاً واحداً وبالمسيح يصبح الجسد والروح والقوى كلها روحية. أن القوى الإلهية السامية تسود على القوى البشرية الوضيعة. يحدث ما يقوله الرسول بولس عن القيامة: "لكي يداس الموت بالحياة" أو "أحيا لا أنا بل المسيح يحيا في". يا للسر العظيم الذي لا يدرك غوره! نتحد مع المسيح اتحاداً يصبح فيه عقل المسيح عقلنا، وإرادته إرادتنا، وجسده جسدنا، ودمه دمنا. كم يرتفع عقلنا في الواقع عندما يسوده عقل المسيح وكم ترتفع إرادتنا إذا خضعت لإرادته المغبوطة؟ إن جسدنا كم يتنقى وهو الطين عندما يوجد وسط شعلة المسيح! أيمكن أن نحقق مثل هذا الارتباط مع المسيح؟ إن الرسول بولس يجيب على ذلك لأنه تمكن أن يجعل من عقله عقل المسيح ومن إرادته إرادة له ومن حياته: "لنا نحن فكر المسيح"، "وأني لأعتقد بأني أملك روح الله"، "ومن المسيح المتكّلم فيَّ اطلبوا برهاناً، "واشتاق أن يكون المسيح في أحشائكم جميعاً". يستدل من كل ذلك أن الرسول بولس كانت له إرادة المسيح ويعلن هذه الحقيقية إعلاناً صارخاً عندما يكتب ويقول : "لا أحيا أنا بل المسيح يحيا فيَّ". يا لعظمة سر الشكر المقدس! أنه يقود الإنسان إلى قمة الخيرات ويشكل الكلمة الأخيرة للارتفاع البشري لأن الله يتحد بنا بواسطة هذا السر اتحاداً كلياً ونهائياً. أن جسد المسيح هو الدواء ضد الخطيئة، ودمه الكريم هو السبيل الوحيد الذي به يتخّلص الإنسان من جريرته وثقل خطيئته. فجسد المسيح صار كنزاً للكمال الإلهي وكان دائماً نقياً من كل خطيئة فأتمَّ كل عدالة وبشر بالآب بين البشر وكان مجهولاً عندهم وقتئذ. بشرَّ به قولاً وفعلاً. هذا الجسد الذي نتناوله ذبح فوق الصليب وقاسى العذاب عندما اقتربت الساعة للتضحية فاستحم وسط عرق من دم. خانه يهوذا وقبض عليه وسيق مقيداً إلى أمام فاعلي الإثم، وشهد أمام بيلاطس الشهادة الصالحة كما يقول الرسول بولس. وبسبب شهادته العظمى تحمل الموت، موت الصليب. تحمل هذا الجسد الذي نتناوله الجلْد أيضاً، وسُمرَّت اليدان والرجلان وطعنت الجنب بحربة وتألم وقت الجلد ألماً عظيماً وعانى أشد العذاب عندما سُمرَّ على الصليب. وهذا الدم الكريم، دم المسيح الذي نتناوله عندما انسكب من الجراح، أظلمت الشمس وتزلزلت الأرض، وتقدَسّ الفضاء وتنقى العالم كله من رجس الخطيئة. لم تكن للناموس الحرفي - ناموس العهد القديم - قوة تجعل الذين يحافظون عليه كاملين لأنه ناموس ناقص. كان من الضروري أن يُكشَف عن ناموس الروح، ناموس العهد الجديد الكامل والقادر أن يقود الإنسان إلى الكمال. إن الألم الذي يعانيه المسيحيون والدموع التي يكسبونها ليحوزوا من جديد على النعمة التي خسروها بسبب الخطايا بعد المعمودية لا يفيدهم في شيء إذا هم لم يركضوا ويسارعوا إلى دم العهد الجديد والى جسد المسيح الذي ضحي على الصليب. أن سر الشكر هو السر الذي يعتق أمام عدالة الله أولئك