|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام تفسير سفر المكابيين الأول - المقدمة يزخر هذا السفر بالكثير من الأحداث، إلاّ أن محوره الرئيسي هو: "الحياة الليتورجية لليهود ". فقد ثار اليهود حالما صدر الأمر بايقاف الخدمة في الهيكل، وحَظر العمل بالشريعة. كانت الأمّة تستمد قوتها وعزاءها من الشريعة والليتورجية، فما أن اختلّت الحياة الطقسية، حتى اضطربت تبعا لذلك الحياة العامة بشتى وجوهها، وانحرفت الأمة إلى هوّة رديئة. وكان أنطيوخس أبيفانيوس قد أقام شناعة الخراب على مذبح المحرقات، وحوّل الهيكل إلى معبد للإله زيوس "زفس" (أعمال الرسل 19: 35) وسعى إلى أغرقة البلاد. ولكن اليهود ما أن حققوا أولى انتصاراتهم على السلوقيين، حتى بدأوا في اجراءات تطهير الهيكل ثم تدشينه (1)، فاستقام حال الأمة من جديد. وهكذا فإن الهيكل هو الذي جمع كلمة الشعب ووحّد بين قلوبهم. بل أن الحكام السلوقيين كانوا كلّما أرادو أن يسترضوا اليهود، بالغوا في اكرام الهيكل بالهدايا ومنح العديد من الحريات الدينية لهم، لعلمهم إلى أي مدى يؤثر ذلك عليهم. هذا وقد ُاعيد تجديد الهيكل لاحقًا بشكل جعله تحفة فنية رائعة، على يد هيرودس الكبير، حيث استمر العمل فيه مدة 46 عاما. هذا وقد نال سفري المكابيين اهتمامًا كبيرا من العلماء والمتخصّصين(1)، باعتبارها مستودعًا ثمينا للحقائق التاريخية، ومادة كتابية هامة في تفسير العديد من النبوات، لاسيما في: أسفار الشريعة وإشعياء وزكريا، ولاسيما دانيال. وهي نبوات تتعلق بتدنيس الهيكل وتطهيره واضطهاد أنطيوخس أبيفانيوس ونشاطه العسكري والسياسي، ودور البطالمة كذلك في منطقة اليهودية، ثم جماعتي اليهود الأتقياء واليهود المرتدين (المتأغرقين) وغيرها من أحداث تلك الحقبة. كما ُوجد الكثير من أخبار هذين السفرين في الكتب الأبوكريفية للعهد القديم، وهي التي ُيطلق عليها اصطلاحا: " الأدب المنحول"، مثل: (نبوة أخنوخ. وصية موسى. كتاب اليوبيلات. وكتابات قمران بشكل عام) (2). أرجو أن يجد القاريء تعزية من خلال كلمة الله في هذا السفر، بصلوات قداسة البابا الأنبا شنودة الثالث وشريكه في الخدمة الرسولية نيافة الأنبا إيسوزورس رئيس الدير، والذي تفضّل مشكورا بمراجعة الكتاب. ولإلهنا المجد دائمًا أبديا آمين. دير البرموس / فبراير 2003م. (2)ُيلاحظ اثناء دراستنا وجود اصطلاح "المكابيين": وقد اطلق على الجماعة التي قامت بالثورة، منسوبين في ذلك إلى يهوذا المكابي (القائد العسكري حينئذ) بما فيهم الحسيديين (جماعة التقاة والذين تخلوا لاحقًا عن الأعمال القتالية). واصطلاح "الحشمونيين": وقد ُاطلق على خلفاء متتيا الكاهن (بني حشمناي) والذين استمر نسلهم في الحكم حتى عام 34 ق.م. (1) ومن بين أولئك: العالم: " أبل Abel, F. M" و العالم "جريم Grimm, Carl L, W. "و العالم " بيكرمان Bickerman, Elias J." وغيرهم كثيرون. (2)وكذلكالمؤرخ اليهودي يوسيفوس: وهو صاحب أهم تاريخ مكتوب عن اليهود (خارج الأسفار المقدسة)، غير أن هناك الكثير من المعلومات الخاطئة التي يوردها عن المكابيين بخلاف ما يرد في السفرين، ويرجع السبب في ذلك إلى أنه كتب تاريخه في روما، فكان بعيدا جدًا عن موقع الأحداث، كما أنه كتب بعد سنة 70 م. أي بعد الثورة المكابية بحوالي قرنين من الزمان. ومن المؤرخين المعاصرين لأحداث تلك الفترة: بوليبيوس وهو يوناني، والمؤرخ سترابو وهو روماني وتاكيتوس ولاكتنتيوس. التعديل الأخير تم بواسطة Mary Naeem ; 01 - 04 - 2014 الساعة 02:12 PM |
31 - 03 - 2014, 05:07 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام -
مكابيين أول 1 - تفسير سفر المكابيين الأول رجسة الخراب و ظهور المكابيينيعرض الأصحاح الأول موجزًا سريعًا لتاريخ الإسكندر وخلفاؤه، ليحدِّد أصل ملك أنطيوخس إبيفانس ومحاولته فرض الثقافة الهيلينية وما رافق هذه المحاولة من تدنيس للهيكل واقامة الشعائر الوثنية، وما سبَّبه ذلك من إهانة للشريعة واضطهاد لليهود، مما مهّد الطريق أمام الثورة المكابية. الإسكندر الأكبر: فتوحاته وخلفاءه 1كان أن الإسكندر بن فيلبس المقدونى، بعد أن خرج من أرض كتيم وكسر داريوس، ملك فارس وميديا، وملك مكانه مبتدئا باليونان، 2شن حروبا كثيرة وفتح حصونا وقتل ملوك المنطقة، 3واجتاز إلى أقاصى الأرض وسلب غنائم جمهور من الأمم، وسكتت الأرض بين يديه، فترفع في قلبه وتشامخ. 4وحشد جيشا قويا جدًا وأخضع البلاد والأمم والسلاطين، فكانوا يدفعون له الجزية. 5وبعد ذلك لزم الفراش وعرف أنه يشرف على الموت. 6فدعا أشراف ضباطه الذين تربوا معه منذ الصبا، فقسم مملكته بينهم وهو لا يزال حيا.7وكان الإسكندر قد ملك اثنتى عشرة سنة حين مات. 8فتولى ضباطه الملك كل واحد في منطقته. 9ولبس كل منهم التاج بعد وفاته، وكذلك بنوهم من بعدهم سنين كثيرة، فأكثروا من الشرور في الأرض. تعتبر هذه الفقرة مقدمة سريعة لحكم أنطيوخس إبيفانس، والذي لعب دورًا كبيرًا في أحداث السفرين، وهذه الآيات عرض خاطف للسنوات العشر الأخيرة في حكم الإسكندر الأكبر، والتي تعد بداية التأثير اليوناني في الشرق(1). فبعد موت الإسكندر سنة 323 ق.م. تقسّمت إمبراطوريته الواسعة واستمرت الحروب بين خلفائه لمدة تصل إلى أربعين عامًا، تلك الحروب والمنازعات التي أفرزت ما يسمى ب " دول شرق البحر الأبيض المتوسط " والتي استمرت حتى استولت روما عليها جميعًا. وفيما عدا مقدونية والتي كانت تسيطر على معظم أرض اليونان، كانت توجد قوتان عظميتان في الشرق: سوريا وعاصمتها أنطاكية، وكانت تحكمها الأسرة السلوقية (نسبة إلى مؤسسها سلوقس) ومصر وعاصمتها الإسكندرية، ويحكمها البطالمة أو البطالسة (نسبة إلى بطليموس الأول الملك المصري). أما فلسطين - وهي التي تعنينا في هذه الدراسة - فقد كانت تقع بين هاتين القوتين المتصارعتين. فبعد موقعة إيسوس سنة 301 ق.م. آلت اليهودية إلى سلوقس كجزء من سورية، ولكن بطليموس المصري اسرع باحتلال هذا البلد الصغير والاستراتيجى - أي اليهودية - والتي استمرت خاضعة للبطالمة كرهينة لمدة تزيد على المئة سنة، وخلال هذه المدة كثيرًا ما كانت ميدانًا لمعارك الطرفين، غير أنها خضعت في النهاية لسوريا سنة 198 ق.م. وذلك نتيجة للسياسة القوية لحكم أنطيوخس الكبير، والذي كان يحب اليهود معطيًا إياهم امتيازات خاصة مثل حرية العبادة، وقد حذا حذوه في ذلك خليفته سلوقس الرابع، وفي مقابل ذلك كان اليهود يساندون السلوقيين في صراعهم ضد البطالمة وغيرهم، مفضلين في ذلك الحكم المركزى للسلوقيين في كافة أنحاء غرب آسيا. ومن بين الأحداث التي جرت خلال المئة عام المشار إليها، أنه في سنة 250 ق.م. وقف حونيا (أونيا)(1) رئيس الكهنة مؤيدًا سلوقس الثاني ضد بطليموس الثالث، وحتى عندما ُهزم سلوقس من بطليموس سنة 242 ق.م. رفض حونيا دفع الجزية له وهي عشرون طالنا (وزنة) غير أن فريقًا من اليهود بقيادة يوسف (ابن أخت حونيا) ووالده (زوج أخت حونيا) كانوا يعارضونه، إذ كانت لهم علاقات تجارية مع مصر، ومن ثم فقد أشاروا بوجوب دفع الجزية لمصر، وكان من نتائج هذا الخلاف أن أصبح يوسف رئيسًا لليهودية، بينما احتفظ حونيا برئاسة الكهنوت، وهكذا ظلت اليهودية على ولائها للبطالمة. ولعدة عقود لم تتمكن كل من مصر وسوريا من الاستمرار كقوة أعظم من الأخرى، مما نتج عنه معاناة المدن اليهودية، ففي سنة 219 ق.م. غزا أنطيوخس الثالث (الكبير) جنوب سوريا وعبر الأردن والتي كانت خاضعة لبطليموس الرابع فيلوميتور (ولكنه استعادها بعد سنتين)، وفي سنة 201 ق.م. وبعد جلسة لمجلس شيوخ اليهود قرروا الانحياز لسوريا ضد مصر، مما أثار المصريين الذين أعادوا فتح مدن اليهودية من جديد منتقمين من اليهود مؤيدى السلوقيين، وقد نتج عن ذلك مرابطة حامية مصرية في أورشليم، ولكن أنطيوخس غزا هذه المنطقة بعد سنتين من ذلك، مدمرًا الجيش المصري. وهكذا ضاعت اليهودية من البطالمة. فيليب المقدونى: (فيليب، فيلبس = اسم يوناني معناه: محب الخيل) 359 - 336ق.م. وهو أبو الإسكندر الأكبر وابن أمنتاس، وتنتمي أسرته إلى هرقل، وكانت ذات علاقات وثيقة بعلماء أثينا مثل أبقراط. وقع فيلبس في الأسر لمدة ثلاث سنوات في طيبة من بلاد اليونان، وكان ذكيًا كفئا حتى ُوصف بأنه من أعظم ملوك العالم، اهتم بتنظيم بلاده إذ أعاد توحيد القبائل المقدونية من خلال القوة العسكرية لتصبح بلاد اليونان ولأول مرة تحت حكومة واحدة (باستثناء اسبرطة) ومن هنا أصبح ذلك الحلف اليوناني قادرًا على مجابهة الفرس (القوة المخيفة في ذلك الوقت)أعاد تنظيم الجيوش وتعديل طرق القتال، مستفيدًا في ذلك بما رآه أثناء أسره من السبل التى ينتهجها "أبامنونداس" المحارب الشهير. وكان الإسكندر ابنه يحسده على شخصيته وانتصاراته، وقد جهز فيلبس الجيوش والعتاد استعدادًا لغزو العالم، وعندما بدأ في إعلان الحرب على الفرس، اعترف به حلف الدول الاغريقية قائدًا عامًا لهذه الحرب في سنة 338 ق.م، وقد ساعده في الحصول على هذا التأييد دهائه السياسي وارتداءه قناع الهيلينية (وان كان معجبًا بالفعل بالفنون الاغريقية وثقافتها) غير أن فيلبس قد اغتيل على يد أحد حراسه ليتولى الإسكندر ابنه مكانه. فيلبس المقدوني أبو الإكندر الأكبر الإسكندر: اسم يوناني معناه (حامى البشر). ولد الإسكندر في سنة 356 ق.م. وقد عين له والده معلمًا خاصًا هو أرسطو الفيلسوف الشهير، وقد ظهرت عليه منذ طفولته الميول العسكرية والسياسية، فقد تولى إدارة البلاد في سن لا يتجاوز السادسة عشر، عندما كان أبوه منشغلًا بمحاصرة بيزنطة، حيث قاد الإسكندر وقتئذ حملة عسكرية ضد الليريكون، وبعد ذلك بسنتين قاد فرسان مقاطعات مقدونية (الذين أطلق عليهم اسم الرفاق) في معركة "كايرونيا" حيث حقق النصر من جهة، كما أنقذ أبوه من الموت من جهة أخرى. هكذا بدأ الإسكندر حياته. وعندما بدأت الحملة على بلاد فارس وعبر قسم من الجيوش "الدردنيل" جاء مقتل فيلبس كمفاجئة فتولى ابنه مكانه، وهكذا اعتلى عرش مقدونية وهو ما يزال في العشرين من عمره سنة 336 ق.م. وقد أخذ على عاتقه تحقيق أمنية أبيه في غزو بلاد فارس. خرج من أرض كتيم: خرج الإسكندر منعاصمته بللا Pella في مقدونيا، في "مغامرة الغزو الكبرى" والتي بدأها في ربيع سنة 334 ق.