رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البابا شنودة الثالث قهر الذات 1 - قهر الذات: الصوم والعفة يدخلان في قهر الذات، من جهة ضبط طلبات الجسد وشهواته. وهناك قهر آخر للذات من جهة شهوات النفس. فقد تشتهي النفس حب الظهور، وأن تعلن عن ذاتها وتسعي وراء العظمة. وفي هذا كله ينبغي أن نقاومها. وسعيد هو الإنسان الذي يراقب نفسه ويمنعها كلما تشرد وراء التنعمات العالمية. ويقنعها بأن التنعم بالله أفضل. إن مالت نفسك أو مال جسدك إلي متع هذا العالم، امنعهما بشدة: لا قسوة عليهما، إنما ضمانًا لأبديتك. لأن الذي يدلل نفسه هنا يهلكها.. والذي يتراخى في ضبط ذاته عليه، وتتمرد على سلوكه الروحي. بعكس الذي يدرب ذاته ويروضها في دروب الرب. إن الوسيلة التي تبني بها ذاتك، هي أن تقهر ذاتك وتغلبها. لأنك بقهر الذات وتغلبك عليها، تصل إلي المجد الحقيقي للذات، الذي هو غير المظاهر الخارجية من العظمة واللذة والشهرة.. كل هذه الأمور البرانية. بينما ينشد المرتل قائلًا في المزمور "كل مجد ابنة الملك من داخل" (مز45). ثق أن في قهر الذات لذة روحية، لا تعادلها كل ملاذ الجسد. لذلك إن أردت أن تبني ذاتك، اقهرها من جهة تطلعاتها الخارجية، لكي تبنيها من الداخل. وحينئذ تجدها في الله، وتجد الله فيها. وتبصرها صاعدة نحو الأبدية. ومن هنا كان الزهد من وسائل علاج الأنا. وفي الزهد تبني ذاتك -لا في هذا العالم الحاضر- إنما في العالم الآتي. وكما كان يوسف الصديق يخزن قمحًا للسنوات المقبلة، كذلك أنت أخزن ما ينفعك يوم تقف أمام الديان العادل، وكما خزنت العذارى الحكيمات زيتًا لحين مجيء العريس (مت 25). كذلك اخزن أنت زيتًا من عمل الروح القدس فيك.. اقهر ذاتك في أمور العالم، لأن العالم يبيد وشهوته معه (1 يو 2: 17). إن أرادت أن تنتصر على الغير، اقهرها. فالانتصار الحقيقي هو الانتصار على الذات. أما الغير: فبدلًا من أن تنتصر عليهم، أكسبهم. لأن الكتاب يقول "رابح النفوس حكيم" (أم 11: 30).. أن الانتصار على الناس سهل. ولكن كسب الناس هو الذي يحتاج إلي مجهود، إن كنت فيه تقهر ذاتك.. * نقطة أخري في علاج الأنا. وهي محبة الآخرين وخدمتهم. محًبة الآخرين وخدمتهم اخرج من حبس ذاتك داخل نفسك، إلي نطاق الآخرين. يقول المزمور "أخرج من الحبس نفسي" (مز142: 7). وأيً حبس هو أقوي من أن تحبس نفسك داخل هذه الأنا؟! اخرج منها إذن، واندمج في العالم الخارجي، مع الآخرين تحبهم وتخدمهم وتتعاون معهم. قطعًا، الشخص الذي يحب ذاته، لا تهمه محبة الآخرين. حاول إذن أن تخرج من التركيز على الاهتمام بنفسك، إلي الاهتمام بالآخرين. وثق أنك ستجد في هذه لذة. وسوف يبادلونك حبًا بحب، وتجد في محبتهم ما يشبع نفسك. انتقل من مجال الأخذ إلي مجال العطاء. تدرب على أن تعطي الغير، تعطيهم خدمة، تعطيهم وقتًا، تعطيهم حبًا وجهدًا ومساعدة.. وإذا نما الإنسان في تدريب العطاء، فإنه يعطي حتى نفسه. وهذا أسمي ما يصل إليه في الانطلاق خارج الذات.. وإن كان من أخطاء (الأنا): البخل. فالعلاج هو العطاء. حيث يتدرب الإنسان على اليد المفتوحة باستمرار، الممدودة بالعطاء إلي الغير، في سعة، وفي رفق وحنان.. شكرهم سوف يشبعه. ومساعدتهم ستغير قلبه وتملؤه بمشاعر نبيلة، فيعطي أكثر، ويزداد في خدمة الآخرين وفي إسعادهم. ويتعود أن يتعب لأجل الآخرين. لا يهتم براحة