منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 07 - 11 - 2022, 06:31 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,056

القديس كيرلس الأورشليمي ووحدانية الله: أؤمن بإله واحد | بخصوص الهراطقة


وحدانية الله: أؤمن بإله واحد | بخصوص الهراطقة





المقال السادس




"أما إسرائيل، فيخلص بالرب خلاصًا أبديًا، لا تخزون ولا تخجلون إلى الأبد. لأنه هكذا قال خالق السماوات...أنا الرب وليس آخر". (إش 45: 17-18)


1. وحدانية المجد للآب والابن


"مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح" (2 كو 1: 3). مبارك أيضًا ابنه الوحيد(9).

إذ نفكر في الله، فلنفكر في الحال في الآب دون أن نجزئ مجد الآب عن الابن، لأنه ليس للآب مجد والابن مجد آخر، بل هو مجد واحد بذاته، إذ هو أب الابن الوحيد.

إذ يتمجد الآب يشاركه الابن مجده، لأن مجد الابن من كرامة الآب!

وأيضًا عندما يتمجد الابن يُكرم الآب -الذي له بركة عظيمة- بكرامة علوية!


2. مجد الله لا يُنطق به!


إن كان الذهن يستوعب أفكاره في غاية السرعة، لكن اللسان يتطلب كلمات وإبراز حديث طويل كوسيط (للتعبير عما يجول في الذهن).

العين تدرك عددًا من مجموعات الكواكب في لحظة واحدة، لكن متى رغب الإنسان في وصفها واحدة فواحدة، ليصف كوكب الصباح وكوكب المساء... يحتاج إلى كلمات كثيرة!

وهكذا أيضًا في لحظة خاطفة يستوعب الذهن الأرض والبحر وكل أفق المسكونة، وما يدركه في لحظة يستلزم الكثير من الكلمات لوصفه(10).

هذا المثال الذي قدمته قوي، لكنه أيضًا ضعيف وغير لائق، لأننا لا نتكلم عن الله كل ما ينبغي الحديث به (إذ لا يعرفه إلاّ الله وحده)، وإنما نتكلم حسبما تسعفنا الطاقة البشرية قدر ما يحتمل ضعفنا. إننا لا نشرح الله كما هو، بل في صراحة أقول إننا نشهد بأن معرفتنا لله كما هو غير دقيقة!

إن أفضل معرفة هي اعترافنا بجهلنا فيما يخص الله!(11)

إذن "عظموا الرب معي ولنُعلِّ اسمه معًا" (مز 34: 3). لنجتمع كلنا معًا في مجموعنا، لأن الإنسان ضعيف بمفرده. لا بل بالأحرى وإن اتحدنا جميعًا معًا لا نقوم بالعمل (تعظيم الله وتسبيحه) كما ينبغي!

إنني لا أقصدكم أنتم فقط الحاضرين هنا، بل ولو اجتمع كل أبناء الكنيسة في العالم، سواء الموجودين الآن أو الذين سيكونون فيما بعد، فإن الجميع معًا يعجزون عن الترنم بتسابيح راعيهم!


3. إبراهيم أدرك عجزه أمام الله!


إبراهيم رجل عظيم ومكرم بمقارنته بالبشر فقط، لكنه متى امتثل أمام الله تكلم بحق قائلًا في صراحة: "أنا أرض ورماد" (تك 17: 27). إنه لا يقف عند حد قوله "أنا أرض" لئلا يكون قد لقب نفسه بعنصر عظيم بل أكمل "ورماد" معلنًا طبيعته الواهية. هل يوجد شيء أقل من الرماد وأهون منه؟ فلنقارن الرماد بالبيت، والبيت بالمدينة، والمدينة بمقاطعة الإمبراطورية الرومانية، والإمبراطورية الرومانية بكل الأرض، وكل الأرض بالسماوات التي تحيط بها...

وعندما تستوعب بالفكر السماوات بأجمعها، ومع هذا فإن السماوات أيضًا لا تستطيع تمجيد الله كما يستحق، حتى ولو كانت أصواتها أقوى من الرعد. إن كانت هذه القوات السمائية العظيمة لا تقدر أن تتغنى بتسابيح الله كما ينبغي، فهل يقدر "الأرض والرماد" الذي هو أقل الأشياء وأصغرها أن يقدم التسبيح لله، أو يستحق الحديث عن "الجالس على كرة الأرض و(الممسك) سكانها كالجندب (نوع من الجراد)" (إش 40: 22).


4. من يدرك الله في كماله؟!


إن حاول أحد الحديث عن الله، فليبدأ أولًا بالحديث عن الأرض، فإن كنتَ وأنت تسكن الأرض لا تعرف حدودها... كيف تقدر أن تشكل فكرًا سليمًا عن خالقها؟!

إنك تنظر الكواكب ولا ترى خالقها، أحصِ هذه الكواكب المنظورة، وبعد ذلك صف ذاك الغير منظور، إذ هو "يحصي عدد الكواكب، يدعو كلها بأسماء" (مز 47: 4).

منذ فترة قليلة اجتاحتنا السيول متأخرًا وأهلكتنا. أحصِ قطرات الأمطار التي سقطت على هذه المدينة وحدها، لا بل أقول إن استطعت فأحصِ فقط القطرات التي سقطت على منزلك -وليس على المدينة- لمدة ساعة واحدة! إنك لا تستطيع!

إذن، فلتعرف ضعفك ولتعلم من هذه اللحظة قدرة الله "المحصي قطرات الأمطار" (راجع أي 36: 27) على المسكونة كلها، ليس الآن فقط بل خلال كل الأزمنة.

والشمس هي من صنع الله. ومع عظمتها فهي أشبه بنقطة وسط السماء. تأمل الشمس وبعد ذلك تفرّس في رب الشمس مندهشًا. "لاَ تَطْلُبْ مَا يُعْيِيكَ نَيْلُهُ، وَلاَ تَبْحَثْ عَمَّا يَتَجَاوَزُ قُدْرَتَكَ، لكِنْ مَا أَمَرَكَ اللهُ بِهِ، فِيهِ تَأَمَّلْ" (سفر يشوع بن سيراخ 3: 22).


