وحدانية الله
منير: ليبارك أستاذنا الحبيب باكورة البحث.
وباتضاع شديد بدأ الأخ زكريا حديثه قائلًا:
في إحدى المرات ظل الفيلسوف أغسطين مشغولًا جدًا بكيفية إدراك ذات الله وقد أجهد عقله كثيرًا، وعندما راح في غفوة نظر في حلم طفلًا صغيرًا يلهو على شاطئ البحر.. فقد صنع حفرة صغيرة، وبدأ يأخذ من ماء البحر ويضع في الحفرة حتى امتلأت وفاضت، والطفل لا يكف عن محاولاته، وعندما سأله أغسطينوس:
يا بني ماذا تفعل؟
أجابه الطفل: يا سيدي هل تساعدني في نقل كل ماء البحر إلى حفرتي هذه؟
أغسطينوس: لكن هذا مستحيل يا بني.
حينئذ سمع صوت ملاك الرب يقول له: هكذا يا أغسطينوس عقل الإنسان المحدود يستحيل عليه أن يحوي الله الغير محدود.
يا أحبائي.. نحن لسنا كفرة لأننا نؤمن بوجود الله..
نحن لسنا مشركين لأننا نعبد الله الواحد..
ثم بدأ الأخ زكريا يتحدث عن الصفات الإلهية التي ينفرد به الله الواحد الذي نعبده:
1- الله روح بسيط لا تركيب فيه.. غير قابل للتجزئة أو التقسيم:
الله روح كما قال الرب يسوع للمرأة السامرية " الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يو 4: 24).. الله روح بسيط لا تركيب فيه، لأن الشيء المركَّب ليس أزليًا، بل هو مركَّب من أشياء قد سبقته في الوجود، فمثلًا الماء مُركَّب من الأكسجين والهيدروجين وهما سابقان في الوجود عن الماء، قال البابا كيرلس عمود الدين " فالله بسيط في طبيعته وغير مُركَّب بينما نحن طبيعة مركَّبة" (1) وقال القديس أغسطينوس " الله جوهر مجرد لا تركيب فيه" (2).
2- الله عقل كامل لا جسم فيه:
فكل الذين صوَّروا الله في صور مادية مثل الشمس أو النار أو القمر أو الذين صنعوا له تماثيلًا وصورًا مثل عجل أبيس وبقية آلهة قدماء المصريين، أو آلهة الهندوس، جميعهم أخطأوا في فهم الله، فهذا الإله الذي نعبده هو روح بسيط وعقل كامل لا جسم فيه، ولكن في زمن معين تجسَّد في شكل إنسان، ولذلك فالصورة الوحيدة التي نستطيع أن نتصور فيها الله في تجسده هي صورة رب المجد يسوع.
3- الله غير محدود وغير متناه:
يملأ كل مكان وزمان، لا يخلو منه مكان وحاضر في كل زمان، بل هو خالق الزمن.. قال عن نفسه " أما أملأ أنا السموات والأرض يقول الرب" (أر 23: 24) والله موجود في كل مكان بالكامل، فالشمس التي تشرق فتدخل إلى حجرتي وحجرتك، ومدينتي ومدينتك، وتعم الوجود، وتشرق بكامل قوتها وفاعليتها، فتطرد الظلمة وتحمل لنا الدفء وتطهر الأماكن من الجراثيم والميكروبات، وهي شمس واحدة، تقرب لنا المعنى، والتشبيه مع الفارق لأن إلهنا شمس دائمة لا تغرب أبدًا.
وإن سأل أحد: وهل الله موجود في أماكن الشر والنجاسة وجهنم النار..؟ نقول له نعم الله في كل مكان ولا يخلو منه مكان.. موجود في أماكن الشر والنجاسة وهو يؤثر ولا يتأثر، مثل الشمس التي تشرق على الأماكن الملوثة فتطهرها، وهو موجود في جهنم النار لا يتأثر بالعذابات إنما يُستعلن بعدله.
4 - الله سرمدي:
أي أزلي أبدي.. أزلي أي لا بداية له، وأبدي أي لا نهاية له، لا بداية لأزليته، ولا نهاية لأبديته، ولذلك قال عن نفسه " أنا الأول وأنا الآخر" (أش 48: 12) " أنا هو الألف والياء" (رؤ 1: 8). وإن كان الملائكة والبشر خالدين إلى الأبد، فإن خلودهم هذا عطية من الله الأبدي. أما الخلود (الأبدية) في الله فهي صفة ذاتية لم يهبها له أحد، الله من محبته وهبنا صفة الخلود ولكن ليس خلودنا مثل خلوده..
