منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 30 - 08 - 2023, 11:53 AM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,275,281

آرميا النبي | التأديب


التأديب:

2 وَيَكُونُ إِذَا قَالُوا لَكَ: إِلَى أَيْنَ نَخْرُجُ؟ أَنَّكَ تَقُولُ لَهُمْ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: الَّذِينَ لِلْمَوْتِ فَإِلَى الْمَوْتِ، وَالَّذِينَ لِلسَّيْفِ فَإِلَى السَّيْفِ، وَالَّذِينَ لِلْجُوعِ فَإِلَى الْجُوعِ، وَالَّذِينَ لِلسَّبْيِ فَإِلَى السَّبْيِ. 3 وَأُوَكِّلُ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ، يَقُولُ الرَّبُّ: السَّيْفَ لِلْقَتْلِ، وَالْكِلاَبَ لِلسَّحْبِ، وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَوُحُوشَ الأَرْضِ لِلأَكْلِ وَالإِهْلاَكِ. 4 وَأَدْفَعُهُمْ لِلْقَلَقِ فِي كُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ مِنْ أَجْلِ مَنَسَّى بْنِ حَزَقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، مِنْ أَجْلِ مَا صَنَعَ فِي أُورُشَلِيمَ. 5 فَمَنْ يَشْفُقُ عَلَيْكِ يَا أُورُشَلِيمُ، وَمَنْ يُعَزِّيكِ، وَمَنْ يَمِيلُ لِيَسْأَلَ عَنْ سَلاَمَتِكِ؟ 6 أَنْتِ تَرَكْتِنِي، يَقُولُ الرَّبُّ. إِلَى الْوَرَاءِ سِرْتِ. فَأَمُدُّ يَدِي عَلَيْكِ وَأُهْلِكُكِ. مَلِلْتُ مِنَ النَّدَامَةِ. 7 وَأُذْرِيهِمْ بِمِذْرَاةٍ فِي أَبْوَابِ الأَرْضِ. أُثْكِلُ وَأُبِيدُ شَعْبِي. لَمْ يَرْجِعُوا عَنْ طُرُقِهِمْ. 8 كَثُرَتْ لِي أَرَامِلُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ رَمْلِ الْبِحَارِ. جَلَبْتُ عَلَيْهِمْ، عَلَى أُمِّ الشُّبَّانِ، نَاهِبًا فِي الظَّهِيرَةِ. أَوْقَعْتُ عَلَيْهَا بَغْتَةً رَعْدَةً وَرُعُبَاتٍ. 9 ذَبُلَتْ وَالِدَةُ السَّبْعَةِ. أَسْلَمَتْ نَفْسَهَا. غَرَبَتْ شَمْسُهَا إِذْ بَعْدُ نَهَارٌ. خَزِيَتْ وَخَجِلَتْ. أَمَّا بَقِيَّتُهُمْ فَلِلسَّيْفِ أَدْفَعُهَا أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ».

"ويكون إذا قالوا لك: إلى أين نخرج؟
أنك تقول لهم:
هكذا قال الرب:
الذين للموت فإلى الموت،
والذين للسيف فإلى السيف،
والذين للجوع فإلى الجوع،
والذين للسبي فإلى السبي" [2].
يتساءل الشعب: "إلى أين نخرج؟"، لا في انتظارٍ إلى إجابة، ولا رغبة في تصحيح الموقف، إنما في نوع من التذمر.
يتم التأديب في إحدى الصور الأربع التالية: الموت أو السيف أو القحط أو السبي [2]. هذه الصور تكشف عن عمل الخطية:
أ. أجرة الخطية موت (رو 6: 23؛ تك 2: 17؛ يع 1: 15)، "كما أن البر يؤول إلى الحياة، كذلك من يتبع الشر فإلى موته" (أم 11: 19). بارتكابنا الخطية نعزل أنفسنا عن القدوس مصدر حياتنا، فندخل إلى الموت، الذي أبطله السيد المسيح بصليبه واهب القيامة (1 كو 15: 26).
ب. نسقط تحت سيف كلمة الله (عب 4: 12) الذي يضرب قلب المؤمن ليحطم الخطية ويجرح القلب بجراحات الحب. أما غير المؤمن فتصير كلمة الله التي للحياةهي بعينها للموت، يحطمه السيف، فيفقد سلامه الداخلي.