5. إذن، كيف نتكلم عن الله؟!


رب قائل يعترض: إن كان جوهر اللاهوت لا يقع تحت الحواس، فلماذا نتحدث في هذه الأمور؟ نعم، هل لأني لا أستطيع أن أشرب النهر كله يكون هذا سببًا في ألاّ أستقي منه باعتدال قدر ما يناسبني؟! هل لأن عينيَّ تعجزان عن استيعاب أشعة الشمس في كمالها ألاّ أنظر إليها قدر ما احتاج؟! وإذا دخلت حديقة عظيمة ولم أقدر أن آكل كل ثمارها هل تريد مني أن أخرج منها جائعًا؟! إذن لأسبح الله خالقنا وأمجده، إذ وُهبت لنا وصية إلهيه تقول: "كل نسمة فلتسبح الرب" (مز 50: 6).

إنني أسعى الآن، أقوم بتمجيده دون أن أصفه، عالمًا أنه بالرغم من عجزي عن القيام بتمجيده حسبما يستحق، لكن حتى مجرد السعي هو من الأعمال التقوية. ويشجع الرب يسوع ضعفي بقوله: "الله لم يره أحد في أي زمان" (يو 1: 18).


6. الملائكة ترى الله قدر احتمالها!


رب قائل يعترض: ماذا إذن، ألم يُكتب: "إن ملائكة الصغار كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السماوات؟" (أنظر مت 18: 10). نعم لكن الملائكة ترى الله ليس كما هو، بل قدر ما تحتمل. إذ يقول يسوع المسيح: "ليس أن أحدًا رأى الآب إلاّ الذي من الله، هذا قد رأى الآب" (يو 6: 46).

لذلك فالملائكة ترى الله قدر ما تحتمل، ورؤساء الملائكة يرون قدر ما يحتملون، والعروش والسلاطين يرون أكثر من السابقين، لكنها لا ترى كما يستحق الله(12).

فالابن -مع الروح القدس- هو وحده الذي يقدر أن يراه بحق كما هو، لأنه: "يفحص كل شيء حتى أعماق الله" (1كو 2: 10). هكذا الابن الوحيد مع الروح القدس يدركان الآب في كماله، إذ قيل: "لا أحد يعرف الآب إلاّ الابن، ومن أراد الابن أن يُعلن له" (مت 11: 27).

إذ يري الكل حسب احتمالهم، لذلك فهو يرى الآب بكماله، معلنًا الله (الآب) خلال الروح، إذ الابن مع الروح شريك (واحد) مع الآب في اللاهوت.

المولود يعرف الوالد، والوالد يعرف المولود.

إن كان الملائكة جاهلين (بمعرفة الله في كماله)، فلا يخجل أحدكم من الاعتراف بجهله.

حقًا إنني أتكلم الآن كما يتكلم أي إنسان في مناسبة ما، أما كيفية الكلام فلست أعرفه. إذن كيف أستطيع أن أخبركم عن واهب الكلام نفسه؟!

وإذ لي نفس لا أقدر أن أخبركم عن سماتها المميزة لها، فكيف أصف واهب النفس؟!


7. كماله مطلق!


من أجل التقديس يكفينا أن ندرك في بساطة أن لنا إله، هذا الإله واحد حي، حيّ إلى الأبد، يشبه ذاته على الدوام "بلا تغيير"، ليس له أب غيره ولا أحد أقوى منه، لي ينازعه خليفة مملكته. له أسماء متعددة، سلطانه بلا حدود، جوهره بلا تغيير.

وإذ يدعى صالحًا وعادلًا وقديرًا وصباؤوت(13)، فلا يفهم من ذلك أي تنوع أو أنه أخذ أشكالًا متغايرة. إنما هو واحد، يقوم بأعمالٍ كثيرة بفعل لاهوته دون زيادة أو نقص، بل في كل شيء شبيه بذاته بلا تغيير.

إنه ليس عظيمًا في حبه المترفق وقليلًا في الحكمة، بل له قوة متساوية في الحكمة والحب المترفق. لا يُرى من ناحية معينة فيه دون أخرى، بل كله عين وكله إذن وكله ذهن(14). إنه ليس مثلنا يُدرك من جانب دون آخر. فإن مثل هذا تجديف لا يليق بجوهر الله الذي يعرف الأمور قبل كونها. قدوس وقدير، يفوق الكل في الصلاح والعظمة والحكمة. لا يمكننا أن نخبر عن بداية له أو شكل أو مظهر، إذ يقول الكتاب: "لم تسمعوا صوته قط، ولا أبصرتم هيئته" (يو 5: 37). وكما قال موسى: "احتفظوا جدًا لأنفسكم، فإنكم لم تروا صورة ما (يوم كلمتكم)"(15). فإذ يستحيل تمامًا رؤية شكله، كيف تفكر في الاقتراب من جوهره؟!


8. لا تتصور اللاهوت بشكلٍ!


كثيرون قدموا تصورات لله، وجميعهم فشلوا. فالبعض تخيلوه نارًا، وآخرون حسبوه إنسانًا مجنحًا، إذ أساءوا فهم العبارة الحقانية القائلة: "بظل جناحيك استرني" (مز 17: 8). لقد نسوا قول ربنا يسوع المسيح في حديثه إلى أورشليم عن نفسه: "كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا" (مت 23: 37).

إنه يتطلع إلى قوة حماية الله كأجنحة، أما هم ففشلوا في فهم هذا، ساقطين في إدراكات بشرية (حسِّية)، ظانين غير المفحوص على شكل إنسانٍ!