م. و كتيم أو شتيم وفي الأصل كيتون في جزيرة قبرس، فقد ُاطلقت على الجزيرة كلها فيما بعد (تكوين 10: 4 و أخبار الأيام الأول 1: 7 و إشعياء 23: 1) ثم عبر بها مع الوقت عن بلاد اليونان، وأشير بها في بعض الأوقات إلى جميع البلاد والجزر الواقعة في الجهة الغربية ومنها مقدونية، بل نجد أن إرميا يستخدم الكلمة للإشارة إلى الغرب البعيد (إرميا 2: 10). أمّا الكلمة العبرية التي تشير إلى اليونان فهي ياوان Yawan شاملة مقدونيا في حين أن الكلمة كتيم في العبرية هنا بالجمع: Chetiim وهي اسم بديل لل يونانيين، وربما كانت كلمة كتيم هي نفس الكلمة حيثيم (ذو علاقة بالحثيين) ويرى بعض الشراح أنها هي المقصودة في نبوءة دانيال عند الحديث عن جيش روما، كما أن الكلمة نفسها تأتى في الترجمة اللاتينية "إيطاليا" وترد كذلك في ترجوم "أونكلوس(1) Onkelos" باسم " الرومان" (فتأتى عليه سفن من كتيم فييئس ويرجع ويغتاظ على العهد المقدس.. دانيال 11: 30) هكذا أطلقت الكلمة أخيرًا على العالم الروماني. وقد حارب الإسكندر الفرس وظفر بهم على دفعتين، الأولى في سنة 334 ق.م. وأما الأخرى ففي عام 331 ق.م. تخللت الاثنتين واقعة عند سهل ايسوس Issus. وربما كان في ذلك تحقيق للنبوءة الواردة في (سفر العدد 24: 24) ولذلك كان حرص الكاتب على التمييز بين الإسكندر بن فيلبس المقدوني والإسكندر جنايوس، والذي كان سيحقق نبوءة بلعام عن نجم يعقوب الذي كان مقدّرا أن يحطم بني شيث (سفر العدد 24: 17) بتأسيس إمبراطورية إسرائيلية، ولعل هذه النبوءة كانت منعكسة في عملات الإسكندر جنايوس حيث ظهر عليها: (الهلب والنجمة)(1). داريوس (دارا) 336 - 330 ق.م. وبحسب المؤرخ هيرودت Herodotus فإن الاسم في اليونانية يعنى "الحاكم بأمره" وبحسب ما ورد في كتابات يوسيفوس، فهو يدعى كودومانوس Codomannus ويلاحظ أن كاتب السفر يدعو ملوك فارس وبرثية بملوك ميديا وفارس (14: 2). وقد اشتبك داريوس مع الإسكندر المقدونى في ثلاث معارك، الأولى معركة عند نهر جرانيكوس سنة 334 ق.م. والثانية عند سهل إيسوسIssusسنة 333 ق.م. والثالثة جوجاميلا 331 ق.م. وفي النهاية اغتيل داريوس على يد "بيسوس" حاكم بكتريا. داريوس ملك الفرس حروب الإسكندر معه: أما تفاصيل قضاء الإسكندر الأكبر على مملكة الفرس، فإنه قد اشتبك بقواته مع قوات الفرس عند نهر جرانيكوس حيث استظهر على داريوس فهربت القوات الفارسية بعد مذبحة رهيبة، ولكن وقبل أن ُيتم الإسكندر السيطرة على كافة بلاد فارس ومادى، أحكم السيطرة أولًا على آسيا الصغرى، والتي لم تثبت أمام شجاعته وخططه المحكمة(1). وفي المعركة الثانية سمع الإسكندر أن داريوس يعد الجيوش لمواجهته بما يصل إلى خمس مئة ألف جندي، وهنا أسرع إليه الإسكندر بشكل خاطف (وهي أهم ميزات الإسكندر العسكرية) حيث التقى الجيشان في سهل ايسوس Issus، وانهزم الفرس مرة أخرى وقتل منهم كثيرون، وهرب داريوس ولكن الإسكندر تعقّبه وقضى على بقية الجيش، وعن سرعته الخاطفة هذه يشير سفر دانيال قائلًا عن تيس الماعز".. جاء من المغرب.. ولم يمس الأرض" (دانيال 8: 5) . ومن ثم انطلق الإسكندر في طريقة وكأنه يقوم بعملية (مسح شامل!) للشرق، حيث سار جنوبًا على امتداد ساحل سوريا متجهًا إلى مصر، وبينما فتحت له البلاد جميعها طواعية، فإن صور وغزة لم تستسلما إلاّ بعد حصار شديد وتضحيات كبيرة، ويذكر يوسيفوس في تاريخه أن الإسكندر بعد أن فتح غزة، اتجه إلى الهيكل في أورشليم وهناك تقابل مع "يشوع" رئيس الكهنة، والذي أطلعه على المواضع التي تشير إليه في سفر دانيال، الأمر الذي أسعده كثيرًا فأغدق على الهيكل والكهنة الكثير من المال والهدايا. أما في المعركة الثالثة، فكان داريوس قد سمع بالأنباء المتلاحقة عن انتصارات الإسكندر السريعة والباهرة، ولذا فقد أرسل يعرض عليه الصلح ويساومه على اقتسام مملكة فارس، غير أن الإسكندر رفض بشدة قائلًا: أن المهزوم لا يشترط.! وفي الرفض الحاسم للاسكندر شرحٌ لنبوءة دانيال "ورأيته وصل إلى جانب الكبش فاستشاط عليه" (دانيال 8: 7) ولم يكن عند ذلك مناصّ من المواجهة بين الطرفين، فحشد داريوس جيشًا أكبر من السابق وقبع في سهل دجلة ينتظر الإسكندر. ولكنه ورغم تفوق الفرس وامتياز موقعهم، إلاّ أن الإسكندر ألحق بهم هزيمة كبرى بعد مذبحة رهيبة، وعلى اثر ذلك خضعت أغلب الإمبراطورية له. وواصل زحفه خلف داريوس الهارب، والذي لجأ أخيرًا إلى "بيسوس" حاكم بكتريا يختبىء لديه، غير أن الأخير قتله إمًا تملقًا للاسكندر أو خوفًا منه، ولكن الإسكندر قتله بدوره بعد أن قام بحملة لاحتلال بلاده!! خلال الفترة من 331 - 325 ق.م (وهي الآن ايران وأفغانستان وكاذاخستان واسيا الوسطى ووادي الاندوس). فتوحاته الأخرى: يرد في العدد الأول من هذا الأصحاح أن الإسكندر ابتدأ باليونان، وتجدر الاشارة إلى أن اليونان هنا ليست بحصر المعنى، لأن كلمة "ياوان" في العبرية والتي تعني اليونان كما سبق (إشعياء 66: 19 و حزقيال 27: 13) تدل على بلاد أيونيا في آسية الصغرى، وهكذا وكما سيجىء فإن الإسكندر بعد الموقعة الأولى مع داريوس اتجه للاستيلاء على بقية آسيا أولًا. ففي مسيره جنوبًا متجهًا إلى مصر احتلّ كل ما في طريقه، وأما مصر فقد استقبلته بالترحاب، وأعجب هناك الإسكندر بساحل البحر المتوسط وجزيرة فاروس، فقرر لوقته تأسيس عاصمة لملكه هناك، فأقام ميناء الإسكندرية مقابل جزيرة فاروس، أي بين بحيرة مريوط والبحر المتوسط، وهي المدينة التي صارت بعد ذلك عاصمة للحكام البطالمة. وبينما كان الإسكندر يزور معابد مصر، قام كهنة معبد آمون بتتويجه "ابنًا للإله آمون" وكانوا يقصدون بذلك أن ينادوا به ملكًا شرعيًا، غير أنه اعتبر ذلك إضفاء روح الألوهية عليه (على غرار أبطال هوميروس في الألياذه والأوديسا) ومن ثمّ ظهرت عملة للإسكندر وهو متوّج بقرن كبش مثل " آمون رع ". ويذكر الرابي " كاهانا في تعليقاته على سفري المكابيين (نقلًا عن الفيلسوف كاليستينوس وآخرين) أن الإسكندر ألّه نفسه بعد انتصاره على داريوس. فقد أرسل إلى جميع البلاد في سنة 323 ق.م. يطالبهم باعتباره ابنا ل "زيوس"، وقد أفاده ذلك كثيرا خلال فتوحاته إذ تخلّت بلاد أخرى كثيرة عن مقاومته. وقال أهل اسبرطة متعجبين: " فليكن الإسكندر إلهًا إذا شاء!".(1) أمّا الملوك والسلاطين المشار إليهم في(آية 4) فالأرجح أنهم حكام ثانويين خاضعين لملك فارس (راجع مزمور 2: 2 و76: 13) إذ حمل ملوك بابل وفارس لقب: ملك الملوك (راجع عزرا 7: 12 و حزقيال 26: 7)(2). وفي إطار رغبته الجامحة في المزيد من الفتوحات، قرر الإسكندر غزو الشرق الأقصى، وفي طريقه وعند أحد روافد نهر السند تذمّر الجنود بسبب طول الغربة وأجبروه على العودة، وفي طريق عودته إلى بابل عاصمة ملكه، انتابته حمى الملاريا فمات على إثرها، بسبب الإفراط في الطعام والشراب، وقيل مات مسمومًا بيد واحدًا من حاشيته، وكان عمره وقتئذ لا يتجاوز الثالثة والثلاثين. وهكذا كانت وفاته في مساء 10 يونيو سنة 323 ق.م. ولكن خبر وفاته ُاخفى عن الجنود، أمّا الجسد فقد ُوضع في تابوت من الذهب وُغطى بالعسل الأبيض، وُحمل إلى مصر حيث دفن في الإسكندرية. ويقول بعض المؤرخين أن بطليموس المصري قررّ الاحتفاظ بجسد الإسكندر في مصر بعد ذلك. وقد ملك الإسكندر 12 سنة بدأت في صيف سنة 336 ق.م. تقييم الإسكندر: يعد الإسكندر من أعظم الفاتحين في التاريخ ما لم يكن أعظمهم، فقد حقق كافة الانتصارات في أقل من اثنى عشر عامًا، لاسيما وقد كان حجم قواته صغيرًا بالنسبة لقوات الفرس، (وان كان زادها بعد ذلك وطوّر نظم الادارة والضرائب، فلم يكن قائدًا عسكريًا فذًا فحسب، وانما سياسيًا محنكًا يجمع في شخصيته ما بين الرومانسية والواقعية مجيدًا لفنون السياسة والحرب، وقد كان يصبو إلى تكوين عالم جديد ذو ثقافة ولغة وعقيدة واحدة، يتساوي فيه دخل الفرد وحقوقه، فلا ُيستعبد بلد لآخر ولا يعانى بلد من الفقر والجهل مقارنة بالآخر. ولعل عمل الإسكندر وانجازاته من حيث نشر اللغة اليونانية والثقافة الهيلينية، كان له كبير الأثر على الكرازة بالإنجيل، لاسيما وقد ُكتبت أسفار العهد الجديد باليونانية، وهي لغة غنية بمفراداتها وقدرتها على التعبير أكثر من أية لغة أخرى(1). الآيات (6 - 9): يرد في هذه الفقرة رغبة الإسكندر في تقسيم الإمبراطورية، ويقول التاريخ أنه عندما ُسئل عمن يخلفه، أجاب بكبرياء بأنه لا يوجد من يستطيع حكم هذه الإمبراطورية المترامية الأطراف!! أي أنه ليس هناك من هو جدير بأن يملأ مكانه. ثم قال: " إلى أعظمكم قوّة " ورغم ادعاء اابعضأنه لم يرد في التاريخ أنه قسّم الإمبراطورية بين خلفائه، فإن ديودوروس الصقلي (18: 2) يقول ما نصه: "عند موت الإسكندر لم يستطع الكلام، فأخذ خاتمه وسلمه لبرديكاس رئيس خدمه وبهذا أعلن عن رغبته في أن يملك مكانه" كما أننا نستطيع الاعتماد على سفر المكابيين هنا كوثيقة تاريخية هامة، اعتمد عليها ثقات المؤرخين. فقد وقع الكثير من الخلافات والحروب بينهم.(1) فقد حدث العديد من الدسائس والمؤامرات ما بين سلوقس وأنتيغونوس وبطليموس وليسيماخوس، ثم عقدوا هدنة فيما بينهم لم تلبث أن انتهت فعادوا إلى الاقتتال من جديد، وبدأت سلسلة من الاغتيالات، حيث ُقتل ابن الإسكندر الأكبر وأمه، كما قَتل أنتيغونوس كليوباترا أخت الإسكندر وكثيرين آخرين، غير أنهم اتفقوا أخيرًا على تقسيم المملكة بينهم على النحو التالي: 1-ليسيماخوس: آسيا الصغرى حتى جبال طوروس، يضاف إلى ذلك "ثراكية". 2-سلوقس: سوريا الشمالية وما بين النهرين وما في شرقيها حتى الهند. 3-بطليموس: اليهودية وفينيقية (أى سوريا الجنوبية حتى عكا إلى مصر وما يليها). 4-كسندر:مقدونية، إضافة إلى ما يسترده من بلاد اليونان. لَبسَ كل منهم التاج (آية 9) بعد أن تقاتل الخلفاء المباشرون للاسكندر، امتنع خلفاؤهم عن لبس التيجان كملوك، وكان التاج عبارة عن شريط أبيض من القماش مزيّن الحافتين، يوضع حول الرأس كرمز للملكية. والكلمة اليونانية الواردة هنا (وملكوا) هي " إبيكراتيسان" وتعني أخذوا الملك بقوة وحرب. أمّا تاج الملك، فهو باليونانية " دياديما " وهو اسم يوناني لشريط أسود بدائرة أو إكليل أبيض وكان ملوك فارس يضعونه حول الشريط الذي يلف رأسهم(1) وفي سنة 306 ق.