مبادئ أساسية في علاج الإدمان من المخدرات
والآن وفي ختام هذا الباب الذي تحدثنا فيه عن طرق العلاج نود التركيز على بعض المبادئ الأساسية في علاج الإدمان وهي:
1- إن الإدمان يمكن علاجه، والمدمن يمكنه أن يُشفى تمامًا ويعود إنسانًا جديدًا، فلا نوافق من يقول أن علاج الإدمان مستحيل، وإن علاج المدمن بلا جدوى، وأنه كلما تم علاجه يعود إلى إدمانه مرة أخرى، فهذا ما يشيعه تجار المخدرات حتى لا يفكر المدمن في الشفاء، وبالتالي يضمن هؤلاء التجار رواج بضائعهم.
2- إنقاذ المدمن من إدمانه يحتاج إلى صبر طويل بدون توقف، ومثابرة بلا كلل، وتصميم بلا تراخ.
3- لا يعتبر توقف المدمن عن تناول المادة المخدرة واجتياز مرحلة الانسحاب هو كل العلاج.. كلاَّ، فهذه هي خطوة من خطوات العلاج، فلابد من فترة التأهيل، وفترة المتابعة، وعلاج ما بعد النكسة إذا حدثت.
4- الإدمان ليس هو جوهر المشكلة، ولكن جوهر المشكلة هو الأسباب التي زجت بالإنسان إلى الإدمان، فالإدمان هو مرض مثل ارتفاع درجة الحرارة التي تنبه الإنسان إلى وجود خلل في الجسم، فالمشكلة ليست في ارتفاع درجة الحرارة ولكن في الخلل الذي تسبب في ارتفاع درجة الحرارة.
5- من أهم العوامل اللازمة للشفاء هو الحب، ولا أجد كلامًا أكثر واقعية وأصدق تعبيرًا من كلام السادة الأطباء المتخصصون في هذا المجال حيث يقولون "المعالج الحقيقي للمدمن ليس هو الطبيب، وإنما هو إنسان قريب منه يحبه. زوج، زوجة، أخ , أخت , صديق، حبيب، لا يمكن علاج مدمن على الإطلاق بدون وجود هذا الإنسان في حياته. إذ خلت حياة المدمن من إنسان يحبه فلن يُشفى من إدمانه بل سيتمادى حتى الموت، لأن أهم مبرر للإدمان هو إحسان الإنسان بالنبذ، وعلى هذا فإن أعظم دواء لشفاء الإدمان هو الحب، الحب الحقيقي، الحب المخلص، الحب بدون مقابل، أي الحب لوجه الله، الحب لهذا الإنسان لأنه عزيز علينا، إذا تناول المدمن كل أنواع العلاج المعروفة وأحدثها إلاَّ علاج الحب فلن يشفى" (1).
ويقول د. أميل فهمي حنا "إذا خلت حياة المدمن من إنسان يحبه فلن يُشفى من إدمانه، بل سيتمادى حتى الموت، ومن يحب الإنسان غير أسرته وذويه؟ إذًا لا نلقي اللوم إلاَّ على الأسرة كسبب لإدمان أبنائهم، ولا نعتمد إلاَّ على الأسرة كوسيلة لعلاج الإدمان" (2).
6- وأيضًا شفاء المدمن يتوقف على حب الطبيب له "الطبيب النفسي في حالة الإدمان هو صديق، ويجب أن يشعر المريض أنه يستطيع أن يعتمد على طبيبه وأن يثق فيه، وأن يفتح له قلبه، والثقة تُبنى تدريجيًا مع الوقت، ولا يمكن للطبيب أن يحقق أي نجاح إلاَّ إذا أكتسب حب المدمن وثقته، والطبيب في هذه الحالة هو الأب، وهو الصديق، ولهذا يستطيع أن يكون حازمًا وقتما شاء، ويستطيع أن يضع الحقائق مهما كانت قاسية أمام مريضه، وعلى الطبيب إلاَّ يعطي وعودًا غير صادقة، وأن يراعي في علاقته بالمدمن أن يرتفع بالثقة إلى مائة في المائة" (3).
7- يجب أن تعرف أسرة المدمن كل أبعاد المشكلة ومراحل العلاج، وتشارك مشاركة فعالة في العلاج، إذًا علاج الإدمان ليس مثل علاج أي مرض عضوي وليس مثل إجراء أي عملية جراحية، فمعرفة أو جهل الأسرة للمرض العضوي أو العملية الجراحية لا يؤثر كثيرًا على شفاء المريض،أما معرفة الأسرة لمشكلة الإدمان بأبعادها ومراحلها فأنه يؤثر تأثير مباشر على شفاء المريض.
8- يجب إشراك المدمن نفسه في وضع خطة العلاج، وذلك لضمان تحقيقها ونجاحها، فالمدمن يكون رقيبًا على نفسه، والطبيب المعالج يساعده في تقييم تصرفاته والحكم عليها، ولذلك فإن الطبيب يشرح للمدمن ولأسرته أسلوب العلاج بالتفصيل، ويجيب على كل الأسئلة التي توجه إليه من المدمن أو من الأسرة بكل صراحة وصدق، فالمدمن ليس إنسانًا فقد عقله وبصيرته، إنما هو في حاجة إلى من يأخذ بيده ويضعه على بداية الطريق الصحيح بكل حب ومثابرة.
9- الحذر من النظرة للمدمن على أنه مخطئ ومجرم، ويمثل وباء، ولابد من نبذه والحذر منه والابتعاد عنه، فالإنسان المدمن ليس هكذا، إنما هو إنسان مريض يحتاج إلى الحب، ومد يد المساعدة له، والصلاة من أجله، والمعالج الحقيقي للمدمن ليس هو الطبيب، إنما هو الإنسان القريب (مثل السامري الصالح) الذي ينجح في الاقتراب إليه.. يمسكه بيده ويرويه من نبع الحب الصافي ويقوده من الموت إلى الحياة.