كذلك تجاسر البعض قائلين إن له سبع أعين، إذ مكتوب "إنما هي (سبع) أعين الرب الجائلة في الأرض" (زك 4: 10). فإن وضعت حوله سبع أعين منفصلة، يكون بهذا نظره منفصل وغير كامل. وفي هذا القول عن الله تجديف، إذ يليق بنا أن نعتقد في كمال الله في كل شيءٍ، كقول المخلص: "إن أباكم الذي في السماوات هو كامل" (مت 5: 48).

إنه كامل في النظر، وكامل في القوة، وكامل في العظمة، وكامل في العدل، وكامل في المحبة المترفقة. ليس بمحصور بفراغٍ، بل هو خالق كل الفراغ، موجود في الكل، لا يحدّه شيء. حقًا "السماء كرسيه"، لكن ليس بجالسٍ عليها، "والأرض موطئ قدميه" (راجع إش 66: 80)، لكن قوته تبلغ إلى ما تحت الأرض...


10. تركوا الله الحقيقي وعبدوا الخليقة!


الله عظيم هكذا بل وأعظم (لأنه وإن تحول كل كياني إلى لسان لما استطعت التحدث عن سموّه. بلى ولو اجتمعت كل الملائكة معًا لما قدرت أن تتحدث عنه كما يستحق).

ومع أنه عظيم هكذا في صلاحه وجلاله لكن الإنسان تجاسر وقال للحجر الذي نحته "لأنك أنت إلهي" (إش 44: 17). يا للعمى المريع، إذ نهوي من عظمة هذا قدرها إلى انحطاط هذا عمقه! الشجرة التي أوجدها الله وتعهدها بالأمطار، التي ستحرق وتصير رمادًا تُدعى الله، والله الحقيقي يُزدرى به!

بل انتشر شر الوثنية بأكثر إسراف، فعُبدت القطة والكلب والذئب عوض الله!(16) عُبد الأسد مفترس الإنسان بدل الله صديق الإنسان المحب له إلى الغاية! عُبد الثعبان والحية(17) التي خدعته، وأخرجته من الفردوس، ومستهينًا بالذي غرس له الفردوس!

إنني أخجل أن أقول، لكنني أقول إنهم عبدوا حتى البصل!

لقد أُعطى الخمر ليبهج قلب الإنسان (مز 104: 10)، لكن ديوناسيوس (باخوس) عبده عوض الله (لأجل البهجة)! خلق الله القمح بقوله "لتنبت الأرض عشبًا" (تك 1: 11)، وتأتي البذور كل بنوعها، وبهذا يتقوّت قلب الإنسان بالخبز، فلماذا يعبده ديميتر Demeter!

إلى يومنا هذا تتولد النار من احتكاك الحجارة معًا، فكيف يكون هيفاستوس (فولكان) خالق النار؟ (مز 104: 15)


تعدد الآلهة يدعو إلى مجيء الابن


11. كيف جاء الشرك بالله عند اليونانيين؟ الله ليس له جسد، فكيف وُجد بين المدعوين آلهة زناة؟! إنني لست أتكلم بخصوص تحول زيوس إلى خنزير. إنني أخجل من التحدث عن تحوله إلى ثور، لأن النعير لا يليق بإله!

لقد وُجد عند الإغريق إلهًا زانيًا، وهم لا يخجلون من هذا، إذ كيف يدعى إلهًا من كان زانيًا؟! يتحدثون عن آلهة سقطوا في ميتات(18) وسقطات(19) وانحطاط. انظروا كيف سقطوا من علوّ شاهق هكذا إلى انحطاط شديد.

إذن هل جاء ابن الله من السماء باطلًا؟! ألم يأتِ ليشفي جرحًا كان عظيمًا هكذا؟!


هل جاء الابن باطلًا؟ أم جاء لكي يخبر عن الآب؟! لقد عرفت ما هو الدافع لمجيء الابن الوحيد من العرش عن يمين الآب فإذ هم احتقروا الآب جاء الابن يصلح الأمر.

إذ به خُلق كل شيء التزم أن يحضر "الخليقة" بأسرها كتقدمة لرب الكون!

لاق به أن يضمد الجراح، لأنه أي جرح أشر من أن يُعبد الحجر عوض الله؟!


الهرطقات

12. لهم اسم المسيح وهم أعداء له!


لا يصنع الشيطان هذه الحروب بين الوثنيين وحدهم، بل حتى بين كثيرين من المدعوين مسيحيين باطلًا، هؤلاء الذين ينتسبون خطأ إلى اسم المسيح العذب، إذ يخطئون في كُفر متجاسرين أن يُبعدوا الله عن خليقته. أقصد بذلك جماعة الهراطقة، أشر الناس، أصحاب الاسم الرديء، يتظاهرون بالصداقة مع المسيح، وهم مبغضون له تمامًا. إذ من يجدف على أبي المسيح يكون عدوًا للابن.

لقد تجاسروا فنادوا بوجود إلهين: واحد صالح والآخر شرير. يا للعمى المريع! كيف ندعو من هو غير صالح إلهًا! الله بالتأكيد صالح؟! يُحسب الصلاح هكذا إذ هو من خصائص الله، فالله وحده يخصه الحب المترفق والبركة والقدرة والسلطان. فلهم أحد اختيارين، إما يربطون الاسم بالعمل لمن يدعونه الله، أو لا يعطونه الاسم مجردًا بغير عمل.


سخافة الثنائية


13. يتجاسر الهراطقة فينادون بوجود إلهين: مصدرين للخير والشر، وهما غير مولودين. فإن كانا غير مولودين، فهما متساويان وقديران، فكيف يبدد النور الظلمة؟! ثم هل يتواجدان معًا أم هما منفصلان عن بعضهما البعض؟ لا يمكن أن يكونا معًا، إذ يقول الرسول: "أية شركة للنور مع الظلمة؟!"(20)

وإن كان أحدهما منفصلًا عن الآخر فبلا شك يحتل كل منهما مكانًا مستقلًا. وعلى هذا نكون تحت سيادة أحدهما، وبالتالي نعبد إلهًا واحدًا.