نفسه، إنما براحة غيره. على عكس الأناني الذي يجعل راحته على تعب الآخرين. وكلما ينمو الإنسان الروحي في الاهتمام براحة الآخرين، قد يصل إلي حياة التكريس، لأن المكرس هو الذي يجعل حياته كلها لأجل الآخرين. * نقطة أخري في معالجة (الأنا)، هي التواضع. التواضع الإنسان الذي يعيش في محبة (الأنا)، يهمه أن تكبر ذاته باستمرار، وفي المقارنة يريدها أن تكون اعلي من غيره. وعلاج ذلك أن يضع أمامه قول الرسول: "مقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة" (رو 12: 10). وعن ذلك يقول الشيخ الروحاني "في كل موضع تحل فيه، كن صغير أخوتك وخديمهم". بل أن السيد الرب يقول "إن أراد أحد أن يكون أولًا، فليكن آخر الكل وخادمًا للكل" (مر9: 35). وهكذا يمارس فضيلة (المتكأ الأخير). والمقصود بالمتكأ الأخير، أن يكون الأخير لا من حيث المكان، بل من حيث المكانة. فلا تحسب نفسك أهم الموجودين في المكان الذي تحل فيه. ولا أن رأيك هو أهم الآراء، وقرارك هو أهم القرارات، ومركزك هو الأهم!! ولا تفكر في أنه ينبغي أن تكون أنت المطاع والمحترم بين الكل! لا تعط لنفسك كرامة وتفرضها على الآخرين. إنما اترك الناس يكرمونك من أجل ما يرونه من تواضعك ووداعتك.. لا ترغم الناس على احترامك. فالاحترام شعور ينبع من داخل القلب. لا يُفرض بالإرغام، إنما بالتقدير الشخصي.. قد ترغم إنسانًا على طاعتك، ولكن لا تستطيع أن ترغمه على احترامك. وفي معاملاتك مع الناس، كن نسيمًا لا عاصفة. كثيرون يحبون صفة العاصفة، لأنها تحمل معني القوة. أما النسيم فيمثل الوداعة واللطف، اللذين ينبغي أن يتصف بهما من ينكر ذاته. وفي تواضعك لا تفضل نفسك على غيرك. على أن يكون ذلك بعمق الحب وعمق الاتضاع، وبغير رياء.. في اتضاعك، قل أنا. من أنا؟ أنا مجرد تراب ورماد. بل قبل أن أكون ترابًا، كنت عدمًا. خلق الله التراب قبلًا مني، ثم صنعني من هذا التراب.. وهنا يختفي منك الاعتداد بالذات. وفي اتضاعك أيضًا، تصل إلي فضيلة (إدانة الذات). إدانة الذات الإنسان المصاب بالأنا، يكون باستمرار بارًا في عيني نفسه. إذا اخطأ لا يعتذر، لأنه يظن أنه على حق ولم يخطئ! وإذا حدث سوء تفاهم بينه وبين أحد من الناس، لا يذهب إليه ليصالحه. لأنه يأمل أن طلب الصلح لا بُد أن يأتي من الطرف الآخر، باعتبار أن الخطأ قد صدر من ذلك وليس منه! بل حتى مع الله، قد لا يعترف بأخطائه، لأن ذاته تقنعه أنه لم يخطئ. العلاج إذن أن يحاسب الإنسان نفسه بغير تحيز، ويدينها. يدين ذاته في داخل نفسه. ويدينها أمام الله وأمام أب اعتراف. ويدينها أمام الغير حينما يلزم ذلك. يدينها في اتضاع. ولا يجلب اللوم على غيرها، كما فعل أبونا آدم وأمنا حواء (تك 3). ولا يبرر ذاته من جهة أسباب الخطأ وظروفه. فكل دواعي التبرير سببها الذات وتمسكها ببرها الذاتي.. إن الإنسان الذي لا يعكف على تمجيد ذاته وتكبيرها، بل يهدف باستمرار إلي تنقية ذاته مما يشوبها من أخطاء ونقائص.. تراه يلوم نفسه ويدينها، لأنه بهذا يمكنه تقويمها وتصحيح مسارها. في إحدى المرات زار البابا ثاوفيلس منطقة القلالي وسأل الأب المرشد في ذلك الجبل عن الفضائل التي أتقنوها، فأجابه: "صدقني يا أبي، لا يوجد أفضل من أن يأتي الإنسان بالملامة على نفسه في كل شيء". هذا هو الأسلوب الروحي الذي يسعى به الإنسان إلي تقويم ذاته: يأتي بالملامة على