تفسير رؤيا يوحنا اللاهوتي - وعلاقتها بالماض والحاضر والمستقبل
الحلقة السابعة
في هذه الحلقة سنتم تفسير الختم الثالث الذي يخص الامبراطورية التي تلت الامبراطورية الرومانية (الفرس الاسود او الادهم): فهناك لونان مذكوران في الاناجيل التي بين ايدي المؤمنين, لذلك سنورد كلا اللونين معا, منعا للإلتباس.
الرؤيا(6 - 5): ولما فتح الختم الثالث سمعت الحيوان الثالث يقول: هلم وانظر: فإذا بفرس أسود (أدهم) والراكب عليه في يده ميزان (6) وسمعت صوتا في وسط الحيوانات الاربعة يقول: مكيال حنطة بدينار وثلاثة مكاييل شعير بدينار ولا تضر الزيت والخمر.
ولنرى من هو الراكب على الفرس الاسود (الادهم) نذهب الى الرؤيا الفصل الثالث عشر.
الرؤيا الفصل الثالث عشر: ووقف على رمل البحر. (أو ثم وقفت على رمل البحر). ورأيت وحشا طالعا من البحر وله سبعة أرؤس وعشرة قرون وعلى قرونه عشرة تيجان (أكاليل) وعلى أرؤسه اسماء تجديف (2) وكان الوحش الذي رأيته يشابه النمر ورجلاه كرجلي الدب وفمه كفم الاسد وقد أتاه التنين قوته وكرسيه وسلطانا عظيما (3) ورأيت أحد أرؤسه كأنه جرح جرحا مميتا وجرحه المميت قد بريء والارض صارت كلها متعجبة خلف الوحش. (4) وسجدوا للتنين الذي آتى الوحش سلطانا وسجدوا للوحش قائلين من يشبه الوحش ومن يستطع أن يحاربه. (5) وأوتي فما يتكلم بعظائم وتجاديف وسلطانا أن يفعل إثنين واربعين شهرا. (6) ففتح فاه بالتجديف على الله وعلى إسمه وعلى مسكنه وعلى سكان السماء. (7) وأبيح له أن يحارب القديسين ويغلبهم وأوتي سلطانا على كل قبيلة وشعب ولسان وأمة. (8) وسيسجد له جميع سكان الارض الذين لم تكتب أسماؤهم في سفر الحياة للحمل المذبوح منذ إنشاء العالم. (9) من له إذنان فليسمع. (10) من ساق الى السبي فإلى السبي يساق, ومن قتل بالسيف فبألسيف يقتل هنا صبر القديسين وإيمانهم.
هنا نرى إن الختم الثالث جاءنا بالفرس الاسود (الادهم), وحسب تسلسل الرؤيا للفصلين الثاني عشر والثالث عشر, وحسب تسلسل الظهور الزمني, نرى إن بعد التنين الاحمر (الاشقر) يأتي الوحش الطالع من البحر والذي له سبعة أرؤس وعشرة قرون.
والان بعد أن حددنا الوحش الذي يطابق الختم الثالث حسب التسلسل. نذهب لنحدد من هو الوحش؟
فما معنى هذه الجملة؟ ووقف على رمل البحر؟ وفي بعض الاناجيل يقول ووقفت على رمل البحر. أي إن الوحش آتِ من رمل البحر. وفي كلتا الحالتين يكون المعنى واحد كما سنرى, فلماذا وقف ابليس على رمل البحر عندما أراد أن يحارب باقي نسل المرأة إخوة المسيح بالايمان والتبني؟
فدعنا نفهم معنى رمل البحر هذا, فنذهب الى التكوين الفصل(22).
التكوين(22 - 15): ونادى ملاك الرب إبراهيم ثانية من السماء (16) وقال بنفسي أقسمت يقول الرب بما إنك فعلت هذا الامر ولم تدخر إبنك وحيدك عني (17) لآباركنك وأكثرن نسلك كنجوم السماء, وكالرمل الذي على شاطيء البحر. ويرث نسلك باب أعدائه (18) ويتبارك في نسلك جميع أمم الارض.
هذا الوعد ولاول وهلة هو واحد ويعني الكثرة والعدد الوفير لنسل إبراهيم. ولكنه في الحقيقة هو وعد من شقين, الاول: كنجوم السماء التي لا تحصى, ويخص به أبناء الموعد نسل الموعد, والذين هم من إيمان إبراهيم, أي الشعب المختار السماوي أبناء أورشليم السماوية الذين خلصوا حسب إنتخاب النعمة وبدم الفادي يسوع المسيح. ونرى ذلك أيضا في:
دانيال(12 - 1): يقول: ويكون وقت ضيق لم يكن منذ كانت أمة الى ذلك الزمان. وفي ذلك الزمان ينجوا شعبك كل من يوجد مكتوبا في الكتاب (2) وكثيرون من الراقدين في تراب الارض يستيقظون بعضهم للحياة الابدية وبعضهم للعار والرذل الابدي (3) ويضيء العقلاء كضياء الجلد والذين جعلوا كثيرين أبرارا كألكواكب الى الدهر والابد.
