« وأما هيرودس فلما رأى يسوع فرح جداً ... وترجّى أن يرى آية تُصنع منه وسأله بكلام كثير فلم يجبه بشيء... » (لو8:23، 9)
كون هيرودس « فرح جدا » يُرينا قلب الإنسان وكم يمكن أن يتحول إلى البرودة، لأن أي قلب بقى فيه أثر من عاطفة إنسانية، لا يمكن أن يجد في منظر « رجل الأحزان » موضوع فرح. لكن ها هو هيرودس رجل خاوي القلب يطلب أن يجد في ابن الله الذي صار جسداً، غرضاً يشبع نهمه للترفيه واللهو الذي لا ينتهي. وأقل مشاركة في هذه النوازع الفاسدة، لا تتفق مطلقاً مع كرامة وعظمة ذاك الذي في اتضاعه ظل هو هو الله. « وسأله بكلام كثير فلم يُجبه بشيء ». ومن أجل هذا الصمت، وقف رؤساء الكهنة والكتبة يشتكون عليه باشتداد. فاحتقره هيرودس مع عسكره واستهزأ به وأرسله إلى بيلاطس بعد أن ألبسه لباساً لامعاً. وفى ذلك اليوم صار بيلاطس هيرودس صديقين مع بعضهما لأنهما كانا من قبل في عداوة بينهما. لقد اتفقوا جميعاً. وهكذا يحدث في بعض الأحيان أن العداوة لله والتمرد عليه يوحدّان الناس مع بعضهم!
وماذا كان يعنى ذلك اللباس اللامع، الذي يبدو أن هيرودس شخصياً هو الذي لفه حول الرب؟ يُقال إن هذا اللباس الأبيض اللامع في ذلك الوقت كان يدل على أن لابسه يطمع في مركز سياسي عظيم، وطبعاً كان هذا من جانب هيرودس تهكماً مراً ومُجازاة للادعاءات اليهودية ضد الرب يسوع. « قائلاً إنه هو مسيح ملك ». على أن الرب لم يكن الشخص الذي يرشح نفسه لهذا المركز لأنه هو صاحب الحق الشرعي في عرش داود والعالم. ولم ينكر هذه الحقائق، وكان في سلطانه أن يؤكد حقوقه، لكنه بالنعمة شاء أن يصمت وسوف يستمر ساكتاً « إلى أن يدخل ملء الأمم » (رو25:11) وحينئذ سوف وولي إلى هذه الأرض « بقوة ومجد كثير » (مت30:24) حينذاك لن يكون بعد « مكروه الأمة عبد المتسلطين » (إش7:49) . بل « يتعالى ويرتقى ويتسامى جداً .... من أجله يسد ملوك أفواههم لأنهم قد أبصروا ما لم يُخبروا به وما لم يسمعوه فهموه » (إش13:52، 15). وكما تحمَّل بصبر تهكمات هذا الملك، هكذا من أجله يسد ملوك أفواههم. وكلما اجتهد الإيمان أن يتبعه في تواضعه العميق، كلما ابتهج في ذلك اليوم - وهو ليس ببعيد - حينما نكون مع جميع المفديين شهود غلبته ونُصرته.