إذن ننتهي إلى أننا حتى إن قبلنا غباوتهم نلتزم بالتعبد لله الواحد(21).

لنسألهم عما يقولون في صدد الإله الصالح: هل هو قدير أم غير قدير؟

إن كان قديرًا، فكيف لا يستطيع أن يسحق الشر؟ وكيف يتأتى الشر على الرغم من إرادته؟

فإن كان يراه ولا يستطيع منعه، بهذا ينسبون إليه العجز. وإن كان يستطيع أن يمنعه ولا يفعل ذلك، فيُحسب غير صالح. اُنظر إذن إلى جنونهم؛ فإنهم يدّعون أحيانًا أنه إله الشر، لا علاقة له بإله الخير فيما يختص بالخليقة.

يقولون أحيانًا إن له رُبع العالم.

ويقولون أيضًا إن الإله الصالح هو أبو المسيح، ويُسمون المسيح بالشمس. فإن كان العالم -حسب عقيدتهم- من صنع إله الشر؛ وإذا كانت الشمس في العالم، فكيف يمكن لابن الله الصالح أن يخدم إله اشر مُكرها؟

إننا نتلوث بالحديث عن هذه الأمور، لكننا نتحدث عنها حتى لا يسقط أحد من الحاضرين في حمأة الهراطقة عن جهلٍ.

أنا أعلم أن فمي قد تلوث، وكذلك آذان السامعين. لكن الأمر لا يخلو من فائدة، إذ من الأفضل أن نحثكم عن عقائد الآخرين الخاطئة، عن أن نترككم تسقطون فيها عن جهلٍ.

عقيدة الهراطقة الشريرة متشعبة، وعندما يضل أحد عن طريق التقوى ينساق إلى إحدى شُعبها.


14. سيمون الساحر مصدر كل هرطقة


مصدر كل هرطقة هو سيمون الساحر(22)، هذا الذي جاء عنه في سفر أعمال الرسل أنه فكَّر أن يشتري بمال نعمة الروح القدس، فسمع القول: "ليس لك نصيب في هذا الأمر" (أع 8:18-21)... وعنه أيضًا كُتب: "منا خرجوا، لكنهم لم يكونوا منا، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا" (1 يو 2: 19). هذا الإنسان بعدما طرده الرسل جاء إلى روما حيث استمال إليه زانية تدعى هيلين Helene(23). وقد تجاسر بفمه المملوء تجديفًا أن يدعي أنه هو الذي ظهر على جبل سيناء كالآب، وظهر كيسوع المسيح بين اليهود، ليس في جسدٍ حقيقيٍ، بل كان يبدو هكذا(24)، وبعد ذلك كالروح القدس الذي وعد المسيح أن يرسله كمعزٍ(25).

لقد خدع مدينة روما حتى أقام له كلوديوس تمثالًا، نُقش عليه من أسفل بلغة الرومان: Simoni Deo Sancto وهى تعني "إلى سيمون الله القدوس"(26).


وضع بطرس وبولس نهاية لخطأ سيمون


15. وإذ كان الضلال سينتشر لهذا وضع النبيلان -بطرس وبولس- من قادة الكنيسة(27) نهاية لهذا الخطأ. وعندما أراد سيمون مُدعي الألوهية أن يظهر نفسه أظهراه كجيفة ميتة، إذ وعد سيمون أنه يرتفع إلى السماوات ويأتي على مركبة شيطانية في الهواء...

هذان طرحا إلى الأرض الإله المزعوم أنه من السماء، حتى يُحمل إلى طبقات الأرض السفلى. لقد ظهرت حيَّة الشر في هذا الرجل، وإذ قُطِع رأس كل منها وُجدت جذور الشر برؤوس أخرى عديدة...


ضلال الأبيونيين ومرقيون


16. صنع كيرنثوس(28) خرابًا في الكنيسة. وأيضًا Menander (29) وكربوقراط(30) وأبيونيت(31) ومرقيون فم الشر، لأنه أعلن عن وجود إلهين مختلفين، واحد صالح والآخر عادل، يناقض الابن القائل "أيها الآب البار" (يو 17: 25).

وأيضًا من يقول إن الآب غير خالق المسكونة يناقض الابن القائل: "فإن كان العشب الذي يوجد اليوم في الحقل ويُطرح غدًا في التنور يلبسه الله"، "ويشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين" (لو 12: 28؛ مت 5: 45).

كذلك يُعتبر مرقيون(32) مصدر ثانٍ لضرر أعظم. وقد دُحض بإبراز شهادات من العهد القديم اقتبست في العهد الجديد، إذ تجاسر وعزل العهدين عن بعضهما، تاركًا الكرازة بكلمة الإيمان بغير شاهدٍ، نازعًا الإله الحقيقي، طالبًا تخريب إيمان الكنيسة كأنّ لا بشائر لها.


17. باسيليدس وفالنتينوس


هذا تبعه آخر هو باسيليدس(33) الشرير صاحب الشخصية الخطيرة، والكارز بالأدناس.

وجاء أيضًا فالنتينوس(34)معينًا للشر، هذا الذي نادى بوجود ثلاثين إلهًا. لقد تحدث الإغريق عن آلهة قليلة، أما هذا الإنسان الذي ادعى المسيحية باطلًا فقد بالغ في الفساد فجعلهم ثلاثين إلهًا. لقد قال أيضًا أن بيثوس Bythus الذي من الهاوية وُلد صامتًا والصمت ولد الكلمة...

البيتوس هذا أشر من زيوس الذي للإغريق، هذا الذي اتحد بأخته...

أما ترى السخافات التي اقترحها متسترًا تحت المسيحية؟!