(وفي بعض الاناجيل): والفاهمون يضيئون كضياء الجلد والذين ردوا كثيرين الى البر كألكواكب الى ابد الدهور. (أي المخلصين أبناء الموعد).
وفي الرؤيا(12 - 4): يقول: وقد جر ذنبه ثلث كواكب السماء والقاها على الارض ووقف التنين قبالة المرأة المشرفة على الولادة ليبتلع ولدها عندما تلده.
أي إن التنين الاحمر (الاشقر), أي الدولة الرومانية ستقتل ثلث مجموع الشهداء من المخلصين وشعب الله المختار الحقيقي.
ونرى إن الكواكب سماوية وكذلك شعب الله المختار المخلصين سماويين يرثون ملكوت السماء أي يصبحون سكان أورشليم السماوية, ويملكون مع الله.
وأما الشق الثاني من الوعد, الذي يقول: كالرمل الذي على شاطيء البحر الذي لا يحصى, فيخص به أبناء الجسد, نسل الجسد نسل إبن الجسد إسمعيل, والذين هم من نسل أعمال الجسد الارضيين.
وهذا هو تطبيقا لوعد الله لإبراهيم عندما يقول:
تك(17 - 20): وأما إسمعيل فقد سمعت قولك فيه, وهاءنذا أباركه وأنميه وأكثره جدا جدا, ويلد إثني عشر رئيسا وأجعله أمة عظيمة (21) غير إن عهدي أقيمه مع إسحق الذي تلده لك سارة.
فنرى إن أبناء الجسد الذين كرمل البحر كثرة هم أبناء أورشليم الارضية الحاصلة في العبودية مع بنيها, ويقول القديس بولس في:
غلاطية(4 - 22): فإنه مكتوب إنه كان لابراهيم إبنان أحدهما من الامة والآخر من الحرة (23) غير إن الذي من الامة ولد بقوة الجسد وأما الذي من الحرة فبقوة الموعد. (24) وذلك إنما هو رمز لان هاتين هما الوصيتان إحداهما من طور سيناء تلد للعبودية فهي هاجر (25) فإن سيناء هو جبل في ديار العرب, ويناسب أورشليم الحالية لان هذه حاصلة في العبودية مع بنيها (26) أما اورشليم العليا فهي حرة وهي أمنا (27) لآنه كتب إفرحي أيتها العاقر التي لم تلد إهتفي واصرخي أيتها التي لم تتمخض لان أبناء المهجورة أكثر من أبناء ذات البعل (28) فنحن أيها الاخوة أبناء الموعد مثل إسحق (29) غير أنه كما كان حينئذ المولود بحسب الجسد يضطهد المولود بالروح, فكذلك الان ....
ولهذا السبب وقف ابليس على رمل البحر, ليأتي بالوحش الطالع من البحر, من أبناء الجسد بني إسمعيل ليحارب بهم أبناء الموعد المولودين بحسب الروح (نسل المرأة الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح).
وهذا أيضا نراه في الرؤيا(20 - 7): وإذا تمت الالف سنة يحل الشيطان من سجنه ويخرج ليضل الامم الذين في زوايا الارض الاربع جوج وما جوج ليحشدهم للقتال في عدد كرمل البحر.
فابليس لا يأتي بشيء الا ارضي ومن الارض مثل رمل البحر وأفعال وأعمأل الجسد. فأي شركة بين البر والاثم وأية مخالطة بين النور والظلمة ..... فنرى إن ابليس وأبناء الجسد الارضيين دائما يحاربون لكي يحصلوا على أورشليم الارضية, أما أبناء الموعد فيتطلعون الى الحرة أورشليم السماوية.
فألارضيون يتمسكون بالارضيات, والسماويون يتمسكون بالسماويات.
والان بعد أن عرفنا من أين سيخرج الوحش ومن أي شعب, وإنّ غرضه هو محاربة إيمان أبناء الموعد. نرى إنّ هذا هو ما حصل فعلا. وهذا الوحش ذات السبعة أرؤس وعشرة قرون هو الامبراطورية أو الدولة الاسلامية بكل فروعها السبعة, وهذا أيضا هو الذي نحصل عليه, لو سالنا التاريخ؟ من الذي حكم أورشليم ودخلها بعد الرومان؟
والجواب هو الدولة الاسلامية. وهنا ومن سوآل التاريخ نجد إن الارؤس السبعة هي:
أولا: محمد والخلفاء الراشدون: من سنة ( 2 2 6 م ) والى سنة ( 0 6 6 م ) .
