رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
استجابة الله أَمَّا أَنَا فَإِلَى اللهِ أَصْرُخُ، وَالرَّبُّ يُخَلِّصُنِي [ع16]. إذ بلغ المرتل إلى المرارة، صرخ إلى الله بالصلاة، فتغيرت لهجة كلامه، لأنه وُجد فيه المعين الحقيقي القادر أن يخلصه، بينما اكتشف دهاء الشرير وخداعه، الذي ينطق بكلمات لينة كالزيت، وهي سيوف مسلولة للقتال. * إذ لم يكن الشيطان راغبًا في الرحيل بعد، بل بغطرسة يتقوَّى علينا، وفي لحظةٍ ما يغرينا بتملقاته لكي يفترسنا بطريقه أفضل عند التذمر، ويصرخ بمرارة كي يرعب قلوبنا، يجب ألا نظهر ضعفًا وننهار بجبنٍ أمامه. يجب أن نشدد أنفسنا بالأكثر ضده، مستخدمين كل الوسائل الممكنة لكي نقاومه ونبعده عنا، صارخين نحو الله لنرجوه أن يخلصنا منه (راجع مز 55: 16). نعم ومن عمق قلوبنا يجب أن "نقدم بصراخٍ شديدٍ ودموعٍ طلبات وتضرعات" (راجع عب 5: 7)، ونناديه ليسمع صراخنا، وينقذنا من يد الشيطان، لأن له القدرة على خلاصنا وتمكيننا من طرده عنا مخزيًا، ورأسه مضروبة بحجارة روحية تنطلق نحوه من أفواهنا . الأب مرتيروس السرياني - Sahdona مَسَاءً وَصَبَاحًا وَظُهْرًا أَشْكُو وَأَنُوحُ، فَيَسْمَعُ صَوْتِي [ع17]. كان داود الطريد مرّ النفس، أناته لا تنقطع، فلماذا يحدد صرخاته بأوقات معينة: صباحًا، ومساء،ً وفي وقت الظهيرة؟ أولًا: تحمل هذه العبارة معنى عدم الانقطاع، فصراخه كان مستمرًا، حتى أثناء عمله في النهار، وأثناء نومه بالليل. ثانيًا: تكشف مزامير داود النبي كما حياة رجال الله في العهدين القديم والجديد عن جانبين متكاملين للعبادة. الجانب الأول هو العبادة غير المنقطعة التي لا تُحد بأوقات معينة. والجانب الثاني هو مع صرخات القلب غير المنقطعة وتسابيح النفس الدائمة يحدد رجال الله مواعيد خاصة للعبادة في ساعات النهار والليل. هذه تسند العبادة الدائمة، كما أن العبادة الدائمة تلهب القلب في العبادة في الساعات المحددة! لما كانت حياة داود النبي سلسلة لا تنقطع من المتاعب والضيقات، لهذا فقد تحولت صلواته إلى صراخ قلبي دائم طول النهار والليل، بجانب صلواته التي يمارسها في ساعات معينة. واضح أن داود النبي كان يصلي على الأقل ثلاث مرات يوميًا: "مساءً وصباحًا وظهرًا". كذلك دانيال النبي اعتاد أن يصلي ثلاث مرات يوميًا (دا 6: 1). هكذا اعتاد رجال الله أن يحددوا مواعيد ثابتة للصلاة، بجانب صرخات القلب غير المنقطعة. يرى الآباء أن المرتل رأى استجابة الرب لصلاته في المساء، حيث علق على الصليب، وفي الصباح حيث قام الرب من الأموات كشمس البرّ المشرق علينا، وفي الظهيرة حيث صعد الرب إلى السماء، واهبًا إيانا كمال نور معرفته (شمس الظهيرة). * في المساء أخبر عن آلامه في وقت موته، وفي الصباح روى عن حياته في القيامة، وفي الظهيرة صلى أن يُسمع له وهو عن يمين الآب، يسمع صوتي ويشفع لأجلنا (رو 8: 34). القديس أغسطينوس يميز الآباء بين العبادة من جانب، والدراسة أو التأمل أو التعليم من جانب آخر. فالعبادة وإن كان لها مواعيد وساعات خاصة كما رأينا، إلا أنها تفقد حيويتها بل وكيانها إن لم ينشغل القلب بالله بلا