انتظر قليلًا فستصعق من شره، إذ يؤكد أن بيثوس هذا ولد ثمانية أيونات، ومنهم وُلد عشرة، كما ولد اثنا عشر ذكرًا وأنثى (8 +10 + 12=30) من أين يدلل على هذا!؟

من أين جاء بالثلاثين أيونا؟؟

إنه يجيب: مكتوب عن يسوع أنه اعتمد وهو في الثلاثين من عمره (لو 3: 23).

إن كان قد اعتمد في الثلاثين من عمره، فهل في هذا دليل؟! هل يوجد خمسة آلهة لأنه كسر خمسة أرغفة لخمسة آلاف رجل؟! أو هل يلزم وجود اثني عشر إلهًا لأنه كان تلاميذه اثني عشر؟!


المسيح حسب فالنتينوس


18. حتى هذه الأقوال لا تزال أقل شرًا من غيرها، فقد تجاسر قائلًا: إن آخر الآلهة الكائنة هو ذكر وأنثى، وهذا الإله يدعى الحكمة(35). أي شر هذا، فإنه حقّر حكمة الله (1 كو 1: 24)، أي المسيح الابن الوحيد، فدعاه أنثى، وجعله أحد ثلاثين (أيونا)، وآخر خالق!

كذلك يقول إن الحكمة سعت لترى الإله الأول، وإذ لم تحتمل بهاءه سقطت من السماء وُطردت في ثلاثين، فتنهدت، ومن تنهدها وُلد الشيطان، ومن بكائها على سقوطها صنعت دموعها البحر. يا له من كفرٍ! كيف تخلق الحكمة الشيطان، والتعقل والشر، والنور والظلمة؟!

كذلك قال إن إبليس ولد آخرين، ومن هؤلاء خلق العالم. وقد نزل المسيح لكي ما يُعّصي البشرية ضد خالق العالم.


اهرب من الهراطقة


19. لكن اسمع ماذا يقولون عن شخص يسوع المسيح، إذ يشوّهون أنفسهم أكثر بقولهم إن الحكمة بعدما انطرحت أسفل، فلكي لا يكون العدد ثلاثين كاملًا، فإن التسعة وعشرين أيونًا ساهم كل منهم بنصيبٍ قليلٍ وتكوّن المسيح(36). قد قالوا إنه ذكر وأنثى في نفس الوقت. هل يوجد كفر أشر من هذا؟! هل يوجد بؤس أكثر منه؟!

إنني أصف لك ضلالهم حتى تمقتهم أكثر. ارفض كفرهم، ولا تسلم على من كان هذا حالهم (2 يو 10: 11)، لئلا تشترك معهم في أعمال الظلمة. لا تسألهم ولا تجاملهم(37).


المبتدع ماني


20. أمقت كل الهراطقة، خاصة ذاك الذي يدعى بحق "ماني"، الذي قام من زمن ليس ببعيد في أيام حكم بروبس Probus. لقد بدأ ضلاله منذ تمام سبعين عامًا(38)، ولا يزال إلى يومنا هذا، أحياء رأوه بأعينهم...

لقد طمح في أن يصير أول الأشرار، فأخذ بتعاليم الكل وربط بينها في هرطقة واحدة مملوءة تجاديف وكل شرور، وضع رمادًا في الكنيسة، بل بالأحرى أهلك الذين هم في الخارج، إذ كان زائرًا كالأسد مفترسًا من يجده (1 بط 5: 8).

لا تُبالِ بكلماتهم الرقيقة، ولا بتواضعهم المزعوم، فإنهم حيات أولاد أفاعي (مت 3: 7). لقد قال يهوذا وهو يخون سيده "السلام يا سيدي" (مت 26: 49)، هكذا لا تهتم بقبلاتهم، بل أحذر خبثهم.


21. نشأة ماني ومعلموه


ولئلا أبدو لك إنني اتهمه باطلًا، اسمح لي أن أميل وأخبرك من هو ماني؟ وأُحدثك قليلًا عما علُم به، وإن كان الوقت لا يسمح بالحديث عن كل تعاليمه الغبية بما فيه الكفاية. ولكن "لكي تجد عونًا في حينه" (عب 4: 16) تذكر ما سبق أن أخبرت به من قبل، وأكرره الآن حتى يعرفه من لم يسبق لهم معرفته، ويتذكره من سبق لهم معرفته.

ماني ليس من أصل مسيحي. حاشا! ولا هو كسيمون محروم من الكنيسة، ليس هو هكذا ولا معلموه. إنما هو سرق شر الآخرين ونسب شرورهم إلى نفسه...


سيتيانوس (سكيثيانوس) وتريبنثوس أصل المانية


22. لقد كان في مصر إنسان يدعى سيتيانوس (سكيثيانوس) Scythianus عربي المولد(39)، لا علاقة له لا بالمسيحية ولا اليهودية. سكن في الإسكندرية وتمثل بحياة أرسطو، وصنف أربعة كتب(40)، ودعى أحدها إنجيلًا دون أن تحمل أعمال المسيح إنما حمل مجرد الاسم. والثاني دُعي "الفصول Chapters" والثالث "الأسرار" والأخير هو المتداول اليوم ويدعى "الكنز".

ولما قصد سكيثيانوس الذهاب إلى اليهودية ليصنع فسادًا (بتعاليمه الوثنية) ضربه الرب بمرضٍ خطيرٍ موقفًا سمومه، وقد كان له تلميذ يدعى تريبنثوس Terebinthus.


موت تريبنثوس Terebinthus


23. ورث تلميذه خطأه الشرير كما ورث ماله وكتبه وهرطقته، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. فذهب إلى فلسطين، وهناك اشتهر، وقد أدين في اليهودية، لذلك وضع في نفسه أن يذهب إلى بلاد فارس، ولكي لا تُعرف شخصيته هناك استبدل اسمه مدعيًا أنه بيداس Buddas(41).