5- الله غير متغير:
لأنه دائمًا وأبدًا كمال مطلق، فلا يمكن أن يتغير للأفضل لأنه لا يوجد شيء أفضل، ولا يمكن أن يتغير للأقل لأنه ثابت لا يتغير، فمعرفة الله لا تزداد بمرور الأزمان، وقوة الله لا تنقص ولا تقل بمرور الأزمان، فهو كمال متناه في جميع صفاته " ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 1: 17).. الله له كل الكمالات الإلهيَّة، فكل صفة من صفاته هي صفة كاملة 100%.. عدله كامل وهكذا محبته كاملة، قوته كاملة ومعرفته كاملة، جماله كامل وطول أناته كاملة.. إلخ.
وإن تساءل البعض عندما يقول الكتاب المقدَّس أن الله "ندم" ألاَّ يعتبر هذا الندم نوع من التغيير..؟ نقول لهم إن الذي تغير هو الإنسان " فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلَّم أن يصنعه بهم فلم يصنعه" (يون 3: 10)،فالشعب رجع عن خطيته وتاب، فعفى الله عنه، وقال الكتاب عن الله أن ندم ليعبر لنا عن صلاح الله ومحبته، فهو لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا، وهو لا يريد أن يعاقب الإنسان ولا يريد أن يفنيه عن وجه الأرض، وقال الكتاب أيضًا " ليس الله إنسانًا فيكذب ولا ابن آدم فيندم" (عد 23: 19).
6- الله خالق كل شيء:
فليس لكائن مهما كان، إنسان أو ملاك أو رئيس ملائكة، القدرة على خلقة أقل الأشياء.. الإنسان صانع وليس خالق، فالخلقة تأتي من العدم أما الصنعة فتحتاج إلى مادة أولية يتم تصنيعها، ولذلك عندما نرى السيد المسيح يخلق، فهذا دليل كافٍ على ألوهيته.
7- الله ضابط الكل:
فهو مدبر كل شيء في السماء وفي هذا الكون المهول، ومن المستحيل أن يحدث أمر صغير أو كبير إلاَّ بأمره أو بإذنه، وقد يتساءل البعض عن الشر والكوارث والجرائم التي تحدث على الأرض.. هل تحدث بإرادته أو بدون إرادته؟ والحقيقة أن هناك فارق بين إرادة الله وسماحه أو إذنه، فإرادة الله إرادة خيرّة، وهو صانع الخيرات. أما الشرور والكوارث والجرائم فإنها تحدث بإذنه وبسماح منه لحكمة إلهيَّة كنوع من العقوبة والتأديب للإنسان المخطئ، أو لتذكية إيمان الإنسان الأمين كما حدث مع أيوب الصديق ويوسف البار..
هذا هو إيماننا كما نصلي في القداس الإلهي " أيها الواحد وحده الحقيقي الله محب البشر الذي لا ينطق به. غير المرئي غير المحوي غير المبتدئ (الأزلي) الأبدي غير الزمني الذي لا يحد. غير المفحوص غير المستحيل خالق الكل.."
إذًا غني عن القول أن المسيحية تعترف بإله واحد لا شريك له.
نادر: لقد استخرجت عدة آيات تظهر هذه الحقيقة.
منير: معنا كتبنا المقدَّسة. أذكر الشواهد ونحن نضع خطًا تحت هذه الآيات.
وبدأ نادر يذكر الآيات التالية:
"لا يكن لك آلهة أخرى أمامي" (خر 20: 3).
"لتعلم أن الرب هو الإله. ليس آخر سواه" (تث 4: 35).
"إسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد" (تث 6: 4).
"انظروا الآن أنا أنا هو وليس إله معي" (تث 32: 39).
(تث 4: 39 - 2صم 7: 22، 22: 32 - 1مل 8: 60 - 2مل 19: 15، 19 - 1أي 17: 20 - نح 9: 6 - أي 9: 8 - مز 83: 18، 86: 10 - أش 41: 4، 43: 10، 44: 6، 45: 5، 6، 21، 22، 46: 9 - طوبيا 8: 19 - يهوديت 9: 19 - الحكمة 12: 13 - ابن سيراخ 36: 2، 5).
"والمجد الذي من الإله الواحد لستم تقبلونه" (يو 5: 44).
"لأن الله واحد" (رو 3: 3).
"ولكن الله واحد" (1كو 12: 6، غلا 3: 20).
"أنت تؤمن أن الله واحد حسنًا تفعل" (يع 2: 19).
(مر 2: 7، 12: 29، 32 - لو 18: 19 - يو 17: 3 - 1كو 8: 4 - أف 4: 6 - 1تي 1: 17 - يه 25 - رؤ 22: 13).