انقطاع. أما عن الدراسة أو التأمل أو التعاليم، حتى في الكتاب المقدس، فيليق بالإنسان مهما بلغت قامته الروحية أن يدرك الحدود اللائقة، سواء بالنسبة له أو لمن هو حوله. يحذرنا كل من القديسين غريغوريوس النزينزي وباسيليوس الكبيرمن المبالغة حتى في الأمور الصالحة واللاهوتيات، إذ يليق بالإنسان أن يراعي قدراته ومواهبه واستعدادته وخبرته دون مبالغة. * لست أعني أننا لا يجب أن نفكر في الله في جميع الأوقات، ولا داعي لأن يهاجمني خصومي بهذه الحجة، حيث أنهم دائمًا مستعدون للهجوم، فإننا يجب أن نتذكر الله أكثر مما نتنفس، بل يمكنني القول أنه يجب ألا نفعل شيئًا آخر غير ذلك، وأنا من أنصار المبدأ الذي يأمرنا بأن "نلهج نهارًا وليلًا" (مز 1: 2)، لنُخبر عن الرب "مساءًا وصباحًا وظهرًا" (مز 55: 17)، "لنُبارك الرب في كل حين" (مز 34: 1)، أو كما قال موسى: "حين تمشي في الطريق، وحين تقوم، وحين تنام" (تث 6: 7)، أو عندما نعمل أي شيء آخر، وبهذا التَذكُّر لله نصبح أنقياء. هكذا فإنني لست ضد التَذكُّر المستمر لله، بل ضد المناقشة المستمرة للاهوت، وأنا لا أُعارض اللاهوت -كأنه شيء ضد التقوى - ولكنني أُعارض مناقشته في وقت غير مناسب، ولست ضد تعليم اللاهوت، إلا عندما يتجاوز الحد، فإن الامتلاء والتخمة- حتى من العسل مع كل لذته- يسبب القيء (أم 25: 16). ولكل شيءٍ وقته كما أرى ويرى سليمان الحكيم، وما هو حسن ليس حسنًا إذا كان الوقت غير مناسب. فالزهور وقتها ليس في الشتاء بالمرة، وملابس الرجال لا تصلح للنساء، ولا ملابس النساء للرجال. ولا يليق الضحك المفرط أثناء الحِداد، ولا البكاء في حفل شراب. إذا كانت كل هذه لا تصلح لأنها في وقت غير مناسب، فهل نُهمل اختيار الوقت المناسب في مناقشة اللاهوت فقط، مع أن مراعاة الوقت المناسب لهذه المناقشة في غاية الأهمية؟ القديس غريغوريوس النزينزي * يلزم أن يغطي وقت الصلاة الحياة كلها، ولكن حيث توجد ضرورة مُلزمة أن يتخللها ركوع (مطانيات) وترنم بتسابيح، فقد عُينت ساعات للصلوات بواسطة القديسين يلزمنا أن نحفظها. يقول القوي داود: "في نصف الليل أقوم أسبحك من أجل أحكام عدلك" (مز 119: 62). كما نجد بولس وسيلا اتبعًا مثاله، إذ سبحا الله في السجن في منتصف الليل (أع 16: 25). يقول نفس النبي أيضًا: "عشية وباكر وفي الظهيرة" (مز 55: 18). علاوة على هذا، فإن حلول الروح القدس تحقق في الساعة الثالثة كما يخبرنا سفر الأعمال. عندما سخر الفريسيون بالتلاميذ بسبب التكلم بألسنة متنوعة، قال بطرس إنهم ليسوا بسكرى، لأنه كانت الساعة الثالثة (أع 2: 15). مرة أخري الساعة التاسعة تذكرنا بآلام الرب التي حدثت لكي نحيا (مت 27: 45؛ مر 15: 33-34). ولكن حيث أن داود يقول: "سبع مرات في اليوم أسبحك على أحكام عدلك" (مز 119: 164)، وأزمنة الصلاة التي أشير إليها لا تقيم السبعة أقسام، لذا يلزم تقسيم صلاة نصف الليل. قسم قبل اختفاء القمر، والآخر بعد ذلك. بهذا يصير التسبيح السباعي اليومي لله نموذجًا لنا. * في الساعة السادسة أيضًا نقرر ضرورة الصلاة، مقتدين بمثال القديسين، كما هو مكتوب: "في المساء وفي الصباح وفي الظهيرة