منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 30 - 09 - 2021, 12:57 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,274,942

القديس يوحنا ذهبي الفم ومنهجه الدراسي





1. بين الرمزية والحرفية

أحب القديس يوحنا العلامة أوريجينوس، وبسبب دفاعه عنه في مشكلة "الإخوة الطوال" عرض نفسه للدخول في خصومة مع القديس أبيفانيوس كما تعرض لغضب الباب ثاؤفيلس الإسكندري، ودخل في سلسلة من الضيقات أدت إلى نياحته. ومع هذا كله لم يتتلمذ قط على منهجه التفسيري الرمزي، بل على العكس تتلمذ على يد ديودور الطرسوسي أشهر لاهوتيي مدرسة إنطاكية، منتهجًا منهجه في دراسة الكتاب المقدس وتفسيره، المضاد لمنهج الإسكندرية الرمزي.
جاءتنا عظاته تحمل طابع مدرسة إنطاكية، الذي يتركز في شرح النص الإنجيلي في معناه البسيط كما توجيه اللغة، مطبقًا إياه على حياة السامعين. لهذا سميَ بالمنهج الحرفي، لأنه يأخذ بالمعنى البسيط حسب المفهوم اللغوي العادي دون الدخول في تأملات رمزية عقلية مختلفة وراء السطور. ويسمى أيضًا بالمنهج التاريخي. لأنه يأخذ الحقائق التاريخية الواردة في الكتاب المقدس خاصة ما جاء في العهد القديم، كحقائق واقعة، بعكس المنهج الرمزي الذي يتجاهل قيمتها التاريخية، بل وأحيانًا -لدى المبالغين في المنهج- ينكر وقوع بعضها، متطلعًا إليها مجرد رموز معنوية لأغراض روحية...
على أي حال، لقد حفظت لنا شهرة الذهبي الفم عظاته وكتاباته التي حملت إلينا صورة حية للمنهج التفسيري الإنطاكي، ولم يكن مصيرها كمصير أي كتابات آباء إنطاكية، التي أبيدت لكونها دفعت إلى ظهور المبتدع نسطور، خاصة كتابات ثيؤدور أسقف مؤبسويست، معلم نسطور(20).

لكن ما نود الإشارة إليه هو أن كثيرين يتطلعون إلى الذهبي الفم على أنه هو الذي أصبغ على طريقة إنطاكية التفسيرية مسحة جملية، ليس العكس، أي ليست طريقة إنطاكية هي التي أعطته شهرته.




صراع بين المنهجين

لست أود الدخول في تفاصيل هذا الصراع وتاريخه إلا بالقدر الذي يكشف عن منهج الذهبي الفم تفسيره.
على سبيل المثال نورد نصًا لإحدى كتابات القرن التاسع تستطيع من خلاله تكشف مدى بغض أتباع المدرسة التاريخية الحرفية للتفسير الرمزي(21):
"يسأل الناس: ما هو الفرق بين التفسير الرمزي والتفسير التاريخي؟
نجيب: فرق عظيم، وليس فارقًا بسيطًا. فالأول يقود إلى الكُفر والتجديف والبطلان، أما الآخر فيتفق مع الحق والإيمان.
لقد ابتدع هذا الفن الشرير أوريجينوس الإسكندري، مثله مثل الشعراء والمهندسين الذين يقدمون لتلاميذهم نظرة خاطئة نحو أبدية الجسديات والذرات غير المنظورة، بقصد رفعهم من المادة والمنظورات إلى الأمور غير المنظورة الخفية. فيقولون لهم: كما أننا لا نقرأ الأشكال والعلامات المنظورة (الحروف) بل ما تحمله هذه من معان خفية، هكذا يليق بالإنسان أن يرتفع فوق الطبائع المخلوقة بالتصورات الفكرية لطبيعتها الأبدية.
هذا ما علم به أوريجينوس... فقد شرح المزامير والأنبياء التي تحدثت عن السبي ورجوع الشعب على إنها تعليم عن سبى النفس بابتعادها عن الحق، ثم رجوعها إلى الإيمان ثانية...
إنه لا يفسر الجنة كما هي (كحقيقة تاريخية)، ولا آدم وحواء ولا شيئًا من الموجودات".
وقد دافع الرمزيون عن أنفسهم بحجج كثيرة(22)، منها استخدام الرسول بولس الرمزية في تفسير قصة سارة وهاجر(23).
دافعوا أيضًا عن أنفسهم بأن لرمزية هي وسيلة الرد على الهراطقة، خاصة الرمزيين منهم. فبالرمزية يحطمون الهراطقة الرمزيين. وقد رأى بعض الدارسين واللاهوتيين المحدثين في الرمزية أهمية خاصة، حتى قال الكاردينال نيومان Newman(24) أن الرمزية والتفسير السري (الروحي) يقومان معًا ويسقطان معًا، كان الرمزية أساس الإيمان المستقيم.
غير أن القديس يوحنا الذهبي الفم قد برهن بحق أنه يبقى أرثوذكسيًا في المعتقد دون استخدام الرمزية... حقًا أظهر أنه تلميذ ديؤدور، لا يقبل التأملات الرمزية، خاصة في أعمال العهد القديم، وذلك كعمل مضاد لمدرسة الإسكندرية التي روحنت Spiritualized المادة التاريخية للعهد القديم أكثر من تطبيقها لذات المنهج في أحداث العهد الجديد. ففي عظاته على سفر التكوين والمزامير... تجده مثلًا يؤكد ذبيحة أبينا إبراهيم كحقيقة تاريخية وفي نفس الوقت أنها رمز للصليب(25).
امتاز الذهبي الفم بعدم هجومه على مدرسة الإسكندرية علانية أو خفية، بل على العكس أحبها وأحب مصر ورهبانها ومعلميها خاصة المتتلمذين على كتابات أوريجينوس... أحب روحانياتهم وجهادهم لكنه لم يقبل الرمزية.
ولعل سر كراهيته للرمزية ما تشربه من أبيه الروحي، أن الرمزية هي علة الهراطقات، إذ لم تستطيع مدرسة إنطاكية أن تميز بين رمزية الهراطقة والرمزية الأرثوذكسية المهاجمة للهراطقة.
يقول القديس يوحنا(26) "خرجت معظم الهرطقات عن التصورات المصطنعة".




