رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
دعوة الأرض وكل ما عليها للتسبيح أما الصف الثالث فهو صف الخليقة التي تبدو لنا مرعبة بل ومؤذية الإنسان، بعضها يبدو بلا نفع كالتنانين والبَرَدْ والضباب والعواصف. فإن كنا لا ندرك أهميتها أو دورها في حياتنا، لكنها تنضم إلى صفوف المسبحين. سَبِّحِي الرَّبَّ مِنَ الأَرْضِ، يَا أَيَّتُهَا التَّنَانِينُ وَكُلَّ اللُّجَجِ إن كانت السماوات تشهد لمجد الله، فإن الأرض والبحر وكل ما فيهما أو عليهما يشهد لحكمة الله. كل شيءٍ جميل في موقعه وبالطبيعة التي تناسبه. هنا إذ يطالب الكائنات المخيفة مثل التنانين الضخمة أن تسبح الرب، إنما يدعو الإنسان الذي يسلك كالتنين أن يقدم توبة عما هو عليه، ويرتبط بالله ويسبحه. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن المرتل قد بدأ بالخليقة التي في الأعالي، التي فوق السماء (الجلد)، ثم نزل إلى السماء، وأخيرًا ينزل إلى الأشياء التي على الأرض. لم يذكر المرتل الحيوانات، حيث لا يحدث جدل عنها بكونها جميلة ونافعة، لكنه يتحدث عن الخليقة التي يرى البعض أنها ضارة ولا تمجد الله مثل التنانين والرياح العاصفة والنار والبَرَدْ ووحوش البرية والجبال الشامخة، والزواحف. هذه المخلوقات التي قد يرهبها الإنسان، متسائلًا: لماذا خلقها الله محب البشر؟ هي أيضًا تشهد لعناية الله وعظمته. الآن يشهد العلم أن بعض الزواحف والحشرات مثل العقرب نافعة، فسُم العقرب يستخدم في بعض الأدوية للعلاج من بعض الأمراض، والنباتات والأعشاب التي توجد على الجبال وفي البراري لها منافع صحية. مع كل جيل جديد، بل ومع كل يوم نكتشف بركات ومنافع من مخلوقات كنا نود الخلاص منها. هذا والنار التي أُلقي فيها الثلاثة فتية القديسين أحرقت العسكر الشامتين، بينما تحولت إلى ندى للقديسين! *أنتم ترون أي نوع كل هذه (الأشياء الأرضية)، فهي متغيرة، تسبب اضطرابًا، ومخيفة، وقابلة للفساد، ومع ذلك فلها موضعها ودورها الخاص بها، وهي حسب درجاتها تكمل جمال المسكونة، وبهذا تسبح الله. إنه يتحول إلى هذه الأشياء كمن يحثها هي أيضًا، ويحثنا نحن أن نسبح الرب... ماذا؟ هل نظن أن التنانين تشَّكل خوارس وتسبح الله؟ حاشا! ولكن عندما نتأمل التنانين تتطلع إلى خالق التنين؛ عندئذ إذ نُعجب من التنين، نقول: "عظيم هو الرب الذي صنع هذه، بهذا تسبح التنانين الله بأصواتنا القديس أغسطينوس النَّارُ وَالْبَرَدُ الثَّلْجُ وَالضَّبَابُ، الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ الصَّانِعَةُ كَلِمَتَهُ . كل ما يدور حولنا حتى النيران المشتعلة، والأهوية والعواصف والسحب الخ. وما تقدمه من خدمات ووضع حدود لها تشهد لإبداع الخالق. العجيب أن المتناقضات أيضًا تشهد لقدرة الله، النار والبرد، الثلج والضباب والعواصف تتحرك كل هذه الظواهر بكلمة الله. الخليقة الجامدة كالجبال والتلال مع الأشجار سواء المثمرة أو العقيمة بحكمة أوجدها الخالق. وأيضا الحيوانات المتوحشة كما المستأنسة، والطيور، تشهد له مع الإنسان وتسبحه. أما عن الإنسان، فمع اختلاف العمر والقدرة والسلطة، الكل يقدر أن يسبح الله. في اختصار يليق بكل كائنٍ أينما وُجد، وأيا كانت مواهبه أن يسبح الله. يرى القديس جيروم أن وُجد نوع من التضاد بين النار والبَرَدْ، ونوع من المتاعب بسبب الضباب والرياح العاصفة، لكن الله يستخدم هذه جميعها لخدمة الإنسان كأمر الرب، فهي تسبحه إذ تتمم أمره. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم الله الخالق كطبيبٍ حكيمٍ، نشكره ونسبحه في كل تصرفاته. فخلال عنايته الإلهية أوجد آدم في جنة عدن، وبذات العناية سمح له بطرده منها عندما أخطأ، حتى يتحقق خلاصنا، وننعم بالفردوس السماوي. الله في عنايته سمح بوجود الفردوس السماوي، وبذات عنايته سمح بوجود الجحيم حتى نهرب من الشر، ونسترد بنعمة الله صورته فينا. *"الصانعة كلمته". كثير من الأغبياء يعجزون عن التأمل وتبَّين الخليقة في أماكنها المتعددة ودرجاتها، تحقق بتحركاتها وإيماءاتها أمرًا من الله. هؤلاء يظنون أن الله بالحقيقة يحكم الأمور العلوية، أما السفلية فيستخف بها، ويتركها جنبًا ويهجرها، فلا يهتم بها ولا يقودها ولا يريدها، إنما تسير مصادفة، يحدث لها ما يحدث حسب قدرتها،... كل منها يحدث لها ما يؤثر عليها من الأشياء الأخرى... "النار والبَرَدْ والثلج والضباب والريح العاصفة الصانعة كلمته"، تبدو كل هذه الأشياء في الطبيعة للأغبياء أنها وليدة المصادفة، لكنها هي "صانعة كلمته"، لأنها لا تتم إلا بأمره . القديس أغسطينوس *تقول العروس لريح الجنوب: "هبي على جنتي"، لأن عريسها جعلها أمًا للحدائق. ويشمل النص حدائق وينبوع. من أجل هذا يرغب العريس لحديقته، الكنيسة، التي تمتلئ بالأشجار الحيّة، أن تهب عليها هذه الريح، لكي تحمل منها روائح عطورها. ويقول النبي: "الريح العاصفة، الصانعة كلمته" (مز 8:148). تزينت العروس بزينة الملكة البهية، وغيّرت النهيرات التي تفيض عطرًا إلى شيء أكثر جمالًا، فجعلتها تفيض من أشجار الحدائق بواسطة قوة الروح القدس. ويمكننا بهذه الصورة أن نتعلم الفرق بين العهدين القديم والجديد: يمتلئ نهر النبوة بالمياه، بينما تمتلئ أنهار الإنجيل بالعطر. كان نهر القديس بولس يحمل رائحة المسيح العطرة، ويفيض من حديقة الكنيسة بواسطة الروح القدس. والأمثلة الأخرى كيوحنا ولوقا ومتى ومرقس وجميع الرسل الآخرين كلهم يرمزون إلى نباتات نبيلة في حديقة العروس، وعندما تهب عليها في منتصف الظهيرة تصيرها ريح الجنوب جميعا ينابيع عطور لرائحة الأناجيل الذكية القديس غريغوريوس النيسي الْجِبَالُ وَكُلُّ الآكَامِ، الشَّجَرُ الْمُثْمِرُ، وَكُلُّ الأَرْز ما يبدو لنا نافعًا أو غير نافعٍ، الكل يشهد لحكمة الخالق. فالجبال والتلال التي تبدو أحيانا كعوائق للإنسان، أو أشجار البرية غير المثمرة، تبدو بلا نفع. الكل يقدم بركات للإنسان، حيث يستخرج الإنسان المعادن والحجارة الكريمة من الجبال والتلال، ويستخدم أخشاب أشجار البرية العقيمة. نسبح الله على الجبال الشامخة والآكام التي تبدو بلا نفع لنا، كما نسبحه على الوديان والحقول. نسبحه على الأشجار المثمرة، والأرز الذي بلا ثمر. فإن كانت الأشجار المثمرة تقدم لنا ما نقتات به، فإن الأشجار غير المثمرة تقدم لنا الأخشاب لبناء البيوت وعمل الأثاث وغير ذلك. *إن كان الله قد أظهر عناية فائقة جدًا بأشياء وضيعة عديمة النفع والقيمة، فكيف لا يهتم بكم أنتم أكثر من كل المخلوقات الأخرى؟ لماذا يخلقها بهذا الجمال؟ أليس ليُظهر مدى حكمته وامتياز قدرته، لنتعلم ونعرف مجده في كل شيءٍ. أو ليست السماوات "تحدث بمجد الله" (مز 19: 1) والأرض أيضًا، وهذا ما أعلنه داود المرتل حين قال: "سبحي الرب... أيها الشجر المثمر وكل الأرز" (مز 148: 9). لأنها ترسل التسبيح إلى الذي صنعها، البعض بثمارها، والبعض الآخر بعظمتها، والبعض بجمالها. وتلك أيضًا علامة على الامتياز الفائق للحكمة، إنه حتى مع الأشياء التافهة جدًا (وهل هناك ما هو أتفه من شيء يوجد اليوم ويزول غدًا؟) فإن الله يسكب جمالًا باهرًا كهذا. فإن كان قد أعطى العشب ما لا يحتاجه (لأنه ما فائدة الجمال في إشعال النيران؟) كيف لا يعطيكم أنتم ما تحتاجونه؟ إن كان أكثر الأشياء تفاهة قد أضفى الله عليها هذا الرونق الرائع، ولم يفعل ذلك لاحتياج تلك الأشياء لهذا الرونق، بل لسخائه، فكيف بالحري يكرمكم وأنتم أكرم المخلوقات في أموركم الضرورية؟ *البعض بثمارها ترسل تسبيحًا لخالقها، وأخرى بعظمتها، وأخرى بجمالها. هذه علامة على عظمة سمو الحكمة، التي تظهر حتى (في الخليقة) التافهة جدًا، لأنه أية تفاهة أكثر من الكائن الذي يوجد اليوم، ولا يكون له وجود غدًا؟ القديس يوحنا الذهبي الفم *تحمل الأشجار ثمارًا لكم، لكنكم لا تحملون أنتم ثمارًا لله. "وكل الأرز"، لتقتدوا بالأرز كمثالٍ، فالأرز تبلغ الأعالي كأنها تسرع نحو السماء. إنها هكذا لكي تقتدوا بالأشجار غير العاقلة القديس جيروم الْوُحُوشُ وَكُلُّ الْبَهَائِمِ، الدَّبَّابَاتُ وَالطُّيُورُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَة يقول القديس يوحنا الذهبي الفم إننا ننتفع بالحيوانات المستأنسة لمنفعة أجسادنا، كما بالوحوش المفترسة لمنفعة أرواحنا حيث نخشاها، ونتذكر خطايانا وخطايا أبوينا في جنة عدن، وتكشف لنا عن ثمار العصيان. لقد أعطى آدم هذه الحيوانات أسماءها؛ وعندما تحدثت الحية مع حواء لم ترتعب الأخيرة منها، إنما اختلف الأمر بعد العصيان. *"الوحوش وكل البهائم". إنها لا تغير طبيعتها، كل المخلوقات تحتفظ بنظامها، ماعدا الإنسان الذي وحده تخضع كل الخليقة (الأرضية) له. "الدَّبابات والطيور ذوات الأجنحة". المخلوقات الأرضية لا تترك الأرض لتبلغ السماء، ولا الكائنات السماوية تترك السماء لأجل الأرض، والكل في خدمتكم... خلق الله (المخلوقات الأرضية المتنوعة) لتخدمكم. خلقكم أنتم لكي تخدموه. إنها تطيعكم. افتدوا بها واخدموا الله كما هي تخدمكم. إنها خلال الله تخدمكم وتطيعكم. القديس جيروم *عندما ترون أسدًا، وعندما تنظرون حية، تذكروا هذه القصص، فإنها تفيدكم ليس بقليلٍ للتفكير السليم. اذكروا دانيال أيضًا كيف أنه عندما عاد إلى الصورة القديمة، صارت الوحوش المرهبة لا حسبان لها (دانيال 6). بالحقيقة هكذا كان الأمر بالنسبة للأفعى في عيني بولس (أع 28). بهذا تقتنون غيرة ليست بقليلة، واهتمامًا بنفوسكم. من هذه الأمثلة وغيرها تجد علة للعجب من خطة الله وتدبيره لهذه المخلوقات... لقد عين لها أماكن بعيدة عن المدن، مناطق صحراوية. بينما تحمل رعبًا لا تميل إلى الحياة في المدن، ولا أن تلتقي مع الذين يعيشون فيها، بل على العكس تفضل المناطق الصحراوية وتُغرم بها، فقد خصص الله لها منذ البداية أن تجد المواضع المناسبة والمواقع اللائقة لتعيش فيها . القديس يوحنا الذهبي الفم |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 92 | دعوة للتسبيح |
مزمور 33 - دعوة للتسبيح |
دعوة القادة للتسبيح |
دعوة القادة للتسبيح |
دعوة السمائيين للتسبيح |