سأخبرك وأعلن فيسمع صوتي" (مز 55: 17). ولكي نتخلص من الضجر ومن شيطان الظهيرة، لتلاوة المزمور التاسع عشر في هذه الساعة. * بالنسبة للصلاة والتسبيح، كل الأوقات مناسبة... يمكننا وسط العمل أن نتمم واجبات الصلاة. * يلزمنا ألاَّ نهمل الأوقات المحددة للصلاة التي اخترناها للإخوة . القديس باسيليوس الكبير * يعلمنا اللاهوتي المقدس (القديس غريغوريوس النزينزي) نفس الشيء بقوله: يجب أن نتذكر الله أكثر من التنفس، وإذا صح أن نقول يجب ألا نفعل شيئًا آخر غير ذلك. إنني أحد الذين يستحسنون هذا المنهج الذي يوصينا أن "نلهج نهارا وليلًا" (مز 1: 2). نتلو اسم الله، مباركين إياه في كل الأوقات "عشيه وباكر ووقت الظهر" (مز 55: 17)، وإذا كان ضروريا لنقل مع موسى: "حين تجلس في بيتك، وحين تمشى في الطريق، وحين تنام، وحين تقوم" (تث 6: 7). لنلتصق بالطهارة في تذكرنا له، ولننظر إلى أنفسنا، ونصور اللاهوت بجماله فينا. وأيضا لنتأمل في هذه الأشياء الإلهية، ونتكلم كلام الروح... لأنه جيد أن نلتصق بالله بتذكر الإلهيات. مارتيريوس - Sahdona فَدَى بِسَلاَمٍ نَفْسِي مِنْ قِتَالٍ عَلَيَّ، لأَنَّهُمْ بِكَثْرَةٍ كَانُوا حَوْلِي [ع18]. مما أحزن قلب داود الطريد أنه عاش زمانًا طويلًا يثق في كثيرين من الملتفين حوله مثل أخيتوفل، وكان يظنهم يده اليمنى، يحبونه بالحق ويسندوه. لكن فجأة اكتشف أنهم مراءون وخائنون. هكذا يصعب على الإنسان أن يحكم على من هم حوله، حتى وإن كانوا خدامًا في الكنيسة. كثيرون نحسبهم حنطة، وهم في حقيقتهم زوان. يرافق الأشرار الصديق، لكن ليس كل الطريق، وذلك كالهراطقة الذين ينسبون أنفسهم لذات المسيح الواحد ولإنجيل واحد الخ.، لكنهم يختلفون مع الكنيسة في الإيمان الواحد. * كانوا معي كتبنٍ ولم يكونوا معي كحنطةٍ. وإن كان التبن يرتبط إلى حد ما بالحنطة... في حقلٍ واحدٍ جذورهما، وبمطرٍ واحدٍ ينميان، وحاصد واحد يجمعها، وتتم دراستها معًا، وتتم تذْريتْها معًا، لكنهما لا يُحفظان في مخزن واحد. القديس أغسطينوس يَسْمَعُ اللهُ فَيُذِلُّهُمْ، وَالْجَالِسُ مُنْذُ الْقِدَمِ. سِلاَهْ. الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ تَغَيُّرٌ، وَلاَ يَخَافُونَ اللهَ [ع19]. يشير داود النبي هنا إلى الذين حملوا صورة الحملان وهم ذئاب خاطفة، مختفية بين الحملان داخل الكنيسة. هؤلاء إن لم يتغيروا بالتوبة وقبول عمل الروح القدس فيهم، حتمًا يهلكون. قد ينجحون في مساعيهم، ولكن إلى حين، أما هلاكهم فأبدي، لأنهم لا يخشون الله. يرى القديس أغسطينوس في هذه العبارة أنه قد تحقق وعد الله لإبراهيم، إذ بنسله تتبارك الأمم التي قبلت العهد الجديد، بينما دنس اليهود العهد برفضهم الإيمان، وعدم تمتعهم بالمخافة الربانية. * عندما نسمع الطوباوي داود يقول: "الكائن قبل الدهور" (راجع مز 55: 19)، لا يعني القول بأن الله يوجد قبل الدهور المتأخرة، وإنما لله وجود أزلي، سابق عن كل تدخل زمني. عندما يقول بولس: "الذي به عمل العالمين" (عب 1: 2) لا يعني بولس أن الله خالق العصور المتأخرة، بل هو أزلي، وعلة كل العصور التي لها بداية. الأب ثيؤدور أسقف المصيصة أَلْقَى يَدَيْهِ عَلَى مُسَالِمِيهِ. نَقَضَ عَهْدَهُ [ع20]. يرى البعض أن الحديث هنا عن الله، الذي وأنه أطال أناته على العصاة والمتمردين لعلهم يرجعون إلى الحق والحب بالتوبة، لكن إذ يمتلئ كأس شرهم يضع يده عليهم ويهلكون. أما من هو هذا الذي يضع الله يده عليه، فالمرتل يشير إلى الآتي: 1. يقصد به أخيتوفل الذي خان عهد الصداقة مع داود الملك. 