19 - 07 - 2016, 07:35 PM | رقم المشاركة : ( 11 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: يسوع المسيح والحضارة
2- وكما أشرنا، ففي سياق التاريخ المسيحي الطويل، لم يكن الموقف تجاه الحضارة ذات اتجاه واحد. فعلى خط موازٍ مع المشاغل التي تضطلع بها الحضارة، والتي مفادها أنّ الله خلق الإنسان على صورته، وأعاد خلقه بفعل إخلاء الابن القدوس لذاته، يمكن للمرء أن يجد رفضاً للحضارة. لقد صرّح ترتليانوس وعلى نحو جذري فقال: “في الواقع ما هي العلاقة بين أثنيا وأورشليم؟ أيّة صلة تقوم بين الجامعة والكنيسة؟ تعليماتنا تأتينا من الهيكل الذي يعلّمنا أن الرب ينبغي أن نطلبه ببساطة القلب… ولا حاجة لنا إلى نقاش أو جدال بعد أن اقتنينا يسوع المسيح، ليس من استفسار حول الاستمتاع بالإنجيل. بإماننا لا يعود لنا رغبة بأي معتقد آخر، وبسبب إيماننا بالمسيح ليس من حاجة إلى أي شيء آخر”. ورفض مماثل للحضارة يمكننا أن نجده أيضاً في بعض الأوساط المسيحية اليوم. وأسوق مثالاً واحداً على ذلك: جماعة الـ Mennonites يمثلون منذ الإصلاح وإلى الآن موقفاً مضاداً للحضارة. فهم يقصون تعاطي الشأن السياسي ليس فقط من نظامهم الاجتماعي، ونشاطاتهم، بل إنما يتبعون أنظمة ومبادئ للثقافة والاقتصاد والحياة الاجتماعية، متميّزة عن عقليّتهم وفهمهم للإنجيل. ويمكن للمرء أن يجد أمثلة مماثلة أقر بريقاً وإشراقاً في ابتاع التقويم القديم، وفي روسيا، وعند أتباع التقويم القديم في اليونان. في هذه الأوساط تُفهم الحياة المسيحية على أنها حياة بعيدة عن الحضارة.
|
||||
19 - 07 - 2016, 07:35 PM | رقم المشاركة : ( 12 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: يسوع المسيح والحضارة
والموقف السلبي من الحضارة مبني على مقولة أن الحضارة ليست الهدف الأخير للمصير البشري. الحضاراة هي مجموعة قيم مختلفة هي من نتاج سياق التاريخ البشري. ولكن من الوجهة المسيحية، ليست المنجزات الحضارية للقيم المطلقة في الحياة، لا بل ليست هذه القيم الحضارية مستلزمات لا غنى عنها للخلاص. ويلاحظ الاب جورج فلورفسكي “أن البدائي يخلص كما العائش في الحضر. لا بل يمكن للإنسان أن يناقش أنه من السهل على البدائي أن يخلص شريطة أن يكون حراً من نير الحضارة، وبالتالي عنده الإمكانية لرؤية صافية ومباشرة للحقيقة المسيحية. التراكمات هي في العادة عراقبل من شأنها أن تحول دون بلوغ الإنسان جهالة الإنجيل. ومما لا شك فيه أن حكمة هذا العالم هي جهالة بالنسبة لله. لأنه مكتوب: الآخذ الحكماء بمكرهم. وأيضاً الرب يعلم أفكار الحكماء أنها باطلة” (1 كور 3: 19-20).