أمثلة

آمن القديس يوحنا "أن كل الأمور في الكتب المقدس واضحة وصريحة، الأمور الضرورية كلها واضحة(27)". فلا يحتاج الأمر في دراسة الكتاب المقدس إلا إلى فهم النص ببساطة كما توحيه اللغة في معناه الظاهري. من أمثلة ذلك:

1. في تفسيره المزمور المئة والخمسين يقول(28):
"إذ يسمع البعض نص المزمور "سبحوا الله بالطبل والمزمار" يشرحونه بطريقة روحية، فيشير الطبل إلى إماتة الجسد(29)، والمزمار إلى التأمل في السماء. أما أنا فاَعتقد أن النص يعني تنازل الله لقبولنا بضعفنا البشري أن نسبح مجده بفرح مستخدمين هاتين الآلتين".

2. في تفسير "طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض(30)"، يقول القديس أغسطينوس(31) أن "الأرض" تعني "الميراث الدائم الذي فيه تستريح الروح". أما القديس يوحنا فيرفض كل تفسير رمزي، ولا قبل إلا المعنى المادي الواقعي، قائلًا(32): "اَخبرني أي نوع من هذه الأرض هذه؟ يقول البعض إنها أرض رمزية. ليس كذلك! فإننا لا نجد في الكتب المقدس أدنى إشارة إلى أرض رمزية... فهو لا يحثنا بالبركات المقبلة وحدها، بل وبالبركات الحاضرة أيضًا".

3. في العبارة "كن مراضيًا لخصمك، سريعًا ما دمت معه في الطريق؟ لئلا يُسلمك الخِصم إلى القاضي، ويسلمك القاضي إلى الشرطة فتُلقى في السجن(33)"، يقول القديس أغسطينوس(34) إن الخِصم لن يعني إنسانًا بل هي وصايا الله التي تُسلمنا للقاضي، أي الله الديان، وذلك إن لم نخضع لها سريعًا، ونراضيها مادمنا في أرض غربتنا. أما القديس يوحنا الذهبي الفم فيقول(35): "يبدو لي أنه يتحدث عن قضاة في هذا العالم، والطريق إلى محكمة العدل، وعن هذا السجن".

4. في العبارة "خبزنا كفافنا أعطينا اليوم" يرفض العلامة أوريجين(36) التفسير الحرفي، فلا يقبل الخبز هنا بالمفهوم المادي العادي، أما القديس يوحنا فيرفض غير التفسير المادي... فإن الله يقدم وصايا لأناس يحملون جسدًا تتطلب احتياجات جسدية(37).




