ممارسات مع الجنس الآخر Hetersexual
كل أنواع الانحرافات الجنسية هي ثمرة فراغ داخلي في النفس، تنحرف بالإنسان خارج الهدف الإلهي من الجنس فتفقده قدسيته، وتحطم حياتنا.
بالنسبة للممارسات مع الجنس الآخر، فيظن البعض أنها أمرًا طبيعيًا غريزيًا من متطلبات الجسد، ويحاول بعض المراهقين تبريرها بالدعوى أنها لازمة قبل الزواج لكي يتمتع الإنسان بالخبرة الواقعية للجنس كسند له في حياته الزوجية المقبلة.
هذه الخبرة في حقيقتها ليست إلا رغبة في التمتع باللذة الجنسية تحت ستار اقتناء الخبرة، ومع هذا يدفع الشباب ثمنًا باهظًا لهذه اللذة، ألا وهو:
1- تحطيم العواطف والمشاعر: فالشاب الذي يلتصق بفتاة ليعيشا في وحدة الجسد، يمارسان الجنس قبل الزواج premarital intercourse دون أي اعتبار للنضوج الفكري والعاطفي والاجتماعي والروحي يختبرا اللذة الوقتية ويحسبانها الحياة السعيدة المملوءة حبًا، لكن سرعان ما يفترق الاثنان ليجد كل منهما طرفًا آخر أكثر جاذبية له، ومع كل افتراق يحدث تحطيم للعواطف والمشاعر يصعب علاجه.
في حديث مع فتاة نشأت في أمريكا تحدثت بصراحة عن نفسيتها المحطمة، فهي تعيش مع شاب تمارس معه الجنس، وتقضي بعض الليالي مع الأصدقاء في لهو ومرح، لكن في أعماقها فقدت كل طمأنينة. إنه ليس بالشاب الأول في حياتها وتتوقع أنه لا يكون الأخير؛ إنها تعيش في لهو بلا طعم حقيقي.
بعض الشباب من الجنسين يشعرون بتأنيب ضمير عميق في النفس بعد ممارسة الجنس، خاصة في المرات الأولى، إذ يدركون أنها علاقات وقتية بلا أساس حقيقي، بانتهائها يتحطم الطرف الآخر بعدما تعلق عاطفيًا... البعض ينهار نفسيًا وعصبيًا، ويحتاج إلى علاج.
غاية العلاقات العاطفية والجنسية في الغالب هو الزواج، فإن تهيأت نفسية الإنسان لهذا الهدف ولم يتحقق يشعر بالفشل في أمر يمس كل حياته وكيانه.
2- فقدان النظرة القدسية للزواج، إذ يصير الجنس بالنسبة لمن سبق فمارسه يمثل الجانب الأعظم من حياته الزوجية، كما تسيطر اللذة على فكره الأسري.
سجّل أحد المتزوجين الذين مارسوا الجنس قبل الزواج خبرته في هذا الأمر:
(لم أشعر قط أنني خُدعت حتى جاءت ليلة زفافي حينما دخلنا إلى حجرتنا بالفندق. كنت أتهيأ لهذه الليلة التي تُحسب أكثر ليالي عمري رومانسية؛ لكنني إذ تطلعت إلى المرآة وجدت أنني أقوم بما سبق فصنعته من قبل. يا لها من خيبة أمل! ما الذي يثير مشاعري؟! لا يوجد شيء جديد! شعرت أنها ليلة كسائر كل أيام حياتي التي ضاعت مني! هذا هو السم القاتل لقلبي!
مرت الشهور وأنا في إحباط وضيق؛ لقد كنا نستخدم الجنس قبل الزواج بطريقة أكثر مزاجًا (fun)، فماذا حدث؟
كنا نصارع من الجنس لمدة عام؛ وكانت فينا جذور عدم الصفح القبيحة، والخطية التي ارتكبناها ضد أنفسنا وضد الرب. كنا نتحطم، فذهبنا إلى أصدقاء حميمين قدموا لنا مشورة وصلاة، وقبلنا المغفرة من الله، فصارت الأمور على ما يرام (10).
إذن ممارسة الجنس تحوّل الحياة إلى لهو، وتفقد الزواج قدسيته وغايته، الأمر الذي له آثاره المتعددة، منها تزايد رغبة الكثيرين في عدم الإنجاب تمامًا. سألت البعض، فكانت إجابتهم: "لماذا ننجب؟ لماذا نتحمل مسئولية الأطفال والالتزام بالإنفاق عليهم والاهتمام بهم؟ لماذا لا نعيش في حرية نقضي أيامنا في طرف؟" إجابات تكشف لنا عن انحراف الحياة الزوجية من حياة عطاء وبذل ووحدة إلى انغلاق على اللذة الشخصية بروح الفردية الخانق، وتضخيم للأنا ego بصورة تحطم حتى الطبيعة (مثل الأبوة والأمومة).