الذين اعترفوا بانسحاق قلب أمام الله بخطاياهم. نعتمد مرة واحدة ولكننا نتناول مراراً لأننا كبشر نخطئ ولكي نتخّلص من خطايانا من الضروري أن نهرع إلى التوبة والى الجهاد والصراع ضد الخطيئة، ولكي نحظى بالغلبة علينا أن نتناول جسد المسيح ودمه الذي يشكل الدواء لشفاء الشرور الإنسانية. أن الزيتونة البرية إذا طعمت بطعم صالح تتحول وتصبح زيتونة مثمرة وهذا ما يحدث تماماً معنا نحن المسيحيين. عندما نكون وحدنا نبقى بدون ثمر روحي ولكن عندما نرتبط بالمسيح ونتناول جسده ودمه ننال سريعاً عظم الخيرات، غفران الخطايا وملكوت السماوات، أي ثمار التبرير التي يعطيها المسيح. نتناول جسد المسيح الذي يشكل ضمانة لتحقيق الغلبات الروحية والفتوحات السامية. من الواضح أن حياتنا بعد المناولة الإلهية يجب أن تصير مسيحية النوع، أي على شكل المسيح. "أنتم جسد المسيح وأعضاء من أعضائه". أن كلمات الرسول تنطبق بالأكثر على أرواحنا وتنطبق على جسدنا، ويشير الرسول بولس عندما يقول: "الملتصق بالرب هو بالروح" إلى الرباط الذي يربط نفسنا بالمسيح. ويشدد كثيراً على هذا الرباط. لذلك لم يأخذ المسيح جسداً فحسب بل روحاً وعقلاً وإرادة وكل ما هو بشري ما عدا الخطيئة حتى يتحدد كلياً مع وجودنا ويربط كل ما لنا بما له. مع الخطأة فقط لا يتحد المسيح لأنه خلو من كل خطيئة ولا علاقة له بها لأنه بريء من الخطأ. لقد قبل السيد كإله رحيم كل عناصر حياتنا ما عدا الخطيئة وتنازل ليتحد بنا بتنازله الذي لا يحد. فالمسيح الإله الحقيقي نزل إلى الأرض ليرفعنا إلى السماء. صار إنساناً ليرفع الإنسان إلى الله وبقي كإنسان خلواً من كل خطيئة وصار الغالب الأزلي، وأعتق الطبيعة البشرية من الخطيئة والعار، وكمخلص أعتق الإنسان من جريرة الخطايا وصالحه مع الله. لم يكن بإمكاننا أن نصعد إلى السماء وأن ننال هذه المواهب الكبرى ولذلك نزل المخلص إلى الأرض فأخذ ما لنا وأعطانا ما لا ثمن له من خاصته. أعطانا جسده ودمه. وبهذه الطريقة نستقبل الله ونقبله في نفوسنا. من الواضح أن المسيح يدخل ذاته إلى داخلنا بالمناولة المقدسة ويتحد معنا ويحول وجودنا وفقاً لحياته الخاصة. إذا سقطت قطرة من الماء في محيط من العبير فالقطرة تندمج في المحيط وتتحد به وتأخذ كل خواصه وتتحول إلى عبير كالمحيط الذي سقطت فيه. فالمسيح هو الأريج الروحي وله كل القوة ليحول المؤمنين الذين يدخلهم بواسطة المناولة المقدسة إلى أناس ليست حياتهم معطرة فحسب بل إلى أناس يحملون كل عطر المسيح: " نحن عطر المسيح الطيب لله ولأولئك نفخة حياة للحياة". أن سر الشكر يعطي القوة والنعمة إلى نفوس المؤمنين الذين يتناولون بقلوب نقية ويبقون بعيدين عن الخطيئة. ويتحد المسيح بالذين يستعدون قبل المناولة روحياً بطريقة لا تستطيع قوة مهما كانت أن تفصم عروتها. "أن هذا السر لعظيم جداً وأنا أقول