سلسلة مخافة الله (8)
مخافة الله في صلوات الأجبية وفي المزامير وطقوس الكنيسة
البابا شنودة الثالث
إن الكنيسة المقدسة تعلمنا مخافة الله وتدربنا عليها في صلوات الساعات (في الأجبية).
وبخاصة في صلوات النوم والستار ونصف الليل:
* ففي صلاة الستار يارب إن دينونتك لمرهوبة. إذ تحشر الناس,وتقف الملائكة,وتفتح الأسفار,وتنكشف الأعمال,وتفحص الأفكار. أية إدانة تكون إدانتي,أنا المضبوط في الخطايا؟!.
هنا الخوف من الدينونة والانكشاف أمام الكل...
تصوروا حينما يجمع الله العالم كله والملائكة,ويمر عليهم -كما من جهاز سينما- شريط يحوي كل أعمال الناس وأفكارهم من خطايا ونجاسات بشعة,ودنس كل نفس... ويعلن لهم كل أسرار الناس,وأفكارهم ومشاعرهم ونياتهم.وينكشف أيضا ما كان فيهم من رياء وخداع... ويظهرون علي حقيقتهم.أي خجل يكون في ذلك اليوم,وأي رعب,حينما تصبح كل خفايانا معروفة للكل؟! لأنه كما يقول الرب ليس مكتوم إلا ويعلن (مز4:22) ولا خفي إلا ويظهر (لو8:17).
إذن إن أردت ألا تنكشف في ذلك اليوم وتخجل تب فالتوبة تمحو الخطايا فلا تظهر (أع3:19).
* أيضا الكنيسة تعلمنا في صلاة النوم أن نقول: هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل مرعوب ومرتعد من كثرة ذنوبي,لأن العمر المنقضي في الملاهي يستوجب الدينونة. لكن توبي يا نفسي مادمت في الأرض ساكنة... انهضي من رقاد الكسل,وتضرعي إلي المخلص بالتوبة,قائلة اللهم ارحمني وخلصني.
ويعود المصلي,ليقول في صلاة النوم أيضا: لو كان العمر ثابتا وهذا العالم مؤبدا,لكان لك يا نفسي حجة واضحة. لكن إذا انكشفت أفعالك الرديئة وشرورك القبيحة أمام الديان العادل,فأي جواب تجيبين,وأنت علي سرير الخطايا منطرحة,وفي إخضاع الجسد متهاونة؟!
وهكذا يوبخ المصلي نفسه كل ليلة,متذكرا الموت والدينونة,والانكشاف والديان العادل...
وهذه المخافة تدعوه إلي التوبة وإلي طلب الرحمة وإلي ترك الكسل والتهاون,وإلا فإنه سيقابل يوم الدينونة في رعب وارتعاد.
* وفي صلاة نصف الليل,تضع الكنيسة أمامنا فصلا من الإنجيل عن مثل العذاري اللائي لن ينتظرن مجئ الرب وكيف دخلت الحكيمات معه,بينما وقفت الجاهلات خارجا,وقال لهن الرب: الحق أقول لكن إني لا أعرفكن (مت25:12) ما أرهبها عبارة!!
وهكذا تذكرنا الكنيسة بيوم المجئ الثاني ورهبته
بفصل آخر من إنجيل لمعلمنا القديس لوقا,يقول فيه الرب فكونوا أنتم مستعدين,فإنه في ساعة لاتعرفونها يأتي ابن الإنسان (لو12:40) (مت25:13).
وتعلمنا الكنيسة أن نصلي بعد ذلك ونقول:
بما أن الديان حاضر,اهتمي يا نفسي وتيقظي.وتفهمي تلك الساعة المخوفة. فإنه ليس رحمة في الدينونة لمن لم يستعمل الرحمة
وتعلمنا الكنيسة أيضا أن نقول,ونحن نتذكر مثل العذاري تفهمي يا نفسي ذلك اليوم الرهيب واستيقظي... لأنك لا تعلمين متي يأتي نحوك الصوت القائل هاهوذا العريس قد أقبل. وانظري يا نفسي لا تنعسي,لئلا تقفي خارجا قارعة مثل الخمس العذاري الجاهلات.
انظري يا نفسي لئلا تثقلي بالنوم,فتلقي خارج الملكوت بل اسهري.
