منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 07 - 02 - 2022, 07:11 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,445

إنَّ الغروبَ لا يَحولُ دونَ شروقٍ جَديد (كونفوشيوس)



إنَّ الغروبَ لا يَحولُ دونَ شروقٍ جَديد (كونفوشيوس)




كَثيرًا ما تَغنّى الشّعراءُ بالّليل، وَنَظَموا قَصائِدًا صَارَت أُغنياتٍ، نُرَدِّدُها ونَطربُ لَها في لَيالي أُنْسِنَا. فَمِن (أَقبلَ الّليلُ ونَاداني حَنيني) غناءُ السّيدة أم كلثوم، إلى (أمانة عَليك يا ليل طوّل) غِناء كارم محمود، مرورًا بِ (الّليل مِش للنّوم أصل الّليل للسّهر) غِناء السّيدة فَيروز...إلخ، جَميعُها تَتَغنّى بهذا الكَيانِ الْمُظلِم!

الْمَعنى الْمُباشِر لِلّيل هو حالةٌ زَمنيّة تُمثِّلُ غِيابَ النّورِ وحلولَ الظّلام. وَكما تقولُ العَرب: ((الّليل مَا إله عيون)). فَإنْ كَانَ النّورُ هو مَن يُعطي القُدرةَ لِعُيونِنَا أَن تُبصِرَ الكِياناتِ من حَولِنا، مُتَجَنِّبينَ ما كانَ مِنها خَطرًا عَلينا، فَالّليلُ يَسلِبُها هذهِ القُدرة، وفيه تَرتفِع مُعدّلاتُ الخُطورَة. فالنّورُ أَمان، والظُّلمةُ خَطر!

وِمن مَعانيهِ أَيضًا التَّخبُّطُ والضَّياع. فَالّليلُ حالةٌ مَعنويّة تَدلُّ على التَّيهانِ والارتباكِ، وفُقدانِ السّيطرة وانْعِدامِ البَصيرة. فَكم من النّفوسِ تحيا في ظلامٍ دامِس، تَراها تَتخبَّطُ يمينًا وشمالًا، لا تَدري مَا تقولُ أو ماذا تَعمل؟! وَأَحيانًا قَد تَتسِّعُ حالةُ التّخبطِ هَذه، لِتَصيرَ على مُستَوى جَماعاتٍ وأَنظِمة وَمُؤَسَّسَات، حيثُ لا تَخطيط ولا تَنظيم ولا رؤية ولا أَهداف، بل عَشوائيّةٌ ومَحسوبيّةٌ وفَزعَةٌ، وسوءُ إدارةٍ وَاختِيار!

أَمّا لَليل العائلات فهو أَكثَرُها مَدعاةً للأَسَى! فَكَم من عَائِلاتنِا تَعيشُ اليوم لَيلًا وظلامًا! فَنَراها مُشَتَّتةً هَائِمَةً عَلى وُجوهِها، كُلٌّ عَلى رَأسِهِ يَسير، والجميعُ فِيهَا مُتَخبَّط: الأبُ ضَائِع، والأمُّ تَائِهة، والأولادُ مُشتّتونَ، كَغَنمٍ لا راعيَ لَها! لا أَحدَ فيهم يَجِدُ الآخر وَسَطَ هَذهِ الظُّلمةِ والاضطراب، وَيَعتقدونَ أَنّهم يعرفون بعضُهم بعضًا، ولا يُدرِكونَ أَنّ لِكلٍّ مِنهم لَيلُهُ الخاص، يَعتزِل فيه ويختبِأُ تَحتَ جُنْحِه الْمُظلِم، لِيصنَع له عالَمًا موازِيًا، يمارِسُ وتمارِسُ فيه حياتَه الخَفيّةَ!