2. بين الرمزية Allegorism والتاوريا Theoria


سبق أن تعرضنا للتفسير الرمزي لمدرسة الإسكندرية، الذي وضع منهجه القديس إكليمنضس الإسكندري، ثم جاء بعده أوريجين يستخدمه على نطاق أوسع، حتى رأى معانً رمزية عميقة تختفي وراء كل سطر من الكتاب المقدس لا يفهمها إلا الكاملين، أما المعنى الحرفي، ففي نظره، يقتل النفس ويناسب الذين عاشوا قبل المسيحية أو البسطاء من المسيحيين(38).
كان لهذا المنهج جاذبيته في الكنيسة شرقًا وغربًا، كما كان رد الفعل قويًا خاصة إنطاكية حيث تزعم لوقيانوس مؤسس مدرستها حركة التفسيرية التاريخ الحرفي، مكرسًا كل طاقاته لهذا العمل...
لقد رفض اللاهوتيون الإنطاكيون الرمزية Allegorism بكونها غير جديرة بالثقة، ولا هي وسيلة مقبولة في تفسير الكتاب المقدس... هذا الرفض نسبي، يخالف من لاهوتي إلى آخر، أو من دارس إلى دارس. فالقديس يوحنا مع رفضه للرمزية دانَ مدرسة إنطاكية لمبالغتها في ذلك مطالبًا بالاعتدال...
في الحقيقة ظهر لدى آباء إنطاكية ما أسموه بالتاوريا أو الثيؤريا Theoria وهي نوع من الرمزية أو التأمل، قام على نوع من الرمزية وهو الـTypology يقوم على أساس نبوات صادقة وصريحة وأصلية تعلن الرمزية، وليس على اجتهاد شخصي... دون تجاهل الحقيقة التاريخية. فعلى سبيل المثال "نهر الأردن" يشير إلى المعمودية، لكن حقيقة عبوره حقيقة تاريخية لها قيمتها. وهكذا "ذبح إسحق" كرمز للصليب. والصخرة التي تابعت الشعب القديم، والحيّة النحاسية التي أقامها موسى، ودخول أرض الموعد... كلها حقائق وفي نفس الوقت رموز.
لقد حذر ديؤدور الطرسوسي(39) إلا تزيل الثيؤريا الأساس التاريخي فتنقلب إلى الرمزية.
هذا أيضًا ما أكده سيفريان أسقف جبالة عند تفسيره المخلوقات الحية الخارجة من المياه عند الخلقة(40) كرمز للمسيحيين الأحياء الذين يتجددون في مياه المعمودية، قائلًا(41): "استخرج الرمزية (الثيؤريا) من التاريخ هو شيء، أما بقاء التاريخ كحقيقة لا تُمس أثناء إدراك التاوريا فهو شيء آخر".




إذن نستطيع أن نلخص منهج إنطاكية للتاوريا في التفسير في النقاط التالية(42):
1. لا تجد في كل عبارة من عبارات الكتاب المقدس معنى باطنيًا غير المعنى الحرفي، لكنها تقبل التفسير بالتاوريا في بعض القصص المقدسة والأحداث التاريخية دون أن تجعل من القصة أو الحدث أمرًا مجازيًا.

2. وجود تطابق حقيقي ظاهر -ليس اجتهاديًا- بين الحقيقة التاريخية والتاوريا الروحية، بل أن بعض الآباء الإنطاكيين يطالب بضرورة وجود نص صريح في الكتاب المقدس يعلن هذا التطابق لكل قصة أو حدث، كقول الرب(43) "كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية".

3. يفهم الموضوعان معًا -التاريخي والروحي- وإن حملا طريقين مختلفين.
هذه صورة عامة مبسطة لمنهج إنطاكية الذي انتهجه القديس يوحنا بكل أمانة، لكنه قام بتطبيقه في أكثر مرونة. فمع تفضيله الواضح للمعنى الحرفي، لكنه لا يتورع عن استخدام المعنى الرمزي -في حدود ضيقة- إن وجد ذلك لائقًا(44).




قسم الذهبي الفم عبارات الكتاب المقدس إلى ثلاثة أصناف(45):
1. عبارات تُفهم حرفيًا فقط، لا يجوز شرحها رمزيًا.
2. عبارات تَسمح بالتفسير التاوريا Theoretic بجانب المعنى الحرفي أو التاريخي، كما رأينا في عبور نهر الأردن وذبح إسحق إلخ...
3. عبارات رمزية مثل نشيد الأناشيد وبعض العبارات الواردة في العهدين، غالبًا ما يقوم الكتاب نفسه بالتنويه عنها كتعبير "كرمة الرب" إشارة إلى "كنيسته أو شعبه(46)" و"النهر المتدفق علينا" إشارة إلى ملك الآشوريين(47)".
هناك تعبيرات كثيرة في العهد القديم -إن شُرحت حرفيًا- تضللنا كالقول "يد الله، عينا الرب، وجه الرب... نزل الرب"، هذه كلها رموز تشير إلى قدرة الله وعنايته وتدبيره وإحساناته إلخ.
أكثر من هذا، في بعض المواقف تفهم بعض الشرائع الموسوية بمفهوم رمزي ففي تفسيره "مكتوب في ناموس موسى: لا تكُمّ ثورًا دارسًا. ألعلَّ الله تهمُّه الثيران؟(48)"، يقول نعم، الله تهمُّه الثيران فهو خالقها والمهتم بها، لكنه ليس بالمعنى الذي به يشرع وصايا للإنسان عنها هكذا. فإن وصاياه بخصوص الثيران وبرص المنازل وبرص الثياب... هذه الشرائع جميعها رموز(49).






رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
القديس يوحنا ذهبي الفم ومنهجه التعبدي
القديس يوحنا ذهبي الفم ومنهجه الوعظي
القديس يوحنا ذهبي الفم ومنهجه الكرازي
القديس يوحنا ذهبي الفم ومنهجه الإنجيلي
القديس يوحنا ذهبي الفم ومن سمه


الساعة الآن 07:34 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024