ثانيا: الخلفاء الامويون: ودام حكمهم من سنة (660 م) والى سنة (750 م).
ثالثا: الخلفاء العباسيون: ودام حكمهم في العراق بين سنة (750 - الى - 1258)م.
رابعا : الدولة الفاطمية: والتي إستمرت ما بين سنة (909 م) و (1171 م).
خامسا: دولة الاتراك السلجوقيين: ودامت ما بين سنة (1055 - 1423)م.
سادسا: دولة المماليك في مصر: وإستمرت ما بين سنة (1250 - 1517)م.
سابعا: وأخيرا: الدولة العثمانية: والتي إستمر حكمها لغاية سنة (1917 م).
هذه هي الارؤس السبعة لهذا الوحش, وأما القرون العشرة التي لهذا الوحش والتي عليها عشرة تيجان (أكاليل) فهي الدول الاسلامية العشرة التي تفرعت اليها هذه الامبراطورية في أيامها الاخيرة.
والقول بأن أحد أرؤسه قد جرح جرحا مميتا, فهذا حصل للدولة العباسية, أيام التتار وهولاكو وتيمورلنك, ولكن الجرح بريء وتعجبت كل الارض.
أما القول بإن الوحش يشبه النمر ورجلاه كرجلي الدب وفمه كفم الاسد وقد أتاه التنين قوته وكرسيه وسلطانا عظيما. فهذا معناه إن الدولة الاسلامية شملت على ارض الكلدانيين (الاسد), وارض فارس ومادي (الدب) وأرض الامبراطورية اليونانية أي الاسكندر المقدوني (النمر), وقد أتاه التنين سلطانا عظيما فلم يقف أحدُ أمامه, وإستسلمت الامم وخرت له ساجدة, ولم تقوى على محاربته خوفا منه قائلين: من يشبه الوحش ومن يستطع أن يحاربه!
ويقول أيضا: وأبيح له أن يحارب القديسين ويغلبهم, وأوتي سلطانا على كل قبيلة وشعب ولسان وأمة. وهذا ما حصل فعلا فقد غلب الاسلام كل القبائل أولا, ثم الشعوب الوثنية ثانية, ثم المسيحية.
ولم يسلم أحد من يده الا من مات أو دفع الجزية أو أسلم. وقد وصل الى الهند شرقا وإسبانيا غربا. وقد ساق الى السبي الكثيرين والكثيرات, وقتل بالسيف الكثيرين وكثرت الغزوات, وكثرت الغنائم, وكان القول الشائع: أسلم تسلم, والا فالموت بحد السيف أو إن كنت محظوظا تدفع الجزية.
وهذا هو ما حصل. أسألوا التاريخ ينبئكم. وهكذا تمت, وستتم محاربة إيمان أبناء الموعد ونسل المرأة, من قبل أبناء الجسد بني إسمعيل. (فهاهنا أخيرا يقتل قاين أخاه هابيل ثانية).
ويقول وأوتي فما يتكلم بعظائم وتجاديف وسلطانا أن يفعل إثنين واربعين شهرا ففتح فاه بالتجديف على الله وعلى إسمه وعلى مسكنه وعلى سكان السماء.
فكان أول شيء فعله الاسلام إدعاء إن التوراة والانجيل محرفين وإن المسيح نبي وإبن مريم وأنكر الصلب والفداء, أي لمحاربة جوهر الموعد, وجوهر إيمان أبناء الموعد, فبدون الصليب لا يوجد موعد ولا فداء إبن الله, وبدون فداء إبن الله لا يوجد خلاص وحيث لا يوجد صالح ولا واحد, والكل زاغوا وفسدوا, فيذهب الجميع الى جهنم وبئس القرار. وهذا هو ما يريده ابليس, التنين الذي أعطى الوحش سلطانا, وهكذا أغلق طريق الخلاص أمام ملايين بل بلايين وبلايين البشر, وبدل الخلاص بألفداء المجاني لكل من يؤمن, أعطوا ميزانا يكيلون به حسناتهم وسيئاتهم ليحصلوا على الخلاص. ولكن هيهات ثم هيهات فخطيئة واحدة تذهب بحسنات عمرِ باكمله. ومن له خطيئة واحدة فقط فلن يرى وجه الله أبدا. ولن يدخل الجنة أبدا. فمعصية واحدةَ فقط, أهبطت آدم وحواء من الجنة ولم تحسب حسناتهم ولم يرد حتى ذكر حسنات آدم وحواء وما عملوا من أعمال في طاعة الله ورب العباد. وكأنه لم يكن لهم حتى حسنة واحدة. فالكتاب أغفل ذكر كل شيء الا المعصية الواحدة التي إرتكبوها, وكانت كافية لموتهم وطردهم من الجنة.
