في إحدى قرى الصعيد فكر بعض خدام التربية الكنسية في مشروعٍ لخدمة أطفال القرية، وإذ لم يكن لديهم إمكانيات فكروا في الالتجاء إلى بعض أغنياء القرية.
قال أحدهم: "(فلان) إنسان غني ويستطيع أن يساهم بكل نفقة المشروع، لكن... لا أريد أن أدين أحدًا!
- لكن، ماذا؟
- أنت تعرف ماذا أريد أن أقول.
- تقصد ما هو معروف عنه... إنه بخيل!
- كلنا نسمع عنه هذا!
- على أي الأحوال، لنذهب كأبناء له ونقدم له المشروع، لعل يد اللَّه تتدخل وتعمل في قلبه.
ذهب الخدام معًا، فاستقبلهم الغني ببشاشة وجه مرحبًا بهم. وإذ أراد ابنه أن يوقد المصابيح، أوقد المصباح الأول، وحاول أن يشعل المصباح الثاني بإيقاد عود كبريت ثانٍ، فانتهره والده، قائلاً له: "لماذا تستخدم عوديْ كبريت؟ استخدم العود الأول بأن تشعله من المصباح الأول لتوقد المصباح الثاني... أليس في تصرفك هذا خسارة؟!"
خجل الابن جدًا لأن والده ينتهره بسبب عود كبريت لا قيمة له. وكان الخدام ينظرون لبعضهم البعض، وكأنهم كانوا يقولون فيما بينهم: "الذي ينتهر ابنه على عود كبريت، هل سيساهم في مشروع لأطفال القرية؟!"
كان الغني يترقب نظرات الخدام دون أن ينطق بكلمة، بل كان ببشاشة يرحب بهم.
تملك أحد الخدام نفسه وبدأ يعرض المشروع على الغني الذي كان يتابع كلماته باهتمام شديد، وأخيرًا سأل الغني الخدام: "ما هي تكلفة المشروع؟" فأخبروه بالتكلفة.
في لحظات جاء الغني بالمبلغ كله وهو يقول لهم:
"هذه بركة لي أن أساهم في هذا المشروع لنفع أبنائي أطفال القرية.
إني أشكركم لأنكم سمحتم لي بالاشتراك معكم في هذا العمل.
إني أقدم القليل مما أعطاني اللَّه وأما أنتم فالجنود العاملون بقلوبكم ومجهودكم لخدمة الأطفال.
أرجو ألا تحرمونني من الشركة معكم في أي عمل لحساب أولادنا!"
تعجب الخدام من تصرف الغني، وكانوا يتطلعون إلى بعضهم البعض غير مصدقين ما يحدث معهم. وإذ لاحظ الغني ذلك، قال لهم:
"لماذا اندهشتم عندما وبَّخت ابني لتبديد عود كبريت؟ وأيضًا عندما قدمت لكم نفقة المشروع؟ فإنه بمثل هذا العود من الكبريت جمعت لكم ما أقدمه للَّه عطية لخدمته! إني حريص على كل شيء لا لأكنزه وإنما لأستخدمه أنا وأسرتي وأيضًا لخدمة الآخرين".
خرج الكل فرحون وهم يلومون أنفسهم لأنهم كانوا يدينونه بالبخل ظلمًا، وتعلموا منه ألا يبددوا شيئًا حتى يستطيعوا المساهمة في خدمة الآخرين.
† ! هب لي الأمانة في القليل، لأعطي للغير الكثير! †