وحدانية الله الدرس الأول الذي تعلمته الكنيسة وعلمته للعالم كله.. كان العالم غارقًا في العبادة الوثنية وتعدد الآلهة، ودخل آباء الكنيسة في مناقشات ومجادلات مع الفلاسفة الوثنيين حتى أظهروا لهم فساد معتقدهم.. كم جاهدت الكنيسة وعانت؟!
وكم ضحت بآلاف الشهداء لتمسكها بعبادة الإله الواحد؟!
والكنيسة في صلواتها الطقسية من قداسات وعشيات وأكاليل وجنازات وصلوات الأجبية تحرص على ترديد قانون الإيمان:
"بالحقيقة نؤمن بإله واحد.."
منير: بعض الإخوة المسلمين يعتقدون أننا مشركون، وفاتهم أن القرآن يشهد لنا بأننا نعبد الله الواحد.
بيتر: هل تلقي الضوء على هذا يا منير.
وبدأ منير يتحدث قائلًا:
1- في سورة البقرة 62:
"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ".
لو كان المسيحيون مشركين ألا كانوا يستحقون العقاب؟
كيف يطمئنهم القرآن بأنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون بل لهم أجرهم الصالح عند ربهم؟
2- في سورة آل عمران 113، 114:
"لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ، يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ".
أهل الكتاب طائفتان هما اليهود والنصارى.. القرآن يشهد على اليهود بقساوتهم وشدة عدائهم للمسلمين بينما يشهد للنصارى بأنهم أقرب مودة للمسلمين كقوله في سورة المائدة 82 "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ".
إذًا من هي الأمة التي يقصدها القرآن في الآية الأولة؟
هل هي أمة اليهود أم أمة النصارة؟
لابد أنه يقصد أمة النصارى.. وقد نعتها بالصفات الآتية:
أ - أمة من أهل الكتاب.. فعلًا النصارى يؤمنون بالإنجيل كتاب الله.
ب- يتلون آيات الله إناء الليل وهم يسجدون.. فعلًا الإنجيل آيات الله، ونحن النصارى نحب الصلاة ونقضي الأوقات الطويلة في الصلوات، ولاسيما آباؤنا الرهبان الذين يقطعون الليل صلاةً وتسبيحًا وسجودًا.
ج- يؤمنون بالله واليوم الآخر.. ومن أجل إيماننا بالله الواحد ومن أجل إيماننا بقيامة الأموات والوقوف أمام منبر الله العادل نعمل الأعمال الصالحة، ونبتعد عن المنكر ونسارع لعمل الخيرات.
3- في سورة الحج 40:
"وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا.."
الصوامع هي المغارات التي يسكنها الآباء الرهبان، والبيع هي الكنائس ومفردها بيعة لأن السيد المسيح ابتاعها لنفسه. في هذه الكنائس وتلك الصوامع يذكر اسم الله الواحد كثيرًا.
4- في سورة العنكبوت 46:
" وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ" .
فإن كان القرآن يقول "إلهنا وإلهكم واحد" فهل يَدَّعي أحد أننا مشركون؟!
5- في سورة آل عمران 55:
"إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"
والنص السابق يفصل فصلًا تامًا بين النصارى والذين كفروا، ويميز النصارى المؤمنين بوحدانية الله عن الكافرين.
فعلًا لقد وضع القرآن حدودًا فاصلة بين المشركين والنصارى، فمنع الزواج من المشركات "وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ" بينما سمح بالزواج من المسيحيات، كما تزوج الرسول بمريا القبطية التي ظلت على مسيحيتها.. أيضًا حرَّم القرآن طعام المشركين بينما أحل طعام المسيحيين لماذا..؟ لأنهم يؤمنون بالله الواحد.
الأخ زكريا: لو سألنا العقل عن وحدانية الله.. تُرى ماذا يقول العقل لنا؟
صمت الجميع فبدأ الأخ زكريا يتحدث قائلًا:
العقل يخبرنا بأنه لا يوجد أكثر من إله واحد.. لماذا؟
أ - لأننا نؤمن أن الله خالق كل شيء.. فلو افترضنا جدلًا أن هناك إله آخر.. فهل الله هو الذي خلق هذا الإله الآخر؟!
ب - نؤمن أن الله قادر على كل شيء.. فلو افترضنا جدلًا أن هناك إله آخر.. فهل الله يقدر على هذا الإله الآخر؟!
ج - نؤمن أن الله موجود في كل مكان.. فلو افترضنا جدلًا أن هناك إله آخر.. فأين مكان وجوده؟!
د - نؤمن أن الله يدبر كل شيء.. فلو افترضنا جدلًا أن هناك إله آخر.. فماذا يدبر؟ وما هو عمله؟
بيتر: سألني شخص من أوجد الله؟
أجبته بأن الله أوجد ذاته.
الأخ زكريا: هذا خطأ. لأن معنى الله أوجد ذاته أن الله سابق في الوجود عن ذاته. والصحيح أن الله كائن.