م. قام أنتيجونوس وابنه ديمتريوس، واللذان كانا مشتركين في حكم أجزاء كبيرة من اليونان وأسيا الصغرى وسوريا، بلبس التاج، وفي سنة 305 ق.م. استخدم بطليموس وسلوقس لقب ملك، مؤسسين الأسرة الحاكمة المستمرة والتي تعامل معها المكابيون. وبحكم موقعها فقد تأرجحت اليهودية ما بين الخضوع لسلطان السلوقيين إلى الخضوع لسلطان البطالمة في مصر، إلى أن حُسم الأمر سنة 198 ق.م. حين انتزعها أنطيوخس الثالث (الكبير) من البطالمة، حيث أصبحت منذ ذلك الوقت ولاية تابعة السلوقيين. أنطيوخس إبيفانس والحضارة الهيلينية مكابيين ثان 4: 7-17 10 وخرج منهم عرق أثيم هو أنطيوخس إبيفانس بن أنطيوخس الملك، وكان رهينة في روما، ثم ملك في السنة المئة والسابعة والثلاثين من مملكة اليونان. 11وفى تلك الأيام خرج من إسرائيل أبناء لا خير فيهم فأغروا كثيرين بقولهم: "هلموا نعقد عهدا مع الأمم التي حولنا، فإننا منذ انفصلنا عنهم لحقتنا شرور كثيرة". 12فحسن الكلام في عيونهم. 13وبادر بعض من الشعب وذهبوا إلى الملك، فأذن لهم أن يعملوا بأحكام الأمم. 14فبنوا مؤسسة رياضية بدنية في أورشليم على حسب سنن الأمم، وعملوا لأنفسهم قلفا وارتدّوا عن العهد المقدس واقترنوا بالأمم، وباعوا أنفسهم لعمل الشر. أنطيوخس إبيفانس الرابع: واسمه بالكامل باسيلاوس أنطيوخس ثيئوس إبيفانس نيكافور (215 - 163 ق.م.). أنطيوخس: إسم يوناني معناه "مقاوم" بينما إبيفانس يوناني أيضًا معناه "الظاهر" أو "المتجلى" وهو لقب فخري للآلهة الوثنية، أطلقه أنطيوخس على نفسه إذ كان يعتقد - كما سيجىء - أنه تجسُّد للإله " زيوس" على الأرض!، غير أن أعداءه أطلقوا عليه اسم "أبيمانوس" ويعنى "المجنون".! لم تكن عادة الملوك السلوقيين اطلاق صفات خاصة لهم ولكنهم اقتبسوها من الملوك البطالمة المصريون، كتب كل من بوليبييوس وهو كاتب معاصر لهذه الأحداث، وديودوروس الصقلي وليبيوس وصفوه بالآتي: " المتقلب في سلوكه وأعماله " ويذكر يوسيفوس أنه كتب على تيجان ملكه وخواتم يديه (ثيئوس) أي الله (1). وأحيانا نيكيفوروس "أي الجبار" وكا ن تاجه يحمل لقب الألوهية في المنتصف وله قرنان (كعادة الآلهة السورية الكنعانية وأشهرهم بعل قرنايم) وباللا تينية corona radiata، وهو الوصف الذي أطلقه عليه السامريون حين طلبو منه أن لا يسلمهم كقربان لليهود وكتبوا له في مقدمة رسالتهم ما نصه الآتي: " للملك أنطيوحوس، الله الظاهر، من الصيدونيون .....)(2). وهو ابن أنطيوخس الثالث الكبير والذي اضطر لتسليمه إلى الرومان كرهينة، وذلك ضمن اتفاقية هدنة بين الطرفين، فظل هناك لمدة 14 سنة بدأت في 198 ق.م. ويجيء ترتيبه بين أبناء أنطيوخس: الثالث والأخ الأصغر لسلوقس الرابع. جدير بالذكر أن عائلة السلوقيين تحتوى على ثلاثة عشر شخصًا باسم أنطيوخس، منهم احدى عشر شخصية شغلت كرسي المملكة تراوحت ما بين القوة والضعف والأهمية والهامشية. وبينما ُُيعد أنطيوخس الثالث المعروف بالكبير أشهرهم وأشدهم تأثيرًا، نجد أن أنطيوخس الرابع هو الذي دخل أبواب التاريخ اليهودي، ولكن من باب الكراهية والاضطهاد، حتى أنهم يوسمونه بأسوأ الصفات. في عام 176 ق.م. ُاطلق سراح أنطيوخس الرابع ليحل محله ديمتريوس الأول (وهو الابن الثاني لسلوقس الرابع): كرهينة، وفي أثينا تم تعيينه رئيسًا للقضاة، وفي سنة 175 ق.م.(1) تولّى الملك مكان سلوقس أخيه (الذي مات في 3 سبتمبر). على الرغم من وجود وريثين شرعيين للعرش، هما: أنطيوخس الطفل الصغير ابن سلوقس، وديمتريوس الذي كان في ذلك الوقت رهينة في روما. يُقال أن هليودورس رئيس وزراء سلوقس والذي قتله، استولى على السلطة ونصّب أنطيوخس الصغير كملك صوري فقط، ولكن أنطيوخس إبيفانس كسب تأييد وعون حكام برغامس، والذين نقلوه إلى حدود الإمبراطورية السلوقية مزودين إياه بالرجال والعتاد، ثم توّجوه بتاج فدخلها ظافرًا. ومع أنه اهتمّ في البداية بالملك الصغير، إلاّ أنه أعدمه سنة 170 ق.م. لعب أنطيوخس إبيفانس دورًا خطيرًا في تاريخ اليهود خلال القرن الثاني قبل الميلاد، حيث خصته اليهود بقدر كبير من الكراهية بسبب تدنيسه لمقادسهم ومحاولته فرض الثقافة الهيلينية، هذا ويعد أنطيوخس إحدى الشخصيات المحورية في سفرى المكابيين. أنطيوخس الثالث (الكبير) 223 - 187 ق.م سلوقس الرابع (187 - 6/175) كليوباترا زوجة بطليموس الخامس أنطيوخس الرابع (إبيفانس) (6/175 - 4/163) ديمتريوس الأول (162 - 150) أنطيوخس الخامس (أوباطور) (4/163 - 162) اسكندر بالاس (153 - 145) ديمتريوس الثاني (145 - 140؟) (129 - 125) أنطيوخس السابع (9/138 - 129) أنطيوخس السادس (143؟ - 141؟) أبناء لا خير فيهم: هذا التعبير أصبح اصطلاحًا شائعًا بين اليهود آنذاك للدلالة على الشر، وتترجم هذه العبارة في السبعينية عادة ب"بنو بليعال". أمّا هذا اللفظ فقد جاء بالسبعينية هكذا (parano'moi ) أي: " أبناء من غير توراة .. خاطئون" وقد ورد هذا التعبير في (تثنية 13: 14) " قد خرج قوم لا خير فيهم (بحسب السبعينية) أما بحسب البيروتية: " قد خرج أناس بنو لئيم من وسطك". وورد نفس التعبير في (آية 34 من هذا الأصحاح) عند وصف الرجال الذين استعان بهم السلوقيون في الحامية المرابضة في أورشليم. وهكذا صار التعبير اسم علم له صلة بالشر، راجع أيضا تعبير آخر موازٍ هو: بليعار! (مزمور 18: 5)، راجع أيضًا (كورنثوس الثانية 6: 15). يطلق هذا الوصف في الآية (11) على الجماعة التي تجاوبت مع رغبة أنطيوخس وأتباعه في نشر الثقافة الهيلينية، وكان تجاوبهم بدافع مزدوج، فمن الجهة الأولى قد جلبوا على أنفسهم عداء السلوقيين لهم، ومن الجهة الأخرى وجدوا أنهم بمعاداتهم للسلوقيين، قد خسروا الكثير من المكاسب الثقافية والمدنية، حيث انقسمت اليهودية إلى فريقين، أحدهما مؤيد للاتجاه الهيلينى (وهو ما كان يعرف ب أبناء طوبيا) والآخر هم المحافظون (وهم الذين ُعرفوا بعد ذلك بالحسيديين). ويقول يوسيفوس في تاريخه أنه في ذلك الوقت (عند بداية الأزمة) ظهر حشد كبير من الخيول النارية في السماء وكأنها حرب وذلك لمدة أربعين يومًا، وكان في المدينة ثلاثة من الكهنة الأشرار هم (مياليس / شمعون / ألقيموس) وكان لكل منهم أتباعه من اليهود، وقد مضى أولئك الثلاثة إلى أنطيوخس في أنطاكية، حيث وشوا باخوتهم أنهم فرحون لما رأوا من خيول في السماء متهللين إذ في ذلك علامة على مقتل أنطيوخس! . ومن ثمّ اقترحوا عليه تعضيدهم لنشر الهيلينية في البلاد (1). وهذا هو المقصود ب(الآية13). وقد كانت رغبة أنطيوخس بالفعل أن يحقق الاستقرار السياسي والمالى فى مملكته ويقضى على الانقسامات السياسية فيها، ومن ثم فالسبيل إلى ذلك هو نشر الحضارة الهيلينية مع ثقافتها، وذلك من خلال برنامج ضخم، وقد رأى أن العقيدة هي الوسيلة الفعالة لتحقيق هذه الرغبة. فلما ذهب إليه الثلاثة صرّح لهم بالاضطلاع بهذا البرنامج الثقافى تحت رعايته، وهو ما عبّر عنه السفر بأنه أذن لهم أن يعملوا بأحكام (سنن الأمم، حيث تشير كلمة الأمم دائمًا إلى الوثنيين. من جهة أخرى فقد كان الأمر يحتاج إلى تصريح من الملك السلوقي، بسبب أن القانون الملكي كان يسير جنبًا إلى جنب مع الشريعة اليهودية، فقد جعل الملك ارتحتشتا Artaxerxes التوراه ُملزمة لجميع اليهود المقيمين في مملكته باقليم عبر الفرات بما فيه اليهودية، ومن المحتمل أن يكون الإسكندر قد أبقى الوضع كما هو، وبالتالي فقد جعل أنطيوخس الثالث التوراه - من جديد - شريعة البلاد بالنسبة لليهود، ولذا اضطر اليهود المتأغرقين إلى الحصول على ترخيص من الملك لتنفيذ برنامجهم. في هذا الإطار استطاع أحد هؤلاء الثلاثة المسمى يشوع، الاستيلاء على رئاسة الكهنوت برشوة ضخمة بلغت 350 قنطار فضة مضافًا إليها ثمانين أخرى، ثم خمسين من دخل آخر (انظر التعليق على 2 مكا 4: 7) وحينئذ أصدر الملك قرارًا بتعيينه. وقد حمل هذا القرار في طياته قرارًا آخر بعزل حونيا الثالث (شقيق يشوع!!) وهو الرجل المحبوب من الشعب، وبذلك تحول اسم "يشوع اليهودي" إلى "ياسون اليوناني". المؤسسة الرياضية: تعنى المؤسسة الرياضية اقامة مدارس لممارسة أنواع مختلفة من الألعاب الرياضية والمسابقات، مثل سباق الجرى (والذي عرف حديثًا ب: الماراثون) ورمى القرص (بيسبول) ورمى الرمح والملاكمة وألعاب الحظ (مثل النرد) ولعبة أخرى أشبه بالشطرنج، والفروسية وهي ألعاب بدنية، يضاف إليها العزف على الآلات الموسيقية. ولكن الملعب أو الاستاد (المدرسة) Gymnesium كان من معالم الحضارة اليونانية في العالم الهيليني، فلم يكن للألعاب البدنية فحسب، بل للتعليم المدني والأدبي أيضًا (1). اللفظة اليونانية " gumna'sion " لا يوجد في اللغة العبرية مفهوم يطابق ما تحمله من معنى، وقد استخدم اليهود عدة ألفاظ تصف ما يحدث فيه مثل: " بيت العاريين، بيت للدعاية و نشر الأفكار" وفي الترجمات الآرامية القديمة للسفر الواردة في التلمود ترجموها هكذا: استاديون، وهي من الكلمة اليونانية ستاديون stadion أي ساحة للألعاب الرياضية، كما استخدمت هذه الكلمة في التلمود، راجع وصف يوسيفوس للجمنازيوم (الآثار اليهودية 12: 5) وكان الجيمنازيوم ساحة دائرية محاطة بسور وبجانبها غرف لتغيير الملابس وللاستحمام . وكانت الساحة الدائرية مزدانة بتماثيل الآلهة وخاصة هرمس وهرقل، ويحيط بها أماكن للجلوس. وما تزال الكثير من الألعاب اليونانية خالدة حتى اليوم فيما يسمّى بالألعاب الأوليمبية Olympic والتي كانت في العصر المكابى تقام مرة كل أربع سنوات على شرف الإله زيوس، وكان تمثال هذا الاله مقامًا في المكان الذي تجرى فيه المسابقات، ومايزال تمثال "رمى المطاث" أو "رمى القرص" والمعروف الآن ب"البيسبول" موجودًا كما هو منذ العصر اليوناني. ولكن هذه الألعاب أثرت تأثيرًا سلبيًا على أخلاق اليهود، إذ لم تكن مجرد رياضيات جسدية "نافعة لقليل" (تيموثاوس الأولى 4: 8) وإنما كانت تحمل في طياتها خطورة شديدة، وهي الاختلاط بالوثنيين (لاعبين ومتفرجين) مما أثر على أفكارهم، لاسيما وأن اليهود كانوا منعزلين حتى ذلك الوقت، كمجتمع مغلق على نفسه منذ عودتهم من السبى (بسبب ما كان هناك من اختلاط بالوثنيين وحضارتهم). وكان