ج. بالخطية تدخل النفس في مجاعةٍ وقحطٍ لا إلى الخبز المادي، بل إلى كلمة الله، فلا تجد شبعًا في الكلمة ولا عذوبة، وكما قيل: "هوذا أيام تأتي يقول السيد الرب أُرسل جوعًا في الأرض، لا جوعًا للخبز ولا عطشًا للماء، بل لاستماع كلمات الرب؛ فيجولون من بحرٍ إلى بحرٍ، ومن الشمال إلى المشرق يتطَوَّحون ليطلبوا كلمة الرب فلا يجدونها؛ في ذلك اليوم تذبل بالعطش العذارى الجميلات والفتيان" (عا 8: 11-13). هكذا تفقد النفس جمالها ونضرة شبابها لتدخل في قبحٍ وعجزٍ دائمٍ!
د. أخيرًا بالخطية نسقط تحت سبي إبليس، نفقد حرية مجد أولاد الله. لهذا جاء السيد المسيح ليُنادي للمسبيين بالعتق، ويقتنيهم لنفسه مسبيين لا للعبودية، بل لحبه الفائق، وكما يقول الرسول: "سبي سبيًا وأعطى الناس كرامات" (أف 4: 8)، واهبًا إياهم شركة الأمجاد الأبدية، حرية مجد أولاد الله (رو 8: 21).
اختيار رقم 4 للتأديب يحمل معنى رمزيًا، إذ يشير إلى التراب أو إلى الأرض بكونها ذات أربع اتجاهات (شرق وغرب وشمال وجنوب)، وكأن ثمر الخطية هو أن يصير الإنسان أرضًا، لا يقدر أن يختبر السمويات.
"وأوكل عليهم أربعة أنواعٍ يقول الرب:
السيف للقتل،
والكلاب للسحب،
وطيور السماء ووحوش البرية للأكل والإهلاك.
وأدفعهم للقلق في كل ممالك الأرض" [3-4].
كأن الإنسان الذي يقبل الخطية في حياته يصير فريسة لأربعة أمور:
فريسة للموت مع بشاعة الألم حيث تضربه الخطية كما بالسيف.
فريسة للمهانة والخزي، حيث تسحبه الكلاب على التراب، إذ يلتصق القلب بالتراب ويصير ترابًا عوض تمتعه بالملكوت السماوي. وكما قيل: "عار الشعوب الخطية" (أم 14: 34).
فريسة لطيور السماء، أي تفترسه الشياطين، خاصة شيطان الكبرياء.
أخيرًا يصير فريسة لحيوانات البرية التي تشير إلى شهوات الجسد، فتحطمه الشهوات ولا يقدر أن يقاومها.
إذ يسقط فريسة للموت الروحي، ويفقد الكرامة الحقيقية، وتنهشه الشياطين، وتحطمه شهوات الجسد لا يجد راحة أو استقرارًا، بل يصير في قلقٍ في كل ممالك الأرض! يصير مثل قايين الذي بسبب خطيته صار تائهًا على وجه الأرض.
هذه الأنواع من التأديب تشير إلى معاناة جسدية واجتماعية ونفسية. فالسيف يشير إلى المعاناة الجسدية، حيث يُقتل الجسد، أما سحب أجسادهم الميتة بواسطة الكلاب ونهشها بواسطة طيور السماء وحيوانات البرية فيشير إلى المهانة الاجتماعية، حيث تشترك الطيور والوحوش في تحطيم كل ذكرى لهم! كان الدفن في مقابر الأسرة فيه تكريم للميت، أما أن يُترك الميت للكلاب والطيور والوحوش ففيه مهانة بالغة. وأخيرًا المتاعب النفسية إذ يُدفعون للقلق في كل ممالك الأرض.
شعر القديس أغسطينوس بالجوع والعطش، فلجأ إلى الله واهب الشبع والسلام، مناجيًا إيّاه:
[إلهي... لقد جعلت نفسي قادرة على أن تسع جلالك غير المحدود، لئلا يكون لها شيء يقدر أن يملأها سواك...!
إلهي... إنك صنعتنا لأجلك... لذلك يبقى قلبنا مضطربًا، قلقًا، عديم الراحة على الدوام حتى يستريح بك].
