الخوف القاتل والخوف الصالح
هناك نوعان من الخوف:
+ خوف قاتل للنفس، وخوف التقوى الدال على حياة النفس
+ خوف يخشى العقاب ويرتعد من الموت، وخوف المحبة الذي يخشى أن يجرح المُحب
+ خوف يخشى من القضاء والحساب، وخوف يعمل على فحص القلب لكي يُرضي من يُحب.
فكل من هو عبد دائماً ما يخشى العِقاب ويخاف من الطرد إلى خارج ويرتعد من الحكم بالعزل والسجن الذي قد يصل به إلى الموت، وتلك هي حال العبد الخاطئ واللص المحب للإثم التابع للذئب الخاطف الشرير أي عدو الخير الشيطان.
فطبيعة العبيد تختلف عن الأبناء، لأن الابن يحب أبيه طبيعياً، وخوفه لا من العقوبة بل يخشى ألا يُرضي أبيه أو يجرح محبته العظيمة نحوه أو لا يكون على مستوى ثقته فيه، وتلك هي حال أبناء الآب في المسيح يسوع ربنا الابن الوحيد الجنس، فهم لا يخشون العقاب ولا يروه من الأساس، بل لأنهم أحبوا البرّ لذلك يخشون فقدانه، وكل ما يرونه في توبيخ الأب هو تأديب محبته الذي يؤدي دائماً للتشذيب والتقويم في البرّ، لذلك قال الرسول عن كلمة الله، كلمة الحياة للأبناء القديسين المدعوين للحياة في المسيح: كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البرّ (2تيموثاوس 3: 16)
فهناك فرق يا إخوتي بين خوف المجرمين الأشرار وبين خوف المسيطر على الضمير، فخوف المجرم هو أنه يخشى قوانين الناس الموضوعة في المجتمع، وكل سعيه أن يخدعها ويتحايل عليها مستغلاً ثغراتها، أما خوف الضمير الداخلي هو من شرائع وقوانين من لا يستطيع أحد أن يخدعه مهما ما بلغ من مقدره أو مكر وقُدرة على الخِداع، لأن الناموس قد زيد بسبب التعديات وهو مرآة النفس الذي يُظهر حقيقتها ويُعلن تشوهها الداخلي لكي يؤدبها للمسيح، أي يهيئها ويوجهها لمسيح التبرير وتجديد النفس:
+ ونحن نعلم أن كل ما يقوله الناموس فهو يُكلم به الذين في الناموس لكي يستد كل فم (أي يصير بلا حجة أو عُذر: أنت بلا عذر أيها الإنسان) ويصير كل العالم تحت قصاص من الله، لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرر أمامه، لأن بالناموس معرفة الخطية، وأما الآن فقد ظهر برّ الله بدون الناموس مشهوداً له من الناموس والأنبياء (رومية 3: 19 – 21)
+ جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة، لأنه مكتوب ملعون كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به؛ فلماذا الناموس قد زيد بسبب التعديات إلى أن يأتي النسل الذي قد وعد له مُرتباً بملائكة في يد وسيط؛ فهل الناموس ضد مواعيد الله حاشا، لأنه لو أُعطي ناموس قادر أن يُحيي لكان بالحقيقة البرّ بالناموس؛ ولكن قبلما جاء الإيمان كنا محروسين تحت الناموس مُغلقاً علينا إلى الإيمان العتيد أن يُعلن؛ إذاً قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان؛ ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة، مولوداً تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني؛ غاية الناموس هي المسيح للبرّ لكل من يؤمن (غلاطية 3: 10، 19، 21، 23، 24؛ 4: 5؛ رومية 10: 4)
* هناك أنواع من الناس، نوع يخشى أن يعمل شرّاً، عن ضعف جسدي، أو نفسي وليس حباً في الصلاح المُعلن في الإنجيل، بل خوفاً من أن يدينهم الناس؛ ونوع آخر في داخل الكنيسة يخدم ولا يفعل الشرّ ونراه له تقوى ظاهره أمام الجميع، مع أنه لا يعرف الله شخص حي وله معه شركه حقيقية على مستوى الذي رأيناه وسمعناه ولمسناه من جهة كلمة الحياة، لكنه تقي ويعمل أعمال القديسين الظاهرة ويرى أنه في حالة من الكمال، أو لو كان متضعاً يقول انه يسعى للكمال، مع أنه غير قابل أن يستمع للتعليم الحي الباني للنفس لأنه يظن أنه يُرضي الله. لكن في الحقيقة أن التقوى هنا ليست حقيقية، بل نابعة من خوف متأصل في الضمير وهو خوف العبيد الذين يخشون العقاب وليس حباً في البرّ، لذلك هذه التقوى لا تُرضي الله لأنها تخص خوف العبيد، لأنه خوف من الشرّ وليس حب الأبناء لأبيهم.
فالخوف من جهنم والعقوبة ربما يمنع عن الخطيئة ويجعل الإنسان يهرب منها مسرعاً ولا يتعامل معها، لكنه بالرغم من شكله الصالح والنافع للنفس، لكنه يكبلها ويضعها تحت قيد اسمه قيد الناموس المُستعَبِد للنفس، فهذا الخوف يجعل الإنسان تحت العبودية مفتقداً للحرية، لذلك أتى المسيح الرب ليعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية (عبرانيين 2: 15)، لذلك قال بفمه الطاهر: فان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً (يوحنا 8: 36)
فالخوف من العقوبة والموت الأبدي يُظهر حقيقة النفس، إذ يُعلن أنها لازالت تحت العبودية ولم تدخل بعد في حرية مجد أولاد الله، وهي محروسة تحت الناموس للموت واللعنة: وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الاوثان وجميع الكذبة فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني (رؤيا 21: 8)
أما الساعين للمحبة والممتلئين منها من جهة الله، فليس عندهم خوف الرُعب، بل خوف التقوى الصالح: التقوى أقدر من كل شيء؛ التقوى نافعة لكل شيء إذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة (الحكمة 10: 12؛ 1تيموثاوس 5: 8)
فالتقوى هي الحارس والمُعلِّم الصالح في الشريعة المُقدسة، الشريعة التي كان حرفها يشل طاقة الإنسان الروحية قبل أن تنجده النعمة، ولكن بوجود نعمة الله تأتي المحبة من فوق من عند أبي الأنوار بالروح القدس، وهي التي تُدعِّم التقوى وتطرد خوف العبيد إلى خارج:
+ بهذا تكملت المحبة فينا أن يكون لنا ثقة في يوم الدين، لأنه كما هو في هذا العالم هكذا نحن أيضا، لا خوف في المحبة، بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج، لأن الخوف له عذاب، وأما من خاف فلم يتكمل في المحبة، نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولا (1يوحنا 4: 17 – 18)
فينبغي الآن أن نكف عن الشرّ – مهما ما تورطنا فيه – ونهرب من كل طرقه الردية، ونُعانق المحبة وندخل فيها، نقبلها من الله بطلبات وصلوات وأصوام لا تنقطع، حتى تملأ قلبنا وكياننا كله فتتولد فينا التقوى الحارسة القلب من الخطأ والانحراف عن المسيرة المقدسة، ومتى بدأت المحبة تدخل قلبنا فأن الخوف الفاسد سيبدأ في الخروج هارباً، ويحل خوف التقوى الصالح، وتسكن القلب كلمة الخلاص شفاء النفس، كلمة الحياة الخارجة من فم الله القدوس الطاهر، لتجدد النفس وتطرد كل ظلمة فيها وتُنير الذهن وتُعيد تزيين النفس بكل فضيلة إلهية آمين.