ومن أجل مخافة الموت والدينونة,تدعونا الكنيسة إلي دوام السهر والاستعداد,وتقدم لنا في صلاة نصف الليل قول الرب في الإنجيل لتكن أحقاؤكم ممنطقة,ومصابيحكم موقدة وأنتم أيضا تشبهون أناسا ينتظرون سيدهم متي يرجع... طوبي لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم,يجدهم ساهرين (لو12:35-37).
كذلك بسبب خوف الدينونة تدعونا الكنيسة إلي التوبة وتقدم لنا في صلاة نصف الليل أيضا فصل الإنجيل الخاص بتوبة تلك الخاطئة التي بللت قدمي السيد المسيح بدموعها,ومسحتهما بشعر رأسها (لو7:38) وتعلمنا أن نقول بعد قراءة هذا الفصل أعطني يارب ينابيع دموع كثيرة,كما أعطيت في القديم للمرأة الخاطئة.
أنها لا تعلمنا فقط المخافطة والتوبة,بل الدموع أيضا وتعلمنا أيضا أن نقول في هذا الجزء من صلاة نصف الليل إذا ما تفطنت في كثرة أعمالي الرديئة,ويأتي علي قلبي فكر تلك الدينونة الرهيبة,تأخذني رعدة,فأهرب إليك يا الله محب البشر.فلا تصرف وجهك عني,متضرعا إليك يا من أنت وحدك بلا خطية: أنعم لنفسي المسكينة بتخشع,قبل أن يأتي الانقضاء وخلصني.
وبسبب تلك المخافة,تعلمنا الكنيسة أن نطلب الرحمة:
فنصرخ ونقول: بعين متحننة يارب انظر إلي ضعفي فعما قليل تفني حياتي,وبأعمالي ليس بها خلاص.فلهذا أسأل بعين رحيمة يارب,انظر إلي ضعفي,وذلي ومسكنتي وغربتي,ونجني... لهذا أشفق علي أيها المخلص,لأنك أنت هو محب البشر وحدك.
وعن المجئ الثاني للرب ليدين العالم تعلمنا الكنيسة أن نقول في مخافة الله:
في وقت مجيئك لتدين العالم,فلنستحق سماع ذلك الصوت المملوء فرحا,القائل تعالوا إلي يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم من قبل إنشاء العالم. نعم يارب,سهل لنا أن نكون في تلك الساعة بغير خوف ولا اضطراب,ولا سقوط في الدينونة,ولا تجازنا بسبب كثرة آثامنا.لأنك أنت الممتحن الطول الأناة الكثير الرحمة.
* وفي مخافة الله تعلمنا الكنيسة أن نقول في صلاة الغروب:
إذا كان الصديق بالجهد يخلص فأين أظهر أنا الخاطئ؟
وهذه الصلاة مأخوذة من الرسالة الأولي لمعلمنا القديس بطرس الرسول حيث يقول: إن كان البار بالجهد يخلص فالفاجر والخاطئ أين يظهران (1بط4:18)
هذه العبارة بالذات,ألا تعلمنا المخافة,التي نبذل فيها كل جهدنا,حتي نحسب مع الأبرار؟!
* وبسبب المخافة,تعلمنا الكنيسة أن نقول يارب ارحم 41مرة في كل صلاة من صلواتنا اليومية
بل نكرر عبارة يارب ارحم بهذا العدد في كل صلاة من الصلوات الليتورجية,وفي عشية وباكر,وفي كل قداس. طالبين الرحمة باستمرار. وطلب الرحمة هو دليل علي المخافة.
أم ترانا نطلب الرحمة,بغير مخافة؟!!
كلا,بل أننا نقول في صلاة نصف الليل:
سمر خوفك في لحمي (مز119:120)
* الكنيسة إذن تعلمنا مخافة الله,وتدربنا عليها في الصلاة. بل تجعلنا نبدأ كل صلواتنا اليومية والطقسية بصلاة الشكر التي نقول في ختامها أمنحنا أن نكمل كل أيام حياتنا,بكل سلام مع مخافتك إذن هذه المخافة,نطلبها كل يوم.
وحينما ندخل الكنيسة,نتعلم أن نسجد أمام الهيكل,ونحن نقول أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك وأسجد أمام هيكل قدسك بمخافتك وهي عبارة مأخوذة من المزمور الخامس ويكررها الأب الكاهن في تبخيره أمام الهيكل.
