رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مسح داود وسط إخوته: إذ عكف صموئيل ينوح على شاول، حزينًا على ما حل به من روح عصيان يجني هو والشعب ثمرتها، قال له الرب: "حتى متى تنوح على شاول وأنا قد رفضته عن أن يملك على إسرائيل؟! املأ قرنك دهنًا، وتعال أرسلك إلى يسى البيتلحمي، لأني قد رأيت لي في بنيه ملكًا" [1]. بلا شك كثيرًا ما صلى صموئيل النبي لأجل توبة شاول ورجوعه إلى الله، فقد عُرف صموئيل باتساع قلبه وعكفه على الصلاة، وانتفع كثيرون بصلاته، أما شاول فلم ينتفع لأنه لم يرد أن يتوب ويرجع عن طريقة. لذا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ليتنا إذن لا نطمع في الآخرين، فإن صلوات القديسين لها قوة عظيمة حقًا ولكن بشرط توبتنا وإصلاحنا. فإنه حتى موسى الذي أنقذ أخاه والستمائة ألف رجل من الغضب الذي سيحل بهم من قبل الله لم تكن له قوة على خلاص أخته (خر 32، عد 12) ]. بأمر إلهي توقف صموئيل عن النوح ليمتلئ قلبه بالتعزيات الإلهية، إذ حوّل الله شر شاول إلى خير، فطلب منه أن يملأ قرنه دهنًا ليمسح ابن يسى البتلحمي ملكًا. حين يظلم العالم في أعين الناس، في الهزيع الأخير من الليل، يتجلى الله وسط تلاميذه واهبًا لهم ما لم يكن في حسبانهم. هكذا بينما فقد بنو إسرائيل رجاءهم وانكب صموئيل على البكاء والنوح إذ يقول الرب له: "قد رأيت لي في بنيه (بني يسى) ملكًا" [1]. رأى الله ما لم يره الناس، رأى في أبناء يسى ابنًا مباركًا يكرسه لنفسه ويقيمه ملكًا على شعبه، قادرًا على العمل وسط الظلمة التي سادت في ذلك الحين. هكذا ليتنا ندرك أن لله أشخاصًا يختارهم بنفسه للعمل لحساب ملكوته، يعضدهم بنفسه. خاف صموئيل إذ يعرف حماقة شاول وبطشه، لكن الرب دبّر له الأمر، أن يأخذ معه عجلة من البقر ليقدم ذبيحة للرب وفي نفس الوقت يمسح داود ملكًا... يبرز العمل الأول أمام الجميع ويتمم الآخر سرًا. بهذا لا يكذب صموئيل عندما يُسأل عن سبب مجيئه إلى بيت لحم، إنما يخفي جزءًا من الحقيقة. لماذا قُدمت الذبيحة في بيت لحم علانية بينما مُسح داود سرًا وسط إخوته [13]؟ أ. حتى لا يبطش شاول الملك بصموئيل النبي كما قلنا. ب. لأنه لم يكن الوقت قد حان لإعلان مُلك داود، إذ لم يستلم العرش إلا بعد موت شاول، إنما أُعطيت المسحة كنعمة إلهية تعده وتسنده للعمل حتى يتولى الملك. ج. لأن الذبيحة تشير إلى الصليب (ذبيحة السيد المسيح) بينما الملك وإن كان قد بدأ بالصليب - إذ ملك الرب على خشبه - لكن تم ذلك بقيامته وصعوده إلى السموات ليملك ويهبنا أن نملك معه بروحه القدوس. لقد تم الصلب علانية على جبل الجلجثة حتى لا يوجد عذر لإنسان لا يؤمن بخلاص الرب المجاني، أما القيامة والصعود فأمران يمثلان مجدًا يوهب للأخصاء الذين قبلوا الصليب في حياتهم. لنقبل أن نذبح مع المسيح كل يوم علانية لكي يملك فينا في القلب خفية. لنتألم معه علانية فنتمجد معه سرًا. جاء صموئيل النبي إلى "بيت لحم" التي تعني "بيت الخبز"، تبعد حوالي ستة أميال جنوب أورشليم، في أرض يهوذا. في هذه المدينة ارتعب الشيوخ إذ رأوا صموئيل قادمًا ظانين أنهم أخطأوا في شيء ما، بينما كان صموئيل في أعماقه متهللًا من أجل سيامة ملك هو للرب. في هذه المدينة وُلد السيد المسيح - ملك الملوك - من نسل داود، أرعب هيرودس ورجاله بينما تهللت السماء وفرحت مع المؤمنين من أجل مجيئه لخلاص العالم. ما يرعب البعض يكون سر تهليل للغير. لماذا اختير داود النبي الأصغر بين إخوته؟ أ. يقول الرب لصموئيل النبي عندما أراد مسح الابن الأكب آلياب: (غالبًا هو اليهو الذي صار رئيسًا على سبط يهوذا): "لا تنظر إلى منظره وطول قامته، لأني قد رفضته؛ لأنه ليس كما ينظر الإنسان، لأن الإنسان ينظر إلى العينين وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب" [7]. وكما يقول القديس أكليمندس الإسكندري: [لم يمسح من كان وسيمًا في هيئته بل من كان جميلًا في النفس]. اختاره الله من أجل نقاوته الداخلية وجمال نفسه لا من أجل هيئته الخارجية. لقد سبق أن أعطاهم الرب ملكًا طويل القامة وحسن الصورة حسب طلبهم، أما الآن فيهبهم ملكًا حسب فكره. هكذا عبّر يسى أولاده السبعة أمام صموئيل (بينهم أبيناداب وَشَمَّةَ الذي دعى شمعي في (2 صم 13: 3))، ولم يختر الرب أحدًا منهم، وأخيرًا استدعى أصغر الأبناء الذي كان يرعى الغنم [11]، ليُمسح راعيًا على غنم الله الناطقة. ب. اتسم داود بالأمانة في القليل لذلك أقامه الله على الكثير (مت 25: 21). لقد كان الأصغر بين أبناء يسى حتى أهمله والده [11]، واحتقره إخوته [28]، لكن الله رأى فيه القلب الأمين الذي تأهل لاستلام قيادة شعبه، نذكر على سبيل المثال أنه تعلم من رعاية الغنم أن يحب كل خروف من غنم أبيه، فيُهاجم الوحوش المفترسة (الأسد والدب) [34] لينقذ الغنم في شجاعة. خلال رعاية الغنم تعليم الموسيقى والعزف على القيثارة فاستخدم الله هذه الوزنة للدخول به إلى الملك شاول. كذلك تمتع خلال الرعاية بالطبيعة ليسبح الله بمزامير روحية. تعلم الضرب بالمقلاع ليعينه على قتل جليات الجبار. ج. كان داود الثامن والأخير بين إخوته، أما كونه الثامن فيرمز إلى الحياة السماوية (لأن رقم 7 يشير إلى الزمن = سبعة أيام الأسبوع، ورقم 8 إلى ما هو فوق حدود الزمن)، وكأنه يرمز للسيد المسيح الملك السماوي والذي صار الأخير، إذ أخلى ذاته من أجلنا (في 2: 7) واحتل آخر الصفوف لكي يضم الجميع فيه ويرتفع بهم بروحه القدوس إلى حضن الآب السماوي. د. كلمة "داود" ربما مشتقة من dôd التي تعني "حبًا" أو "محبوبًا". وكأن الله يقيم من المحبوبين لديه المتجاوبين مع حبه ملوكًا يرثون الملكوت معه أبديًا. وبدون الحب لن ينعم المؤمنون بالحياة الأبدية. ه. يرى القديس أغسطينوس في اختيار داود الأصغر دون أخيه (إخوته) الأكبر عملًا رمزيًا لاختيار الأمم كأعضاء في كنيسة العهد الجديد فيملكون في الرب دون اليهود الذين سبقوهم في المعرفة لكنهم رفضوا الإيمان. وكأن الأمم هم داود الأصغر الذي تقبَّل نعمة الملوكية من قبل الله دون إخوته الأكبر منه، وكما يقول السيد المسيح نفسه: "هكذا يكون الآخِرون أولين والأولون آخِرين" (مت 20). بنفس الطريقة فُضل هابيل عن أخيه الأكبر وإسحق عن إسماعيل ويعقوب عن عيسو المولود معه وهم توآمان. وأيضًا فارص عن زارح (تك 38: 29). اختيار داود الأصغر بين إخوته ملكًا يرمز إلى شخص السيد المسيح الذي احتل آخر صفوف البشر، صار عبدًا من أجلنا، لكي بالصليب يملك في قلوبنا. إنه آدم الثاني الذي ملك عوض آدم الأول (رو 5) ليكون رأسًا للبشرية، قادرًا أن يقيمها ويجددها. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|