عادل حمودة يكتب: هل انتهى شهر العسل بين المرشد والرئيس؟
عادل حمودة
مرسى بين هواجس الانقلاب على نظامه ومخاوف التخلص من حياته!
1
السلطة امرأة "مزاجية".. ليس لها نظام تسير عليه.. ولا أجندة تلتزم بها.. كاذبة فى مواعيدها.. محتالة فى تصرفاتها.. تنتظرها بالملابس الكاملة فى غرفة الصالون.. فتجدها تحت الدش مع رجل آخر.. تضعها فى الفراش خوفا من البرد.. فتتسلل عارية لترقص تحت المطر فى ميدان عام.
هى المرأة الوحيدة بين النساء التى تخطب الرجل وتتزوجه.. لكنه.. يحبل ويتوحم.. ويلد منها.. وهو آخر من يعلم.
ولو بدأت علاقتها به ناعمة حالمة مغرية على طريقة هند رستم فإنها قد تجهز عليه بطريقة ريا وسكينة.
نجا حسنى مبارك من القتل فى حادث "المنصة" بمعجزة عاجلة هبطت عليه من السماء.. لكن.. المشهد المروع الذى عاشه بجانب جثة أنور السادات ضاعف من غريزة البقاء لديه.. فأصبح قادرا على شم الخطر عن بعد.. ونجح فى الفرار من عشرين عملية اغتيال.. دبرت له فى الداخل والخارج.. بطرق مبتكرة.. ومقتحمة.
كان خصوم الرئيس السابق «28» تنظيما دينيا.. متشددا.. مسلحا.. مدربا على القتل دون رحمة.. والتفجير بشراسة.. والذبح بقلب ميت.. وغطت هذه التنظيمات عملياتها البدنية بفتاوى تكفيرية.. فكان ذلك مبررا للشدة والصرامة والقسوة التى مارستها الأجهزة الأمنية.. كما كانت سببا فى مضاعفة المليارات التى تنفقها تلك الأجهزة سنويا على حساب الفقراء.. بجانب منحها حصانات وصلاحيات وتجاوزات أصبحت معها إجراءات الطوارئ العابرة.. رحمة.
لكن.. فى وجود محمد مرسى انقلبت الآية تماما.. خصوم مبارك أصبحوا أصدقاءه.. القتلة فى أقفاص المحاكم أصبحوا ملائكة فى القصر الجمهورى.. الإرهابيون المجرمون المطاردون أصبحوا سياسيين ومستشارين مقربين.. فلماذا يخشى على حياته؟.. لماذا يخاف الاغتيال وهو الرجل المتدين المؤمن بأن الأعمار بيد الله؟.. لماذا لم يعد يفتح سترته وسط الحشود كاشفا عن صدر خال من قميص مضاد للرصاص كما فعل فى ميدان التحرير فور فوزه فى الانتخابات؟.. هل أصبح متوجسا من أنصاره قبل خصومه؟.. بدقة أكثر.. هل يمكن لجماعته التى رفعته أن تصفيه؟
إن مظاهر القلق على حياته أصبحت ظاهرة للعيان.. يسهل رصدها بوضوح.. أعداد هائلة من قوات وسيارات الأمن المركزى.. تصاحبها حراسات خاصة.. ورتب سرية من أجهزة خفية.. تتحرك معه.. وتستقر بجانبه.. وتكلف موازنة الدولة المرهقة ملايين يوميا.. على حساب احتياجات المصريين من خبز وبوتاجاز وأمان.. فما الذى يفزع الرئيس المنتخب من الشعب إلى هذا الحد وفى وقت قياسى لا يزيد عن أسابيع؟
أكثر من ذلك.. لم يهدأ البال بإقالة جنرالات الجيش الكبار بما يسيطرون عليه من جنود ومدرعات.. ولم يهنأ الخاطر بالتخلص من مدير المخابرات السابق.. أو بتعيين قائد جديد للحرس الجمهورى.. بل على العكس طفت المخاوف أكثر.. وطفحت.
2
جرى تصعيد اللواء محمد رأفت شحاتة من داخل المخابرات العامة ليصبح أول رئيس للجهاز من داخله ومن أبنائه.. فقد جرت العادة أن يتولى المنصب ضابط جاء من المخابرات الحربية.. فؤاد نصار وعمر سليمان ومراد موافى مثلا.