دعوني أطرح عدة تساؤلات:
1- هل لنا أن ندرس الحقائق الإيمانية مثل دراستنا للحقائق العلمية؟
2- لماذا أراد الله أن يعجز العقل عن إدراك بعض الحقائق الإيمانية؟
3- هل عدم إدراك الحقائق الإيمانية ينفي وجودها؟
4- وأخيرًا هل هذه الحقائق الإيمانية ضد العقل؟
نادر: هل يمكنني الإجابة عن التساؤل الأول؟
الأخ زكريا: تفضل يا نادر.
نادر: هناك فرقًا بين دراسة الحقائق الإيمانية والحقائق العلمية:
أولًا: الحقائق العلمية تبدأ بالشك في صحتها.
ثانيًا: نخضعها للفحص والاختبار والتمحيص حتى تثبت صحتها.
ثالثًا: نقبلها بعد الاقتناع بصحتها.
لكن في الحقائق الإيمانية فالوضع مختلف تمامًا:
أولًا : الحقائق الإيمانية نؤمن بصحتها ونقبلها.
ثانيًا : نحاول تفهمها بالإيمان والثقة مع الدراسة والبحث.
ثالثًا : روح الله يمنحنا الفهم على قدر إدراكنا.
الأخ زكريا: إذًا الشك يكون مفيدًا في الحقائق العلمية، لكن الشك في الحقائق الإيمانية فإنه خطير ويغلق القلب، وإن كان دخول الشك للقلب سهلًا فالتخلص منه صعب للغاية.
بيتر: لقد سمح الله أن يقف العقل عاجزًا أمام الحقائق الإيمانية، لكي يفصل بين إنسان يؤمن وآخر يشك..
إنسان يؤمن، ويزكي بأعمال إيمانه، فيستحق الملكوت، وآخر يشك، فتصير أعماله إلى الأردأ، ويفقد الملكوت.
أيضًا عدم إدراك الحقائق العلمية بالحواس لا يعني عدم وجودها.
صمت بيتر.. فأكمل منير قائلًا:
هناك أصوات خافتة لا نسمعها بآذاننا ومع ذلك فهي موجودة فنستطيع أن نسمعها بالأجهزة الدقيقة، وكثير من الكائنات الدقيقة لا نبصرها بأعيننا لكنها موجودة وتظهر بالمجهر.. أيضًا الموجات الصوتية حولنا لا نراها ولا نحس بها، بينما أجهزة الاستقبال تظهرها لنا.
أكثر من هذا فإن العين البشرية قد تخدعنا كما يحدث في ظاهرة السراب، وكما يحدث عندما ننظر إلى ملعقة في كوب ماء فنراها مكسورة وهي ليست بالمكسورة.
الأخ زكريا: أجيبكم على التساؤل الرابع.. وبدأ يتحدث قائلًا:
الحقائق الإيمانية فوق مستوى العقل، ولكنها ليست ضد العقل..
نأخذ مثالًا بسيطًا فعندما نقول: 1 + 1 + 1 = 1 فهذا ضد العقل.
لكن عندما نقول: 1 × 1 × 1 = 1 فهذا صحيح منطقيًا.
الحقائق الإيمانية للخارجين عن الإيمان تبدو مستحيلة وعقولهم ترفضها.
التثليث والتوحيد عثرة لهم، والتجسد غير مقبول، وألوهية السيد المسيح بدعة، والصليب مرفوض، والإنجيل الذي يُظهر الحقائق لابد أنه مُحرّف. مساكين هؤلاء العقلانيون. أما نحن فروح الله الساكن فينا يمنحنا الفهم والإدراك الروحي "لأن مَنْ مِنْ الناس يعرف أمور الإنسان إلاَّ روح الإنسان الذي فيه. هكذا أيضًا أمور الله لا يعرفها أحد إلاَّ روح الله" (1كو 2: 11).
وفينا يتحقق قول السيد المسيح له المجد "أحمدك أيها الآب ربَّ السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال" (لو 10: 21) نحن نقبل الإيمان كما أعلنه لنا الوحي الإلهي من خلال الكتاب المقدَّس واثقين أن هذا الإيمان ليس نتاج فلسفة عقول بشرية قابل للتغيير والتطور.. نحن نُخضِع عقولنا للحقائق الإيمانية فنقبلها، أما الذين يريدون أن يُخضِعوا الحقائق الإيمانية لعقولهم فمثلهم مثل الناظرين لعين الشمس في رابعة النهار.
_____
الحواشي والمراجع :
(1)حوار حول الثالوث - القديس كيرلس عمود الدين ص 25
(2)عوض سمعان سليدس - الله في المسيحية ص 40