من شأن هذه الألعاب والدراسات والمسابقات أن تكسر هذا الطوق المضروب حولهم، لاسيما وأن هذه الممارسات مرتبطة بالآلهة الوثنية من حيث الشكل والمضمون. فمن جهة الشكل كانت تتم على شرف الاله زيوس في اليهودية مثلا، وما يصاحب ذلك من ممارسات وايماءات تعبدية له من بخور وذكر اسمه.. إلخ، وأما من جهة المضمون فهو الفكر الهيلينى نفسه. صنعوا لهم ُقلفًا: كانت بعض تلك الألعاب في الدورة الأولمبية، يمارسها اللاعبون وهم عرايا تمامًا، فكان اليهود المشتركون فيها يجدون حرجًا شديدًا بسبب الختان، والذي لم يكن معروفًا بين اليونانيين، لاسيما وقد كانوا يرون أنه تشويه جسدي لا مبرر له، وبالتالي فقد كانوا يسخرون من المختونين. مما دفع أولئك اللاعبين اليهود إلى عمل جراحة يخفون بها الختان، وقد كان ذلك يحمل في طياته استخفاف اللاعب بقيمة عظمى تكمن في الختان والذي كان يساوى اليهودية كلها!! (راجع تكوين 17: 9-14) وهكذا كان ذلك السلوك: (على حسب سنن الأمم آية 14) ينطوى على خطورة أخلاقية ناجمة عن المذهب الجديد. وكان ذلك بداية الأزمة التي ستنشأ في اليهودية ما بين اليهود والسلوقيين. ترجمت لفظة "غرلة" للآرامية ب (غرل) وهي مطابقة تماما للمصطلح التلمودي الوارد في (يباموت 72: 1): " أن الأغرل يجب أن يختن "، و(سنهدرين 44: 11) في قوله: " ختنوا غرلتهم " والكلمة الآرامية هي (عورلوتا)(1). إلى ذلك يشير كتاب ميثاق موسى (وصية موسى) من كتابات قمران Qumran: "سيحرض ضدهم ملك ملوك الأرض والذي سيصلب الذين يعترفون بختانهم .. وسيعالج أطفالهم أطباء أطفال سيعيدون لهم القلف" (8: 1و3)(2). وقد حذر الكتاب من مثل هذه الممارسات الوثنية، والتي ينتج عنها الخراب والسبي (تثنية 4: 25-28) كما نجد في موضع آخر أن " العهد" الذي يسمح بالتعامل بحرية مع الأمم المحيطة، كان يعتبر مدخلًا لعبادة آلهة تلك الأمم (خروج 34: 15-16 و تثنية 7: 2-4) لذلك كان الأمر الإلهي لليهود بالانفصال التام عن الأمم السبع الساكنين في أرض الموعد (خروج 23: 32 و34: 12-16 و تثنية 7: 1-4). كما أن ممارسات وعادات الأمم في (الآيتين 14و15) هنا، تذكرنا بما نقرأه في (لاويين 18: 3 و ملوك ثان 17: 8) فإن الذين يقبلون التشبّه باليونانيين ستكون خطيتهم كبيرة، مثلها مثل عبادة الأوثان والزنا والانحراف، كذلك فإن تعبير اقترنوا بالأمم (آية 15) نجد له نظيرًا في سفر العدد، حيث يشير إلى مصاهرة الوثنيين. فيرد تعبير "على سنن الأمم" في السبعينية هكذا " kai 'ezeugisqhsan " والذي يعني: " أصبحوا في علاقات مزدوجة مع الأمم " راجع (سفرالعدد 25: 3- 5) وفي العصر الرسولي كانت الكنيسة تشترط علىالراغبين في الانضمام إلى الكنيسة، التخلّي عن أية وظائف أو ممارسات وثنية وارتياد حلبات المصارعات وإدارة بيوت الدعارة أو ارتيادها، والتسرّي والسحر، وغيرها.(1) وفي المقابل فإنه كثيرا ما بدأ الانحراف والارتداد، بمجرد مشاركة بريئة في أنشطة رياضية أو اجتماعية، وكثيرا ما استخدمت الثقافة والمدنية في جذب الكثيرين بعيدا عن التدين، ولعله من المناسب هنا أن نشير إلى أن هناك الآن اتجاه شديد الخطورة، يهدف إلى ضمّ العالم كله تحت "ديانة عالمية" هي ديانة العقل واللذة والعلم المجرد، وبسبب سوء فهم البعض للدين ونتيجة للممارسات غير الناضجة والصحيحة لبعض المتدينين، يتشدّق الملحدون بأن سبب تخلّف بعض الشعوب يرجع إلى " تعاطي الدين". ومن ثمّ فإن هناك برامج عدّة منفذة الآن - في غفلة من الأكثرين- للتخلّص من الدين! وهو ما فعله من قبل أنطيوخس أبيفانيوس. وعلى الرغم من الفوائد الكثيرة للعلم، فكثيرا ما يتطاول العلماء على الله والدين وينسبون الكون والخلائق للصدفة بل ويؤلّهون الكون! وهكذا يعيد التاريخ نفسه. الحملة الأولى على مصر ونهب الهيكل مكابيين ثان 5: 1-21 25وكانت مناحة عظيمة في إسرائيل في كل أرضهم: 26انتحب الرؤساء والشيوخ وخارت قوى الفتيات الفتيان وتغير جمال النساء. 27وكل عريس أنشد مرثاة والمرأة الجالسة في غرفتها صارت في حداد. 28وُزلزلت الأرض بسبب سكانها وجميع بيت يعقوب لبسوا العار. بينما استتب الملك لأنطيوخس في سوريا في البداية، قرر بطليموس السادس فيلوماتور الصغير - بإيعاز من بولادس وليناوس الوصيان عليه- أن يستعيد السيطرة على جنوبي سورية بما فيها اليهودية، ليثأر للهزيمة التي مُنى بها أبوه في معركة بانياس، فلما ترامت هذه الأنباء إلى مسامع أنطيوخس، أعد جيشًا عظيمًا هاجم به مصر سنة 170/169 ق.م. فهزم بطليموس ثم اتجه إلى ممفيس حيث نصب نفسه هناك ملكًا على مصر، ثم عاد إلى الإسكندرية وحاصرها، وتركها بعد أن قسم المملكة بين بطليموس فيلوماتور وبطليموس يورجيتيس، وذلك بغرض العمل على تفككها، وهو ما يسمّى بالحرب السورية السادسة. وإلى ذلك يشير دانيال النبي بقوله "ويُنهضه قوته وقلبه على ملك الجنوب بجيش عظيم وملك الجنوب يتهيج إلى الحرب بجيش عظيم وقوى جدًا ولكنه لا يثبت لأنهم يدبرون عليه تدابير والآكلون أطايبه يكسرونه وجيشه يطمو ويسقط كثيرون قتلى، وهذان الملكان قلبهما لفعل الشر ويتكلمان بالكذب على مائدة واحدة ولا ينجح لأن الانتهاء يعد إلى ميعاد" (دانيال 11: 25 - 27). راجع أيضًا (2 مكا 5: 1). اشتراك الفيلة في المعارك: عُرفت الأفيال منذ زمن بعيد كحاملة للجنود والعتاد، ولربما كانت الهند هي أول من عرف ذلك، نظرا لتوافرها هناك بكثرة، بينما كانت "أفاميا" مركز تدريب الأفيال الحربية، وقد استخدم العرب الأفيال في الحروب مثلهم في ذلك مثل شعوب أخرى، مثل السلوقيين في حروبهم مع المكابيين، وكان يثبت فوق الفيل صندوق ضخم من الخشب يسع لحوالي عشرة من الجنود مع أسلحتهم، ومع أن الافيال كانت صيدًا سهلًا للرماة في المعارك، إلاّ أنه كانت لها ميزة خاصة وهي أن الخيول المستخدمة في الحروب كانت تنفر من رائحة الأفيال، فتضطرب وتهرب حالما تراها، ولذلك فقد كانت الأفيال توضع في مقدمة الجيش، مما يحدث اضطرابًا في صفوف الأعداء، كما كان يُقدم لها عصير التوت الأحمرقبل البدء في القتال، ربما من أجل اثارتها وجعلها أكثر عدوانية في الحرب. (وسيأتي الحديث عنها في الأصحاح السادس). عاد أنطيوخس من مصر بعد أن جمع منها الكثير من المال والغنائم، حيث كان في أشد الحاجة إلى ذلك بسبب الجزية الثقيلة التي تركها أبوه لصالح الرومان، في اطار شروط الصلح بعد معركة مغنيسيا (أباميا) سنة 198 ق.م. ولعل ذلك هو السبب أيضًا وراء استيلائه على كنوز الهيكل، حيث يوجد ما لا يحصى من المال والهبات، من مشغولات ذهبية ومجوهرات، ولم يكتف بذلك بل استولى على أدوات الخدمة الهيكلية: مثل منارة الذهب والمجامر وصفائح الذهب التي تغشى زخارف الهيكل.(1) هكذا أساء الملك إلى المكان والسكان، حيث أن المقصود بكلمتي إسرائيل وأورشليم في(آية 20) هو الشعب والمدينة(2) وقد جرى ذلك في طريق عودته إلى مقر ملكه في أنطاكية، إذ سمع بحدوث اضطرابات في اليهودية، وأن أحدهم ويدعى منلاوس قد سرق بعض مقتنيات الهيكل مما أثار حفيظة الشعب ضده، وقد أقدم منلاوس على ذلك بعد سماعه أنباءا عن مقتل أنطيوخس في مصر، فلما وصل الأخير ووقف على ما حدث، رأى بمكر أنه أولى بكنوز الهيكل فقام بنهبه، والعجيب أنه نهبه بمساعدة منلاوس!! بل وانتقم من اليهود الذين ثاروا لذلك، كما سيجىء في تفسير (2 مكا 5)، ومضى أنطيوخس في طريقه إلى أنطاكية بعد أن ترك المدينة تحت قيادة أحد رجاله يدعى "فيليب الفريجى" (2 مكا 5: 18 - 22). وقد ُعثر على لوح من بابل مكتوب بالكتابة المخروطية، ويرجع تاريخه إلى ما بين 18 أغسطس و 16 سبتمبر سنة 169 ق.م. وُتذكر فيه انتصارات أنطيوخس في مصر باعتبارها خبر الساعة، ولذلك فإن نهب أورشليم من المحتمل أنه حدث في سبتمبر أو أوائل أكتوبر.(1) جدير بالذكر أن منطقة اليهودية كانت حساسة جدًا، من السهل اشتعال الفتن والثورات والتمردات فيها، حتى لقد أولاها الرومان فيما بعد ذلك عناية خاصة، وكذلك مصر، بسبب أن مصر كانت تمد الإمبراطورية بربع احتياجها من القمح، وكان كل من والي مصر واليهودية يعيّنان بمعرفة الإمبراطور رأسًا. الحروب السورية الحروب السورية البطلمية: دارت ما بين السلوقيين والبطالمة خمسة حروب، خلال القرن الثالث ق.م. بسبب الصراع على جنوب سوريا. الأولى: (سنة 274-271) وفيها انتزع بطليموس الثاني من السلوقيين فينيقية ومعظم الأناضول وجزر سيكليدس. الثانية: (260- 255/253) وفيها قام أنطيوخس الثاني بالتحالف مع ملك مقدونية، باستعادة فينيقية والأناضول. الثالثة: وتسمى "حرب لادوقيا (245-241) اضطر سلوقس الثاني للتنازل لأنطيوخس الثالث عن كثير من الأراضي السورية، وفي 221 قام الأخير بحملة ناجحة لاستعادة قوة وأراضي المملكة السلوقية، ولكنه فشل في احتلال مصر. وأما الرابعة: (219-217) وبدأها أنطيوخس الثالث، واضطر فيها للتنازل عن سوريا الجوفاء لبطليموس الرابع. وأما الخامسة: (202-200) وفيها انتزع السلوقيين سوريا الجوفاء، وانتهج السلوقيين سياسة الأغرقة والتي بسببها قامت الثورة المكابية لاحقا. ونتيجة لتلك الحروب المستمرة ضعفت الدول اليونانية ووقعت تحت تأثير روما، في القرنين الثاني والأول قبل الميلاد (1). مناحة في إسرائيل (26 - 28): "مال الأقداس للأقداس" هكذا كان اليهود يردّدون دائمًا، إذا ما تطرق الحديث إلى أموال الهيكل، أو أراد أحد الحكام: سواء من اليهود أو الأجانب مد يده إلى كنوز الهيكل، وقد حدث في أيام بيلاطس أن تظاهر يهود الجليل في عيد الفصح داخل الهيكل، بسبب سماعهم أنه استولى على تبرعات يهود بابل وهي في طريقها للهيكل، ولكن بيلاطس أقمع المتظاهرين بالقوة وقتل كثيرين منهم وخلط دمهم بذبائحهم (لوقا 13: 1). ولمعرفة مقدار ما نهب من الهيكل، يمكن الرجوع إلى ما صنعه سليمان من أواني وملحقات ذهبية (ملوك أول 7: 48 - 50) لنكتشف أنه شيء يفوق الوصف والتقدير، وقد استولى نبوخذ نصر من قبل على مثل هذه الكنوز (أخبار الأيام الثاني 36: 7) وهي التي أعادها ثانية كورش الملك (عزرا 1: 7 و 5: 14). وقد حمل أنطيوخس معه ألف وثمانمائة قنطار(1). الحجاب (آية 22): ورد في كل من المصادر اليهودية والوثنية أن أبيفانس أهدى الحجاب الفاصل بين القدس وقدس الأقداس لهيكل زيوس