رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إسحاق وعواطفه «مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الْمَاشِي فِي الْحَقْلِ لِلِقَائِنَا؟» (تك24: 65) قاربت رحلة البرية على نهايتها ... ولا شك أن رفقة كانت تتعزى طوال الطريق بكل كلمة كان يقولها العبد عن إسحاق، لتدفع عن نفسها وعورة الطريق ومضايقات البرية ... وأَليست هذه هي وسيلة المؤمن في الحياة الحاضرة؟ هل هناك ما يرفع نفوسنا ويسمو بآمالنا وأشواقنا، ويُخفف علينا وعورة الطريق ، إلا مشغوليتنا بما في ربنا وسَيِّدنا وعريسنا، من كمالات وفضائل، وتوقّع ملاقاته في الهواء. وفي ختام الرحلة يظهر إسحاق شخصيًا في المشهد؛ إسحاق الذي كان ينتظر عروسه بكل عواطف قلبه، وعند إقبال المساء خرج لملاقاة عروسه آتيًا مِنْ «وُرُودِ بِئْرِ لَحَيْ رُئِي» ، حيث مكان سكناه (تك24: 62؛ 25: 11). وما أجمل المعنى الذي يحمله اسم هذا البئر: "بِئْرِ لَحَيْ رُئِي" ، أي بئر "الذي يحيا ويراني" (تك16: 14 – هامش ترجمة داربي). والأمر الآخر أن إسحاق خرج إلى الحقل عند إقبال المساء ليتأمل أو يُصلي (قارن تكوين24: 63 مع مزمور5: 1 – ترجمة داربي) . كما أن سؤال رفقة للعبد: «مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الْمَاشِي فِي الْحَقْلِ لِلِقَائِنَا؟» يُِصوِّر لنا أشواق إسحاق لعروسه؛ إذ قلبه المشتاق لم يحتمل الانتظار، فخرج للقائها في الحقل. إن أشواق العروس قد تكون ضعيفة، ولكن أشواقه هو نحوها لن تضعف. أيها الأحباء: إن قصة تكوين24 لهي مثال جميل ومؤثر لدعوة وقيادة الروح القدس للكنيسة وهي سائرة لملاقاة عريسها السماوي، الرب يسوع المسيح إذًا لنطمئن نحن أيضًا لأن إسحاق الحقيقي؛ الرب يسوع المسيح: حيٌّ ... يرانا ... يُصلي من أجلنا ... يشتاق إلينا ... وها هو خارج للقائنا. أولاً: إسحاق الحقيقي "حيٌّ": لقد سبق أن وُضع إسحاق على المذبح في تكوين22 مُطيعًا لأبيه حتى الموت، لكنه أُقيم من الأموات – في مثال – في اليوم الثالث (عب11: 17-19) وهو في هذا رمزً بديع لموت وقيامة الرب يسوع المسيح «الْمَشْهُودُ لَهُ بِأَنَّهُ حَيٌّ»، والذي له «قُوَّةِ حَيَاةٍ لاَ تَزُولُ»، «إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ ...» (عب7: 8، 16، 25). وهو الذي طمئن قلب يوحنا – تلميذه الضعيف والساقط – قائلاً له: «لاَ تَخَفْ» - ويا لها من كلمة تبدد الخوف وتأتي بالطمأنينة والسلام - «أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتاً وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ . .. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ» (رؤ1: 18). لقد تجسد ربنا «ﭐلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا» (يو1: 14) ، وكالقدوس لم يكن للموت سلطان عليه لأنه لم تكن فيه خطية ، ولكنه وضع حياته باختياره (يو10: 18)، وصُلب رب المجد، وذاق بنعمة الله الموت ثم قام، وبذلك كسر شوكة الموت، وبموته وضع الأساس لإبادة ذاك الذي له سلطان الموت (عب2: 14)، وجاءت الملائكة داخل القبر وخارجه تشهد بنصرته على