رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
في كنائسنا الشرقية عادة، عندما يحين وقت إعلان كلمة الله وسط المؤمنين الحاضرين، أولاً يقال الثلاثة تقديسات [ قدوس الله قدوس القوي قدوس الحي الذي لا يموت ... الخ ] وتقل بعدها أوشية الإنجيل ثم يقول الشماس : [ صلوا من أجل الإنجيل المقدس فيقول الشعب كله يا رب أرحم .. ]، وللأسف الناس لا تفهم معنى صلوا من أجل الإنجيل المقدس وكل واحد وضعها في ذهنه حسب تصوره، وبحكم العادة لم ينتبه أحد لمعنى اللفظ ولا الهدف، لأن الهدف أن نصلي من أجل الإنجيل المقدس، هو أن نُصلي من أجل أن يُثمر الإنجيل في حياتنا، وأن يكون لنا نوراً يهدي سبيلنا. أن نُصلي لكي نفهم ونعي كلمة الإنجيل بقلوبنا وآذاننا الروحية، ومن ليس له القدرة على سماع طبقة رنين كلمة الله فليطلب لكي يفتح الرب له ذهنه كما فتح أذهان التلاميذ ليفهموا الكتب… ثم بعد ذلك يدعو الشماس الإنجيلي الحي بروح الكنيسة، جمع الحاضرين إلى الوقوف لسماع الإنجيل المقدس بكل مهابة بتقوى [ قفوا بخوف من الله لسماع الإنجيل المقدس ]، فيقف كل من في الكنيسة من الصغير للكبير على حد السواء، يقف بانتباه ولا يمشي ولا يتكلم ولا يشغل ذهنه باي شيء قط، لسماع كلام الله في تقوى ومهابة تُعظم اسم الرب الذي سيوحي لنا بذاته في إنجيله في تلك الساعة، فيحني الجميع رأسه كعلامة خضوع وقبول باحترام شديد وإكراماً لكلمة الله، ويرسمون ذواتهم بعلامة الصليب بمهابة قائلين [ المجد لك يا رب ] ويصمتون تماماً ويصغوا بدقة لكل كلمة تخرج من فم الكاهن أو الشماس لأنها كلمة الله المنطوقة بروح الله، وعلى الشماس أو الكاهن أن لا يتسرع في الكلام وأن يكون كلامه واضح للسامعين ومدققاً في الألفاظ متدرباً على النطق الصحيح بكل هيبة ومخافة وتقوى وقداسة … عموماً الكنيسة تفعل كل ذلك لا من أجل روتين طقسي كما يظنه البعض، ولا مجرد أفعال طقسية شكليه نتململ من تكرارها، أو لكي تكون شكل صوري كمجرد واجب عليها وعلى شعب الكنيسة عموماً، أو نوع من أنواع البركة التي يظنها البعض أن مجرد حضوره القداس أخذ بكره، بدون أن يدخل لسرّ القداس الإلهي ويحيا في شركة تُترجم في حياته على مستوى الخبرة لحياة يحياها ونور يشع منه… الإنجيل يا إخوتي هو نورنا الحقيقي وحياتنا، لأن الرب يسوع المسيح عندما يهب لنا ذاته وينسكب لأجلنا في كلمات بشرية وفي أحداث حياته على الأرض التي سجلها لنا الإنجيل، إنما ينقل إلينا حياته ونوره كما قال هو عن ذاته: [ أنا هو النور ... الطريق... الحق ... القيامة والحياة... ]، فالله بعدما كلم الآباء قديماً بالأنبياء مراراً عديدة وبشتى الطرق، كلمنا نحن في الأيام الأخيرة بشخص ابنه الوحيد الذي هو ضياء مجده الخاص وصورة جوهره وضابط كل شيء بكلمة قدرته، [ نور أشرق في الظلمة للمستقيمين، هو حنان ورحيم وصديق ] (مزمور 112: 4)، [ لأن الله الذي قال أن يُشرق نور من ظلمة، هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح ] (2كورنثوس 4: 6) فالإنجيل هو إشراق نور الآب في وجه يسوع، يشع فنؤمن ونستنير [ مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين ] (أفسس 1: 18)، فاستنارة الذهن لا تأتي بالمعلومات ولا بقراءة الكتب والتفاسير (رغم ضرورتها للمستنير)، لأن المعرفة بدون أن تتحول لحياة تنفخ وتسقط الإنسان في عزلة عن الله ويظن أنه يعرف الرب ويُعلم ويرشد ولكنه بعيد عن نور الروح القدس الذي وحده من ينقل الكلمة ويشرحها ويقود النفس نحو نبع الحياة الأبدية، لأن كلمة الله كُتبت بإلهام الروح نفسه شارحها ومعطي سرها لمن يفتح قلبه بإيمان حي بسيط طالباً نور الله المُشرق … ولذلك فإن كلمات الإنجيل ليست بحاجة إلى تفسير بشري، لأنها تصل إلينا وتلهمنا بقوتها بسرّ حضور الروح القدس فيها، فمن البديهي أن اللاهوتيين ومفسري الكتاب المقدس والمؤرخين بوسعهم جمع معلوماتهم لتوضيح تركيب الجُمل والألفاظ وشرح معنى الأدب الكتابي (وهذا ضروري ونافع لنا جميعاً)، ولكن ستظل تفسيراتهم لا قيمة لها إن لم تنسجم مع الأنشودة