لقد أفسد هؤلاء الناس كل المداخل إلى الدين الحقيقي بولعهم بعمل ألغاز وحلها، إنهم يشبهون من يقيمون جولات المصارعة في المسارح، ولكن ليس جولات المصارعة التي تُجرى طبقًا لقواعد اللعبة وتنتهي بانتصار أحد المتنافسين، ولكن جولاتهم من النوع المُعَد إعدادًا مسرحيًا بحيث تُعطي انطباعات بصرية للمشاهدين غير المدققين وتنتزع الإعجاب منهم، إنهم يملأون جميع ميادين المدينة ضجيجًا بمناقشاتهم وجدلهم، ويبعثون الملل في كل جماعة أو تجمع بكلامهم الفارغ الممل، ولا يخلو منهم احتفال أو جنازة، وتبعث مشاحناتهم ومجادلاتهم الكآبة والبؤس في نفوس المحتفلين، وتعزي الحزانى في حالة الحداد بإعطائهم مصيبة أخطر من الموت، وحتى النساء في قاعات الاستقبال بالمنازل يصل إليهن كلامهم في جلسات البراءة التي يجلسنها، ويفسد زهرة البراءة بجرهن إلى مناقشات وجدل.
هذا هو الوضع بالنسبة لهؤلاء، فإن هذه العدوى قد أصبحت بلا رابط يمنع انتشارها، وأصبحت لا تُحتمل، وأصبح السر العظيم لإيماننا في خطر من أن يتحول إلى مجرد إنجاز اجتماعي. وما يدفعني للكتابة هو الغيرة الأبوية، كما يقول إرميا "يئن فيَّ قلبي" (إر 4: 19). إذًا ليت هؤلاء الجواسيس يتحملون أن يستمعوا بصبر إلى ما أقوله في هذا الموضوع ويلزموا الصمت قليلاً– إذا استطاعوا- وأقول لهم "لن تخسروا شيئًا إذا فعلتم ذلك، فإما أن أتكلم إلى "مَن لهم آذان للسمع" ويأتي كلامي بثمر وتحصلوا على فائدة لأنفسكم، (لأن من يبذر الكلمة يبذرها لجميع أنواع العقول، ولكن النوع الصالح والمثمر فقط هو الذي يأتي بثمر)، وإما أن تبصقوا على كلامي كما تفعلون مع الآخرين وترحلون وتأخذون معكم موادًا أكثر تستخدمونها في السخرية والهجوم عليَّ، وعندئذٍ ستكون بهجتكم أكبر". ولكن لا تتعجبوا إذا كان كلامي مخالفًا لتوقعاتكم وطرقكم، لأنكم تدّعون أنكم تعرفون كل شيء، وتعلِّمون كل شيء، وهذه سذاجة وغرور منكم، ولا أريد إهانتكم بأن أقول أن هذا غباء وصلف.
القديس إغريغوريوس النزينزى