من المواقف الآنفة الذكر فيما يتعلّق بالسؤال حول المسيح والحضارة، يمكن للمرء أن يفهم أن الحضارة ليست صالحة على نحو غير مشروط، كما وليست هي شريرة بحد ذاتها. يمكن للحضارة أن تكون صالحة، وأن تكون عطية إلهية حقيقية، كما ويمكنها أن تكون شريرة أيضاً وأن تكون قوة شيطانية حقيقية أو نيراً. يمكنها أن تكون السبيل إلى فهم الإنجيل المسيحي إلا أنها وفي الوقت نفسه يمكنها أن تكون عائقاً أمام الوصول إلى الرسالة المسيحية. يمكن للحضارة بحق أن تسهّل الحياة البشرية وتساعد الناس وتعينهم في مسيرتهم الروحية، إلا أنها تستطيع أيضاً أن تغرّبهم عن الحياة الإنسانية الحقيقية فلا تسمح لهم تحقيق دعوتهم التي هي التقدم في المعرفة بغية الاتحاد بالله. يمكن للحضارة أن تساعد الناس في تطوير مواهبهم الشخصية، وبالتالي هي عنصر كبير في تقدم الإنسان، إلا أنه يمكنها في الوقت عينه أن تكون عبئاً ثقيلاً يرزح تحته الإنسان ويكبّل به إبداعه. في عالمنا المتمدّن نكاد لا نرى للعناصر الروحية أي وجود، فالإنسان يزرح تحت ثمار إبداعاته. وقد قيل بحقّ أن الإنسان في زماننا يعاني الكثير من استبداد الحضارة الرتيب، ومن قيود المدنية. ليس في حديثنا ركن لحياة إنسانية أصيلة مبدعة. هذا غريب لكنه أكيد، فالحضارة اليوم باتت تسير في اتجاه طريق غير متحضّر من الحياة. |
||||
19 - 07 - 2016, 07:35 PM | رقم المشاركة : ( 13 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: يسوع المسيح والحضارة
إننا نعيش في حقبة من التاريخ باتت فيها المنجزات الإنسانية أموراً مطلقة لا بل مؤلّهة، زماننا هو زمان صنمية جديدة أو وثنية جديدة، حيث إن الإنسان الذي هو دون المقاييس المدينة القائمة، يعتبر مخلوقاً دون (أو ذا قيمة متدينة). وأعتقد أن هذا مشكلة ليس فقط لمجتمعاتنا المدنية، بل هو مشكلة لكنائسنا الحاضرة. والعديد من المشاكل التي تواجهها كنائسنا ترتبط بعقليّة تجعل الحاضرة المرهونة في قمّة الاهتمامات والقيم. وينسى المسيحيون عادة أن الحضارة يمكنها أن تكون الوسيلة إلى فهم مسيحي، إلا أن هذه الحضارة لا يمكنها في أيّ حال، أن تكون البديل عن رسالة الإنجيل. ومن واجبنا كمسيحيين أن نواجه السؤال المتعلّق بالحضارة، بروح من المسؤولية، وأن ندرك حدوده كلها. ومن واجباتنا المهمة أيضاً أن نقرّ أن تقديراً مفرطاً للمنجزات الحضارية من شأنه أن يجعل الإنسان أسيراً وعبداً لمنجزاته وتطلّعاته. وإذ نجعل الحضارة في مركز كلّ نشاط إنساني، وهدفاً وأرضية للوجود الإنساني، إنما نعمل على تغريب الإنسان عن نفسه. وفي هذه الحالة نحن نفصل الإنسان عن إنسانيته العامة، ونفصله عن الله وعن إخوته، وعن طبيعته أيضاً.
بكل هذه الكلمات لستُ اشاء أن ألعن الحضارة وأن أبسلها، كما ولستُ أنوي أن أُعيد الإنسان إلى حالة من التشاؤم الحضاري. ما أريده أنه يجب علينا كمسيحيين، أن ندرك ماهية الحضارة في نور الإنجيل المسيحي. وهذا يعني أن موقفنا منها يتمحور حول الكنيسة ecclesio centric. في الحقيقة أننا في شركة الكنيسة يمكننا أن نناشد الجميع كي يتبنّوا القيمة الحقيقية وحدود الحضارة أو المدنية. |
||||
19 - 07 - 2016, 07:35 PM | رقم المشاركة : ( 14 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: يسوع المسيح والحضارة
والكنيسة التي هي جسد المسيح، من واجبها ومسؤوليتها أن تميّز ما هو وفيّ لحقيقة الإنجيل، وما هو منافٍ لهذه الحقيقة، وما يبني جسد المسيح وما يبليه ويشوشه. وفي إطار الحقيقة الكنسية يمكن للمرء أن ينضج ويجوز فهماً صحيحاً بإزاء ما يرتبط برسالة الإنجيل، وبإزاء ما لا علاقة له بهذه الرسالة، أو يعارضها. “لأن من يشارك في الحليب فقط لا يصلح لكلمة البر، لأنه طفل رضيع. اما الطعام الصلب فهو من خواص البالغين الذين باتوا قادرين أن يميّزوا الخير من الشر” (عب 5: 14). الكنيسة اليوم أكثر من أيّة حقبة أُخرى من التاريخ، عليها أن تبقى وفيّة لدعوتها المزدوجة:
1- أن تميّز من خلال قدرتها الروحيّة ما هي الفروقات بين الخير والشر. 2- أن تترجم بروح من المسؤولية المبادئ المسيحية الأساسية وذلك لمواجهة التحديات المستجدّة في السياق التاريخي المتطور. لقد صارت الكنيسة هذه المهمة المزدودة عبر التاريخ، وعليها اليوم كما كانت في الماضي واجب الوفاء لدعوتها. ومن الواضح أننا نعيش في تعددية حضارية، ونحتاج إلى معايير كنسية عالية المواهبية “تمييز الأرواح” (1 كور 12: 10). وإلا فإن كنيستنا ستسير في ركب العالم وتكيّف كرازتها مع رغبات العالم وعاداته وتقاليده. وإذا قبلت الكنيسة بسبب إنعدام الحكمة، أو بداعي الإهمال ما تقدمه التيارت الاجتماعية الحضارية المعاصرة، فمن الواضح أن الإنقسامات ستظهر في جسدها. وصحيح أنه في زماننا، كما في كل زمان، هناك تشنّج جذري وتضاد بين القيم المسيحية والبنى الحضارية. حضارة الآلة، الحضارة التي تخدم الأنظمة الاستبدادية أو المصالح الإقتصادية، الحضارة التي تقوّض توازن الإنسان وسلامته الداخلية، وسلامة بنيته أيضاً، مع بعض الأخطار والأفعال التي وباسم الديمقراطية والمساواة في الحقوق تطيح بالإنسجام بين العلاقات الإنسانية، وهذه كلها لها وقع وتأثير على حياة كنيستنا. |
||||
19 - 07 - 2016, 07:36 PM | رقم المشاركة : ( 15 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: يسوع المسيح والحضارة
ومن الأهمية بمكان من أجل وجود وحسن سيرة حياة كنيستنا أن نضع نصب أعيننا أننا في العالم لكننا لسنا من هذا العالم. إن صلاة يسوع من أجل الكنيسة يمكن تخليصها بكلمته التي رفعها إلى الىب، وقد حفظها لنا كاتب الإنجيل الرابع: “لستُ أُصلّي كي تخرجهم من العالم، بل كي تحفظهم من الشرير” (يوحنا 17: 15).
وفي حقبة من التاريخ حيث إنّ الإنسان أكثر أو أقل محصور في حدود ضيقة من المشاكل العالمية، فالكنيسة الوفية لميراثها مدعوة بروح من المسؤولية أن تنادي بالإنجيل. وهذا يعني أن تقدّم لعالمنا، وفي هذا الزمان بالذات، شخص ربنا يسوع المسيح. لا تستطيع الكنيسة ان تتخلّى عن الهدف الأساسي والمطلق المنوط بها وذلك بقصد أن تماشي الاهتمامات العالميّة الزائلة. ويجب أن يكون موقفها من الحضارة، كما هو دائماً جدلياً، بحيث إنها تدنو ثم تبتعد. الكنيسة مدعوة إلى التضامن “مع شؤون الأرض” إلا أنها تدين أيضاً، وتحمل في زماننا لواء النقد الرصين. لا نستطيع أن نتخلّى عن الأرضية الكنسية. وكما أنه يستحيل بلوغ خريستولوجيا أرثوذكسية خارج حياة الكنيسة وتقليدها، هكذا بالمثل أيضاً يستحيل أن يكون لنا حكم صائب في ما يتعلّق بالمنجزات البشرية خارج خبرة الكنيسة وعقيدتها. في الكنيسة فقط نفهم أن المسيح ليس مجرد مانح للشريعة، أو مجرد قائد ديني أو مجرد شخصية تاريخية فذّة، بل ندرك أنه كلمة الله المتجسد الذي صار جسداً كي يحوّل العالم والحضارة بآن. |
||||
19 - 07 - 2016, 07:36 PM | رقم المشاركة : ( 16 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: يسوع المسيح والحضارة
إن وعد الكنيسة وعملها بإزاء الحضارة، وعلى العموم بإزاء كل المأساة الإنسانية هو كما أظنّ ملخّص في الرواية الكتابية للتجلّي. إن خدمة الكنيسة وجهدها هو أن تجعل التجلي أمراً ممكن الوصول إليه في كلّ وضع بشري. وإذ نشدّد ههنا على حدث التجليّي، إنما نشدّد في الواقع على من تجلّى، أعني به يسوع المسيح. والخبرة الكنسية ليست هي سوى جماعة حيّة تعيش في المسيح. في هذه الحقيقة الفريدة والجديدة، تتجلّى كل منجزات الإنسان لتكون أفعال محبة تُرفع إلى الله، وتوجه إلى صورته الذي هو الإنسان. وهذه الأفعال والمنجزات من شأنها أن تمجد الآب والابن والروح القدس، وبالتالي فإنها تمجد وتكرم وتشرف الإنسان أيضاً. د. كونستنتين سكوتيرس جامعة أيثنا – جامعة البلمند ترجمة: الأب منيف حمص |
||||
20 - 07 - 2016, 02:54 PM | رقم المشاركة : ( 17 ) | ||||
..::| الإدارة العامة |::..
|
رد: يسوع المسيح والحضارة
ربنا يبارك خدمتك يا مرمر
|
||||
21 - 07 - 2016, 01:07 PM | رقم المشاركة : ( 18 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: يسوع المسيح والحضارة
شكرا على المرور
|
||||
|