لو لم يكن الربّ معنا
المزمور المئة والرابع والعشرون
1. المزمور المئة والرابع والعشرون هو صلاة شكر يرفعها الشعب إلى الرب ليشكر له النجاة التي تمت على بيده. كان الشعب في ضيق، ولكن الخطر لم يبتلعه، لأن الله كان بجانبه: لولا أن الرب كان معنا! ونحن نشكره لأنه كان معنا. هذا ما ينشده الحجّاج الآتون إلى أورشليم.
2. الله مخلّص شعبه.
آ 1- 2: مقدمة: لو لم يكن الله معنا لابتلعونا.
آ 3- 7: الخبر: ماذا حدث للشعب: نجوا من الحيوانات المفترسة والسيل الجامح والفخ الماكر.
آ 8: خاتمة: صلاة تعبّر عن ثقة الشعب بعون الله.
شعر الحجاج في طريقهم، أو خلال حياتهم في البلاد التي يسكنون، كيف أن أناسًا قاموا عليهم ليهلكوهم، ولكنهم نجوا بمعونة الله (أتكون هذه النجاة نجاة من المنفى يقولها المرتّل باسم الشعب الذي رجع إلى بلاده؟). وجاء الحجّاج إلى الهيكل ليشهدوا أمام الجميع أن الله خلّصهم. فاختبارُهم اختبار الجماعة، وخلاصهم رمز لخلاص الشعب. ولهذا ينشد الشعب كله هذه المعجزة، لأن ما حصل لبعض الناس من خلاص يُفرح الناس كلهم (1 كور 12: 26). وهذا الخلاص يرجع إلى الله الذي هو معنا (عمانوئيل)، الذي هو النصير الوحيد لشعبه. فلو مات هؤلاء المؤمنون، لما شهد أحد على خلاص الله الذي حصل.
يصوّر المرتّل الاعداء بشكل حيوانات تستعدّ لافتراس الحجّاج، ويشبّههم بسيل يريد أن يجرفهم. أيكون هذا السيل مياه البحر الاحمر، أو المياه الكونية الاولى التي تريد أن تعيد العالم إلى العدم؟ إن الخلاص الذي تمّ اليوم، جعل خلاص الله الاول حاضرًا في حياتنا. الرب نجّى محبّيه من أسنان هذه الحيوانات المفترسة، ومزّق الشباك الموضوعة لاصطياد محبيه. وينتهي المزمور بإعلان إيمان المؤمن بقدرة الله الخلاقة ورحمته الخلاصية.
3. ننطلق من كلمات يعقوب إلى لابان لنفهم إطار مزمورنا. قال يعقوب: "لولا أن اله إبي ابراهيم واسحاق معي، لكنت الآن صرفتني فارغ اليدين، وقد نظر الرب إلى مشقتي وتعب يدي ووبخك البارحة مساء" (تك 31: 12). وكما صنع الرب مع لابان، هكذا صنع مع أعداء شعبه، فمنعهم من أن ينفذوا مشوراتهم السيئة. فلم يسمح مثلاً "لنبوخذ نصر بأن يبتلع ويفني ويملأ جوفه" (إر 51: 34). ولن يسمح الرب بنكبة كنكبة سنة 587، أو بأن تغمر المياه يهوذا من جديد (أش 8: 7 ي)، وهو الذي قال (أش 14: 2): "إذا اجتزت في المياه فأنا معك، أو في الأنهار فلا تغمرك". وبسبب هذه الحماية الالهية، وبسبب اسم الله، نجا الشعب من أعدائه كالعصفور من الشرك، فأنشد: تبارك الرب صانع السماوات والأرض.
4. إن الكنيسة شعب الله تشعر كل يوم بتهديد قوات الأرض المعادية للرب. ولكن يسوع وعد القطيع الصغير (لو 12: 32) بأنه سيكون قربه ويعطيه العون الالهي. ولهذا نستطيع نحن المؤمنين أن نصلي هذا المزمور وخاصة آ 8: معونتنا، نصرتنا باسم الرب صانع السماوات والأرض.
5. خلاص الرب
هؤلاء الناس الآتون إلى الصلاة، جاؤوا ليشهدوا في صلاتهم العامة عن خلاص الرب. فاختبارهم لا يخصّهم وحدهم. فخلاصهم يخصّ الجماعة كلها.
وهكذا على كل شعب اسرائيل أن يروي هذه المعجزة. فما حصل للبعض يكون وكأنه حصل للجميع. وما قاساه بعض الأعضاء وتحمّلوه، أصاب الجسم كله. ولهذا فخلاص بعض الأعضاء يجب أن يفرح الجسم كله. هذا التضامن هو واقع مهم ورئيسيّ في شعب اسرائيل. وقد قال فيه القديس بولس (1 كور 12: 26): "إذا تألم عضو تألمت معه سائر الأعضاء، وإذا أكرم عضو سرّت معه سائر الأعضاء".
أما أصل الخلاص فهو "الرب معنا"، الرب الهنا، الرب الذي هو العضد الوحيد لشعبه. فلولاه لدمِّر هؤلاء الناس (رج روم 8: 31). ولهذا على هؤلاء الناس أن يشهدوا على ذلك في شعائر العبادة. لسنا الآن أمام عرض فضائل هؤلاء الناس وأعمالهم، بل أمام عمل الله. لو كانوا وحدهم لكانوا ابتُلعوا وهم أحياء. إذا خلاصهم من الله وحده. ولهذا نراهم لا يتكلمون عن نفوسهم ولا عمّا حصل لهم، بل يتركون المكان كاملاً لله الذي خلصهم