وهذا الأمر لا يقلِّل من شأن الكتاب ولا يجعل صورته قاتمة، لكن المسيح لم يعلن الحقيقة في التاريخ فقط، لأنه ظهر وما زال يكشف عن نفسه لنا بثبات في الكنيسة التي هي جسده وليس في الكتاب فقط. في أيام المسيحيين الأوائل لم تكن الأناجيل المصدر الأوحد للمعرفة، لأنها كانت غير مدوَّنة بعد. لكنَّ الكنيسة عاشت وفق روح الإنجيل، بل إن الإنجيل نفسه برز إلى الوجود في الكنيسة عن طريق سرّ الشكر. فمن مسيح سرّ الشكر تعرَّف المسيحيون إلى مسيح الأناجيل. وهكذا صارت صورته حيَّة عندهم.
هذا لا يعني أننا نجعل الكتاب مصنَّفاً يناقض الخبرة، بل يعني أننا نجعلهما واحداً مثلما كانا منذ البدء. يجب ألا نفكر في أن كل ما قلناه ينكر التاريخ، لأننا نعترف بالتاريخ بكل واقعيته المقدَّسة. فنحن لا نقدِّم خبرة دينية ذاتية تناقض الشاهد التاريخي الخارجي، ولا وعياً سرياً فردياً، ولا خبرة لمؤمنين منعزلين، بل خبرة حيَّة كاملة للكنيسة الجامعة وللخبرة الجامعة وللحياة الكنسية. هذه الخبرة تشمل الذاكرة التاريخية أيضاً، فهي ممتلئة من التاريخ. وما هذه الخبرة تذكراً لأحداث قديمة فقط، بل رؤية لما تمَّ واكتمل ورؤية للانتصار السرِّي على الزمن ورؤية للجامعيَّة في كل زمان. الكنيسة تعرف عدميَّة النسيان. لذلك تصل خبرتها التي تهب النعمة إلى كمالها في ملئها الجامع.