وتنقسم المخابرات العامة إلى هيئتين.. هيئة الخدمة السرية.. ومهمتها متابعة العملاء فى الخارج.. وهيئة الأمن القومى ومهمتها مكافحة الجواسيس فى الداخل.. وكان شحاتة رئيساً للخدمة السرية.. تولاها بعد خالد العرابى الذى مات بأزمة قلبية وهو يؤدى العمرة.
وكان متوقعا تصعيد مصطفى البحيرى بسبب علاقته القوية بمراد موافى.. وسبق للبحيرى تولى الملف الفلسطينى.. ومؤخرا تولى مهام الاتصالات الخارجية.. قبل أن يخفت نجمه.
ويؤخذ على عمر سليمان أنه مد الخدمة للقيادات بعد سن التقاعد مستغلا تعديل القانون الذى وضع فى يده سلطة الإبقاء على من يشاء.. مهما طال العمر.. فشاخت القيادات فى مواقعها.. وهو ما جعلها بطيئة فى رد فعلها أمام الأحداث المفاجئة.. فعندما قامت مظاهرات 25 يناير كان عمر المسئول عن الأمن القومى مصطفى عبد النبى يزيد على 66 سنة.
إن المخابرات تجدد دماءها وتعيد قياداتها إلى خبرتها وحيويتها وحماسها وهى أمور غابت عن مؤسسات الدولة المختلفة.. فسقطت أجيال متتالية من الحسابات.. وسقطت معها فرص التجديد.. والتطوير.. والتحديث.
لكن.. كل من شاهد وسمع اللواء شحاتة وهو يؤدى اليمين القانونية أمام مرسى توقف عند نص القسم.. فالكلمات مختلفة عن القسم المنصوص عليه فى الدستور.. وعما تعودنا سماعه.. وضربت آذاننا بتعهده الولاء للرئيس قبل الوطن.. وأضيف المصحف الشريف إلى المشهد.
كانت هذه هى المرة الأولى التى نرى فيها مدير مخابرات يؤدى القسم علنا.. فكل من سبقوه كانوا يؤدونه بعيدا عن الكاميرات بسبب الحرص على سرية الجهاز وصورة رئيسه.. لكن.. فى السنوات العشر الأخيرة لم تعد شخصيات مديرى المخابرات فى المنطقة العربية خفية.. فقد انتقلت إليهم ملفات السياسة الخارجية.. باشروها بأنفسهم بتنسيق مباشر مع الحكام.. وانكمش عمل وزراء الخارجية ليقتصر على التصريحات الصحفية التى لا تقدم ولا تؤخر.
بعد كشف شخصية مدير المخابرات ونشر تحركاته وسفرياته لم يعد هناك مبرر لإخفاء صورته وهو يؤدى اليمين القانونية.. لكن.. لماذا اختلف القسم الذى نطق به هذه المرة عن ما سبق؟.
إن المادة (16) من القانون (100) لسنة 1971 المنظم لعمل المخابرات تعطى رئيس الجمهورية الحق فى فرض صيغة الحلف كما يشاء.. لكن.. مصادر قريبة من رؤساء سابقين للجهاز أكدوا أن القسم الذى أدوه فيما قبل لم يختلف كثيرا عن القسم المعتاد للوزراء.. كما لم يكن على مصحف.. فالحنث فى اليمين جريمة جنائية وشرعية سواء قيل بكتاب مقدس أو بدونه.
إذن من حق مرسى صياغة القسم حسب ما يرى.. وإن أخذ عليه وضع الولاء إليه قبل الولاء للوطن.. خاصة أن كل رئيس جمهورية كان يختار رئيس المخابرات الذى يطمئن إليه ويثق فيه.. ويبعد من يخشى أن يعمل ضده.
لقد تخلص جمال عبدالناصر من صلاح نصر بعد انحيازه للمشير عبدالحكيم عامر وجاء بأمين هويدى.. وتخلص أنور السادات من أحمد كامل بعد أحداث 15 مايو 1971 وجاء بأحمد إسماعيل على.. وما أن جاء حسنى مبارك حتى تخلص من فؤاد نصار وعين نور عفيفى.. وتكرر المشهد مؤخرا بإقالة مراد موافى وتولى محمد رأفت شحاتة.