وَمِن دلالاتِ الّليلِ الخوف! حتّى أَنَّ فَيروز غَنّت قائِلَةً: ((أَنا خَوفي مِن عَتمِ الّليل)). فَالظّلامُ يَعني سَيرًا في عَتمَةِ الْمَجهول. والْمَجهول عَادةً يَضعُ في نفسِكَ شيئًا من الخَوفِ والرِّيبَة. وإذا ما تَمَكَّنَ الخوفُ مِن إنسانٍ، أَصَابَه بالشَّللِ وَأَفقَدَهُ القُدرَةَ على الحركةِ والعمل. لِذلك يأتي المزمور الحادي والتّسعين لِيضعَ في نفوسِنا الطّمأنينة قائِلًا: "فَلا تَخشى الّليلَ وأهوالَه" (مزمور 5:91).

الّليل يُمثّلُ كُلَّ ما هو مُوحِشٌ وَمُؤرِّق! مَا أَثقلَ الّليلةَ الّتي يُفارِقُ فيها النّومُ عينَيك، تَبدو وَكأنّها أطولُ لَيلةٍ في العُمر. الّليل يَعني الوِحدة القسرية، عندما تُصبِحُ مُتروكًا من الكُل، وَحيدًا مُصابًا بِلا سَندٍ ودونَ دَعم. هذه الحالة اختَبرَهَا المسيحُ فَوقَ الصّليب: "إلهي، إلهي، لِماذا تَركتني؟" (متّى 46:27).

وإذا كانَ الّليلُ دَلالةَ خَوفٍ لِلبَعض، فَهو غِطاءٌ يَستَتِرُ بِه البَعضُ الآخر، مُتَّخِذًا منهُ حَليفًا لارتكابِ الْمُحرَّمَاتِ والجرائِم والفَظَائِع. فَالِّلصُّ يَأْتي عَادةً في الّليل، وَأَعمالُ التَّصفيةِ والاغتيال تَجري عادةً في الّليل. أَلَم تَسمَعوا مَثَلًا بِلَيلةِ السَّكاكينِ الطَّويلَة؟ أَمّا أَبشَعُ تلك الّليالي فكانَت ليلةَ الخيانة، حِين أسلمَ يهوذا الإسخريوطي مُعلِّمَه في الّليل، إذ يَقول النص: "وَكانَ قَد أَظلَمَ الّليل" (يوحنّا 30:13). فَالّليلُ قَبلَ أن يُظلِمَ في الخارِج، كَان قد أَظلمَ قبلًا في قَلبِ يهوذا، إذ فَارَقَهُ النّور، وَصَارَ مُلكًا لِديجور الشّرور!

"تَعِبنَا طوالَ الّليلِ وَلَم نُصِب شيئًا"! حالةٌ من الإجهادِ الشَّديد ورُبّما اليأس يَختَبِرها بطرس، بَعدَ لَيلةٍ مُرهِقةٍ وشاقَّة بِلا نَتيجة. بطرس في لَيلِه الطّويل يُمثّلُ الإنسانيّةَ الّتي أنهَكتهَا جائِحةُ كورونا بِكلِّ تَبِعَاتِها وارْتِداداتِها. بطرسُ في لَيلِه يُمثّلُ كلَّ إنسانٍ مُرهَقٍ وَمُستَنزَف جَسديًّا ومعنويٍّا. بطرسُ في لَيلِه يمثّل كلَّ إنسانٍ قَامَ بِعدّةِ محاولاتٍ دون جَدوى، وجرّب مرارًا وتَكرارًا دونَ نَتيجة. بُطرس في لَيلِه يُمثّل كلَّ إنسانٍ حَزينٍ وفاقِدٍ للأمل، وَوصلَ إلى طريقٍ مَسدود، وَبلغَ حُدودَ اليأسِ من الحياة. هَذا هو الّليلُ الطّويل الّذي أَتعَبنا وَأَجهدَنا وَأرّقنا وَأَزعَجنا وأَفقدَنا طعمَ الحياة!

