رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديس فرنسيس سالس قد أختبر في ذاته حسناً مفاعيل الصلاة المقدم ذكرها، كما يورد في الرأس الرابع من الكتاب الأول من سيرة حياته. على أن هذا القديس قد كان في السنة السابعة عشرة من عمره تقريباً مقيماً في مدينة باريس مهتماً في درس العلوم. في الوقت عينه الذي فيه كان غرامه ولذته الأنعكاف على أفعال التعبد والحب المقدس لله، الأمر الذي وجد لديه نعيماً فردوسياً على الأرض. فالباري تعالى لكي يختبره بأفضل نوعٍ ويضمه بأشد تعلقٍ نحو حبه، قد سمح بأن الشيطان يصور له مجيِّداً في عقله أن جميع ما كان هو يمارسه من الخير لم يكن يفده بتةً، من حيث أنه هو بموجب سابق علم الله وحكمه أحصي في عدد المرذولين، فتبرقع العقل واليبس الروحي اللذان تركه فيهما الله بأرادةٍ مقصودةٍ في هذا الزمن عينه، حتى أنه كان يوجد حينئذٍ هو عديم الحس في جميع التصورات الأكثر عذوبةً، التي كانت تستحضر منه في شأن خيرية صلاح الله وجوده الغير المتناهي، قد أوقعاه بزيادة الحزن، وأعطيا التجربة قوةً أعظم لأن تفعم جوف هذا الشاب مرارةً علقميةً، بنوع أنه لخوفه وأرتيابه المومى اليهما قد عدم شاهية الأكل، وفقد راحة النوم، وتغيرت سحنة وجهه، وأبتعدت عنه أمارات التعزية والفرح متى أن كل من يراه في تلك الحال لم يكن يمكنه الا يتوجع له من أجلها* ففي مدة دوام هذه الزوبعة المهيلة لم يكن يعلم هذا القديس أن يفتكر في شيءٍ آخر أو أن يفه بكلمات أخرى سوى فيما يزيده توجعاً وغماً وضعف رجاءٍ، ومن ثم كان يقول هكذا: فاذاً أنا سأكون معدوماً نعمة إلهي الذي فيما مضى قد أظهر لي ذاته بهذا المقدار موضوعاً شهياً للحب والعذوبة، فيا أيها الحب ويا أيها الجمال اللذان أنا كرست لكما عواطف قلبي كلها فهل لا أعود أتمتع بعد بتعزياتكما، يا والدة الإله العذراء أيتها الفائقة جمالاً على بنات أورشليم كلهن. أهل أنني لا أقدر اذاً أن أشاهدكِ في الفردوس السماوي، آواه أيتها السيدة أن كنت أنا لست بعتيدٍ أن أرى وجهكِ الكلي الجمال، فقلما يكون لا تسمحي بأني في جهنم ألعنكِ وأجدف عليكِ: فهذه الأقوال كانت حينئذٍ ثمرة أنفعالات قلبٍ نعم أنه مغرم في الحب لله وللبتول الطوباوية، الا أنه مفعمٌ من الحزن الشديد. فالتجربة المذكورة قد أستمرت مستحوذةً على هذا البار مدة شهرٍ كاملٍ، الا أن الرب قد تنازل أخيراً لأن ينجيه منها بواسطة معزية العالم مريم الكلية القداسة. التي كان قبلاً هذا القديس كرس بتوليته تكريماً لها، وكان من عادته أن يقول أنه وضع فيها رجاه كله، فيوماً ما عند رجوعه مساءً نحو مكان سكناه قد دخل الى كنيسةٍ، وهناك شاهد لوحاً معلقاً على الحائط مكتوبةً فيه الصلاة السابق ذكرها المقالة من القديس أوغوسطينوس وهي: أذكري أيتها السيدة الرأوفة أنه لم يسمع قط منذ تأسيس العالم أن أحداً رذل منكِ مهملاً، ولهذا سامحيني أن كنت أقول لكِ أنني لا أريد أن أكون أنا هو هذا الإنسان الأول التعيس، أي بعد أن ألتجئ اليكِ أعود خائباً وأهمل منكِ مرذولاً: فتقدم القديس فرنسيس أمام هيكل والدة الإله في تلك الكنيسة وتلى هذه الصلاة بعواطف حبٍ مضطرم، وجدد هناك نذر حفظ البتولية لهذه الأم الإلهية موعداً بأن يتلو يومياً مسبحتها الوردية. ثم أضاف الى ذلك جميعه قائلاً: كوني محاميةً عني يا ملكتي لدى أبنكِ الذي أنا لا أجسر أن التجئ اليه، فأن كنت أنا التعيس يا أمي لا أستطيع في العالم الآتي أن أحب سيدي الذي أنا أعلم أنه بهذا المقدار هو مستحقٌ أن يحب، فقلما يكون أستمدي لي أنتِ هذه النعمة وهي أن أحبه تعالى في هذا العالم أعظم حباً أقدر عليه. فهذه الموهبة أطلبها منكِ وأرجو نوالها: قال هذا وأسلم ذاته بكليتها بين يدي الرحمة الإلهية خاضعاً كل الخضوع لمشيئة الله. ولكن عندما أنهى صلواته المقدم ذكرها قد خلصته حالاً أمه الإلهية الكلية العذوبة من تلك التجربة، وفاز بالسلام الباطن تماماً ومعاً شفي من مرضه الجسدي، ومن ثم داوم مستسيراً بحسن العبادة لمريم التي بعد ذلك لم يعد يكفف مدة حياته كلها، عن أن يذيع تسابيحها ومدائحها ومفاعيل رحمتها وينذر بها في مواعظه وتأليفاته الجليلة.* |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|