3- الممارسات السابقة للزواج لا تقدم الخبرة التي تسند الشخص في حياته الزوجية إنما تمهد في الغالب لتحطيم الثقة المتبادلة بين الزوجين وبالتالي تقبر الحب الزوجي. فالزوجان اللذان عاشا في شبابهما -حتى في فترة خطوبتهما- يستعذبان العفة يثقان في إخلاصهما لبعضهما البعض، حتى إن حالت الظروف بينهما عن الممارسات الجسدية إلى حين لسبب أو لآخر كالسفر أو المرض، يدرك كلا منهما إخلاص الآخر له -في الرب- وحبه له المرتفع فوق حدود اللذة.
أذكر أنني تدخلت في مشكلة زوجية في المهجر، وكان لسبب أو آخر أنهما فارقا بعضهما البعض لمدة حوالي شهر. جاء الزوج يشكي لي زوجته، بأن ابنهما قد روى له كيف كانت ترافق رجلًا غريبًا معها أثناء الليل. في البداية أنكرت، لكنها عادت تقول له: "أنت تعلم إنني لا أستطيع أن أعيش بدون الجنس!". كانت إجابته لها: "لماذا عشت أنا طول هذا الشهر مخلصًا لك، لم أقبل الالتصاق بغيرك بالرغم من وجود الخلافات الزوجية بيننا؟ لقد فقد الرجل ثقته تمامًا، وشعر إنه إن سافر أو مرض إلى حين تخونه زوجته!
مرة أخرى أذكر إنسانًا في السنة النهائية في الجامعة جاءني يشكو نفسه،لقد ارتبط بزميلة طوال 4 سنوات، يحبها جدًا، ويقدر أخلاقها وطبعها، لكنها إذ في النهاية سلمته جسدها مرة فقد كل الثقة فيها... مع أنه مشترك معها في الخطأ. لقد شعر أن التي تسلم جسدها حتى لخطيبها قبل الزواج لا تقدر أن تضبط نفسها في عفة إن أغراها آخر. هذه مشاعر الكثيرين من الجنسين، متى سقط طرف -خاصة في فترة الخطوبة- في هذه العلاقات فقد الآخر ثقته فيه.
4- ممارسة العلاقات الجنسية قبل الزواج تقد للشخص خبرة "الرغبة في التغيير". يرى الإنسان الجنس حقًا شخصيًا يمارسه كأمر إلزامي بالطبيعة دون الالتزام بمسئولية، والإخلاص لشخص واحد يلتصق به في الرب كل أيام حياته، يحبه حتى يجتاز حياته الزمنية مشتاقًا أن يمارس معه الوحدة في كل شيء. خبرة الرغبة في التغيير تخلق عدم استقرار، نتيجته تزايد نسبة الانفصال والطلاق دون أي اعتبار للروابط الأسرية أو إشباع احتياجات الأولاد.
في بداية السبعينات دُهشت فتاة مصرية التحقت بالجامعة في أمريكا الشمالية لأن بعض زملائها كادوا لا يصدقونها أنها تعيش مع والديها... لقد قالت لها إحدى زميلاتها: "كيف أمكن لوالدتك أن تعيش مع والدك 25 عامًا دون تغييره؟".
في زيارة لعائلة قبطية تعرفت على سيدة فوق الخمسين، كانت حديثة الزواج، وكان رجلها هو الزوج السادس في حياتها. سألتها عن خبرتها في الزواج فأجابت: "إنه تجارة business مربحة!". هكذا تحول الزواج حتى من الرغبة في التغيير المستمر إلى تجارة مربحة في نظر البعض!
5- ثمر الممارسات الخاطئة والسابقة لأوانها أن يفقد الإنسان إحساسه بالالتزام الحق حتى بالنسبة لأبنائه، فما أن يبلغ الأبناء سنًا معينة حتى يود الإنسان الخلاص منهم، غالبًا قبل إتمام دراستهم الجامعية، حتى يتفرغ هو لمتعته الذاتية.
6- هذه الممارسات تحول الإنسان كما إلى جسد بحت، حتى عواطفه ومشاعره تنهار على المدى البعيد. لعله هذا هو أحد الأسباب الرئيسية لمعاناة البعض من الشعور بالعزلة والوحدة بالرغم من كثافة الجهود التي تبذلها الدول والجماعات المختلفة لخلق جو اجتماعي مبهج وخدمات مستمرة لكل الأعمار، تقوقع الإنسان حول لذة الجسد يحطمه داخليًا، فتصير العزلة مشكلة تمس أعماقه وليست خاصة بالظروف المحيطة به. لذا تكثر الأمراض النفسية والعصبية في المجتمعات المتحضرة، لا لأن الحضارة هي السبب، وإنما لأن انحلال الإنسان وحصر حياته في لذة الجسد يحطمانه.