ربما يتساءل البعض: لماذا يسلمهم الله للهلاك؟ فيجيب:
"من أجل منسى بن حزقيا ملك يهوذا،
من أجل ما صنع في أورشليم" [4].
كان حزقيا رجلًا صالحًا، طهّر الهيكل من الرجاسات الوثنية، لكن تبوأ ابنه عرش يهوذا سنة 693 ق.م. وهو ابن اثنتى عشرة سنة، واشتهر في أول ملكه بنشر العبادة الوثنية والرجاسات مع العنف وسفك الدماء، فصار الشعب أشر من الأمم (2 مل 21: 2-9). ذُكر على وجه الخصوص لأنه كان أشر ملوكهم، أو لأنه مَلَكَ أكثر من غيره، فلم يُنسَ بعد في أيام إرميا (2 مل 21: 10-15).
هنا تظهر خطورة القائد، متى تنجس قلبه أفسد المجتمع، فتصير الصلوات (بغير التوبة) مرفوضة، حتى إن قدمها موسى أو صموئيل أو إرميا. لقد حلَّ غضب الله على الجماعة التي أفسدتها القيادة الشريرة.
إن كان النبي قد ألقى بالضوء على خطايا الملوك وعائلاتهم لكنه أكد مشاركة الشعب لهم في خطاياهم، ومسئوليتهم المشتركة معهم، لم يُوجد إنسان واحد بار في يهوذا (إر 5: 1)، فلا يستطيع أحد أن يحتج بأنه هو شخصيًا لا يستحق التأديب. اشترك الكل في الرجاسات والارتداد عن الإيمان بقبولهم العبادة الوثنية جنبًا إلى جنب مع عبادة الله الحيّ. اشترك الكل في عار الأمة، إذ هم وارثون لأمة قاومت الله منذ بدايتها (إر 2: 5 إلخ).
"فمن يشفق عليكِ يا أورشليم؟
ومن يعزيكِ؟
ومن يميل ليسأل عن سلامتكِ؟" [5].
هذا هو عمل الخطية الذي نراه واضحًا في حياة البشرية، الشعور بالعزلة والوحدة. ليس من يقدر أن يشارك الإنسان مشاعره الحقيقية ولا من يعزيه، حتى وإن اجتمع حوله المئات أو الألوف وربما الملايين؛ حتى وإن نال شهوة عالمية أو كرامة فائقة... ففي أعماقه لا يجد من يعزيه ويسأل عن سلامته أو يحييه. هذا ما دفع بعض الممثلين المشهورين الذين نالوا شعبية تقدر بالملايين إلى الانتحار. لأنهم إذ يفقدون الله مصدر تعزيتهم وسلامهم يدركون أن كل من هم حولهم لا يستطيعون أن يهبوهم شبعًا داخليًا، أو سلامًا حقيقيًا أو يحبونهم بإخلاص.
هذا هو علة تزايد نسبة المرضى نفسيًا حتى في البلاد المتقدمة، بالرغم من تكاتف كثير من القوى لإشباع كل احتياجات الإنسان اقتصاديًا وعلميًا واجتماعيًا ونفسيًا... لكن يبقى أمر واحد وهو الاتحاد مع القدوس واهب السلام.
يتساءل إرميا النبي: "من يشفق عليكِ يا أورشليم؟ [5].إن كنتِ لا تشفقين على نفسكِ، بل سلمتي أعماقك للسيف والجوع والسبي... قبلتي الموت والعار والمذلة، فمن يشفق عليكِ؟ من يقدر أن يعزيكِ؟ من يهتم بكِ ويسأل عن سلامتكِ؟ تأتي الإجابة كما في أغلب الأسئلة الواردة في هذا السفر: "المسيا المخلص!"، هو وحده يشفق على الخاطى، ويهتم به ويعزيه، ويرد له سلامه بعمل صليبه. لم يعد أحد يشفق على أورشليم، أعداؤها يشمتون فيها، وأبناؤها يهلكون، وأصدقاؤها يهربون أمام فادحة الخطر الذي لحق بها.
لا تنتظر يا عزيزي أحدًا يشفق على أورشليمك الداخلية، إلا الله الآب الذي أحبك وأسلم ابنه الوحيد للصليب لأجل خلاص نفسك، فتترنم مع الرسول قائلًا: "الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا أيضًا معه كل شيء؟!" (رو 8: 32).