الحية التي تأتي بروح قيامة يسوع في كل قلب إنسان وفي كل تراث الكنيسة الجامعة الحي بالروح، والتي هي [ أين شوكتك يا موت اين غلبتك يا هاوية – بالموت داس الموت والذين في القبور أنعم عليهم بالحياة الأبدية ]، وطبعاً هذه الأنشودة ليست كلام يُقال ولا مجرد هتاف صادر من معلومة وفكرة عرفناها، بل هو نشيد قلبي بإيمان حي لمن تذوق خبرة القيامة مع المسيح يسوع وعاش بها كقوة ترفعه فوق الموت، فيها يقبل أن يحمل الصليب مستهيناً بالخزي حاسباً أن عار المسيح الرب أفضل من كل غنى العالم والتمتع الوقتي بالخطية التي أجرتها موت، لأنه ليس لديه أدنى استعداد على أن يتخلى عن الحياة التي له في المسيح [ لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت ] (رومية 8: 2)… عموماً أم كل ما يستطيع البشر أن يقدموه من تفسيرات لكلمة الله، هو دائماً محدود ومرتبط بما لدبهم من أفكار خاصة، وكل غرضها أنها توضح الكلام وتفسر الغموض الذي حوله لكي يفهم كل قارئ ما غمض فيه من ألفاظ ومعاني، أما أفكار المسيح الرب المستترة في كلمته تقودنا دائماً إلى التقديس والشركة لكي نرتفع بسرّ النعمة إلى الله ونلتصق به فنصير معه روحاً واحداً: [ والتصق بالرب ولم يحد عنه، بل حفظ وصاياه التي أمر بها الرب موسى ] (2ملوك 18: 6)؛ [ وأما من التصق بالرب فهو روح واحد ] (1كورنثوس 6: 17)، وهذا الفرق بين كلام الناس وشروحاتهم وبين كلمة الله وقوتها في داخل النفس التي تؤمن !!! الأولى تعطي معلومة وفكرة، والأخرى تعطي حياة وشركة !!! أفكار المسيح الرب تشع حياة، وأفكار الناس والأشخاص تعطي مجرد معرفة وهي خطوة أولية ولكنها ليست كل شيء، بل بداية فقط للدخول لعمق آخر فيه نسمع كلمة الله من فم الله بالروح بأذن مختونة ختان غير مصنوع بيد بل بالروح القدس في الحق، وبهذه الطريقة تصير افكار المسيح الرب تنقية لكل الأحداث والوقائع لتصل لنا بمفهومها الصحيح والدقيق، وتتحول فينا غذاء للحياة في أبعادها التي لا تُحصى، لأن الرب يسوع كإله متجسد دخل للتاريخ ورفعه للأبدية بسر عظيم لا يفهمه سوى من آمن فرأى بسرّ قيامة يسوع كل الأحداث الإنجيلية بالروح. فالمسيح الرب هو وحده يعمل في الإنجيل كالحَكم الأول والأخير في التقدير والتقويم، في الإعلان وانسكاب الحياة، في الفهم والمعرفة التي للحياة والدخول في الشركة، لذلك هو وحده يستطيع أن يوضح رسالته ويُفسرها بروحه الذي يفحص أعماقه، ففيه وبه وحده يتضح كل شيء على المستوى الإلهي، وعلى هذا المستوى الإلهي تأتلف كل أفكار الكتاب المقدس وتتضح لنا كل معانيها وأبعادها حسب القصد الإلهي. فانتبهوا يا إخوتي واصغوا لصوت الروح بتدقيق، أن عمل الرب يسوع كله مرتكز على أن يعطينا حياة باسمه ويدخلنا في سر شركة الثالوث القدوس بالنعمة ويصبغنا بصبغة الفضائل الإلهية ليكون طبعنا سماوي يقبل حياة الله في باطنه، لذلك تعاليمه كلها رهبة تشع قداسة ونور يبدد الظلمة من داخل كل نفس تسمعها كما هي حسب قصد الله، بحيث لا يسع من يسمعها (بالروح وبآذان قلبه الروحية) إلا أن يقف أمامها بدهش متلقف سر الحياة الكامن فيها، ويدع كيانه كله يتشرب منها، فيصير حكيماً ناطقاً بسر هذه الحياة في تعليم إلهي حي حسب مقاصد الله ويستحيل أن ينجرف وراء الباطل لأنه تشرب بالحق من كلمة الله التي تُنير العينين، وهذه خبرة عميقة تأتي ونحل في قلب الأطفال الصغار الذين ليس لهم حكمة الفكر المُبطل لكلمة الله… لذلك أخطأ الكثيرين في وصف اللوغوس أنه عقل الآب مستندين على المعنى الفلسفي في القواميس بدون أن يلتقوا باللوغوس نفسه ليعرفوه إله حي يشع حياة ويعطي ذاته لينال الإنسان حياة باسمه، لأنه هو من يشهد لذاته ويعرف نفسه لأنه فوق القواميس والفهارس التي حسب أفكار الإنسان ومنهجه الضعيف لأن من عنده أقوال الله بالروح يستطيع أن يفهم ويشرح أسرار الله وأقوال الروح؛ [ وكلامي وكرازتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع بل ببرهان الروح والقوة ] (1كورنثوس 2: 4) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|