على أي الأحوال صنع قلاقل بين كهنة ميثراس Mithras، وإذ دخلوا معه في نقاشٍ وفنّدوا أقواله ببراهين كثيرة ومجادلات، التجأ إلى أرملة معينة لتحميه. وإذ صعد إلى سطح بيتها استدعى شياطين الهواء، الذين لا يزال يستخدمهم أتباع ماني إلى اليوم، الذين صنعوا محفلًا تافهًا ممقوتًا، فضربه الله وسقط من السطح وأماته، وهكذا انقطع الوحش الثاني.


كوبريكوس Cubricus يخلفه باسم ماني


24. بقيت الكتب المسجلة لكفره، إذ ورثتها الأرملة مع أمواله، وإذ لم يكن لها قريب أو صديق قررت أن تشتري ولدًا يدعى كوبريكوس Cubricus(42)، تبنته وعلمته التعاليم الفارسية، فاستل سيفًا شريرًا أشهره ضد البشرية.

نشأ العبد كوبريكوس بين الفلاسفة، وعند موت الأرملة ورث الكتب والمال. ولكي يخفي اسم العبودية دعى نفسه "ماني" التي تعني في الفارسية "مجادل"... إذ حسب نفسه باحثًا.

لقب نفسه "ماني" كما لو كان سيدًا ممتازًا في الجدال. ومع أنه نسب لنفسه اسمًا مكرمًا في لغة الفارسيين، لكن عناية الله اتهمته، إذ هو ديان نفسه بغير إرادته، فإذ يظن أنه مُكرم عند الفرس إذ يدعى مانيًا "Manioe" عند اليونان، ومعناها "الجنون".


ادعى أنه الروح القدس "المعزي"


25. لقد تجاسر فادعى أنه "المعزي" بالرغم مما كتب: "أما من جدف على الروح القدس فلا يُغفر له" (مز 3: 29). لقد ارتكب تجديفًا بادعائه أنه الروح القدس. ليت هؤلاء الهراطقة ينظرون في اجتماعاتهم إلى ما ادعاه لنفسه...!

لقد اشتهر فبدأ يتحدث بأمورٍ فوق طاقة الشر.

حدث أن مرض ابن ملك الفرس، فوعد ماني أنه كإنسان إلهي يشفيه طالبًا الاستغناء عن الأطباء الذين يرعونه، وهنا انفضح كفره، وصار الفيلسوف سجينًا.

لم يسجن من أجل انتهاره الملك لأجل الحق، ولا لرغبته في إبادة الأوثان، إنما سُجن بسبب كذبه وادعائه أنه يخلص، مع أنه كان يليق به أن يقول الحق ولا يرتكب جريمة، إذ قتل الطفل بحرمانه من الأطباء الذين كان يمكن أن ينقذوه بالعلاج.


ماني بعد فشله


26. هنا ظهرت شرور كثيرة أخبرك بها:

أولًا: تذكر تجديفه.

ثانيًا: عبوديته (إذ حسبها عارًا، فتنكر لها).

ثالثًا: بطلان وعده.

رابعًا: قتله الطفل.

خامسًا: عار سجنه. ولم يقف الأمر عند عار السجن بل هرب منه، هرب الذي ادعى أنه "الباراكليت" و"قائد الحق". إنه لم يتبع يسوع الذي ذهب إلى الصليب، بل على العكس هرب.

سادسًا: علاوة على هذا أمر ملك الفرس بعقاب حراس السجن. وهكذا كان سببًا في موت الطفل خلال عجرفته الباطلة، وسببًا في موت الحراس بسبب هروبه.

فهل يُعبد من ساهم في جريمة قتل؟! أما كان يليق به أن يقتفي مثال يسوع القائل: "فإن كنتم تطلبونني، فدعوا هؤلاء يذهبون؟!" (يو 18: 8) أما كان يلزمه أن يقول مع يونان "خذوني واطرحوني في البحر... أنه بسببي هذا النوء العظيم عليكم؟!" (يونان 1: 12)


27. جدال بين الأسقف أرشلاوس وماني


لقد هرب إلى ما بين النهرين(43) وهناك تدرع الأسقف أرشلاوس بالبرّ واصطدم به. لقد جمع محفلًا من الأمم، واتهم ماني في حضرة الفلاسفة كقضاة، إذ خشي أن يصدر عليه المسيحيون حكمًا فلا يبالي به القضاة.

قال أرشلاوس لماني: أخبرنا بماذا تبشر؟

تكلم ذاك الذي فمه مثل قبرٍ مفتوحٍ (مز 5: 9) بتجاديف ضد خالق الكل، إذ قال إنه إله العهد القديم مصدر الشرور، مدللًا بذلك أنه قال عن نفسه أنه "نار آكلة" (تث 4: 24).

أفسد الحكيم أرشلاوس برهانه المملوء تجديفًا بقوله: إن كان إله العهد القديم كما تقول أنه يدعو نفسه نار آكلة، فإن ابنه أيضًا قال "جئت لألقي نارًا على الأرض" (لو 12: 49). وإن كنت تُخطّئ القائل: "الرب يحيي ويميت" (1 صم 2: 6) فلماذا تكرم بطرس الذي أقام طابيثا وجعل سفيره تموت (أع 5: 10). وإن كنت تجد فيه شرًا لأنه أعد نارًا، فلماذا لا تجد ذلك في (المسيح) "اذهبوا عني إلى النار الأبدية؟" (مت 25: 41)

إن كنت تجد خطأ في القائل: "أنا الله، مبلغ السلام وموجد الشر" (إش 45: 7) فكيف تفسر قول يسوع: "ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا؟!" (مت 10: 34)

فإن كان الاثنان تحدثا بكلام مشابه، بل الاثنان هما واحد. فإما أنهما صالحان، وإلا فلماذا لا تلوم يسوع على حديث نطق به، بينما تلوم ذات الحديث إن ورد في العهد القديم؟


تابع الجدال حول إله العهد القديم ويسوع المسيح


28. عندئذ أجابه ماني: "أي إله هذا الذي يسبب العمى"، إذ يقول بولس: "الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين، لئلا يضيء لهم إنارة إنجيل (مجد المسيح)" (2 كو 4: 4).

