أثَّر فيّ هذا الاكتشاف تأثيرًا كبيرًا، لأنّه أظهرَ لي أنّه لا حاجة لتقصّي معرفة فلسفيّة (غنوصة gnose) هي حَكرٌ على العارِفين، إنّما الكنزُ في متناوَل كُلِّ إنسانٍ مُعَمَّد. وهذه “الحياة الأكثر وفرةً” (يو10، 10) التي يُظهِرُها لنا القُدّاس الإلهيّ هي حياة الله بالذات. لا بل إنّها الله نفسه الذي يسمح لنا بمشاركته، ويعطي العالم وحياتنا معنى إيجابيًّا. فبفضل القدّاس الإلهيّ في الكنيسة، يصبح وجود كُلٍّ منّا مرقاةً إلى الشركة الأبديّة مع “المطلَق”، لا “وهمًا كَونيًّا”، كما يُصَوِّرُه الشرق الأقصى. وهذا “المُطلَق” هو شخص، وليس شيء. إنّه كائنٌ فائق السموّ ولكنّه يحبّني. هذا المفهوم لا يمكن أن تقبلَه حركات التصوّف الشرقيّة التي تقول “بالذوبان”، وباضمحلال الشخص في محيط اللامتناهي. وحدَها المسيحيّة تجرؤ وتنادي الله عن حقيقة “أبانا”. في الحضارات الأخرى، هذا الإسم له معنى الاستعارة.
مُذّاكَ، بدا لي القدّاس الإلهيّ الطريق إلى حلّ المشاكل الوجوديّة التي يواجهها أبناء عصرنا، بقدر ما يُدركون بُطلان “أصنام” مجتمع “التحرّر” المزعوم، فينطلقون للبحث عن معنى للوجود.
احتفظتُ من أيّام تيّارات المعارضة في سنة 1968 برفض المساومات وبشوق إلى المطلَق، وبرفض المألوف، وبمَقتِ الشِّعارات الثوريّة المُصنَّعة والانجذاب نحو النجاح والمال. فغيَّرتُ دراستي، ووَقَفْتُ نفسي على البحث عن المعاني الرَّمزيّة في الطُّقوس المسيحيّة، سيّما معنى الزمن فيها، وعلى اكتشاف التراث الآبائيّ حول دعوة الإنسان إلى التألّه بالمسيح.