الأوليمبي، فذكر فيسنياس (عاش في القرن الثاني): "حجاب هيكل زيوس الأوليمبي كان من قدس أقداس اليهود" وكان الحجاب يشابه لحد كبير حجاب هيكل أرطاميس في أفسس، كما أخذ الحجاب الذي عمل بعد هذا - أي في الهيكل الثاني - إلى روما(2). فقد ورد في التلمود ما نصه الآتي: عن رابي إليعازار عن رابي يوسي أنه قال: "لقد رأيته في روما ورأيت عليه دم الذبائح الخاصة بيوم الكفارة ". في وصفه للمناحة يرتفع كاتب السفر عن مستوى النثر إلى الشعر، وهو ما يرد أيضا في بعض أجزاء من العهد القديم، لاسيما المزمور التاسع والسبعون، وهذا المزمور بالذات ُيحتمل أن يكون قد ُكتب في نفس فترة المكابيين، وربما يكون إشارة إلى صراعهم أيضًا (اللهم إن الأمم قد دخلوا ميراثك. نجسوا هيكل قدسك. جعلوا أورشليم أكواما.. مز 79: 1)(1). وربما شعروا وقتئذ أن تلك الأحداث هي تحقيق لما ورد في (يوئيل 2: 6، 7-11). ورغم أنه خليق باليهود وقتئذ البكاء على خطاياهم، إلاّ أنه لم يكن هناك فاصل ما بين حياتهم الدينية والقومية والشخصية، فقد كانت هذه الدوائر جميعها متداخلة، ففي أحلك الظروف سعى اليهود للاحتفاظ بحريتهم الدينية، كما كان الهيكل هو محور حياتهم، وعند احتراقه في سنة 70م. ألقى مئات منهم بأنفسهم في النار، ليموتوا مع آخر أمل تبقى لهم ... فها هوذا الفتيان والفتيات - إزاء نهب أنطيوخس للهيكل - يشعرون بالمصيبة رغم حداثة سنهم، وهوذا العرسان والعرائس يتخلون عن سعادتهم متفاعلين مع نكبة الهيكل، بل أن اليهود شعروا بأن الأرض نفسها قد تزلزلت نتيجة ما حدث، أي أن الطبيعة نفسها قد احتجّت على نهب الهيكل.. "ولحق العار بكل أورشليم"... وقد ُنظر إلى أبولونيوس هنا باعتباره " قضيب غضب الله" الذي ُينزل العقاب عن خطايا المتأغرقين (آية 28 .. وُزلزلت الأرض ..) قارن مع (2مكا 4: 16،17). غير أن سلوكه تجاوز عصا التأديب إلى اقتراف الجرائم، ولذلك فإن أنطيوخس كان سُيعاقب حسبما تنبأ إشعياء في (10: 5-27) إذ يعتبر ملوك أشور هم الملوك السلوقيين ( AssyriaِSyria = ) نظرا إلى أن مملكتهم شملت كغلب مناطق أشور. وكان اليهود يعتبرون أن من يدخل المقدس يقترف خطية عظيمة (2مكا 5: 15-21 و مراثي 1: 10 و حزقيال 44: 7-9). أبولونيوس في أورشليم وبناء القلعة مكابيين ثان 5: 24-26 29وبعد سنتين، أرسل الملك رئيس الجزية إلى مدن يهوذا، فوفد على أورشليم في جيش عظيم.30وخاطبهم خطاب سلام مكرا فوثقوا به، ثم هجم على المدينة فجأة وضربها ضربة شديدة وأهلك شعبًا كثيرا من إسرائيل. 31وسلب غنائم المدينة وأحرقها بالنار وهدم بيوتها وأسوارها المحيطة بها. 32وسبوا النساء والأولاد واستولوا على المواشى. 33وأعادوا بناء مدينة داود، فبنوا سورا عظيما متينا وبروجا حصينة، فصارت قلعة لهم. 34وجعلوا هناك أمة أثيمة من رجال لا خير فيهم، فتحصنوا فيها. 35ووضعوا فيها السلاح والطعام، وجمعوا غنائم أورشليم ووضعوها هناك وصارت فخا عظيما. 36وكان ذلك مكمنا للمقدس وخصمًا مؤذيا لإسرائيل على الدوام. 37فسفكوا الدم الزكى حول المقدس ونجسوا المقدس. 38فهرب أهل أورشليم بسببهم فأمست جالية غرباءوصارت غريبة للمولودين فيها وأبناؤها هجروها. 39وُدمر مقدسها كالقفر وُحولت أعيادها إلى حزن وسبوتها إلى عار وكرامتها إلى احتقار 40 وعلى قدر مجدها كثر ذلها وانقلبت رفعتها حزنا. رئيس الجزية المشار إليه هنا هو أبولونيوس بن مسنتاؤس، المذكور في (2مكا 5: 24-26) وهو من "ميسيا" عمل كقائد للمرتزقة، قبل أن يعينه أنطيوخس رئيس وزراءه (راجع 2 مكا 4: 21) وكان هو المسئول - فيما يبدو - عن تحصيل الجزية في كافة أنحاء المملكة.(1) ففي حملة أنطيوخس الثانية البرية والبحرية على مصر في ربيع سنة 168 ق.م. وانتصاره على بطليموس، توغّل أنطيوخس في مصر، وكان قد منع جنوده من قتل أي مصري، مما جعل جميع المدن تستسلم له فيما عدا الإسكندرية، والتى وبينما كان يحاول اخضاعها وصل ممثل روما "بوبليوس ليناس" وسلمه إنذارا من مجلس الشيوخ الروماني بترك مصر فورًا (2) فأذعن ورجع عن مصر حزينًا. وهو ما أشار إليه دانيال النبي "فيرجع إلى أرضه بغنى جزيل وقلبه على العهد المقدس" فيعمل ويرجع إلى أرضه، وفي الميعاد يعود ويدخل الجنوب ولكن لا يكون الآخر كالأول، فتأتى عليه سفن من كتيم فييئس ويرجع ويغتاظ على العهد المقدس ويعمل ويرجع ويصغى إلى الذين تركوا العهد المقدس" (دانيال 11: 28 - 30). والغنى الجزيل المقصود هنا هو ما جمعه من أموال مصر، وأما العهد المقدس فهو الهيكل، والآخر الذي ليس كالأول هو فشله في المرة الثانية لغزو مصر بسبب تهديد الرومان المشار إليهم ب"كتيم" كما سبق الشرح، وأماّ الذين سيصغى إليهم ممن تركوا العهد المقدس فهم الفريق اليهودي الذي اعتنق الهيلينية. وبعد عودته من مصر أرسل أبولونيوس هذا على رأس جيش كبير ليؤكد سلطته على أورشليم،(1) غير أنه خدعهم أولًا حتى إذا ما اطمأنوا إليه، انتشر في البلاد دون مقاومة حيث بدأ في مهاجمة الحصون والمدن، واضعًا يديه على موارد البلاد كما سبى النساء والمواشى، ولم يعد ثانية بجيشه وإنما عزز الوجود السلوقى في أورشليم، وذلك من خلال إنشاء قلعة لهم مقابل الهيكل. ولذلك فربما كان الهدف من حملة أبولونيوس هو الاستيلاء على اليهودية، وتحويلها إلى أرض تابعة للملك "chore basilike" فإنه وأن لم تكن حتى ذلك الوقت، مدينة لها امتيازات كاملة كما للمدن اليونانية (polis) إلاّ أنها كانت أرضًا لها امتيازات أمة " شعب/ethnos" ومركز حضري رئيسي لشعب ذو امتيازات. وكان الُحكم السلوقي في ذلك الوقت قد بدأ في فرض الضرائب الباهظة على اليهودية (1مكا 10: 30) قارن مع (11: 34) ولم ُيسم السلوقيين اليهود " شعبًا مستقلا، إلاّ في أيام أنطيوخس الخامس وذلك في رسالته سنة 162 ق.م. (2مكا 11: 25) رغم أن الرومان عندما خاطبوا اليهود قد منحوهم هذا اللقب تقريبًا (2مكا 11: 34). مدينة داود: هي القلعة التي بناها السلوقيون لهم وزودوها بالأبراج والأسلحة والعتاد والأطعمة، وأصبحت حامية سلوقية في أورشليم يسكن فيها الجنود السوريون مع اليهود الهيلينيين، وكانت هذه القلعة سبب تنغيص شديد لليهود، حيث كانت تطل على الهيكل وتكشف بالتالي جميع ما يدور فيه من خدمات، وكثيرًا ما كان الجنود السلوقيين ينزلون منها ليلحقوا الأذى بمن في الهيكل، أو لفض المنازعات والقضاء على الشغب، وهي تشبه القلعة التي انشأها هيرودس الكبير ملاصقة للهيكل وتسمى "قلعة أنطونيا" والتي اعتبرها اليهود غلطة معمارية.!! أما الحصن الذي أقامه أبولونيوس هنا، فيسمى "عكرة" والمعروف في أغلب الترجمات ب"أكرا" (Akra كلمة ترادفAcropolic والتي تعني قلعة مبنية على تل منحدر ُيشرف على مدينة) وسوف يُشار إلى ذلك الحصن كثيرًا في الحملات العسكرية التالية، وأما عن موقعه فهو غير معروف بالضبط (1)، غير أن الرأي الشائع، أنه كان مجاور للهيكل (4: 41) وبالتحديد عند الطرف الجنوبي الغربي، وتُعرف مدينة داود دائمًا بأنها الرابية الغربية الكبيرة، كماتعرف أيضًا بأنها "منطقة جبل صهيون" وأن كان السفر يفرّق بين الاثنين في (7: 32). ُانظر خريطة رقم (1). إلاّ أن الكتاب المقدس وكذلك علم الآثار والحفريات، ُيشير جميعها إلى أن مدينة داود كانت على أرض منخفضة جنوب الهيكل (ملوك أول 8: 1 ونحميا 3: 15)، وبذلك فإن كل من الهيكل ومدينة داود يقعان على التل الشرقي (أحد التلين اللذين ُبنيت عليهما أورشليم) ولا ُتوجد أرض عالية ُتطل على الهيكل إلاّ من جهة الشمال، وبالتحديد في الجنوب الغربي عبر وادي تروبيون Tyropion. ويرى كثير من الدارسين أن قلعة "عكرة"، كانت تقع على التل الغربي الذي كان قد أصبح ُيسمى "مدينة داود" في الحقبة المكابية، بينما اقترح آخرون أن تكون في الطرف الشمالي للتل الشرقي. وفي عصر لاحق امتدت الأسوار الجديدة والمباني واتسعت المساحة التي اُطلق عليها "مدينة داود" (1مكا 14: 42) بل أنه من الحتمل أن يكون السور الذي امتدّ لاحقًا ليشمل المنطقة كلها قد ُاقيم على أساس هذا التقليد.! كما ُيلاحظ أن كلمتي "قلعة" و"مدينة داود" قد استخدما بالتبادل أكثر من مرة حسبما يكون النصّ. كذلك فإن كلمة "عكرة Acra " قد ُاطلقت على الكثير من التحصينات راجع (صموئيل ثان 5: 9 "يوناني" و ملوك أول 2: 35 "نص سكندري" و10: 22/أ "فاتيكاني"). بدليل التأكيد الوارد في (1مكا 1: 33-35 /3: 45 /10: 32 /14: 36 / 15: 28 و2مكا 15: 31: 35).. وغيرها: "القلعة التي في أورشليم". وهكذا باحتلال اليهودية جعلها أبولونيوس قرية " غير مسوّرة " تابعة للجنود السلوقيين في القلعة، وكأنها مستعمرة لمواطني أنطيوخس، ُيؤكد ذلك الكلمة الواردة في هذا السفر: Katikia والتي تعني مستعمرة. وعن أولئك الجنود تورد المشناه (قسم ميدوت Middot) أن اليونانيين (= السلوقيين) أحدثوا 13 ثغرة في السور الذي كان يمنع الأمم من الاقتراب إلى الهيكل. انظر خريطة رقم (1). مرثاة (36 - 40): مرة أخرى يتحوّل الكاتب من النثر إلى الشعر، ليصف المأساة الناجمة عن حملة أبولونيوس وإقامة حامية عسكرية وثنية في البلاد، فقد كانت الاعتداءات السابقة عبارة عن حملات عسكرية خاطفة أو طويلة، ما أن تحقق غرضها حتى تعود أدراجها من حيث جاءت، بعكس هذه المرة والتي يتأكد فيها الوجود الوثني، من خلال المراقبة السلوقية للبلاد. هذه المرثاة تشبه ما ورد في (إرميا 4: 13 و مراثي 5: 1، 2،18 و1مكا 4: 38) وربما كان (مراثي 5) نبوءة عن اضطهادات انطيوخس! في المرثاة يشير الكاتب إلى "جرح" الحرية الدينية، بما في ذلك من تلصّص على الكهنة والخدمة في الهيكل، وما ينتج عن ذلك من اهانات صادرة عن الجنود الساكنين في الحصن المذكور، وكان ذلك هو بداية هجر الكثير من اليهود أورشليم إلى الجبال وأطراف البلاد، إذ شعروا بالغربة في وطنهم، ويبدو أن الوجود السلوقى بجوار الهيكل قد أثّر بشكل ما على العبادة في الهيكل، وقد كان ذلك تمهيدًا لكارثة إقامة الشعائر الوثنية في أورشليم ووقف الخدمة في الهيكل، وكما أشرنا سابقًا فقد كان الهيكل والليتورجية عند اليهود، يمثلان المحور الأول بين حياتهم. اقامة الشعائر الوثنية 41وكتب الملك أنطيوخس إلى مملكته كلها بأن يكونوا جميعا شعبا واحدًا 42ويتركوا كل واحد سننه، فأذعنت الأمم بأسرها لكلام الملك. 