فإسألوا نبي الله موسى: لماذا كان خطأ واحد كافيا ليمنعه الله منعا باتا من دخول أرض الميعاد, (وبالرغم من كل توسلاته الى الله) والتي قاد من أجل دخولها شعبا متمردا أكثر من أربعين سنة في صحراء سيناء, وبعد كل ما تحمله وعاناه مع فرعون مصر؟ فعن أي ميزان نتكلم وتتكلمون؟
ونسال: كيف يكون الله سبحانه أمكر الماكرين؟ فإن أصبح الله سبحانه وتعالى ماكرا ومخادعا, فأين نبحث عن الصلاح؟ أمع الحور الحسان؟
نعم هكذا الارضيون, وهكذا إدراك بني الجسد. أفبعد الايمان, نرجع الى أعمال الجسد؟
وقبل أن نتكلم عن مدة التجاديف والسلطان لمدة أثنين وأربعين شهرا. نذهب لنرى متى ذكرت مدة الاثنين والاربعين شهرا مرة ثانية في الرؤيا؟ لآن هذه هي تلك أيضاّّ ولهذا وضعت بنفس الصيغة. (إثنين واربعين شهراّّ).
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
الرؤيا(11 - 1): وأعطيت قصبة مثل قضيب وقيل لي قم وقس هيكل الله والمذبح والساجدين فيه (2) وأما الدار التي في خارج الهيكل فإطرحها خارجا ولا تقسها فإنها أعطيت للأمم وسيدوسون المدينة المقدسة إثنين وأربعين شهرا.
يقول الفادي: وتكون اورشليم مدوسة من الامم حتى تكمل أزمنة الامم.
لوقا(21 - 20): ومتى رأيتم اورشليم محاطة بجيوش فحينئذ إعلموا أنه قد إقترب خرابها (21) حينئذ ليهرب الذين في اليهودية الى الجبال والذين في وسطها فليفروا خارجا , والذين في الكور فلا يدخلوها (22) لان هذه هي أيام إنتقام ليتم كل ما هو مكتوب (23) وويل للحبالى والمرضعات.في تلك الايام يكون ضيق عظيم على الارض وسخطُ على هذا الشعب (24) ويقعون بحد السيف ويسبون الى جميع الامم. وتكون أورشليم مدوسة من الامم حتى تكمل أزمنة الامم.
وتقول الرؤيا الفصل الحادي عشر: إن الامم التي أعطيت الدار التي في خارج الهيكل ستدوس المدينة المقدسة إثنين وأربعين شهرا.
ويقول الفصل الثالث عشر من الرؤيا: إن الوحش سيتكلم بالتجاديف لمدة إثنين وأربعين شهرا.
فالسيد المسيح يتكلم عن إجمالي المدة التي تكون فيها اورشليم مدوسة من الامم من أول المدة والى آخرها.
أي إنه في حال إنتهاء المدة سيرجع اليهود اليها ثانية.
أما الرؤيا فهي تتكلم عن الامم التي تدوس اورشليم لجزء من إجمالي المدة والبالغة إثنين واربعون شهرا أي ( 42 × 30 = 1260 يوما) إي بحسب النبؤة تكون المدة (1260) سنة تبدأ من وقت إعطاء الدار التي في خارج الهيكل وتنتهي في وقت نهاية أزمنة الامم. وسنرى معنى ذلك.
إن الدار التي في خارج الهيكل (هيكل سليمان وزربابل) هي بالحقيقة الغرف الخارجية الخاصة بالكهنة, وعندما طرحت خارجا ولم يسمح بقياسها, أعطيت للامم, فأقامت مكانها المسجد الاقصى والذي بني بين سنة (705 م) و سنة (710 م) ولو أخذنا متوسط المدة نحصل على (707) سنة وستة أشهر. وبعد مضيء مدة (1260) سنة على هذا التاريخ نصل الى ( 707,5 + 1260 = 1967,5 م).
وهذا معناه إن حكم الوحش على اورشليم سيستمر من وقت أخذ الدار الخارجية والى سنة (1967,5 م). وهذا هو ما تم فعلا حيث إنتهى الحكم الاسلامي على المدينة ورجع اليهود الى القدس الشرقية التي كانت هي المقصودة بالنبؤة وحكموها ثانية في الشهر السادس من سنة 1967 م.
وهذا هو تاريخ إنتهاء أزمنة الامم التي ذكرها السيد المسيح بالكمال والتمام.
وفي الحلقة القادمة سنتكلم عن الشاهدين المذكورين في الفصل الحادي عشر.
اخوكم في الايمان
نوري كريم داؤد
|