لكن أرشلاوس قدم إجابة مفحمة صالحة بقوله اقرأ ما جاء قبل هذا بقليل: "ولكن إن كان إنجيلنا مكتومًا، فإنما مكتوم في الهالكين" (2 كو 4: 3). أنظر إذن، أنه مكتوم في الهالكين. فليس من الحق أن يُقدم القدس للكلاب (مت 7: 6).

ثم هل إله العهد القديم وحده هو الذي أعمى أذهان غير المؤمنين؟ ألم يقل المسيح نفسه: "من أجل هذا أكلمكم بأمثال، حتى لا يبصروا (لأنهم مبصرين لا يبصرون)؟" (مت 13: 13) هل بدافع البغضة يريدهم إلاّ يبصروا؟ أم بسبب عدم استحقاقهم إذ هم "غمّضوا عيونهم؟!" (مت 13: 15)، فإذ يوجد شر إرادي، تُحجز النعمة عنهم، "لأن كل من له يُعطى فيزاد، ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه" (مت 25: 29؛ لو 8: 18).


لماذا تُعمى بصيرة غير المؤمنين؟


29. هذا والبعض يفسره تفسيرًا محقًا يليق بنا أن نأخذ به. إن كان حقًا هو أعمى أذهانهم لكي لا يؤمنوا، فقد أعماهم من أجل غاية صالحة. إذ لم يقل: "أعمى أنفسهم" بل "أذهان غير المؤمنين" (2 كو 4: 4). وهذا معناه أنه يعمي الشهوانيين في ذهنهم الشهواني لكي يخلصوا، ويعمى خبث اللصوصية المستحوذ على أذهان السالبين لكي يخلص الإنسان نفسه.

وإن كنت لا تقبل هذا التفسير، فإنه يوجد تفسير آخر.

الشمس تعمي من كان ضعيف البصر. فمن كانت أعينهم متوعّكة يؤذيهم النور ويصبهم العمى. فليست طبيعة الشمس أن تعمي، بل العين غير قادرة على النظر.

هكذا أيضًا غير المؤمنين كمرضى القلوب لا يستطيعون التطلع إلى بهاء اللاهوت. وإذ لم يقل: "قد أعمى أذهانكم لكي لا يسمعوا الإنجيل"، بل "لئلا يضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح..." لذلك فإن سماع الإنجيل مكفول للجميع، أما مجده فمحفوظ لأولاد المسيح الحقيقيين وحدهم.

من أجل هذا تحدث الرب بأمثال مع الذين لم يقدروا أن يسمعوا (مت 13: 3)، أما التلاميذ ففسّر لهم الأمثال على وجه الخصوص (مز 4: 34)، لأن ضياء المجد هو للذين يستنيرون، والعمى للذين لا يؤمنون(44).

هذه الأسرار التي تشرحها الكنيسة الآن يا من تعبر من فصل الموعوظين لم تشرحها للوثنيين. فلا نشرح للوثني الأسرار الخاصة بالآب والابن والروح القدس، وحتى أمام الموعوظين لا نتكلم عن الأسرار بوضوح، إنما نتحدث عن أمورٍ كثيرة بطريقة محجبة، يفهمها المؤمنون العارفون بها، ولا يتأذى منها غير العارفين.


إعدام ماني


30. بمثل هذه البراهين وغيرها تُطرح الحيّة خارجًا. هكذا قاوم أرشلاوس ماني وطرحه. فهرب من هذا المكان ذاك الذي سبق فهرب من السجن، وذهب إلى قرية صغيرة جدًا، متشبهًا بالحيّة التي في الفردوس، تركت آدم وذهبت إلى حواء.

لكن الراعي الصالح أرشلاوس المهتم بقطيعه، ما أن سمع بهروبه حتى أسرع بالبحث عن الذئب. وإذ فوجئ ماني برؤية خصمه اندفع هاربًا، وكان ذلك آخر هروب له، إذ بحث عنه أتباع ملك الفرس في كل مكان، وقبضوا على الشارد. وهكذا إذ كان يلزم أن يحكم عليه أرشلاوس تم ذلك بواسطة أتباع الملك.

ماني هذا الذي عبده تلاميذه أُلقي القبض عليه، وأُحضر أمام الملك. وبّخه الملك على بطلان ادعائه وهروبه، موبخًا إياه بعبوديته، ومنتقمًا لقتله ابنه، كما أدانه بسبب قتل الحراس، فأمر بسلخ جلده على النظام الفارسي، وقدّم جسده طعامًا للوحوش، أما جلده فعلق على الأبواب كما لو كان كيسًا (جرابًا).

ذاك الذي ادعى أنه الباراكليت، وأنه عالم بالمستقبل، لم يكن يعرف بأنه سيهرب وسيُقبض عليه.


تلاميذ ماني والتقمص


31. كان لهذا الرجل ثلاثة تلاميذ هم: توماس وباداس وهرماس.

ليته لا يَقرأ أحد إنجيل توماس، فإنه ليس من عمل أحد الاثني عشر رسولًا، بل أحد تلاميذ ماني الثلاثة الأشرار.

ليته لا يجتمع أحد مع أتباع ماني مهلكي النفوس... الذين يتكلمون بشرٍ على خالق الأطعمة، وهم يبتلعون ما لذَّ وطاب بنهمٍ. إنهم يُعلمون أن من يقطع عشبًا من نوعٍ أو آخر يتحول نفسه إلى ذات العشب. فإن كان أحد يجمع عشبًا أو أي نوع من الخضروات يتحول إليه. فإلى كم نوع يتحول المزارعون وأصحاب الحدائق؟!

يستخدم البستاني منجله ليحصد أنواعًا كثيرة، فإلى أي نوع يتحول؟!

راعي القطيع يصير قطيعًا، فإن قتل ذئبًا فإلى ماذا يتحول؟!