2. اليهود الذين رفضوا المخلص الذي قدم لهم عهدًا جديدًا، يحقق كمال العهد القديم مع آبائهم. لكنهم رفضوا العهد وتجاهلوا النبوات. 3. يهوذا الذي خان العهد مع سيده. * حسبوا العهد الإنجيلي دنسًا ولم يقبلوه، لأنهم صلبوا المسيح، الوارد ذكره في كتاب العهد القديم... دنسوا العهد، لأن الله رتب العهد القديم لكي يكمل به عملًا حسيًا إلى زمانٍ محددٍ، وبعد حلول الوقت تبطل الحسيات، ويعمل فيه عملًا روحيًا. لكن اليهود - بعد حلول الوقت - لبثوا متمسكين بالمحسوسات الخاصة بالعهد، واعتصموا بالظل والرسم، ولم يقبلوا الأصل والحق. دنسوا العهد، لأنهم كانوا يكرمون الله بالشفاه، وأما قلبهم فكان بعيدًا عنه، فشتتهم الله برجزه، حتى تقترب إليه قلوبهم. الأب أنثيموس الأورشليمي أَنْعَمُ مِنَ الزُّبْدَةِ فَمُهُ، وَقَلْبُهُ قِتَالٌ [ع21]. إنهم مخادعون بكلماتهم اللينة والمعسولة، إذ يقتربون إليه ويخاطبونه برقةٍ. * اقتربوا إليه يجربونه (لو 2: 19-26)، يخفون عنه هدفهم المخادع. كانوا يخاطبونه بكلمات لينة، وهم مثل وحوشٍ شرسةٍ في ثياب حملانٍ. مثل هؤلاء وبخهم المرتل أيضًا قائلًا: "ألْين من الزيت كلماتهم، لكنها سهام مسنونة". القديس كيرلس الكبير * كانت أقوالهم ناعمة مثل الزيت، هؤلاء الذين بتملقٍ كانوا يقولون: "يا معلم أنت بالحق تعلم طريق الله"، وأقوال كثيرة مثل هذه، لكنهم بالحقيقة كانوا مثل السيوف المسنونة، يجرحوننا ويميتوننا. الأب أنثيموس الأورشليمي * غالبًا ما يثير الصبر المتصنع الغضب أكثر مما يثيره الكلام، وبالصمت المؤذي يزيد شتائم الغير بطريقة أكثر مما يثيرها الكلام، وجراحات الأعداء تُحتمل بأكثر سهولة من مداهنة الساخرين المملوءة مكرًا، والتي قيل عنها حسنًا بالنبي: "يأسر رؤساء إرادته"، وفي موضع آخر قيل: "كلام النمَّام مثل لقمة حلوة، فينزل إلى مخادع البطن" (أم 26: 22). هذا يطابق القول: "لسانهم سهم قتَّال، يتكلم بالغش بفمه، يكلم صاحبه بسلام وفي قلبه يصنع له كمينًا" (إر 9: 8). على أي الأحوال، إنه يخدع الغير، إذ "الرجل الذي يُطري صاحبه، يبسط شبكة لرجليه" (أم 29: 5). أخيرًا عندما جاءت جموع كثيرة بسيوف وعصي للقبض على الرب، لم يكن أحد من المجرمين في حق واهب الحياة أكثر قسوة من ذاك الذي تقدم باحترام مملوء خداعًا وتكريمًا فاسدًا، مقدمًا قبلة حب غاش، هذا الذي قال له الرب: "يا يهوذا، أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟!" (راجع لو 22: 48). الأب يوسف |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 119 | ما هي استجابة المرتل لهذا المعلم الإلهي |
مزمور 75 | استجابة الله |
مزمور 39 - توسل لأجل استجابة الصلاة |
استجابة الله |
استجابة الله لنا |