ملكوت الله في العهد الجديد
كان موضوع "ملكوت الله" أو "ملكوت السموات" هو جوهر ولب وأساس ومحور كرازة السيد المسيح، الذي يقول الكتاب إنه جاء ليكرز "ببشارة ملكوت الله (62)"، وأول كلمات يسجلها الوحي الإلهي للسيد المسيح هي "قد كمل الزمان وأقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالإنجيل (63)". وكان "يطوف المدن كلها والقرى يعلم في مجامعها. ويكرز ببشارة الملكوت (64)". وقد أرسل تلاميذه الاثني عشر ليكرزوا في كل مكان "قائلين أنه قد أقترب ملكوت السموات (65)"، كما عين سبعين آخرين وأرسلهم لينادوا، أيضًا، "قد أقترب ملكوت الله (66)".
وقد وردت عبارة "ملكوت الله" في العهد الجديد حوالي 72 مرة، خاصة في الأناجيل الأربعة، ووردت عبارة "ملكوت السموات" حوالي 32 مرة في الإنجيل للقديس متى فقط ولم ترد في أي مكان آخر، وهذا يرجع لأن القديس متى قد دون إنجيله بالروح القدس لليهود، وبصفة خاصة يهود فلسطين، والذين كانوا يتجنبون النطق أو التلفُظ باسم الله يهوه خشية ورهبة (67)، فراعى عادتهم هذه، كيهودي أصلًا، وأستخدم التعبير الذي كان شائعًا في وسطهم وهو "ملكوت السموات"، ومع ذلك فقد أستخدم تعبير "ملكوت الله" حوالي ست مرات للتعبير عن طبيعة وجوهر "ملكوت الله (68)".
كما استخدم العهد الجديد أيضًا عبارات "الملكوت"، "ملكوتك"، "ملكوته" التي تعود على الآب (69)، أو على الابن (70) "المسيح"، واستخدم أيضًا عبارات "ملكوت أبى (71)" و"ملكوت ابن محبته (72)"، أي المسيح، و"ملكوت المسيح (73)" و"ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح (74)" و"ملكوت يسوع المسيح (75)" و"صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه (76)"، أي الآب والابن. وهذا يعنى أن ملكوت الله هو ملكوت المسيح وملكوت الآب هو ملكوت الابن، أو كما يقول السيد المسيح "كل م للآب هو لي (77)". فالمسيح هو الملك "الآتي باسم الرب (78)"، ملك الملوك، ملك الملكوت الذي تنبأ الأنبياء أنه سيجلس على عرش داود إلى الأبد، الإله الأبدي القدير رئيس السلام.
وعندما جاء المسيح إلى العالم في "ملء الزمان (79)" و"ظهر في الجسد (80)" أعلنت الملائكة أنه الملك السمائي الآتي ليقيم ملكوت الله، فقال الملاك للعذراء مريم أثناء بشارته لها "هذا يكون عظيمًا وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية (81)"، وهتف جند السماء عند ميلاده "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة (82)" وذلك لحلول ملك السلام على الأرض، وجاء مجوس من المشرق مهتدين بنجم في السماء ليسجدوا له كملك "أين هو المولود ملك اليهود (83)" وقدموا له هدايا كملك، ولما رأى نثنائيل قدرته على معرفة الغيب، في أول لقاء لهما، قال له "يا معلم أنت ابن الله. أنت ملك إسرائيل (84)"، وهو يقصد الملك الآتي الذي تنبأ عنه الأنبياء، ولما أشبع الجموع بخمسة أرغفة وسمكتين آمنوا إنه هو الملك الآتي وأرادوا أن ينصبوه ملكا "فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم. وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكًا أنصرف إلى الجبل وحده (85)"، لقد كان هو حقًا الملك الآتي ولكنه لم يكن ملكًا أرضيًا يحكم على مجرد شعب واحد بل ملكًا سمائيًا روحيًا لكل الأمم والشعوب والقبائل والألسنة، كما قال هو لبيلاطس "مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أُسّلم إلى أيدي اليهود. ولكن الآن مملكتي ليست من هنا (86)". مملكته هي مملكة "قديسي العلى" التي تنبأ عنها دانيال النبي (87)، "مملكة لا تنقرض أبدًا ومُلكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهى تثبت إلى الأبد (88)"، وملكوته "ملكوت أبدى وجميع السلاطين إياه يعبدون ويطيعون (89)"، ملكوت يسود فيه على ما في السماء وما على الأرض، كما قال هو "دفع إلى كل سلطان في السماء وعلى الأرض (90)"، "كل شيء قد دفع إلى من أبى (91)"، "الآب يحب الابن وقد دفع كل شيء في يده (92)" ومن ثم فقد دعاه الوحي في سفر الرؤيا ب "رئيس ملوك الأرض (93)" و"ملك القديسين (94)" و"رب الأرباب وملك الملوك (95)" و"ملك الملوك ورب الأرباب (96)".
وفى حديثه عن "ملكوت الله" في الدهر الآتي، في المستقبل، بعد المجيء الثاني قال أن "ملكوت الله" هو ملكوته هو "يرسل أبن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم (97)"، "الحق أقول لكم عن من القيام هنا قومًا لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتيًا في ملكوته (98)" وقال لتلاميذه "وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبى ملكوتًا. لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي (99)" وعندما قال له اللص اليمين وهو على الصليب "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك. فقال له يسوع الحق أقول لك أنك اليوم تكون معي في الفردوس (100)".
وعلى الرغم من أن السيد المسيح رفض أن يُنصّب ملكًا على إسرائيل، لأنه ملك الملوك ورب الأرباب، فقد قبل أن يدخل أورشليم كملك، ولكن ملك "وديع ومتواضع" تحقيقًا لنبوءة زكريا النبي عنه "ابتهجي جدًا يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان (101)" والجموع هتفت له "مبارك الآتي باسم الرب. مباركة مملكة أبينا داود الآتية (باسم الرب). أوصنا في الأعالي (102)".