43وكثيرون من إسرائيل رحبوا بعبادته فذبحوا للأصنام واستباحوا حرمة السبت 44وأنفذ الملك كتبا عن أيدي رسل إلى أورشليم ومدن يهوذا أن يتبعوا سننا غريبة عن أرضهم، 45ويبعدوا المحرقات والذبيحة والسكيب عن المقدس ويستبيحوا حرمة السبوت والأعياد، 46وينجسوا المقدس والأقداس، 47ويبنوا مذابح وهياكل ومعابد للأصنام ويذبحوا الخنازير والحيوانات النجسة. 48ويتركوا بنيهم قلفا وينجسوا أنفسهم بكل نجاسة وقبيحة، 49كى ينسوا الشريعة ويغيروا جميع الأحكام.50ومن لا يعمل بمقتضى كلام الملك ُيقتل. 51وكتب بمثل هذا الكلام كله إلى مملكته بأسرها وأقام مراقبين على كل الشعب، وأمر مدن يهوذا بأن يذبحوا في كل مدينة. 52فانضم إليهم كثيرون من الشعب، كل من نبذ الشريعة، فصنعوا الشر في تلك الأرض.53وألجأوا إسرائيل إلى المخابيء في كل مكان فروا إليه. وقد كان أمره ببناء المذابح والهياكل مخالفة صريحة للشريعة والتي تأمر بوجود المذابح في الهيكل فقط وفي الوقت ذاته هو هيكل واحد فقط (تثنية 12: 5-29) ولذلك يأمر أنطيوخس بأن تقام المذابح في كل مدينة (آية 51) ليؤكد على هذا المعنى، فالكلمة اليونانية المستخدمة هنا هي: bomosوتعني مذبح غير شرعي (هوشع 10: 8 و عاموس 7: 9)(1). وبموجب هذا الميثاق من قبل أنطيوخس إبيفانس، أصبح التمسك بالشريعة والعبادة اليهودية، مخالفة صريحة لدستور المملكة تستحق القتل، ومن هنا نشأ الاضطهاد السلوقى لليهود، وظل اليهود يعانون أشد المعاناة، ولم يُنقض هذا الميثاق (المرسوم) إلاّ من خلال خليفته أنطيوخس الخامس، والذي أعاد لليهود الحرية الدينية من جديد (1 مكا 6: 57 - 71 و 2 مكا 11: 22 - 26). كان أنطيوخس في الواقع وبمهارة شيطانية يضرب بذلك أعمدة اليهودية نفسها: الهيكل والسبت والختان والطقوس والتي كانت في الواقع -ضمانًا يحمى هذه العبادة - وفرض لحم الخنزير، والذي كان ُيفزع اليهود ليس فقط لأن الشريعة تنهي عنه (لاويين 11: 7 و تثنية 14: 8) بل أيضًا بسسب التقاليد المتوارثة عنه، وكثيرًا ما يمتنع التلمود عن ذكر اسم الخنزير، بل يستخدم رموزًا له تدل على الكراهية، وكذلك بدائلا للاسم مثل "شيء آخر" راجع (أمثال 11: 22 و إشعياء 65: 4 و 16: 3، 17 و متى 7: 16) وكان تقديم الخنزير كقربان، أمر شائع لدى الأمم القديمة في منطقة الهلال الخصيب (هيرودوت Herodotus 2: 57). وقد نظر السلوقيين إلى الشريعة باعتبارها كتاب يحرّض على مقاومة الملك وعباداته، مما يعوق مسيرة التغيير التي يقودها، وبالتالي فإن امتلاك نسخة من التوراه ُيعتبر في حد ذاته عملًا من أعمال التمرد (آية 56) وكان هذا الإجراء شائعًا في العالم القديم ضدّ الكتابات التي ُتعتبر مضادة للحاكم والحكومة (إرميا 36)(1). ففي الشق الأول ُمنع الختان، وعوقب بالقتل كل من المختون ثم الذي أجرى الختان بل ومَن سعى في اجرائه (الأم مثلًا)، وقد ذكر السفر حادثة تؤيد ذلك (2 مكا 6: 10) وكان الختان على وجه الخصوص يعنى "الانتماء ليهوه". وكذلك ُمنعت الاحتفالات التي كانت تقام للسبت (اليوم الأسبوعى للشعائر) سواء أكان ذلك في الهيكل بأورشليم أو بالمجامع في مختلف القرى والبلاد، ثم مُنعت الذبيحة اليومية في الهيكل وهو ما يعتبر بحد ذاته كارثة بالنسبة لليهود، إذ أن وقف الذبيحة يعنى تخلى الله عنهم وتخليهم هم في المقابل عن واجباتهم من نحوه. وُيلاحظ أن قرار أنطيوخس لم ُيشر إلى ذبائح السلامة والخطية، وانما المحرقات والذبيحة والسكائب، وهذه التقدمات الثلاث هي التي تمثل الخدمة اليومية المستمرة (سفر العدد 28: 3-8). هذا وُيورد يوسيفوس نصّ خطاب من أنطيوخس يعفي السامريين من الاضطهاد، حيث يرد أن السامريين قدّموا التماسا إلى أنطيوخس ألاّ يعتبرهم مثل اليهود حتى وأن كانت هناك بينهم صلة قربى(1). وفي المقابل أمر بتقديم الذبائح للإله زيوس في القرى والمدن فماذا كان يعنى ذلك.؟ شناعة الخراب على مذبح المحرقات 54وفى اليوم الخامس عشر من كسلو في السنة المئة والخامسة والأربعين، بنى الملك شناعة الخراب على مذبح المحرقات، وبنوا مذابح في مدن يهوذا من كل ناحية 55وكانوا يحرقون البخور على أبواب البيوت وفي الساحات. 56وما وجدوه من أسفار الشريعة مزقوه وأحرقوه بالنار. 57وكل من ُوجد عنده سفر من العهد أو اتبع الشريعة، كان يقتل بأمر الملك. 58وكانوا يعملون قوتهم شهرا بعد شهر في جميع الإسرائيليين المأخوذين في المخالفة في المدن. 59وفى اليوم الخامس والعشرين من كل شهر، كانوا يذبحون على المذبح الذي فوق مذبح المحرقات 60وكانوا، بمقتضى الأمر الصادر، يقتلون النساء اللواتى ختنَّ أولادهنَّ، 68ويعلقون أطفالهنَّ في أعناقهنَّ، ويقتلون أيضًا أقاربهنَّ والذين ختنوهم. وكان ذروة ذلك في الخامس عشر من شهر كسلو من سنة 145 سلوقية (ويقع في النصف الأول من ديسمبر سنة 167ق.م.) ذلك عندما جعل هيكل أورشليم هيكلًا للإله زيوس الأوليمبى، نسبة إلى الألعاب الأوليمبية التي كانت تقام بالقرب من أورشليم على شرفه، وهو يماثل ما فعله بهيكل جرزيم بالسامرة حين حّوله هيكلا للإله زيوس المضياف، وقدّم خنزيرة كذبيحة على المذبح، وهو الأمر الذى استشنعه اليهود، ورأوا فيه تحقيقًا لنبوة دانيال "وتقوم منه أذرع وتنجّس المقدس الحصين وتنزع المحرقة الدائمة وتجعل الرجس المخرّب والمتعدون على العهد يغويهم بالتملقات أما الشعب الذين يعرفون إلههم فيقوون ويعملون " (دانيال 11: 31، 32) ثم يحدد النبي الموعد بدقة بالغة فيقول "ومن وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس الخراب حتى تطهير الهيكل ألف ومئتان وتسعون يومًا" (دانيال 12: 11 قارن مع (متى 24: 15وما يليه). ولكن لماذا اختار أنطيوخس اليوم "الخامس عشر" من شهر " كسلو"؟: ربما كان تقويم الاحتفالات السوري الوثني هو الذي جعل أنطيوخس يختار شهر كسلو، بينما الممارسات الطقسية اليهودية واليونانية هي التي جعلته يختار الخامس عشر، فقد بدأ تكريس هيكل سليمان في الشهر السابع (أخبار الأيام الثاني 5: 3) حيث بدأ الاحتفال في الخامس عشر من الشهر (لاويين 23: 34، 39) أما بالنسبة لليونانيين فقد كان وقت اكتمال القمر (البدر) حوالي الخامس عشر: وقتًا مناسبًا لبداية الأشياء لديهم. تأثير الاحتفالات الوثنية في المنطقة المحيطة: ففي فينيقية كانت هناك دورة الأعياد الأدونية المنسوبة للإله الشعبي أدونيس، على مدار السنة وخاصة في نهاية فصل الحصاد في تلك المنطقة. أمّا الحثيين فكان لديهم ثمانية عشر عيدا موزعة على مدار السنة ومجموعة أخرى تأتي بعد عيد الحصاد ..أما الإغريق فكان العيد االرئيسي الكبير هو: الساتورناليا، والذي يجيء في نفس توقيت عيد الحانوكا اليهودي في شهر ديسمبر. وكان التقوىم الإغريقي تقويم ديني في جوهره، وكانت شهور كثيرة تسمى بأسماء ما يقع فيها من أعياد دينية، فالشهر الأول هو شهر هكتمبيون(يوليو/أغسطس) .....وفي الشهر الرابع البيانبيسيون كان يحتفل بأعياد البيانيسيا والأسكوفوريا والثسموفوريا، وكانت نساء الأغريق في هذا الشهر(وهوالموافق لديسمبر) يعظمن دمتر ثسموروس بإقامة طقوس أرضية مخزية. من هذا الكلام يتضح لنا لماذا اختار أنطيوخس هذا الشهر بالذات للاحتفال بعيده الوثني، إذ أن هذا الشهر حسب التقوىم اليوناني الذي كان يتبعه، كان به احتفالات الدعارة الجماعية وهو الأمر الشائع والمتأصّل في منطقة الهلال الخصيب منذ أقدم العصور، وفي العصور اليونانية عرفت باسم الأعياد الأدونية، نسبة للإله أدونيس وهو إله الشمس. فمن خلال عيد الساتورناليا "عيد الشمس التي لا تقهر" في 25 ديسمبر ومن خلال الأعياد اليونانية والكنعانية القديمة عرفنا لماذا اختار هذه الأيام بالذات ولماذا ارتبط هذا العيد المذكور هنا بالنجاسة، وذلك لإقامة طقوس الدعارة الجماعية الذي كان يحتفل به مرتين في السنة عند الربيع و في هذا اليوم بالذات. لأن فيه يبدأ النهار يطول مرة أخرى، ونتيجة لارتباط هذه الآلهة بالشمس والخصب فقد أقاموا لها هذا العيد في هذه الفترة ..(1) وهكذا سميت هذه التعديات " شناعة الخراب " (دانيال 9: 27) راجع أيضًا (2مكا 6: 1 - 11) والتي هي مذبح بعمل شمايم أو زيوس الأوليمبى، وهو ما يؤكده يوسيفوس من أن رجس (وثن) الخراب هو بناء مذبح الأصنام على مذبح المحرقة في الهيكل حيث وصفه قائلًا (المذبح الذي فوق المذبح) ويوحى (2 مكا 6: 2) بأنه مكرس باسم زيوس الأوليمبى(1). وكان هذا السلوك وهذا التاريخ هو الطريقة التي خلّد بها أنطيوخس عمله هذا، ويقول يوسيفوس أن السامريين بالفعل كانوا يسمون أنطيوخس "الإله المتجسد". وتوحى (الآية 55) بإقامة الُنصب والتماثيل في الشوارع، وبوجود رجال دين وثنيين يجتهدون في نشر العبادات الوثنية من خلال الطقوس والثقافة. أبواب البيوت والساحات (آية 15) كان ذلك لضمان اشتراك السكان، والمعنى هنا يتضمن الذبح أيضًا وليس مجرد البخور (وكان هذا الأمر معروفًا في المدن اليونانية خلال القرن الثاني ق.م. أي الذبح عند أبواب البيوت)(2) وكان في ذلك مخالفة صريحة -وربما متعمدة- لما ورد في الشريعة (تثنية 12: 5-18) راجع أيضًا إدانة الهياكل غير الشرعية في (حزقيال 16: 25،31) كما نجد أن عبادة ملكة السماء كانت تمارس في مدن يهوذا وشوارع أورشليم. الآيتين (58، 59): ومع الوقت راح جنود أنطيوخس ينتقمون من الرجال المخالفين لأوامر الملك، باعتبارهم جماعة معاندة تشجع آخرين على التمرد، وانتشروا كفرق إرهاب في المدن اليهودية، ويعنى تعبير "شهر بعد شهر" أن أعمال العنف كانت تتجدد من شهر لآخر في مناسبة العيد الشهرى في الخامس والعشرين، حيث الذبيحة الشهرية ل"زيوس" وهو في الواقع عيد ميلاد أنطيوخس (2مكا 6: 7) وما يصاحب ذلك من رفض اليهود مما يعرضهم بالتالي للأذى. معاقبة المختونين (الآيتين 60، 61): كان الختان على وجه الخصوص يعنى الانتماء الديني والقبلى ل"يهوه" وبالتالي فقد كان الغرض من منع الختان هو الرغبة في تفتيت هذه الهويّة، اضافة إلى تقزّز السلوقيين - لاسيما في ظل الحضارة الهيلينية - من اجراء الختان، وقد ُاعتبر كل مختون مثله في ذلك مثل جميع الذين اشتركوا في عملية الختان، عمليا أو معنويًا أو دينيًا ُمعرِضين جميعًا للعقاب، وفي هاتين الآيتين يتحدث كاتب السفر عن حادثة جرت بالفعل، حيث ُيؤكد الوصف ذلك، راجع (2 مكا 6: 10). ركب لم تجثو لبعل 62غير أن كثيرين في إسرائيل صمدواوصمّموا في أنفسهم على أن لا يأكلوا نجسا،63وارتضوا بالموت لئلا يتنجسوا بالأطعمة ولا يدنسوا العهدالمقدس، فماتوا. 