هذا بالنسبة للمسيح والكنيسة"، يقول الرسول بولس عن الوحدة الروحية بين المسيح والمسيحيين الذين هم أعضاء حقيقيون في الكنيسة. سر الشكر نور للذين يملكون قلوباً نقية، ونفحة تعطي التقديس، وقوة تشدد إرادة أولئك الذين يحتاجون إلى التقديس. لا يوجد غير هذا النبع أمام أولئك الذين يصارعون ويكافحون ضد الخطيئة ليستقوا القوة المقدسة. " دم المسيح ابن الله لينقيكم من كل خطيئة "، يقول يوحنا الإنجيلي الذي تمتع بمحبة يسوع الخاصة. المسيح هو الوحيد الذي غلب الشر لذلك يشكل جسده الطاهر الذي مات على الصليب راية غلبة ضد الشر وعوناً قوياً للمجاهدين ضد الأهواء الخاطئة. من الضروري أن نتقدم باستمرار من المائدة الروحية لنتناول جسد المسيح ودمه حتى تبقى الحياة الروحية في داخلنا نشيطة . علينا أن نتقدم لا مرة واحدة بل تكراراً ودائما ً. علينا أن نتناول الدواء الإلهي ليجلس الخالق في الطين "الإنسان" ويصلح صورته التي فقدت شكلها الحقيقي بسبب الخطيئة . إن يد الطبيب، يد المسيح، يجب أن تكون دائماً فوقنا لأننا متعرضون لخطر الموت بشتى الأنواع، "وكنا أمواتاً في الخطايا فعشنا مع المسيح". ودم المسيح ينقي وجدانكم من أعمال مائتة لتعبدوا الله الحي، كما يقول الرسول. إن المائدة الروحية السامية تعطينا الحياة الروحية السامية. وسر الشكر المقدس، هذا الجاذب الإلهي الكلي القدرة يجذب أرواحنا إلى فوق. فبسر الشكر نقدم العبادة النقية الحقيقية لله. لأنه إذا كانت العبادة النقية هي الخضوع الكامل لله الذي يحرك ويوجه الكل . فمن الواضح أننا سنحصل على هذا الخضوع عندما نصبح أعضاء في المسيح بواسطة سر الشكر. الرأس يعطي الأوامر للأعضاء. "خبز الحياة" يجعلنا أعضاء في المسيح وكما أن أعضاء الجسد تعيش بالنسبة لعلاقتها بالرأس والقلب، كذلك يقول الرب "من يأكلني يحيا في". لا شك أن الإنسان يحيا بما يدخله إلى أعضائه من غذاء والتغذية المادية ليست حية لذلك لا تعطي الحياة. أنها تساعد على الحفاظ على الحياة الموجودة. ولكن خبز الحياة، المسيح، ليس غذاء فحسب يساعد الحياة بل هو نبع الحياة والذين يتناولونه يملكون حياة روحية حقيقية. إن خبز الحياة، المسيح يحرك المتناول ويحوله ويدمجه بذاته. أننا نسجد بواسطة سر الشكر لله، بالروح والحق، ونقدم له عبادة نقيه، والعشاء الروحي. هذا يقيمنا من الموت الروحي ويعطينا حياة، ويؤهلنا أن نعبد ونحن أحياء إلهاً حيا ً. لكن الانعتاق من أعمال الخطيئة المائتة ممكن فقط للذين يتناولون دائماً طعام الحياة هذا. وكما يجب أن نسجد "بالروح والحق " لان الله روح، هكذا يجب أن نعبده بملء الحياة الروحية، لا أمواتاً روحياً لان الله هو الحياة: " ليس الله إله أموات بل إله أحياء". وقد يدعي البعض أن عبادة الله تتم عندما نقوم بأعمال الفضيلة. هذه العبادة هي من صفات العبيد، "عندما تفعلون كل ما