كثيرون اصطادوا سمكًا وطيورًا فإلى أيهما يتحولون؟!


أتباع ماني يلعن بدلًا من أن يبارك


32. فليرد أبناء الكسل أتباع ماني الذين يأكلون من تعب العاملين. إنهم يرحبون ببشاشة بالذين يحضرون لهم أطعمة، ثم يعودون فيلعنوهم...

فإذ يأتيهم أحد بسيط بشيء ما يقولون له: قف خارجًا إلى حين ونحن نباركك. وإذ يأخذ أحد أتباع ماني الخبز على يديه يقول: "أنا لم أصنعك"، ثم يصب اللعنات على العليّ، ويلعن خالق الخبز، وبعد هذا يأكل ما قد خلقه الخالق.

إن كنت تبغض الطعام، فلماذا تبتسم لمن يقدمه لك؟!

وإن كنت تشكر من أحضره لك، فلماذا تجدف على خالق الطعام وموجده؟!

كذلك يقول: "أنا لم أزرعك، ليُزرع من زرعك! أنا لم أحصدك، ليُحصد من حصدك. أنا لم أخبزك، ليُخبز بالنار من خبزك..."


تصرفات أتباع ماني الشنيعة


33. هذه أخطاء شنيعة لكنها ليست بشيءٍ إن قورنت بما تبقى. إنني لا أتجاسر فأصف لكم استحمامهم أمام الرجال والنساء. لا أجسر فأقول ماذا يحدث عندما يغطسون، وأية قباحات يتعاطون! فليُفهم بالتلميح ما أقوله... فإنه بالحق ندنس فمنا إن تحدثنا عن هذه الأمور المخزية.

ألعل الوثنيين يستحقون أن يُمقتوا أكثر من هؤلاء؟!

ألعل السامريين أكثر بؤسًا منهم؟!

ألعل اليهود أكثر جحودًا منهم؟!

ألعل الزناة أكثر دنسًا منهم؟!

لأن الذي يستسلم للفسق، إنما يفعل ذلك للذة لمدة ساعة، لكنه يعود ويدين عمله، ويقر بأنه تنجس، ويشعر بالحاجة إلى التطهير، ويعترف بقباحة فعله. لكن الماني يقيم مذبحه(45) وسط الأدناس ويلوث فمه ولسانه. وأنت يا إنسان، أتقبل تعليمًا من فم كهذا؟ هل تسلم على إنسان كهذا بقبلة متى اجتمعت معه؟

وإني إذ لا أقول شيئًا عن شرهم الآخر، أما تهرب من دنسهم، إذ هم أشر من الفاجرين، تمجهم النفس أكثر من العاهرات؟!


تحذير من المانيين


34. هوذا الكنيسة تنصحك وتخبرك عن هذه الأمور المملوءة وحلًا حتى لا تتوحَّل.

تحدثك عن الجراحات لكي لا تُجرح.

يكفيك أن تعرف ما قلته لك دون أن تمارسه.

الله يرعد وكلنا نرتعب، أما هم فيجدفون.

الله ينير وجميعنا ننحني حتى الأرض، وهم يجدفون على السماوات.

لقد كُتبت هذه في كتب أتباع ماني. ونحن نقرأها بأنفسنا، إذ لا يمكننا أن نصدق من يرويها لنا. نعم من أجل خلاصكم نحن استقصينا بتدقيق عن هلاكهم...


بين الكنيسة وجماعات ماني


35. ليخلصنا الله من ضلال كهذا، ويعطيكم كراهية للحية، إذ هم يرقدون منتظرين عقبكم، فلتدوسوا أنتم على رأسهم.

تذكروا ما أقوله: أي اتفاق يمكن أن يقوم بيننا وبينهم؟! أية شركة بين النور والظلمة؟! بين سمو الكنيسة ودنس أتباع ماني؟!

هنا يوجد ترتيب ويقوم النظام، هنا السمو، هنا النقاوة، هنا من ينظر إلى امرأة ليشتهيها يُدان (مت 5: 28).

هنا الزواج المقدس، والعفة ثابتة.

هنا تُكرم البتولية كما بين الملائكة.

هنا يؤخذ الطعام بشكرٍ.

هنا يُحمد خالق العالم.

هنا يُعبد أب المسيح.

هنا نتعلم المخافة والخشوع أمام مرسل الأمطار.

هنا نمجد صانع الرعد والبرق.


36. لترع مع القطيع، ولتهرب من الذئاب


لا تنفصل عن الكنيسة. ولتمقت الذين يشككون في هذه الأمور (أتباع بدعة ماني). وإن لم تدرك توبتهم، فلا تثق فيهم، مندفعًا بنفسك في وسطهم.

إنه يُسلم إليك وحدانية الله. فتعلم أن تميز مراعي التعليم.

كن صرافًا مزُكى. "تمسك بالحسن، وامتنع عن كل شبه شر" (راجع 1 تس 5: 21، 22).

إن كنت تحبهم اعرف ضلالهم وأبغضه.

إنه يوجد طريق الخلاص، إن ازدريت بالقيء ومقتهم من قلبك، وانفصلت عنهم بنفسك لا بشفتيك، إن تعبدت لأب المسيح إله الشريعة والأنبياء، إن عرفت أن الصالح والعادل إله واحد بنفسه.

وإذ هو حافظكم كلكم، يحفظكم من السقوط والتعثر ويقيمكم في الإيمان في المسيح يسوع ربنا الذي له المجد إلى أبد الأبد.آمين.
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
القديس كيرلس الأورشليمي |واحد مع الآب
القديس كيرلس الأورشليمي | الله محب البشر
القديس كيرلس الأورشليمي | اقبلوا عمل الله
القديس كيرلس الأورشليمي - نؤمن برب واحد يسوع المسيح
القديس كيرلس الأورشليمي في الله الآب


الساعة الآن 07:11 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024