القِدّيس يوحنّا الصّليب، كان راهبًا ناسِكًا من رهبانيّة الكَرمل، اِختبرَ ما يُدعى في الحياةِ الروحية بِ (ليل الحواس). وهي الخبرةُ الّتي يَصِفُها في كِتَابِه (اِرتِقاء جبل الكَرمِل). فالّليلُ بالرّغمِ من ثِقَلِه، إلّا أنّه حالةٌ ضَروريّة في الحياةِ الرّوحية! إذ يُعَبّرُ عن مَرحلة التَّطهير الّتي لا بدَّ أن يَمُرَّ بها الْمؤمنُ الجاد، للاتّحادِ الحَقيقي بالله. ففي نظر يوحنّا، لا يمكن للمؤمن أن يتّحِدَ بالله، دونَ التَّخلي عن تَعلُّقَاتِه الحسّية والدُّنيَويّة، وهو الأمر الّذي يُشبِه لَيلًا ثقيلًا ومُتعِبًا، وَلَكنّه في النّهايةِ سَيقود إلى راحةٍ وسعادة، تمامًا كَمَا حَصَلَ مع بطرس اليوم! الّذي بالرّغم مِن تَعَبِهِ طوال الّليل، وَعَدمِ حُصولِه على أَيّة نتيجة، إلّا أنَّهُ، وبناءً على قَولِ الرّب، أَعَادَ الكَرَّة وَأَلقى الشّباك، فَنَال نَصيبًا وافِرًا، بعدَ جُهدٍ مَرير.

أيّها الأحبّة، مُسيرتُنا مع الله قد تَبدو أَحيانًا كليلٍ مُظلِم، لا نُبصِرُ فيه شيئًا. مُسيرتُنا مع الله تَمامًا كحالِ بُطرس: نُصلّي بلا نَتيجة، ندعو بِلا مُحَصِّلَة، فَنتَساءَل: لِمَاذا استمرُّ في مُنَاجاةٍ وَصَلاةٍ لا طائِلَ مِنها؟! مَسيرتُنا مع الله لَيست دومًا ريحان وياسَمين، ولا هي مَفروشَة بالورود، بَل هي مُعبَّدَة بِصَليبٍ ثَقيل، وَمزروعةٌ بأَشواك حادَّة، وَآنيةُ خَمرٍ مُزِجَت بمرارة (مَتّى 34:27)!

مَسيرتُنا مع الله أحيانًا كَلَيلةٍ مُعتِمَةٍ بلا ضوءِ قَمَر، نُشعر فيها بِأَنَّ الله تَركنا وتخلّى عنَا، فَصِرنَا وَحدنا أشقياءَ نُعاني، بلا نَصيرٍ أو مُغيث. مَسيرتُنا مع الله صراعٌ يُرهِقُنا، بَينَ تَعلُّقِ الجَسدِ بما هو مادّي وحِسّي، وبين انطلاقِ النّفسِ صوبَ الاتّحادِ الكامِل باللهِ باريها!

يقول الفيلسوفُ الصّيني كونفوشيوس: ((إنَّ الغروبَ لا يَحولُ دونَ شروقٍ جَديد)). فَمَهمَا بَدا ليلُنا طويلًا ومُرهِقًا، إلّا أَنَّنا نَسيرُ مُؤمنين أنَّ بَعدَ الّليلِ، هُناكَ بُزوغُ نورٍ جَديد. لِتَبقى كَلماتُ بطرس نِبراسًا نَستَنير فيه. فَبِالرّغمِ مِن كُلِّ مَا يُصيبُنا من ظروفٍ وَأَحداث، تَدعو جميعُها لليأسِ والاستِسلام، إلّا أَنَّنا كبطرس اليوم، نَبُثُّ للرّبّ همومَ لَيلِنا الطّويل، وَدُموعًا نذرِفُها في هَزيعِنا الصّامتِ الْموحِش، وظروفًا تُتعِبُنا وتَقضُّ مَضَاجِعَنا، مُجدِّدينَ فِعلَ ثِقَتِنا واتّكالِنا على الله قائلين: "تَعبنا يا رب طوال الّليل، ولكنّي أُرسِلُ الشِّباكَ بِناءً على قولِك". (لوقا 5:5)



الأب فارس سرياني - الأردن

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
ما أَعسَرَ دُخولَ مَلَكوتِ اللهِ
ما أصعَبَ دُخولَ الأغنياءِ إلى مَلكوتِ اللهِ
ما أصعَبَ دُخولَ الأغنياءِ إلى مَلكوتِ اللهِ
من هو كونفوشيوس ؟
حَديد


الساعة الآن 09:42 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024