أُمرتم به تكونون عبيداً بطالين لان ما يجب فعله فعلناه". المدعوون إليها لا العبيد لذلك نتناول جسد المسيح ودمه، "الأولاد يتناولون جسداً ودماً" فكما أن المسيح اتخذ جسداً ودماً بشريين فقال "هاأنذا والأولاد الذين أعطانِيهِم الله" كذلك نحن لكي نصبح أولاداً لله علينا أن نتناول جسد المسيح ودمه. بالمناولة لا نصبح أعضاء في المسيح فحسب بل أبناء نقدسه ونخضع له بكل نية قلب وكما يليق بالأبناء. عندما نتناول نشعر بقربى نحو المخلص أشد من القربى التي تربطنا بأهلنا الذين ولدونا. إن الوالدين بعد مضي وقت معين يتحررون من الاهتمام بأبنائهم، أما المسيح الذي خلقنا في الحياة الروحية وولدنا فهو حاضر دائماً ومتحد معنا. يستطيع الأبناء أن يعيشوا حتى ولو فقدوا آباءهم، أما نحن فإذا انفصلنا عن المسيح فمن المستحيل إن نحتفظ بالحياة الروحية بل ننقاد حتماً إلى الموت الروحي. إن خبز الحياة يدخل إلى أعماق الإنسان الجديد ويجث أصول إنسان الخطيئة العتيق. المناولة المقدسة تعطي هذا القدر من الخيرات الروحية وبها - أي بمناولة جسد المسيح ودمه - ننعتق من الحكم الأبدي ونطرح عالم الخطيئة ونملك بهاء الصورة الإلهية ونتحد وثيقاً بالمسيح محمولين دائماً إلى سمو الكمال. يمنع الرسول بولس من المائدة أولئك الذين لا يعملون لأنهم لا يريدون : "من لا يعمل لا يأكل". إذاً كان الاشتراك في المائدة الأرضية يحتاج إلى عملٍ فأي عملٍ سامٍ ورفيع، أية حياة روحية تلزمنا نحن الذين نتناول جسد المخّلص ودمه؟ علينا أن نقترب لنتناول القرابين المقدسة بعد تهيئة عظيمة وبعد أن ننقي أنفسنا من كل دنس الخطيئة بواسطة الاعتراف. علينا أيضاً أن نعرف أن المسيح الذي يقدم لنا وليمة سر الشكر الروحية هو قائد جهادنا، يمد يد المعونة لا إلى أولئك الذين يرمون أسلحتهم ويسقطون ضعفاً خائري العزائم، واهي القوى، بل إلى أولئك الذين يكافحون بشجاعة ورجولة ضد خصمهم، والسيد الذي في كل سر يصبح كل شيء بالنسبة لنا عندما نجاهد روحياً، أنه خالقنا ويصير أيضاً مروضنا ورفيقنا في الكفاح الحسن. أنه يحممنا بالمعمودية ويمسحنا فيما بعد ويغذينا دائماً بسر الشكر. إن المناولة الإلهية جائزة روحية تزين وتكلل المبرزين في الجهاد الروحي لان المسيح في هذا العشاء السري لا ينقي المتناول ولا يصبح رفيقه في الجهاد فحسب بل جائزة يجب أن ينالها المرء بعد أن يكافح الكفاح الحسن . وهناك ما هو أسمى من الحصول بالمناولة جوائز أتعاب الجهاد والكفاح في المسيح؟ أهناك ما هو أسمى من الاتحاد به؟ وعندما يتكلم الرسول بولس عن جهاداته الكبرى يعبر عن شوقه عند خروجه من هذه الحياة وتتملكه رغبتان : رغبة الانحلال والوحدة مع المسيح هي الفضلى. إن اشتراكنا في كأس الحياة يمنحنا الوحدة مع المسيح. وخبز الحياة هو الجائزة للمسيحيين الذين يكافحون ضد الخطيئة : الدم الطاهر والجسد المقدس. وبما أن جميع الذين يتناولون ما زالوا يقطنون الأرض ويعبرون الحياة فلا يزال هناك خطر العثار والسقوط في يد اللصوص المخيفين . لذلك تعطي المناولة المقدسة القوة لهؤلاء وتصبح قائداً قوياً وتنقيهم حتى يصلوا إلى الملجأ الأمين، إلى الملكوت السماوي حيث يكونون باتحاد مع إكليلهم الأزلي، المسيح. بسر الشكر الإلهي نحظى بالاشتراك الدائم مع الله . وبه عبادة حقيقية مرضية، ونصبح أبناء لله وأقرباء للمسيح عندما نشترك في العشاء الروحي . وهذه القربى أشد وأقوى من قربى الوالدين . يعطينا المسيح جسده ودمه ويصير لنا لا سبباً بسيطاً للحياة كما هو الحال مع الوالدين بل نبعاً للحياة. فالمؤمنون الذين يشتركون بعد استعدادٍ في العشاء السري يجعلهم قديسين وأبراراً لا لأنهم تهذبوا كما يجب وعّلمهم ما يلزم - هذب نفوسهم وروض إرادتهم على حياة التقوى الفاضلة - بل لأنه هو ذاته صار لهؤلاء حكمة من الله وعدالة وتقديساً وخلاصاً" ( 1 كو1: 3). نتحد مع المغبوط فنصير مغبوطين . نتحد بالحياة فنتقدم نحن الأموات إلى حياة روحية. بهذه الوحدة نصبح نحن الجهلة حكماء ونحوز على الحكمة الإلهية، ونصبح نحن الأشرار العبيد للخطيئة أبراراً وقديسين وأبناء لله، قديسين بالقدوس وأبراراً وحكماء بالمتحد بنا السيد القدوس الصالح الحكيم . كل ما يملكه المسيح يصبح ملكاً لنا، وبالمناولة نصبح أعضاء وشركاء في جسد المسيح ودمه وروحه . لهذا لا يكفي أن نتحلى بفضيلة عادية أو أن ننال بعض الانتصارات الروحية فقط بل علينا أن نحيا هذه الحياة الجديدة بالمسيح و كلنا مجبرون أن نحمل حياة المسيح المقدسة وأن نحيا معه الحياة الجديدة، لأننا "دفنا معه بالمعمودية في الموت " حتى "نسلك حياة جديدة". بطلب الرسول بولس عندما يكتب إلى تيموثاوس " فز بالحياة الأبدية التي دعيت لها" أن نحيا هذه الحياة، وكذلك الرسول بطرس "على مثال القدوس الذي دعاكم كونوا انتم قديسين في تصرفكم كله". كما أن الولادة في المسيح هي إلهية وفائقة الطبيعة كذلك الحقيقة المسيحية والغذاء والحمية الضرورية للحياة في المسيح هي جديدة وروحية . شدد المسيح على هذه الحقيقة عندما قال لنيقوديموس: "المولود من الروح روح هو". بسر الشكر الإلهي نلبس المسيح ونأخذ الوشاح الملوكي. كل الأمور البشرية تذكر بالعبودية ولكن هناك الحرية والملكوت فكيف نصير أحراراً روحياً وأهلاً لهذا الملكوت إذا كنا لا نظهر فضيلة أكثر مما يظهره العبيد؟ كما أن الفساد الذي تحدثه الخطيئة لا يستطيع أن يرث الحياة الروحية غير الفاسدة "يجب أن يلبس الفساد عدم الفساد، والمائت أن يلبس الخالد" كذلك أعمال العبيد لا تكفي لميراث الملكوت السماوي بل تحتاج إلى تبرير الله الذي يحول عبد الخطيئة لابن وارث، لأن العبد "لا يبقى في البيت إلى الأبد أما الابن فإلى الأبد". فالمسيحي الملتهب بشوق ميراث الملكوت عليه إلا يكون عبداً للخطيئة ليصبح ابناً يملك في داخله الابن الوحيد ويظهر في يوم الدينونة حاملاً لجمال السيد الروحي. يتخلص الإنسان من عبودية الخطيئة ويصبح حراً روحياً عندما يتحد بالمسيح . لقد أعلن المسيح هذه الحقيقة الجوهرية : "إذا حرركم الابن فأنتم (بالفعل) أحراراً". يحرر المسيح البشر من الخطيئة ويجعل العبيد أبناء لأنه هو ذاته حر من كل خطيئة وبريء من كل دنس . فالقدوس في كل شيء يعطي للمؤمنين الجسد والدم والروح وبهذه الطريقة يعيد خلقنا ويحررنا ويقودنا إلى التأله لأنه يتحد ذاته معنا، و هو الإله الحقيقي ونبع الصحة الروحية والحياة والحرية. وبهذه الوحدة المستيكية والروحية يصبح المسيح خيراً نمتلكه نحن. لن نحتاج إلى شيء بشري بعد عبورنا هذه الحياة الوقتية. سنُسأل إذاك إذا كنا قد عملنا أعمال المسيح ونقشنا فضائله بطريقة لا غبار عليها في نفوسنا. لن نأخذ الإكليل الذي لا يذبل إذا لم نكن قد جعلنا نفوسنا مطابقة لحياة المسيح، ولم نظهر غنى روحياً يتجدد ويبقى بعيداً عن الفساد، ولم نكن معتقين من كل خبث. يحوز المكافحون على الله كمكافأة لهم فعلينا أن تكون الجهادات إلهية مطابقة للجائزة العظيمة الأزلية. المسيح ليس بمدرب لرياضيي الحياة فحسب بل قائد كلي القدرة لجهاداتنا الروحية وفي الوقت نفسه يتحد بالظافرين في حلبة الجهاد. يريد أن يقودنا من الأرض إلى السماء، إلى الله، أن يعتقنا من كل شيء بشري دنيوي. إننا شديدو المرض في أرواحنا بسبب الخطيئة ونحتاج إلى شفاء. لقد زارنا الطبيب الكلي القدرة وفتح أعين أرواحنا ووهبنا كل ما هو ضروري لشفاء مرض الخطيئة العضال. فالدواء والحمية للنفس هو المسيح. الخطيئة تفسد الإنسان والمسيح يعيد خليقته، ويعيده من جديد واهباً له جسده. خلقنا من التراب الأرضي ولكي يعيد خلفنا أعطى جسده ودمه، وبتضحيته لا يجعل نفوسنا فقط أكثر حسناً بل يعطي لقلوبنا مع دمه الكريم حياته بالذات. عندما خلق الله الإنسان نفخ في وجهه "نسمة حية" ولا يعطي الآن نسمة حياة بل يعطي روحه القدوس، " لقد أرسل الله ابنه إلى قلوبكم منادياً أبا الآب "، "هو الذي أضاء في قلوبنا لإنارة معرفة مجده". فيما مضى كان الله يهب إحساناته للإنسان بواسطة المخلوقات، بالأوامر، بالنواميس، بالملائكة. أما الآن فانه يحسن إلينا رأساً. لقد صار السيد كل شيء من أجلنا. المرجع: الحياة في المسيح لنيقولا كاباسيلاس (قرن 14) ترجمة البطريرك إلياس الرابع، تعاونية النور الأرثوذكسية للنشر. |
23 - 07 - 2016, 07:04 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
..::| الإدارة العامة |::..
|
رد: عظمة سر الشكر المقدس
ميرسي على مشاركتك الجميلة مارى
|
||||
25 - 07 - 2016, 01:39 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: عظمة سر الشكر المقدس
شكرا على المرور |
||||
|