من يشفق عليك إلا السيد المسيح مخلصك، وكما يقول الرسول: "من هو الذي يدين؟ المسيح هو الذي مات، بل بالأحرى قام أيضًا، الذي هو أيضًا عن يمين الله الذي أيضًا يشفع فينا" (رو 8: 34). إن التقيت معه الآن بالتوبة تشفق على نفسك. لا تتنظر أبًا أو أمًا أو أخًا أو صديقًا يهتم بخلاصك، بل التقِ به، لأن نفسك ثمينة في عينيه، أعظم من كل العالم! من يعزيك ويهبك السلام الداخلي إلا الروح القدس الْمُعَزِّي، يبكتك على خطية ويقدم لك الغفران، يصالحك مع الآب في استحقاقات دم المسيح!
يعلق العلامة أوريجينوسعلى هذه العبارة قائلًا:
[نريد أن نفهم جميع تلك الكلمات المملوءة وعيدًا لأورشليم:
"فمن يشفق عليك يا أورشليم؟!
ومن يعزِّيك؟!
ومن يميل ليسأل عن سلامتك؟!
أنتِ تركتِني يقول الرب.
إلى الوراء سرتِ، فأمد يدي عليكِ، وأهلككِ.
مللتُ من الندامةِ.
وأذريهم بمذراة في أبواب الأرض.
أثكل وأبيد شعبي".
لقد وَضَعَتْني هذه الكلمات في مأزق، وهو محاولة التوفيق بين صلاح الله ورفضه الرحمة لشعبه.
أقدم مثالًا: لو أن ملكًا حكم على إنسانٍ في مملكته بأنه عدو له، فإنه لا يليق بأي شخص أن يُظهر تعاطفًا مع ذلك العدو أو يبدى أية شفقة عليه، وإذا فعل ذلك حُسب هذا إساءة إلى الملك وإلى أحكامه.
إذا فهمت هذا المثل، أنظر إذن إلى الإنسان المحكوم عليه من قِبل الله من أجل خطاياه الكثيرة، ولاحظ أنه لا يحصل على أية شفقة من الملائكة، رغم أن وظيفة هؤلاء الملائكة هي خدمة الطبيعة البشرية ونجدتها وإنقاذها. لأنه ليس أحد من الملائكة حين يرى أن الله هو القاضي، وأن الذي حمى غضبه هو الخالق، وأن الخطايا وصلت إلى درجة ألزمت الله -إن صح هذا التعبير- الصالح على توقيع الحكم ضد الخاطئ... أن يشفق ولا أن يحزن ولا أن يطلب الرحمة أو السلام من أجل إنسانٍ مثل هذا.
نفترض فعلًا أن أورشليم هذه - لأنها هي المقصودة بالمعنى الحرفي - هي التي أخطأت تجاه السيد المسيح، وعظمت خطاياها أمامه، حتى قال لها: "يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا. هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا" (مت 23: 37). وأن أورشليم هذه، هي التي أُهمِلَت وتُرِكَت من الله. وأن الملائكة الذين لم يتوقفوا عن مساعدة أورشليم، والذين من خلالهم سُلِّمت الشريعة لموسى، تركوا أورشليم وقالوا: إن خطاياها أصبحت عظيمة؛ لأن شعبها قتلوا السيد المسيح ووضعوا عليه الأيادي. وحينما كانت خطاياهم قليلة كان في إمكاننا أن نتشفع وأن نطلب من أجلهم، وكان في استطاعتنا أن نشفق على أورشليم، لكن الآن وبعد هذه الجريمة "من يشفق عليكِ يا أورشليم؟ "قد أخطأت أورشليم خطية، من أجل ذلك صارت رجسة" (مرا 1: 8).
نعم لنفترض أن أورشليم هذه هي التي قيل لها: "فمن يشفق عليكِ يا أورشليم ومن يعزيكِ؟" يجب علينا نحن أيضًا ألا نشفق على أورشليم ومصائبها، ولا نحزن على ما أصاب شعبها، لأنه: "بزلتهم صار الخلاص للأمم (لنا) لإغارتهم" (رو 11: 11).
