لا يكتفي الكتاب المقدّس بالكلام على العناية الأبويّة لكلّ واحد منّا، بل يتكلّم أيضاً على رعاية الله لشعبه. فحين نقرأ العهد القديم، تظهر لنا صورة إلهٍ يتحكّم بالتاريخ، فيعاقب الشعبَ ابنَه أو يخلّصه بحسب سلوك هذا الشعب. ويبدو أنّ كلّ ما يحدث يصدر من الله. الموت كما الحياة. فنبوخذنصّر الذي أتى ليدمّر أورشليم ويسبي الشعب هو مبعوث من قبل الله. وبعد 70 سنة، يجسّد قورش رحمة الأب ورعايته فيعيد اليهود إلى أرضهم. فهل تاريخنا، تاريخ البشرية، لعبة في يد الله؟
لا! فالانسان لم يفقد قطّ قدرته على ارتكاب الخطيئة أو التوبة. ومع ذلك، ما من شيءٍ يتّم بدون علم الله. ومن هذا المبدأ ينطلق الاحتجاج. احتجاج ضحايا الزلازل، واحتجاج أهل الطفل المُتألّم من المرض العُضال. كم من الناس فقدوا إيمانهم لأنهم لم يستطعوا الجمع بين فكرة الإله المحب القادر على كلّ شيء، وأحداث الحياة التّي تسقط فيها آلاف الضحايا الأبرياء؟ أيّ إلهٍ هذا، أيّ أبٍ هذا؟ يرى أبناءه المسيحيين يُذبَحون في موجات الاضطهاد ولا يفعل شيئاً؟ وإذا كانت هذه المجازر عقاباً، أيّ إثمٍ عظبمٍ ارتكبه المسيحيّون لينالوا عقاباً كهذا؟
إنّ هذه التساؤلات ليست جديدة ولا بنت اليوم أو الأمس. فكاتب سفر الجامعة يلاحظ أنّ مصير البّار والشّرير واحد. وسفر أيّوب صرخة احتجاج على ألم البار، صرخة أمام معضلة لن تجد لها حلاً إلاّ في آخر السفر. وبين الصرخة والإجابة، يقوم السفر بمسح كلّ تصّوراتنا الخاطئة عن الله. فهو أب ولكنّ أبوّته تختلف عن معرفتنا لها. إنّه محبّة لكنّ محبتّه تفوق إدراكنا.