3
وكثيرا ما حنث مسئولون كبار بيمينهم وانقلبوا على الرئيس الذى أقسموا أمامه.. إن الضباط الأحرار تخلصوا من الملك فاروق الذى أقسموا على طاعته وحمايته.. وتكرر الأمر بتخلص المشير حسين طنطاوى وباقى أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة من مبارك الذى حلفوا بالولاء له.. وحماية نظامه.. وطاعة أوامره.. فليس صحيحا أن الجيش المصرى كان دائما مع الشرعية.. وأول من خرق هذا القانون أحمد عرابى بثورته الشهيرة على الخديو توفيق.
وعادة ما يكون القسم على المصحف مقصورا على التنظيمات السرية والجماعات التى تنوى الانقلاب على السلطة.. فأعضاء جماعة الإخوان يقسمون يمين الطاعة والولاء للمرشد العام بعد وضع أيديهم على كتاب الله.. والضباط الأحرار أقسموا على المصحف بتطهير البلاد من الملك المستهتر وحاشيته الفاسدة.. بل إن أعضاء فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة أقسموا على المصحف بعد مظاهرات 25 يناير أنهم إذا ما أجبروا على النزول للشارع فإنهم لن يعودوا إلى ثكناتهم إلا والسلطة فى أيديهم.. ومنعا للحرج أبقوا رئيسهم حسين طنطاوى بعيدا عن القسم.
إن القسم على المصحف يلزم صاحبه بأكثر من القسم بدونه.. يجعله يخشى عقاب الله.. وهو أشد وأصعب.. وإن استخدم بعض العلماء قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" فى التحرر من اليمين.. بجانب كفارته الصيام ثلاثة أيام.
ويكون السؤال.. هل الولاء الشخصى للرئيس الذى أقسم عليه مدير المخابرات يمنع المسئول الأمنى الرفيع من الكشف عن جرائم ارتكبها الرئيس على حساب سلامة الوطن؟
الحقيقة أن القسم يقيده.. ويمنعه من العمل ضد الرئيس.. وكل ما عليه فى هذا الحالة إبلاغ النائب العام بما ارتكب الرئيس ليتصرف بالطريقة التى يراها مناسبة قانونا.. ولا أعتقد أن هناك نائبا عاما يمكن أن يوجه تهمة للرئيس.. ما لم يكن الرئيس بعيدا عن منصبه.. وسلطته.. مثل مبارك.
4
والحقيقة أيضا.. أن مرسى بفرضه الولاء المباشر له فى قسم مدير المخابرات يكشف عن شعور خفى فى داخله بالخوف على حياته.. أو بالانقلاب على حكمه.. فمن يريد التخلص منه والقضاء عليه؟.. ومن يملك القدرة على ذلك؟
لابد أنه يخشى تكرار سيناريو مبارك وجنرالاته.. وهنا تكمن هواجسه فى الانقلاب على حكمه.
كما أنه يخشى من غضب الإخوان منه ورفع مساندتها له.. وبدونها ما كان ليصل إلى ما هو فيه.. وهنا تكمن هواجسه فى الخوف على حياته.
لقد وعد بأن يكون رئيسا لكل المصريين.. وهو وعد يصعب عليه تنفيذه فى وجود ضغوط هائلة من الجماعة للسيطرة الكاملة على كل شبر فى الدولة.. بما يتجاوز قدراتها وخبرتها وكفاءتها.. ولو أصر الرجل على ما وعد به.. شعرت الجماعة بضياع فرصتها الذهبية فى البقاء والاستمرار.. وربما يكون التخلص منه بالقتل سيناريو آخر لتغيير الحكم.
إن التنظيم الخاص للجماعة لم ينصرف.. فى الغالب.. وكل ما يحتاجه لاسترداد عافيته.. وضع سلاح فى يد أعضائه.. لتنفيذ ما يطلب منهم.. التزاما بقسم السمع والطاعة.. كما أن تراث التصفية الجسدية فى تاريخ الجماعة شاهد على لجوئها للعنف إذا ما فشلت الوسائل الأخرى فى تحقيق ما تشاء.
