ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله أبنه وقد ولد من أمرأة وكان خاضعاً للشريعة
غل 4:4
الكلمة هو المسيح المتجسد ، الأقنوم الثاني الأزلي ، أنه كائن قبل كل الدهور. قال عن نفسه ( قبل أن يكون أبراهيم أنا كائن ) " يو 58:8 " . شهد له يوحنا المعمدان قائلاً ( هذا هو الذي قلت عنه ، أن الآتي بعدي متقدم عليّ ، لأنه كان قبل أن أوجد ) " يو 15:1 " . الأنسان الذي خلقه الله على صورته ومثاله أخطأ الى الله . فالله المحب أراد أن ينقذه فأرسل ابنه الوحيد لكي يخلصه ، فأخذ جسداً بشرياً من العذراء مريم لكي تكون له طبيعة بشرية تجمع في ذاتها صفات وخصال التي في طبيعة الأنسان المتعددة الجوانب ، لهذا كان مجرباً في كل شىء كباقي البشر لكن الخطيئة لم تنال منه ، لهذا قال لليهود ( من منكم يبكتني على خطية ؟ ) .
وهذ هو سر عجيب للرب يسوع نحو الأنسان ، وعلى الأنسان أن يأخذ من الأله المتجسد درساً لكي يكمل طبيعته الضعيفة ويرقيها الى الطهارة والنقاوة . جسد الأنسان يجب ، يقدس لأن الله الكلمة تجسد فيه ، والروح القدس يسكن في جسد المؤمن ويخيّم فيه كما خيّمَ فيه أبن الله .
قال الرسول يوحنا ( الكلمة صار جسداً ، وخيّمَ بيننا ، ونحن رأينا مجده ) " يو14:1 " ففي بعض الترجمات تكتب " وحل بيننا " لأن كلمة " حلّ " تعني " خيّمَ " وتعني سكن في خيمة ، أي " خيمة الجسد " والسكن في الخيّم يكون لأجل زمن محدد فيبدأ الرحيل . وهكذا نحن أيضاً ضيوف في هذا العالم ، نسكن في خيمة جسدنا وسيأتي يوم الرحيل لكي نطوي خيمتنا ونرحل الى الخلود . إذاً تجسد المسيح مع البشر كان لقترة عابرة ثم رحل . وهكذا نستدل من العهد القديم كيف كان الله الذي كان مع شعب أسرائيل في البرية بعد خروجه من مصر وحتى زمن سليمان الملك يسكن في خيمة كضيف ، صممت تلك الخيمة من قبل الله الذي أظهر رسمها لموسى على الجبل . لهذا قال الله لداود الملك الذي كان يريد أن يبني له بيتاً ( لم أسكن في بيت منذ يوم أصعدت بني أسرائيل من أرض مصر ، بل كنت أنتقل من مكان الى آخر في خيمة هي مسكن لي ) " 2صم 6:7 " . وكان ذلك رمزاً لسر تجسد المسيح في جسد ، وذلك ما قاله الرب الأله على لسان عبده داود ( هيأت لي جسداً ) . أي أن الله كان يتكلم عن هيكل جسد ابنه المسيح . كلنا نحن البشر تسكن أرواحنا في خيام متنقلة الى أن ترتحل الى منازل دائمة أعدها لنا الرب في السماء وكما قال الرسول بولس ( فإننا نعلم أنه متى تهدمت خيمتنا الأرضية التي نسكنها الآن ، يكون لنا بناء من الله : بيت لم تصنعه أيدي البشر ... ) " 2 قو 1:5 " . في الأرض لم يسكن أبينا أبراهيم في بيوت مبنية منذ أن رحل أرض الكلدان عندما دعاه صوت الله ، بل قضى حياته في الخيّم وفي الصاري كالبو الرحل لأنه يعلم بأنه في رحيل مستمر الى أن يغادر تلك الخيم وخيمة جسده الزائل .
" الكلمة " هو المسيح الرب الذي كان في اللازمن . تجسد فاتحدت طبيعته الألهية بالبشرية في شخص واحد . أنه لسر عظيم وفائق للأرداك . تجسد في العذراء بطريقة عجائبية ، وولد منها بطريقة معجزية تفوق الأدراك ، وهذا ما يليق بأبن الله ولكي تبقى أم الله دائمة البتولية .. أنه المسيح الغير المحدود ، فهل يستوعب سره عقل الأنسان المحدود ؟ لقد أخذ له جسدا بشرياً لكي يدخل في الزمن المحدود والمكان الظاهر والمنظور . الفرق كبير بين الأزلي اللامحدود وبين الأنسان المحدود . دوّنَ عنه كُتّاب الأناجيل ، قائلين ( الكلمة الأزلي الذي كان ، والكائن ، والذي يأتي قد صار جسداً ) وكيف حصل ذلك ؟ حصل بأتحاد طبيعتين في أقنوم واحد بغير أنفصال ، لهذا نؤمن بأن للمسيح طبيعيتين ألهية وأنسانية . لنسأل ونقول ، أتموت طبيعة الله اللاهوتية بناسوت الأنسان لكي يرتقي الأنسان الى طبيعة الله وذلك بسبب وجود روح الله " روح القدس " فيه ؟
يقول القديس أثناسيوس ( نحن بدون الروح القدس غرباء ومنفصلين عن الله ، أما شركتنا في الروح القدس فهي تؤهلنا أن نصبح ذوي قربى باللاهوت ) .
الله أخلى نفسه من مجده الغير المنظور الى المنظور والملموس ، لكنه لم يخلى من لاهوته عندما صار أنساناً ولم يفترق لاهوته من ناسوته . هناك عبارة لاتينية تُعبِر على لسان الكلمة المتجسد ، تقول ( أنا كما كنت هو الله ، ولم أكن ما أنا عليه أنساناً ، لكني الآن الله والإنسان )أي عندما صار في الجسد بقي هو الله الموجود في السماوات وفي الأرض في آن معاً ، وحسب الآية ( وما صعد أحد الى السماء إلا الذي نزل من السماء ، هو أبن الأنسان الذي هو في السماء ) " يو 13:3 " . أي عندما كان ظاهرياً محدوداً في المكان والزمان ، في الحقيقة كان في السماء ايضاً . أي لا يحده زمان أو ماكن أو جسد . أي أن نظامه الأقنومي لم يتغَيَر لكنه باختياره لم يتخدم قوة لاهوته عندما كان في الجسد لكي يكون مشابها لكل البشر وفي كل شىء ويتحمل كل المصاعب وحتى الآلام على الصليب لكن بعد الموت تمجد بالقيامة .
على كل مسيحي أن يفهم التجسد الألهي بين البشر ، ويعمل بحسب وصايا المتجسد الذي تجسد لأجل خلاص الأنسان . فيهيء الأنسان نفسه للرحيل بعد أن يأتي زمن رحيله وأنطلاق روحه من خيمة الجسد الزمنية الى اللازمن حيث الخلود الأبدي مع الأله الذي تجسد ومات من أجل أن يجعلنا معه في السماء الى أبد الآبدين ، ليتمجد أسم الطفل الألهي المتجسد .