|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كيف نتحدث مع الله وَلَكِنْ هَلْ لله قَالَ: احْتَمَلْتُ، لاَ أَعُودُ أُفْسِدُ [31]. يطالبه أليهو أن يرجع إلى الله، وبروح التوبة يقول: احتملت التأديب، لا أعود أخطئ بعد! جاءت الخاتمة تحمل عنفًا أكثر من كل أحاديث الأصدقاء الثلاثة، لكن يبدو أن نية أليهو وغيرته الصادقة هي التي ميَّزته عنهم، إذ لم يحمل معهم حسدهم. يترجمها البعض: "بالتأكيد يليق أن يُقال لله: لقد تأدبت، لا أعود أعصى". هكذا يطالبه أليهو أن يسلك بروح التواضع أمام الله. يليق بالإنسان المتألم أن يتعدى حدود الألم ليلتقي بالله بروح التواضع والفهم، في غير تذمرٍ أو شكوىٍ، مدركًا أن وراء الألم خطة إلهية لبنيانه. قدم له حقيقة عامة، أنه يليق بالمتألم أن يتعرف على خطة الله من نحوه. "احتملت": يرى البعض أن الكلمة العبرية هنا تعني "تبت" أو "تأديب"، فلا أعود أصنع فسادًا. بهذا تكون الآلام طريقًا لمراجعة النفس وطلب الإصلاح بالعودة إلى الله. بالفعل قال أيوب هكذا لله (أي 40: 3-5؛ مي 7: 9؛ لا 26: 41). مَا لَمْ أُبْصِرْهُ فَأَرِنِيهِ أَنْتَ. إِنْ كُنْتُ قَدْ فَعَلْتُ إِثْمًا، فَلاَ أَعُودُ أَفْعَلُهُ؟ [32] يقدم لنا أليهو صورة رائعة للتوبة، وفي نفس الوقت يبرز ما في داخله من جهة أيوب. لم يكن أيوب كما سبق فقال له أصدقاؤه إنه مرائي يغطي على خطاياه بالشكليات الخادعة، ويخفي شروره الدفينة بمظاهر العطاء والخدمة وإنما يقول له: "توجد في حياتك - كما في حياة كل مؤمنٍ - خطايا خفية عن عينيك، تمارسها لا إراديًا، لا تقدر أن تراها أو تدركها أطلب من الله فيكشفها لك". الله يعلم شعبه (أي 10: 2)، مقدمًا لهم معرفة داخلية حتى لأخطائهم التي لم يدركوها أن جاءوا إليه نادمين (مز 32: 8؛ 19: 12؛ 139: 23-24). يليق بالمؤمن أن يضع في قلبه أنه إن كشف الرب له عن خطاياه لا يعود بعد إليها (أم 28: 13؛ أف 4: 22). هَلْ كَرَأْيِكَ يُجَازِيهِ قَائِلًا: لأَنَّكَ رَفَضْت،َ فَأَنْتَ تَخْتَارُ لاَ أَنَا. وَبِمَا تَعْرِفُهُ تَكَلَّمْ؟ [33] جاء هذا النص غامضًا، لذا تباينت التفاسير. يرى البعض أن الله سيجازي على العمل سواء قَبِلَ الشخص ذلك أو رفض، وأن الله لا يتصرف حسب وجهة نظر الإنسان، إنما حسبما يرى هو أنه حق ونافع، فلا يتوقع الإنسان أن الله يستشير البشر ويتصرف حسب آرائهم أو مشاعرهم. كأن الإنسان يقول لله: لتعمل أنت يا الله حسبما ترى؛ أنت الذي تختار وتأخذ وليس أنا، تعمل وتتكلم حسبما تعرف أنت. أما أنا فمن جانبي أثق في قراراتك وأخضع لخطتك. ذَوُو الأَلْبَابِ يَقُولُونَ لِي، بَلِ الرَّجُلُ الْحَكِيمُ الَّذِي يَسْمَعُنِي يَقُولُ: [34] يود أليهو أن يدخل في حوارٍ مع أناسٍ ذي فهمٍ وحكمةٍ، لأنه يود أن يجد من يسمع له ويزن أقواله، ويُقيِّمها. إِنَّ أَيُّوبَ يَتَكَلَّمُ بِلاَ مَعْرِفَةٍ، وَكَلاَمُهُ لَيْسَ بِتَعَقُّلٍ [35]. يرى أليهو في أيوب أنه قد التزم الصمت، فحسبه جامد في فكره، يتمسك بإرادته وبذاته، فلا نفع مع الحديث معه. حسبه كمن هو بلا معرفة ولا حكمة. فَلَيْتَ أَيُّوبَ كَانَ يُمْتَحَنُ إِلَى الْغَايَةِ، مِنْ أَجْلِ أَجْوِبَتِهِ كَأَهْلِ الإِثْمِ [36]. يود أليهو أن يُقدم أيوب لمحاكمة عادلة، فتُمتحن أقواله ومفاهيمه، فقد قدم إجاباته على أهل الإثم (أصدقائه)، ويلزمه تصحيح ما قاله. لَكِنَّهُ أَضَافَ إِلَى خَطِيَّتِهِ مَعْصِيَةً. يُصَفِّقُ بَيْنَنَا، وَيُكْثِرُ كَلاَمَهُ عَلَى اللهِ [37]. بجانب خطاياه السابقة، أضاف خطية أخطر أثناء حواره، ألاَّ وهي خطية الشكوى مع التذمر على الله. فإن كان الله سمح له بالتأديب عن خطاياه، كان يلزمه ألا يتذمر حتى وإن أثاره أصدقاؤه باتهامات ظالمة وعنيفة. "التصفيق"، إما علامة على الاستحسان والنصرة أو على السخط والضيق (عد 24: 10) أو للسخرية (أي 27: 23). يبدو أنه يتحدث هنا عن التصفيق كرمزٍ للاستخفاف والسخرية على مفاهيم أصدقائه. كأن أيوب - عوض دراسة الأمور بطريقة موضوعية - بروح هادئة ورغبة في التعرف على الحق والانتفاع منه، كان كل ما يشغله هو الاستخفاف بأصدقائه الذين يتهمونه ظلمًا. "ويكثر كلامه على الله": عوض الالتجاء إلى الله لمساندته نسب لله الظلم، واسترسل في ذلك. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|