انتقل من التفسير الحرفي إلى التفسير الروحي، مُطَبّقًا ما قيل لأورشليم على النفس البشرية. بعدما أخذت التعاليم الإلهية أصبحت أورشليم، التي كانت قبلًا تُدعى "يبوس"... ثم تغير اسمها فيما بعد إلى أورشليم. يقال أن "يبوس" ترجمتها "مَدُوسة بالأَقدام". إذن، يبوس "النفس المدوسة بالأقدام" من قوات العدو، تغيرت وأصبحت أورشليم "رؤية السلام". بعدما صارت يبوس أورشليم أخطأت. إن "دست بأقدامك" دم السيد المسيح الذي للعهد الجديد، وإن سقطت في خطايا عظيمة، يقال عنك: "من يشفق عليكِ يا أورشليم ومن يعزيكِ"، طالما وَصَلْتَ إلى حد خيانة مسيحك. كل واحدٍ فينا حينما يخطئ، خاصة الخطايا الجسيمة، يخطئ ضد السيد المسيح نفسه. "فكم عقابًا أشرّ تظنون أنه يحسب مستحقًا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قُدِّسَ به دنسًا وازدرى بروح النعمة؟ (عب 10: 29). فإن دست ابن الله واستهنت بروح النعمة، من يشفق عليكِ ومن يعزيكِ؟ "ومن يميل ليسأل عن سلامتك"؟ إنه ابن الله، الذي خانه الخطاة، هو نفسه الذي سأل عن سلامنا؛ فمَن مِن بعده يستطيع أن يتشفع من أجل سلامنا؟ لندرك جيدًا أن "الذين استنيروا مرة، وذاقوا الموهبة السماوية، وصاروا شركاء الروح القدس، وذاقوا كلمة الله الصالحة، وقوات الدهر الآتي، وسقطوا لا يمكن تجديدهم أيضًا للتوبة، إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه" (عب 6: 4-6). متى أدركنا تلك الكلمات وفهمنا معناها، يلزمنا أن نعمل كل ما في وسعنا لئلا يُقال عنا نحن أيضًا: "من يشفق عليكِ يا أورشليم؟ ومن يعزيكِ؟ ومن يميل ليسأل عن سلامتكِ؟"].
"أنتِ تركتيني يقول الرب.
إلى الوراء سرتِ،
فأمد يدي عليكِ وأهلككِ.
مللت من الندامةِ" [6].
إن كان الله قد أخرجها من حضرته لتتقبل ثمر فعلها: الموت أو السيف أو الجوع أو السبي، فإنه لم يفعل هذا من عنده، إنما هي تركته وسارت متراجعة عنه، وقد طال انتظاره لرجوعها وأخيرًا سلمها لرغبتها، فسقطت تحت المرّ.
لئلا يظن أحد أن الله يعاقب الشعب كله من أجل خطايا منسى الشخصية يوجه حديثه إليهم كعروسٍ له، قائلًا: "أنتِ تركتيني" [6]. لقد تحالفتي مع منسى وشاركتيه شره... وانتظرت عودتكِ لكنكِ تشبثتي بترككِ إيّاي.
يترجم البعض "أنتِ تركتيني" هكذا "أعطيتني القفا" [10]، حيث تحمل معنى رفض سلطان الله عليها.
بتركها الرب سارت كالعروس الخائنة التي تسير وراء رجلها متراجعة عنه، لا تريد الالتقاء أو الاتحاد معه. يُستخدم تعبير "الرجوع إلى الوراء" عن العدو المنهزم (مز 9: 4؛ 56: 10)، وكأنها دخلت في عداوة ضد الله فتركته، وأصابتها الهزيمة، وتقهقرت إلى الوراء.
يمد الرب يده أو يبسطها لكي يحتضن النفوس الساقطة الراجعة إليه، يبسطها على الصليب ليضم العالم كله إليه، ويحمله إلى حضن أبيه كشعبٍ مقدسٍ وأمةٍ ملوكية تنعم بشركة المجد الأبدي. أما إن أصرت النفس على عنادها فيصير مدّ يد الرب لهلاكها عوض خلاصها، لأنها ترد الحب بالبغضة وطول أناة الله بالاستهانة.
يقول العلامة أوريجينوس:
["أنتِ تركتِني يقول الرب، إلى الوراء سِرتِ".
لأن مدينة أورشليم - التي تجعلنا نتذكر كل اليهود - تركت الرب، فقد قيل لها: "إلى الوراء سرتِ".