7- الممارسات السابقة لأوانها تفقد الإنسان متعته بالشركة مع الله كحياة حب خالد. انغماس الإنسان في شهوات الجسد تعزل الإنسان عن خالقه، كقول القديس أغسطينوس إن وراء كل إلحاد شهوة. فالإنسان إذ يهبط إلى شهواته الذاتية لا يستطيع أن يتذوق عذوبة الحب الإلهي، فيصير الله بالنسبة له مجرد فكرة مجردة، أو خيالًا، أو كائنًا منعزلًا في سمواته، لا يشارك الإنسان حياته ولا يدرك خبراته الواقعية. فيعالج الإنسان وخزات ضميره بمحاولته إنكار الإيمان.
إيماننا بالله أنه أب لا يطلب حرماننا وكبتنا بل شبعنا وفرحنا وبهجة قلبنا، وأنه واهب الحكمة، وأيضًا القدير والعالم بكل شيء... يجعلنا نقبل وصيته فنمتنع عن هذه الممارسات في غير موضعها أو في غير أوانها. إنه الأب الذي يمنع ابنه من الجري في الطريق المزدحم في طفولته حتى يكبر، لأنه يحبه ويعرف ما لبنيانه. إنه يمنع الإنسان من عبور طريق الممارسات الجسدية إلى حين لبنياننا الروحي والأسري والاجتماعي. لا يطلب حرماننا بل نمونا ونضوجنا.
ممارسة الجنس قبل الزواج أشبه بمن يقطع الزهور من النبات عند ظهورها في الربيع ليأتي وقت الخريف فلا يجد على الشجرة ثمارًا!
8- ارتفاع نسبة متعاطي المخدرات بين المراهقين في السنوات الأخيرة بطريقة خطيرة/ ظاهرة عالمية ترتبط بلا شك مع ظاهرة التسيب الفكري بالنسبة لممارسة العلاقات الجنسية قبل الزواج. الظاهرة الأخيرة تفقد الكثير من المراهقين الشعور بالطمأنينة الأسرية والإحساس بالدفء العائلي والاستقرار، مما يسبب فراغًا داخليًا، يحاولون الهروب منه بتعاطي المخدرات.
لقد ظن البعض أنه في ترك الممارسات الجنسية في سن المراهقة للحرية الشخصية ما ينفس عن الكبت، فيجعلهم يسلكون حياة طبيعية دون ارتباك جنسي. لكن ما حدث فعلًا هو أن هذه الحرية التي استخدمت في العلاقات المنحرفة لم تُشبع قلب الشباب إنما كشفت عن فراغ داخلي عّبر عنه البعض بتعاطي المخدرات، وفقدان جديتهم في الدراسة والعمل والتفكير الأسري. كثيرون متى تحدثوا في صراحة يكشفون عن هذا الفراغ حتى صارت حياتهم بلا طعم ولا شعور بالمسئولية.
هذا ومن جانب آخر كنا نتوقع وراء هذه "الحرية" التي في حقيقتها تحمل تسيبًا ألا يوجد الشذوذ الجنسي، فإذا بنا نجد في الدول المعاصرة المتحررة تزايدًا مستمرًا لممارسة الشذوذ، الأمر الذي كانوا يهتمون به المجتمعات المحافظة ويحسبونه ثمرة الكبت والحرمان. فهل عالجت الإباحية هذه المشاكل؟ إنه سؤال يحتاج إلى إجابة صريحة وجادة متعقلة، بعدما صار الشذوذ واقعًا، يطالب أصحابه بحقوق يحسبونها إنسانية كالزواج من ذات الجنس الواحد، وحسبان هذه الممارسات طبيعية بالنسبة لهم، لا تحتاج إلى علاج بل إلى قبول وتقدير من ضمائرهم ومن الغير.
9- إن تجاهلنا قدسية الإنسان في علاقته مع الله محبوبة الحقيقي، نجد الطبيعة ذاتها -إن جاز لنا ذلك- قد رذلت الإباحية كما يظهر من انتشار الأمراض الجنسية خاصة الخطير منها، إذ تُعلن عن خطورة هذا الاتجاه وتكشف أن هذه الممارسات مفسدة لحياة المجتمع الروحية والأسرية وأيضًا الصحية والاقتصادية، إذ تكِّلف هذه الأمراض العالم الكثير وتقلل من إنتاجه، خاصة مرض الإيدز.
أختم حديثي الآن بأن عالم الشباب يحتاج دومًا إلى يدّ الله محب البشر ليتجلى فيه، مقدسًا طاقاتهم وقدراتهم ومواهبهم وإمكانياتهم ليمارسوا نموهم المستمر ويحققوا غاياتهم بالنعمة الإلهية.
_____