الموت (مت28: 2-7؛ يو20: 11-13). نعم، مات وقام، وتبرهن أنه ابن الله (رو1: 4)، وتبررنا نحن بقيامته (رو4: 25) ، وصار لنا رجاء حيّ (1بط1: 3, 21)، ولأنه حيّ سنحيا نحن أيضًا (يو14: 9)، و«لَنَا ثِقَةٌ فِي يَوْمِ الدِّينِ، لأَنَّهُ كَمَا هُوَ (أي المسيح في المجد)، هَكَذَا نَحْنُ أَيْضًا فِي هَذَا الْعَالَمِ» (1يو4: 17 – ترجمة داربي). ثانيًا: إسحاق الحقيقي يرانا: إن كل ما حَصَّله لنفسه من أمجاد لا يُشغله عنا. إنه مشغول بنا. ففي سيرنا في البرية نحن تحت نظر إسحاق الحقيقي؛ ذاك الذي يحيا ويرانا، يحيا لنا ويرى خطواتنا. إن «عَيْنَاه كَلَهِيبِ نَارٍ» (رؤ1: 14)؛ إنه يرى كل شيء، ويعرف كل شيء. إن عيناه تخترقان أستار الظلام، وهو يرى في الظلمة كما في النور. إنه يكشف سرائر الناس ولا يُخفى عنه أمر، فكل شيء مكشوف وعريان قدامه. لقد مات فوق الصليب لأجلنا، ثم مضى فوق جميع السماوات، لكننا لا زلنا موضوع محبته واهتمامه. فالذي مات لأجلنا في الجلجثة، حيٌّ لأجلنا في السماء. وهو يرانا «مُعَذَّبِينَ فِي الْجَذْفِ» (مر6: 48)، فآلاف الأميال لا تبعده عنا، وظلام الليل لا يحجبنا عنه. أَوَلاَ يُعزينا قوله لخاصته في رؤيا2، 3 «أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ وَتَعَبَكَ وَصَبْرَكَ ... وَضَِيْقَتَكَ، وَفَقْرَكَ ... وَأَيْنَ تَسْكُنُ ... وَمَحَبَّتَكَ وَخِدْمَتَكَ وَإِيمَانَكَ ... وأَنَّ لَكَ قُوَّةً يَسِيرَةً». ثالثًا: إسحاق الحقيقي يُصلي من أجلنا: لقد خرج إسحاق عند إقبال المساء، إلى الحقل، ليتأمل أو ليصلي. وبكل يقين كانت رفقة وظروف رحلتها عبر البرية هي موضوع مشغوليته في الصلاة. وكلمات إسحاق لم تُعطَ لنا، ولكننا أُعطينا صلاة أخرى، محفورة كلماتها في قلوبنا، من ذاك الذي يسكن دائمًا في حضرة الله، والذي يطلب لأجل أولئك الذين يرتحلون إليه عبر البرية «أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي ... وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي ... أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ» (يو17: 11، 22، 24). في يوم اتضاعه ألزم تلاميذه أن يدخلوا السفينة، وسط الأمواج والرياح، ولكنه صعد إلى الجبل منفردًا ليُصلي، صورة لصعوده عن يمين الله وهو رافع يديه بالبركة، وكان على تلاميذه أن يعبروا البحر الصاخب بدون وجوده المنظور معهم، لكنه وهو فوق الجبل كان يتوسل لأجلهم، صورة لكونه حيًّا في كل حين ليشفع فينا (عب 7: 25)، ظاهرًا «أَمَامَ وَجْهِ اللهِ لأَجْلِنَا» (عب9: 24). إن كاهننا العظيم موجود الآن في الأعالي، ولأنه حيّ؛ يشفع في شعبه كل حين، من أجل ذلك يعينهم في كل تجربة يجتازونها في هذا العالم المضطرب. إنه حيٌّ إلى الأبد، وإن حقيقة كونه حيًّا إلى الأبد تضمن مرورنا بسلام من كل تجارب الطريق وصعابها، وتضمن خلاصنا الأكيد من كل تجربة على طول الخط، وإلى نهاية الزمن. إنه الكاهن العظيم الذي أحتاج إليه، وما الذي يُعوزني بعد؟ ... إنه المخلص الذي مات من أجلي وقام، وهو الآن حيٌّ، يراني، مشغول بي، يمارس محبته بالسهر عليَّ والاهتمام بي. يأخذ بيدي في كل تجاربي، ويحميني من الإنسان ومن العالم في كراهيتهما، ومن الشيطان في حنقه وغيظه. على الصليب خلَّصنا من خطايانا ومن سلطان الظلمة، وفي المجد يُخلِّصنا كل يوم من جميع عوائق السلام والفرح. إنه المستعد على الدوام أن يُعيننا نحن المُجرَّبين، وهكذا كرئيس الكهنة العظيم الرحيم يُعين ضعف شعبه. إن يديّ المسيح شفيعنا العظيم لن تنخفضا أبدًا، إذ هو حيٌّ في كل حين ليشفع فينا ، وشفاعته لا تنقطع البتة، بل هي دائمة وثابتة ونافذة المفعول، ويده لا تحتاج إلى مَنْ يدعمها له، لأن شفاعته كاملة وهي مؤسسة على ذبيحته الكاملة، وهو ظاهر أمام الله لأجلنا في كماله المطلق و«يَدَاهُ ثَابِتَتَيْنِ الَى غُرُوبِ الشَّمْس»؛ إلى غروب شمس هذا الدهر الذي نعيش فيه (قارن خروج17: 9-13). رابعًا: إسحاق الحقيقي يشتاق إلينا .. . وها هو خارج للقائنا: عند إقبال المساء خرج إسحاق لملاقاة العروس. وسؤال رفقة للعبد: «مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الْمَاشِي فِي الْحَقْلِ لِلِقَائِنَا؟» يُصور لنا أشواق إسحاق لعروسه، إذ قلبه المشتاق لم يحتمل الانتظار، فخرج للقائها في الحقل . والصورة تستحضر إسحاق كمن ينتظر ويطلب عروسه ، وهذا يُصور لنا أيضًا أشواق إسحاق لعروسه. وياليتنا لا ننسى، ونحن نسافر في برية هذا العالم، أن إسحاق الحقيق – الرب يسوع المسيح - سيأتي للقائنا. إن رغباتنا وأشواقنا من نحو عريسنا قد تكون ضعيفة، ولكن أشواقه هو من نحو عروسه لن تضعف، وهو يشتاق إلى تلك اللحظة التي فيها تُحضَّر العروس إليه . إن الذي جلس في يمين الله طيلة مدة وجود الكنيسة على الأرض لا ينسى قط موعد مجيئه، وقبل صعوده قال لتلاميذه: «وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا» (يو14: 3). ولأربـع مرات يقول الرب لكنيسته: «هَا أَنَا آتِي سَـرِيعًا» (رؤ3: 11؛ 22: 7، 12، 20). أَ فلا تفيد كلمة «سريعًا» رغبة الرب الجادة لهذا اليوم السعيد العظيم عندما يُقال أن: «عرس الخروف قد جاء»؟ أيها الأحباء لنطمئن إذًا لأن سَيِّدنا وعريسنا هو الحيّ ... الذي يرانا ... الذي يُصلي من أجلنا ... المشتاق إلينا ... وها هو خارج للقائنا على السحاب ... فياليتنا نُحفظ متطلعين إليه ... وياليت يكون لهجنا المستمر، ولغة القلب قبل الفم «آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ» (رؤ22: 20). |
15 - 10 - 2018, 10:57 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: إسحاق وعواطفه
وياليت يكون لهجنا المستمر، ولغة القلب قبل الفم «آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ» (رؤ22: 20).
ربنا يبارك حياتك |
||||
16 - 10 - 2018, 10:11 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| الإدارة العامة |::..
|
رد: إسحاق وعواطفه
ميرسى على مرورك الغالى |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
تَرْتِيُوسُ فاضت مشاعره وعواطفه تجاه إخوته المؤمنين |
أنيسيفورس إخلاصه وعواطفه |
ترتيوس فاضت مشاعره وعواطفه |
شفاء المسيح وعواطفه |
سمعان وعواطفه تجاة السخرة |