كان هناك وقت فيه سارت أورشليم إلى الأمام وليس إلى الخلف، أما حاليًا فهي تسير إلى الوراء: "ورجعوا بقلوبهم إلى مصر". أما بالنسبة لمعنى السير إلى الوراء أو الامتداد إلى ما هو قدام، فنشرحه كالآتي:
الإنسان البار ينسى ما هو وراء ويمتد إلى ما هو قدام؛ أما الذي يُوجد في وضع مضاد للإنسان البار فإنه يتذكر ما هو وراء ولن يمتد إلى ما هو قدام. وبتذكره لما هو وراء يرفض سماع السيد المسيح القائل لنا: "فلا يرجع إلى الوراء ليأخذ ثوبه". يرفض سماع السيد المسيح حين يقول: "تذكروا امرأة لوط". يرفض سماع السيد المسيح القائل: "الذي يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء لا يصلح لملكوت الله". وفي العهد القديم مكتوب أيضًا أن الملائكة قالوا للوط بعد خروجه من سدوم: "لا تنظر إلى ورائك ولا تقف في كل الدائرة. اهرب إلى الجبل لئلا تهلك" (تك 19: 17)."لا تنظر إلى ورائك" امتد دائمًا إلى ما هو قدام؛ لقد تركت سدوم، فلا تنظر إذن إليها؛ لقد تركت الشر والخطية فلا تعود بنظرك إليهما؛ "ولا تقف في كل الدائرة". حتى إذا أطعت الأمر الأول "لا تنظر إلى ورائك"، هذا غير كافٍ لإنقاذك إن لم تطع الأمر الثاني أيضًا: "لا تقف في كل الدائرة".
إن بدأنا التقدم والنمو الروحي، يجب علينا ألاّ نتوقف في حدود دائرة سدوم، بل نتخطى تلك الحدود ونهرب إلى الجبل. إن أردت ألا تهلك مع أهل سدوم فلا تنظر أبدًا إلى ما هو وراء، ولا تقف في دائرة سدوم، ولا تذهب إلى أي مكانٍ آخر سوى الجبل، لأنه هناك فقط يمكننا أن نخلص؛ الجبل هو ربنا يسوع الذي له المجد والقدرة إلى أبد الآبدين. آمين ].
يرى العلامة أوريجينوس في مدّ يد الرب إشارة إلى تجسد الكلمة، حيث مد الآب يده، أي أعلن عن ذاته بتجسد ابنه، مدّها بالحب ليحتضن العالم كله بذبيحته الفريدة.
هكذا بالتجسد يمد الله يده لنا، فنقول مع القديس يوحنا: "فإن الحياة أُظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا" (1 يو 1: 2). بيده المبسوطة ينال المؤمنون الخلاص بينما يهلك الآشرار المصممون على عدم الإيمان، إذ قيل: "لهؤلاء رائحة موتٍ لموتٍ، ولأولئك رائحة حياة لحياة" (2 كو 2: 16). وكما قال السيد المسيح لغير المؤمنين: "لو لم أكن قد جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطية، وأما الآن فليس لهم عذر في خطيتهم" (يو 15: 22).
أخيرًا إذ رفضوا يده الممدودة قال: "مللت من الندامة" [6]. وقد جاءت كلمة "مللت" بمعنى "تعبت"، كأن الله قد انتظر طويلًا لعلهم يرجعون، مشبهًا نفسه بالعريس الذي يمد يده لعروسه الخائنة مترقبًا عودتها، وقد طال انتظاره جدًا.
لعل تعبه يشير إلى أنه في انتظاره لم يكن في موقفٍ سلبي، بل بذل كل الجهد لردها إليه كمن تعب، لأنه يرى هلاكها القادم حيث تلقي نفسها بنفسها فيه. فهو وإن سمح بتأديبها لكنه يتعب إذ يريد راحتها وفرحها وسلامها ومجدها وخلاصها الأبدي.
يرى البعض أن بقوله "مللت من الندامة" [6]، يعني أن الله قد ملَّ من ندامة الشعب الباطلة، إذ يترددون متذبذبين بين الانغماس في الشر والدعاء لله.