نفسه، ليس على غيره، وليس على الظروف المحيطة. وليس على الله!! ظانًا أن الله لم يقدم له المعونة اللازمة! ليتنا ندين أنفسنا ههنا، حتى ننجو من الدينونة في اليوم الأخير. لأننا بإدانتنا لأنفسنا، نقترب إلي التوبة. وبالتوبة يغفر لنا الرب خطايانا. أما الذي لا يدين ذاته، بسبب اعتزازه بهذه الذات، فإنه يستمر في خطاياه، ولا يتغير إلي أفضل. ويكون تحت الدينونة. وصدق القديس الأنبا أنطونيوس حينما قال: "إن دنا أنفسنا، رضي الديان عنا". "إن ذكرنا خطايانا، ينساها لنا الله". "وإن نسينا خطايانا، يذكرها لنا الله". كذلك فإن إدانتنا لأنفسنا، تساعدنا على المصالحة بيننا وبين الناس، يكفي أن يعتذر الشخص ويقول لأخيه "لك حق. أنا قد أخطأت في هذا الأمر"، لكي يضع بهذا حدًا لغضب المُساء إليه، ويتم الصلح معه، أما إذا استمر المخطئ في تبرير موقفه، فإن الخصم يشتد بالأكثر في إدانته. وما أجمل قول القديس مكاريوس الكبير: "أحكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكموا عليك". * نقطة أخري تساعدك على علاج الذات وهي: ضع أمامك مثال المسيح إن كان الإنسان الأول قد انهزم في حرب الذات، واشتهي أن يصير مثل الله (تك3: 5)، فإن السيد المسيح الذي بارك طبيعتنا فيه، صحح هذه النقطة. وكيف ذلك؟ يقول الرسول عنه إنه: "أخلى ذاته، وأخذ شكل العبد، صائرًا في شبه الناس" (في 2: 7). وعاش على الأرض فقيرًا، ليس له أين يسند رأسه (لو9: 58) بلا وظيفة رسمية في المجتمع. وتنازل عن كرامته "ظُلم. أما هو فتذلل ولم يفتح فاه"، "وأحصي مع أثمة" (أش53: 7، 12). ولم يدافع عن نفسه. أنكر ذاته من أجلنا. ووضع ذاته لكي يرفعنا نحن. ووقف كمذنب لكي نتبرر نحن. ذاته لم يضعها أمامه، بل وضعنا نحن.. أليس هذا درسًا لنا من هذا الذي عظمته لا تحد.. درسًا لنا نحن المحاربين بالأنا، بينما نحن لا شيء. السيد المسيح اخلي ذاته من المجد الحقيقي. أما أنت، فتخلي ذاتك من كل مجد باطل. إن إخلاء المسيح لذاته موضوع واسع، ليس الآن مجاله * نقطة أخري في علاج (الأنا) وهي: تدريب الميل الثاني قال السيد الرب "من سخرك ميلًا، فأذهب معه اثنين. من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، فاترك له الرداء أيضًا" (مت5: 40، 41). وبنفس الوضع تحدث الرب عن الخد الآخر، فقال "من لطمك على خدك الأيمن، فحول له الآخر أيضًا" (مت5: 39). وكأنه أراد أن يقول: كن مظلومًا لا طالمًا. وكن مصلوبًا لا صالبًا. لا تنتقم لنفسك. إن الذات تريد أن تأخذ حقها، وتأخذه بنفسها، وهنا على الأرض، وبسرعة على قدر الإمكان. أما تعليم الرب لنا في إنكار الذات فهو: "لا تقاوموا الشر" (مت 5: 39). لا تجعل ذاتك تتدخل، لتنال حقوقك أو لتنتقم. واذكر قول الكتاب "لي النقمة. أنا أجازي، يقول الرب" (رو 12: 19). ومع أن النقمة للرب، لكن لا تطلبها منه لنفسك. بل الكتاب يقول: "المحبة لا تطلب ما لنفسها" (1 كو 13: 5). ولماذا لا تطلب ما لنفسها؟ لأنها بعيدة عن الذات، بعيدة عن الأنا التي تطلب.. تدريب آخر في التخلص من الذات، وهو قول الرسول: "لأحيا لا أنا.." (غل 2: 20). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
كلمة سعادة | ا - رمز الآخرين - الذات |
خروجك من سجن الذات يدخلك فى قلوب الآخرين |
محًبة الآخرين وخدمتهم |
محبة الآخرين وخدمتهم |
التفكير في الذات وإهمال الآخرين |