* وغالبية طقوس الكنيسة وصلواتها تشتمل علي عبارة الخوف أو المخافة.
ففي رفع بخور عشية,يبدأ الأب الكاهن صلاته السرية بقوله أيها المسيح إلهنا العظيم المخوف الحقيقي.
وفي صلاة التحليل يقول طهرنا, حاللنا, وحالل كل شعبك. املأنا من خوفك,وقومنا إلي إرادتك المقدسة.
وقبل قراءة الإنجيل,يصرخ الشماس ويقول: قفوا بخوف من الله وانصتوا لسماع الإنجيل المقدس ويقف الشعب كله في الكنيسة يخلع رئيس الكهنة تاجه من فوق رأسه,هيبة وتوقيرا لكلمات الإنجيل. كما خلع الأربعة والعشرون قسيسا أكاليلهم وسجدوا أمام العرش قائلين: مستحق أنت أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة (رؤ4:10-11)
حقا ينبغي أن نسمع كلمة الله في خوف.لماذا؟
لأننا نعرف تماما أننا إن لم نطع كلام الله.فكل كلمة من الإنجيل سوف تحكم علينا, سندان بها.
كما قال الرب من رذلني ولم يقبل كلامي,فله من يدينه. الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير (يو12:48).إذن أعطنا يارب أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة,لئلا تديننا في اليوم الأخير.
كما نسمع كلمة الخوف في قراءة الإنجيل أثناء القداس الإلهي,كذلك في وقت حلول الروح القدس,يصيح الشماس اسجدوا لله بخوف ورعدة.
إن الخوف يليق بالحلول الإلهي. كما قيل عن موسي النبي وقت عطاء الرب للوصايا علي الجبل,إن موسي قال: مرتعب ومرتعد (عب12:21)كذلك قال القديس يوحنا الرسول لما ظهر له الرب في سفر الرؤيا فلما رأيته,سقطت عند رجليه كميت. فوضع يده اليمني علي قائلا لي لا تخف (رؤ1:17).
والخوف يتعلق أيضا بالذبيحة المقدسة,لكيما نقدمها ونتناول منها,بغير وقوع في دينونة.
وعبارة (بغير وقوع في دينونة) يكررها الكاهن كثيرا أثناء القداس الإلهي.
ففي صاة الاستعداد قبل تقديم الحمل يقول في صلاته السرية أجعلنا مستوجبين بقوة روحك القدوس أن نكمل هذه الخدمة لكي بغير وقوع في دينونة أمام مجدك العظيم,نقدم لك صعيدة البركة.
وفي صلاة الحجاب بعد قراءة الإنجيل,يقول: نسألك يا سيدنا,لاتردنا إلي خلف,إذ نضع أيدينا علي الذبيحة المخوفة غير الدموية... نسأل ونتضرع إلي صلاحك يا محب البشر,أن لا يكون لنا دينونة,ولا لشعبك أجمع,هذا السر الذي دبرته لخلاصنا.
يذكر هنا في مخافة دينونة التناول بغير استحقاق التي ذكرها القديس بولس الرسول (1كو27-30).
وهكذا يقول أيضا في صلاة الصلح اجعلنا مستحقين كلنا ياسيدنا أن نقبل بعضنا بعضا بقبلة مقدسة. لكي ننال بغير انطراح في دينونة من موهبتك غير المائتة السمائية
وعندما يتذكر الكاهن المجئ الثاني للسيد الرب يقول وظهوره الثاني الآتي من السموات,المخوف المملوء مجدا
أما عن المخافة من الموت,في صلاة الأجبية:
فكيف هنا تشفعنا بالقديسة العذراء قائلين في صلاة الغروب وعند مفارقة نفسي من جسدي أحضري عندي ولمؤامرة الأعداء اهزمي ولأبواب الجحيم أغلقي لئلا يبتلعوا نفسي
ما أجل قول القديس البابا ثاؤفيلس عن خوف الموت طوباك يا أرساني,لأنك بكيت في حياتك كثيرا من أجل خوف تلك الساعة.
أما عن باقي الوسائل التي توصلنا إلي مخافة الله,فنتابعها في الأعداد المقبلة,إن شاءت نعمة الرب وعشنا.
|