والمؤكد أن الخلافات بين الرئاسة والجماعة تتزايد يوما بعد يوم.. خاصة بعد الحرج الواضح الذى سببته مجموعة حسن مالك وخيرت الشاطر للرئيس.. فقد فتحت من جديد باب تعارض المصالح بين البيزنس والحكم.. بين الثروة والسلطة.. وهو ما تسبب فى فساد شخصيات استغلت سفرها مع مرسى إلى الصين لوضع ملفات تجاوزاتها فى استخراج خامات من الأرض دون استكمال التراخيص فى الدرج.. لنكرر ما سبق أن وجهه الإخوان أنفسهم من انتقادات للنظام السابق.
وفرضت الجماعة على الرئيس شخصيات تنتمى إليها وتحقق مكاسبها على مناصب مباشرة فى السلطات المختلفة.. وهو ما يثير غضب تيارات سياسية خارجية وداخلية استخدمت ذلك فى التدليل على انحياز الرئيس لجماعته.. وفقدت الأمل فى حياده.
وكى يخرج مرسى من هذا المأزق الصعب لابد أن يضع الجماعة فى حجمها المحدود.. وألا يسمح بمعدتها الصغيرة الضعيفة أن تبتلع دولة صعبة الهضم مثل مصر.. ولو لم يفعل ذلك فإن أركان هذه الدولة ستنهار فوق رأسه.
لكنه.. لو وضع الجماعة فى حجمها الطبيعى وأصبح بالفعل لا بالقول رئيسا لكل المصريين فإنها سوف تتهمه بالتمرد عليها.. وهى تهمة بخبرة سنوات بعيدة مضت عقوبتها الموت أحيانا.. والطرد من جنة التنظيم غالبا.
5
ولابد من وضع المشاعر الإنسانية فى الاعتبار.. إن رجلاً طموحاً مثل خيرت الشاطر كان على بعد أمتار قليلة من رئاسة البلاد لابد أن يحس ولو عابرا بمرارة من نوع ما.. تزيد ضغوطها على أعصابه كلما وجد بديله يتربع فوق عرش السلطة.. ويستمتع بمظاهرها.. بينما هو فى الظل.. يمارس قوته فى مكان مغلق.. لا يخرج منه صوت.. ولا تأتى إليه كاميرا.. وكل ما ينسب إليه من ابتكار هو افتتاح سلسلة محلات بقالة.
ورجل مخنوق بكل ما فى صدره من أحلام مكبوتة ومهدرة سيجد نفسه ولو بدوافع نفسية خفية فى حالة تربص بالرئيس الذى ساهم فى صناعته وتأمين سلطته.. سيضعه فى حالة اختبار دائم.. كى يثبت أنه انشق عن الجماعة.. ولم يعد أمينا على مصالحها.. ومصالح أفرادها.. ولو على حساب مصالح الأمة.
إن هذا التحليل النفسى الذى نجتهد فيه ربما يكون واقعيا.. وربما يكون اجتهاديا.. لكن.. لابد من وضعه فى الاعتبار.. فالبشر بشر.. ولو كانوا يحملون أجنحة ملائكة.. وقلوب أطفال.. وضمائر أولياء.
وما ضاعف من الأزمة المتصاعدة أن البروتوكول يجبر كل من يلتقى الرئيس أن يجلس فى انتظاره.. ليكون هو آخر من يدخل القاعة.. وتغلق الأبواب من بعده.. لكن.. المرشد حاول بصفته التنظيمية الأعلى تجاوز القواعد.. فسمح له فى البداية.. ولم يسمح له فيما بعد.. فحدث شرخ بين الرجلين راح يتضاعف مع مرور الوقت.
وفى أزمة مشابهة وصل إلى أسماعنا أن الشاطر علق على ما فعله مرسى قائلا ومذكرا : "يبقى يشوف يعمل ايه من غيرنا ".
وهنا يكون السؤال : هل الولاء الشخصى الذى أقسم عليه مدير المخابرات أمام مرسى يحميه من انقلاب الجماعة عليه قبل تمرد جهات أخرى للتخلص منه؟.. هل يمكن أن يستخدم مرسى أجهزته فى وضع الجماعة تحت رقابتها؟.. هل يغامر بأن يكون بالفعل رئيسا للجميع؟
والسؤال يوحى بالإجابة.. و"الشاطر" يفهم.
الفجر