تأكيده "أمدّ يدي عليكِ" [6] يوضح أن ما سيحل عليها من أسر البابليين لها لا يرجع إلى قوة بابل وإنما إلى سماح الله لهم بذلك لتأديبها. فالسبي ليس ثمرة معركة بين بابل ويهوذا، إنما هو ثمرة سقوط وانحلال مملكة يهوذا واعتزالها إلهها رب الجنود، مصدر قوتها.
وصفها كعروس خائنة متراجعة أو كمن جعل من نفسه عدوًا لله فتقهقر، ومع ذلك يعمل الله لرجوعها، قائلًا:
"وأذريهم بمذراةٍ في أبواب الأرض.
أثكل وأُبيد شعبي.
لم يرجعوا عن ُطرقهم.
كثرت لي أراملهم أكثر من رمل البحار.
جلبت عليهم على أم الشبان ناهبًا في الظهيرة.
أوقعت عليها بغتة رعدة ورُعبات.
ذبلت والدة السبعة،
أسلمت نفسها.
غربت شمسها إذ بعد نهار.
خزيت وخجلت.
أما بقيتهم فللسيف أوقعها أمام أعدائهم يقول الرب" [7-9].
لا يستبعد أن تكون عبارة "أبواب الأرض" إشارة إلى مجدون بكونها الزاوية الشمالية الغربية من البلاد، دخل فيها وخرج منها جيوش كثيرة عبر التاريخ.
أ. يشبههم بالمحصول الذي ليس فيه حنطة بل كالقش، متى قام المزارع بتذريتهم يحملهم الريح ويبددهم العاصف، هكذا تبددوا إلى بابل في السبي. لا يذريهم في الحقول بل "في أبواب الأرض"، ماذا يعني هذا؟ من كان حنطة يستحق الدخول إلى أبواب صهيون الحقيقية، ليكون في بيت الرب، أما من كان قشًا فيدخل في أبواب الهاوية (إش 38: 10).
ب. يشبّه مملكة يهوذا بسيدة رفضت أن تكون ابنة لله، ففقدها وصار كمن هو محروم من ابنته. تفقد هي أيضًا رجلها وبنيها وُتحرم منهم، فتصير أرملة وثكلى.
في الميثاق المبرم مع إبراهيم ويعقوب كان الوعد أن نسلهما يكون كرمل البحر (تك 22: 17؛ 32: 13)، الآن وقد حقق لهما الوعد كسَر الشعب الميثاق وتعرض الشباب للموت فصارت أراملهم أكثر من رمل البحر.
ج. لا يحدث ذلك تدريجيًا إنما دفعة واحدة في وقت الظهيرة، حتى تصير الأم التي لها سبعة شباب أرملة، تفقدهم معًا فتشتهي الموت، تصير لها الظهيرة ظلامًا، وكأن النور يفارق عينيها.
إذ يشير رقم 7 إلى الكمال، هذا يعني أنها أنجبت كل ما يمكن من الأولاد ولم تعد لديها قدرة بعد على الإنجاب، ومات الكل معًا، خاصة وأنها فقدت رجلها وترملت. هذا ما حوّل ظهيرتها إلى ظلمة!
جاء في تسبحة حنة أم صموئيل: "حتى أن العاقر ولدت سبعة، وكثيرة البنين ذبلت" (1 صم 2: 5). وكأن إنجاب سبعة بنين يحمل علامات البركة (إر 4: 15)، وبالتالي فقدانهم في وقت الظهيرة يحمل معنى اللعنة.
لعله يقصد أيضًا بالظهيرة أن الأرملة تفقد أولادها وهم في ظهيرة عمرهم، أي وهم شباب ناضرون، أو لأن نبوخذنصر سبي يهوذا وهو شاب في ظهيرة عمره. هذا وقد سباها بقوة كما في الظهيرة ولم يأتِ كلصٍ خائفٍ في الليل.
بقوله: "غربت شمسها إذ بعد نهار" [9] تشير إلى حالة الحداد التي صارت فيها مملكة يهوذا، فقد لبست النساء الملابس السوداء بعد قتل الرجال والأولاد، حيث صار الكل أرامل، فصارت المدن في وسط النهار كأنها ليل دامس، لا يُرى فيها غير السواد.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
آرميا النبي | التأديب بالقحط
آرميا النبي | كأس التأديب
آرميا النبي | من أجل رفع التأديب
آرميا النبي | اقتراب التأديب
آرميا النبي | سرّ التأديب


الساعة الآن 10:21 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024