64وحل على إسرائيل غضبٌ شديدُ جدا. ومع كل ذلك فقد وقف الكثير من اليهود موقفًا بطوليًا تجاه هذا الاضطهاد، وذلك استباقًا للشهداء المسيحيين وجميع المعترفين الذين حافظوا على "حقوق الله" في مواجهة عروض الشر، ودافعوا عن الشريعة والناموس والتقليد، وهكذا ُوجد العديد من اليهود ممن لم يذعنوا لهذه الدعوة. وقد نتج عن ذلك ما يشبه "كنيسة السراديب" سواء في روما إبان عصور الاضطهاد، أو في الإتحاد السوفيتي في القرن العشرين، حيث انتشرت أماكن العبادة تحت الأرض وفي الكهوف والمغائر، وكان اليهود يمارسون احتفالات السبت في مثل هذه الأماكن بعيدًا عن رقابة السلوقيين، وكذلك الختان وبقية الصلوات والأعياد، ومراعاة الطعام الطقسي وغيرها. وهكذا تبقت آلاف الركب التي لم تجثُ لبعل (ملوك أول 19: 18). (1) هذهالمقدمة كفاتحة للسفر، نجد لها شبيها في عدة أسفار من العهد القديم، مثل: (تثنية 1: 1-4 واستير 1:1 ويهوديت 1: 1-4 و ارميا 1: 1-3 و 34: 8-11) ومن خلال تلك الافتتاحيات نحصل على أسماء ومواقع وأزمنة هامة لدراسة السفر. (1)ينطق هذا الاسم ويكتب في العبرية "حونيا"، ولكنه يترجم أونيا في اللغات الأخرى المنبثقة عن اللاتينية، وذلك لعدم وجود حرف الحاء "ح" فيها.(انظر التعليق على اسم أونيا في الأصحاح الثاني عشر). (1)دائرة المعارف الكتابية/كتيم- دار الثقافة المسيحية. (1)انظر: يوناثان جولدشتاين - ص191 والمقدمة (ص 72، 73). (1)يرد في التاريخ أن الإسكندر - وهو على دراية بتأثر الشعوب بالأساطير - ذهب إلى "جورديوم" وقام بقطع العقدة التي ترتكز عليها إمبراطورية آسيا كما تروى الأساطير!! (دائرة المعارف الكتابية. جزء 1/ الإسكندر). (1)راجع قصة الحضارة: وول ديورانت. الجزء الرابع / ص533 -مهرجان القراءة للجميع. سنة 2001م (2)أمّا عن البلاد والأمم في الآية ذاتها، فقد كانت كلمة اثنوس ethnosفي اللغة اليونانية القديمة، تعني أمة ذات حكم ذاتي محلّي رغم خضوعها للإمبراطورية، وُتجمع منها الضرائب فقط بواسطة موظّفين، وقد كان ذلك بحد ذاته امتيازًا، ويرد في تاريخ استرابو أنه كانت هناك أربع أمم فقط تتمتع بهذا الامتياز داخل سوريا الجوفاء (قول سوريا) التابعة للإمبراطورية السلوقية، وهي: اليهود. أدوم. غزة. أشدود. ولكن اليهود لم يكن ُينظر إليهم كشعب ethnos بهذا الشكل في حكم الملوك الفرس أو في ظل الإمبراطورية الرومانية قبل سنة 200 ق.م. بل كدولة مستقلّة، وربما كان مفهوم اصطلاح شعب أو أمة ethnos: يونانيًا خالصا، يعني أيّ مجموعة عرقية، ولذلك لم ُيستخدم في الإشارة إلى اليهود في الترجمة اليونانية لسفري عزرا ونحميا، حتى عندما أشار بوليبيوس المؤرخ إلى انتصار سكوباس على "أمة اليهود" في أحداث سنة 201/200 ق.م. لم يكن يعني التعبير بشكله الفني. (1)لمزيد من التفاصيل عن شخصية الإسكندر وتأثيره، انظر: قصة الحضارة. وول ديورانت. الجزء الرابع - ص529-540/ مهرجان القراءة للجميع. سنة 2001م المرجع السابق ص529-540. وما ورد فيه ي}كد دون شك الحقائق الواردة في سفري المكابيين. (1)راجع كتاب: مدخل إلى سفري المكابيين. ص25 - 32. (1)راجع زينوفون (13: 3)، وفي الترجمة السبعينية ترجمت دياديما أيضا بمعني تاج الملك وجاءت في السبعينية في المواضع الآتية (إستير 1: 11)، عمامة (إشعياء 62: 6) شريط، كما في (إستير 8:15). (1)الآثار اليهودية 12: 5. (2) المرجع السابق. (1)وهي السنة 137 من مملكة اليونان، ويجب أن نلاحظ أن هناك تقويانم سلوقيان، سلوقي بابلي وسلوقي مقدوني (يوناني). إذ يبدأ الأخير في ربيع سنة 312 ق.م. وهي سنة تأسيس أنطاكية، بينما يبدأ نفس التقوىم في بابل في خريف 311 ق.م. فإذا كان أنطيوخس قد ملك في سنة 175ق.م. فيكون فرق الحساب بين التقوىمين هو 38 سنة. بدأ العمل بالتاريخ الجديد أيامسلوقس الأول نيكانور في اليوم الأول من أكتوبر 312 ق.م (أنظر الآثار اليهودية ليوسيفوس 13: 6، 7) وبدأ اليهود العمل به في اليوم الثاني من الأسبوع (الاثنين)، الموافق التاسع من شهر تشري - سبتمبر / أكتوبر - لسنة 3450 من خلق العالم . راجع أفندوفولو في ملحق كتاب "عباءة" إيليا ل بشايسي كوستنديا 219، 5: 2 وأيضا راجع برنشتاين 8: 290 .وهذا التاريخ هو سابق لخراب الهيكل بحوالي 380 سنة وهذا هو الإثبات " الآن لي عشرين سنة في بيتك: أربع مئة إلا عشرين (راجع تفسير رابي كوهين للمكابيين ومجموعة الشواهد اليهودية التراثية في هذا الموضوع . كما أن هذا التاريخ ظل معمول به في زمن الجاؤونيم وظل معمول به حتى سنة 6400 لخلق العالم (رجاء الرجوع إلى مدخل السفرين. ص 76). (1)تاريخ يوسيفوس - الخواجا سليم نقولا. بيروت/ص 52، 53. (1)في مقابل هذه الاهتمامات: أُولع الرومان بالألعاب الخطرة وسفك الدماء والمصارعات مع الوحوش. (1)وكانت هذه العملية الخاصة بإخفاء الختان تعمل عن طريق خاتم ثقيل مصنوع لهذه الغاية، وهناك بحث طبي في هذه العملية التي عرفها القدماء في: Grimm, Celsus de medic (2)انظر: مخطوطات قمران - البحر الميت / أندريه روبون- سومر- مارك فيلوننكو. ترجمة وتقديم: موسى أديب الخوري/ الجزء الثاني - ص 506/دار الطليعة الجديدة - دمشق 1998م. وكتاب ميثاق موسى هو سفر غير موحى به، كتبه شخص أسيني ما بين 30 و7 ق.م. ويحتوي على معلومات عن زمن كتابته فقط وبعض تواريخ اليهود. وأول من نشره هو " كرياني Ceriani". (1)راجع:الديداكية، تعريب الأبوين جورج نصور ويوحنا ثابت. رابطة الدراسات اللاهوتية في الشرق الأوسط- الكسليك/1975م ص175-178. و كتاب الديداخي (تعاليم الرسل) راهب من الكنيسة القبطية / ص129-133. (1) تأتي كلمة المجامر في بعض المواضع بمعنى أطباق(ربما لحفظ البخور) أمّا بالنسبة للحليات والرسوم المذهبة، فقد حطمها إذ لا يستطيع نزعها، لا سيما وأن الفعل أخذ في آية 21 يمكن أن يستعمل مكانه الفعل حطّم (راجع 1مكا 4: 57). (2)دار جدل كثير حول ورود هاتين الكلمتين "إسرائيل" و"أورشليم ": في الآية، حيث ظن بعض العلماء أن إسرائيل هنا مضافة، بمعنى أنها ُوضعت في الهامش بيد ناسخ ثم أضافها ناسخ لاحق داخل المتن، بينما رأى آخرون أن السبب هو الخلط بين الاختصار الشائع ل أورشليم Ilem واختصار إسرائيل Iel .ولكن اللبس يتلاشى إذا انتبهنا إلى أن إسرائيل تعني الشعب في حين تشير أورشليم إلى المدينة، راجع (1مكا 3: 25 " يستأصل شوكة إسرائيل وبقية أورشليم"). (1)انظر يوناثان جولد شتاين 1مكا 1: 20 . وطبقا للمؤرخين كان لأنطيوخوس أربع حروب مع مصر في أربع سنين متوالية (171 ق .م إلى 168 ق.م) وهذه هي الحرب الثانية التي أصبح بعدها سيدا على مصر باستثناء الإسكندرية (2مك 5: 1). (1) دائرة المعارف البريطانية- الحروب السورية. (1)بحسب ما يورده إلياس الدبس مطران بيروت المارونى،تاريخ سورية الدنيوي والديني/ عدد 427. (2)راجع التلمود: باب يومًا " 57:1" (1)مازال هناك جدل حول العصر الذي ينتمي إليه هذا المزمور. (1)والكلمة اليونانية المستخدمة هنا ل "رئيس الجزية" هي كلمة مقاربة للكلمة العبرية التي تعني "قائد المرتزقة" بحيث ُيعطي معنا مزدوجًا (جناس) بالنسبة لمن يعملون لدى الملك.نجد أن المترجم اليوناني للسفر اختلط عليه الأمر عندما ترجم (رئيس الجزية) إذ ترجمها كالآتي: arxonta fronologias إذ أن الكلمتين متشابهتين في العبرية جدًا والاختلاف في تشكيل حرف واحد (سر هموسيم و سر همسيم). (2)في عجرفة بوبليوس الرومانية رسم دائرة حول أنطيوخس على الأرض، مطالبًا إياه بالرد على إنذار روما قبل الخروج من هذه الدائرة!!، جاء ذلك ردًا على طلب أنطيوخس بمنحه مهلة لدراسة الأمر. (1)أرسل أنطيوخس أبولونيوس من بعد سنتين، أو على وجه الدقة سنة وبعض السنة (ما بين نهب أورشليم في سبتمبر/أكتوبر 169ق.م. وحملة أورشليم) حيث يحسب دانيال الثلاث سنوات ونصف في (7: 25) من حملة أبولونيوس إلى السنة السبتية أوائل خريف 164ق.م. فمن المحتمل أن حملة أبولونيوس حدثت في أبريل 167ق.م. (1)لمزيد من التفاصيل عن تسمية مدينة داود والقلعة ومكانهما: انظر Jonathan, 1Macc. 1:29-40. (1)كما وردت كذلك الكلمة temenos في (هوشع 8: 14) وتعني أيضًا هيكل غير شرعي. (1)راجع:Jonathan, 1Macc. p.226 (1)راجع: Jonathan Goldstien, 1Macc. P.223 & Josephus, At xii 5:5, 260-261 (1)هذه من المرات القليلة جدًا التي يذكر فيها اسم الله في السفر في الترجمة اللاتينية، رغم عدم وجوده في السبعينية. (1)لمزيد من التفاصيل راجع: " الحضارة الفينيقية " ل ج. كونتو وترجمة د. محمد عبد الهادي شعيرة إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب ص 168 إلى 170 . وكتاب " الحثيون " للكاتب جرني وترجمة الدكتور محمد عبد القادر محمد وإصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب في صفحة (184 إلى 186) وكتاب: قصة الحضارة/ وول ديورانت- المجلد الثالث- اصدار مكتبة الأسرة ومهرجان القراءة للجميع صفحة 362. وكتاب: المعتقدات الكنعانية /خزعل الماجدي- صفحة 165، 166 (1) ُيقال أن رجسة الخراب تتكون من ثلاثة أصنام حجرية تمثل إله اليهود ومعه الإلهة ملكة السماء وابنهما الإله ديونيسيوس.Jonathan , p.224 (2)ما تزال عادة ذبح الحيوانات على الأبواب، شائعة في الكثير من القرى في الشرق الأوسط، وأن كانت بغير دافع عقائدي. |
||||
31 - 03 - 2014, 05:12 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام -
مكابيين أول 2 - تفسير سفر المكابيين الأول اندلاع الثورة المكابية<SPAN lang=ar-sa> أدّت الأحداث الواردة في الأصحاح السابق إلى اثارة حفيظة جماعة التقاة بين اليهود والذين ُيسمّون الحسيديين، قد كانوا يمثلون الضمير اليهودي، فعندما حرّكتهم الغيرة المقدسة لم يجدوا سبيلًا إلى الإصلاح سوى المقاومة المسلحة. متتيا الكاهن يغير غيرة الرب <SPAN lang=ar-sa> 1فى تلك الأيام قام متتيا بن يوحنا بن سمعان، وهو كاهن من بنى يوياريب، وخرج من أورشليم وأقام في مودين. 2وكان له خمسة بنين، وهم يوحنا الملقب بكديس،3وسمعان الذي يقال له الطسي،4ويهوذا الذي يقال له المكابى، 5وألعازر الذي يقال له أوران، ويوناتان الذي يقال له أفوس. 6ولما رأى ما ُيصنع من المنكرات في يهوذا وأورشليم، 7قال: "ويل لى! أولدت لأرى تحطيم شعبي وتحطيم المدينة المقدسة، وأبقى ههنا جالسا والمدينة تسلم إلى أيدي الأعداء وُيسلم المقدس إلى أيدي الأجانب؟ 8أمسى هيكلها كرجل ذليل 9وُاخذت آنية مجدها في السبي وقتل أطفالها في الساحات وفتيانها بسيف العدو.10أية أمة لم ترث من ُملكها ولم تسلب غنائمها؟ 11جميع حلاها ُنزعت عنها. والتي كانت حرة صارت أَمَة. 12ها إن أقداسنا وبهاءنا ومجدنا قد دمرت ودنستها الأمم.13فلم نعيش بعد اليوم؟" 14ومزق متتيا وبنوه ثيابهم وتحزموا بالمسوح وناحوا مناحة شديدة. متَّتيا: Mathathias: وُيكتب أحيانا "متتيا" أو "متياس" وهو اسم عبري معناه "عطية يهوه". وكان كاهنًا متقدمًا في السن عندما بدأت هذه الأحداث، غير أنه كان يمتلك شجاعة نادرة. يوحنا: أو "يوحنّان" وهو اسم عبري معناه "الله حنّان". سمعان: وهو الصيغة اليونانية للاسم العبري "شمعون" ومعناه " قد سمع الله". بنى يوياريب: يوياريب اسم عبري معناه "الله يحمى" ويوياريب المذكور هنا في السفر هو قائد أول الفرق الكهنوتية الأربع والعشرون (أخبار الأيام الأول 24: 7) والتي ينتمي المكابيين إليها، وعلى الرغم من أنه قد جرت العادة في ذلك العصر، على خروج |
||||
31 - 03 - 2014, 05:17 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام -
مكابيين أول 3 - تفسير سفر المكابيين الأول يهوذا المكابي يحمل النير بفرح وجديّةما أن تسلمّ يهوذا المكابي قيادة حملة المقاومة، حتى امتدّت الانتصارات العسكرية المذهلة، في سلسلة تكاد تكون غير منقطعة حتى موته في ميدان المعركة، وقد استطاع في ظل ظروف قاسية أن يستردّ الاستقلال الديني لليهود ويعود الهيكل إلى مكانته وقدسيته. وقد تميّزت سياسته العسكرية بالمبادرة في الهجوم، وبحسب القصيدة التي تمتدحه في (3-9) كما سيجيء فهو ُيشبّه بعملاق، ورجل عمل لا كلام، ثابت الجأش غير محب لذاته. مديح يهوذا 1فقام مكانه يهوذا ابنه المسمى المكابي، 2ونصره كل إخوته وجميع الذين انضموا إلى أبيه، وكانوا يحاربون حرب إسرائيل بفرح. 3بسط مجد شعبه ولبس درعه كجبار وتقلد سلاح القتال وشن الحروب وبسيفه حمى المعسكر. 4كان كالأسد في مآثره وكالشبل الزائر على فريسته 5تعقب الآثمين في آثارهم والذين يفتنون شعبه أحرقهم بالنار. 6 ُقضى على الآثمين لخوفهم منه واضطرب جميع فعلة الآثام ونجح الخلاص عن يده. 7أذاق الأمرّين لملوك كثيرين وفرح يعقوب بأعماله. فصار ذكره مباركا أبد الدهور. 8جال في مدن يهوذا وأباد الكافرين منها وصرف الغضب عن إسرائيل. 9ذاع صيته إلى أقاصى الأرض وجمع المشرفين على الهلاك. لاقى تعيين يهوذا قائدًا عسكريًا التأييد الكبير، ليس من قبل إخوته فحسب، بل ومن جميع رجال المقاومة الأشداء والذين كانوا قد انضمّوا إلى أبيه قبل وفاته، والذين كانوا يقاتلون بشجاعة بسبب قناعتهم بقضية أمتهم(1). وتصف القطعة يهوذا كجبار خرج غالبًا ولكي يغلب، حتى يعيد إلى شعبه مجده المسلوب " تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار جلالك و بهاءك. وبجلالك اقتحم اركب من أجل الحق والدعة والبر فتريك يمينك مخاوف. نبلك المسنونة في قلب أعداء الملك شعوب تحتك يسقطون" (مزمور 45: 3 - 5). كما ُنظر إلى يهوذا على أنه أعاد مجد يعقوب الذي ُاهين وُاذلّ (إشعياء 17: 4). ولعل شجاعة يهوذا وما أظهره، تجعله من أعظم المحاربين في تاريخ إسرائيل بعد داود النبي(2). ويقصد بـ" الذين يفتنون الشعب" (آية 5) أولئك الذين يضللّون الشعب (من خلال نشر الهيللينية) كما ُقصد ب " الآثمين" و" فعلة الآثام": أولئك اليهود الذين تعاونوا مع الحكام السلوقيين. وقد وبّخ إيليا أخاب لسبب مشابه " فقال لم أكدّر إسرائيل بل أنت و بيت أبيك بترككم وصايا الرب و بسيرك وراء البعليم" (ملوك أول 18: 18) راجع أيضًا: (1مكا 7: 22) الأمرّين: لعل هذه هي المرة الوحيدة التي ُيذكر فيها هذا التعبير، حيث من المحتمل أنه يعنى جميع أشكال المرارة، وربما يعنى المعاناة المزدوجة، أي عدم الراحة من جهة والأذى من جهة أخرى، وربما كان المقصود بالملوك هنا: أنطيوخس الرابع وأنطيوخس الخامس وديمتريوس الأول. صار ذكره مباركا أبد الدهور .. ذاع صيته إلى أقاصى الأرض (آية 7 و9). كان وما يزال اسم المكابى ذا رنين خاص في مختلف الأوساط، لاسيما العسكرية والرياضية، بين جميع الجماعات اليهودية في شتى أنحاء العالم، والآن يوجد ما يسمىّ اتحاد مكابى العالمي Maccabi World Union وهو اتحاد رياضى، فقد نادى "ماكس نوردو" بأن ينتهي عهد اليهودي المترهّل ليبدأ عهد اليهودي الرياضى. وهكذا انضمت جميع نوادى المكابى في اتحاد واحد سنة 1903م حيث قام اثنان من يهود ألمانيا بتأسيس اتحاد للنوادى الرياضية اليهودية، ثم تكوّن هذا الاتحاد العالمي سنه 1921م، وكان مقره أولًا في فينا سنة 1927م ثم في برلين سنة 1929م، وبعد ظهور النازية انتقل إلى لندن، وأخيرًا استقر في تل أبيب، ويضم الاتحاد الآن 35 فرعًا اقليميا في مختلف انحاء العالم.(1) هكذا صار اسمه مباركا.. راجع أيضًا: (مزمور 112: 6 و أمثال 10: 7 و سيراخ 46: 11) أمّا المقصود بأنه ردّ سخط الرب عن بني إسرائيل (آية 8) فهو المقارنة بين المكابيين وفينحاس (سفر العدد 25: 11). الانتصارات الأولى ليهوذا المكابي كان يهوذا في ذلك الوقت قد بدأ في تنظيم الجيش وتجهيز العتاد، لتتحول المقاومة من الشكل البسيط إلى الجيش النظامى المسلّح. اشتباكه مع أبولونيوس مكابيين ثان 8: 1-7 10وحشد أبلونيوس وثنيين وجاء بجيش عظيم من السامرة ليحارب إسرائيل. 11فعلم يهوذا فخرج للقائه وكسره وقتله. وسقط قتلى كثيرون وانهزم الباقون. 12فسلبوا غنائمهم وأخذ يهوذا سيف أبلونيوس، وكان يقاتل به كل الأيام. أبولونيوس Appolonious: اسم يوناني معناه: الخاص ب"أبوللو". وربما كان هو رئيس الجزية المذكور في (1: 49) وسيأتي الحديث عن ذلك لاحقًا، أمّا يوسيفوس فيصفه بأنه حاكم السامرة في ذلك الوقت، ربما لأنه جمع جيوشه من السامرة. قال يوسيفوس في هذا الشأن ما نصه الآتي:" أبلونيوس رئيس جيش strathgoj السامرة" (الآثار اليهودية 12: 7) كان ذلك في سنة 165 ق.م. وكان من الطبيعي إزاء تنظيم اليهود لأنفسهم، أن تتحرك القيادة السلوقية لتحجيم أولئك الذين نظروا إليهم وكأنهم "الفئران تخرج من جحورها" كما وصفهم جنود أليفانا قائد جيوش الأشوريين: " ادخلوا و أيقظوه "أليفانا" لأن الفئران قد خرجت من حَجرتها و اجترأت على مهايجتنا للقتال (يهوديت 14: 12 بحسب الفولجاتا). . ولا يفتأ اليهود ُيسمون الأعداء: وثنيين، في تأكيد دائم على الطابع الديني للحرب والمقاومة، وأبولونيوس هذا هو حاكم السامرة، بحسب ما يورد يوسيفوس المؤرخ، ويصفه سفر المكابيين الثاني بأنه قائد المرتزقة، أو المسئول عن تجنيد وتدريب الجنود المرتزقة وهم المتطوعون للحرب مقابل أجر مالى أو معنوى، أو تجنيد الأسرى الذين ُاسروا من البلاد الأخرى، كما سبق الإشارة إلى أبولونيوس قبل ذلك، باعتباره المسئول عن الجزية في المملكة (1مكا1: 29).ومن مميزات يهوذا أن هجماته كانت خاطفة في كل مرة تقريبًا، مستفيدًا بعنصر المفاجأة حتى ُيرعب الأعداء وُيربكهم. فقد جمع سرًا ستة آلاف جندي، وقام بالعديد من الغارات الليلية حتى ذاع صيته، ومع ذلك فمن المؤكد أن جيش المكابى كان أقل في العدد والعدة إذا ما قيس بجيش أبولونيوس، والذي جمعه من الجنود المرتزقة الوثنيين الساكنين في السامرة وحولها من الأدوميين والعرب والمقدونيين المنتمين إلى السامرة، ولذلك ُيطلق السفر على معسكر يهوذا: " إسرائيل" (1). ومع ذلك هزم يهوذا أبولونيوس واستولى على سيفه وقتل كثيرين، على غرار ما حدث مع داود وجليات إذ صار سيف الأخير مع داود في حروبه، وكان سيف أبولونيوس حقيقة بينما كان سيف إرميا في الرؤيا قوة روحية (انظر خريطة رقم 2). حربه مع سارون 13وسمع سارون، قائد جيش سورية، أن يهوذا قد جمع فوجا وجماعة من المؤمنين يسيرون معه إلى القتال، 14فقال: "أقيم لنفسي اسما وأتمجد في المملكة وأقابل يهوذا والذين معه من المستهينين بأمر الملك". 15فخرج هو أيضًا وصعد معه جيش قوى من الكافرين يناصرونه للانتقام من بنى إسرائيل. 16فاقتربوا من عقبة بيت حورون، فخرج يهوذا للقائهم في نفر يسير. 17فلما رأوا الجيش مقبلا إلى لقائهم، قالوا ليهوذا: "كيف نستطيع أن نحارب مثل هذا الجمع القوى ونحن نفر يسير، وقد خارت قوانا من الصوم في هذا اليوم؟ " 18فقال يهوذا: "ما أسهل أن ُيقفل على الكثيرين في أيدي القليلين، وسواء عند السماء أن تخلص بالكثيرين أو بالقليلين، 19فإنه ليس الظفر في الحرب بكثرة الجنود، وإنما القوة من السماء. 20أولئك يأتوننا بفيض من التعجرف والإثم ليبيدونا نحن ونساءنا وأولادنا ويسلبونا. 21وأما نحن فنحارب عن نفوسنا وسننا، 22وهو يحطمهم أمام وجوهنا، فلا تخافوهم". 23ولما انتهى من كلامه، هجم عليهم بغتة، فانكسر سارون وجيشه أمامه.24فتتبّعه في عقبة بيت حورون إلى السهل، فسقط منهم ثمانى مئة رجل، وانهزم الباقون إلى أرض فلسطين. 25فأخذ الناس يخافون يهوذا وإخوته ووقع الرعب على الأمم التي حولهم. 26وبلغ ذكره إلى الملك، وتحدثت الأمم كلها بوقائع يهوذا. سارون Seron: صيغة للاسم العبراني "شارون" ومعناه (سهل) ويسمى أحيانا "حيرام". وفي اليونانية "Shron " وفي الآرامية "هيرون" (وهكذا جاءت في احدى المخطوطات اليونانية) وهو قائد " strategos " جيش سوريا، أو بحسب ما يورده يوسيفوس فإنه حاكم قول سوريا أو سهل البقاع (الجزء الجنوبي من سوريا، والشمالي من فلسطين / 1مكا 7: 8 و 10: 69). وهو المنصب الذي تقلده أيضًا بطليموس بن دوريمانوس(1). وقد أراد سارون هذا أن يثأر لدم أبولونيوس ليحصد بذلك شهرةً ومجدا، إذ يبدو أن عمله لم يكن قيادة العمليات العسكرية وانما تدريب الجنود، ولعله وجدها فرصة للترقّى. وقد انضم إليه كثيرون، ولا ُيعرف على وجه الدقة إن كان المقصود ب " الجيش القوى من الكافرين" (آية 15) جنودا وثنيين أو بعض اليهود المتأغرقين المقاومين للحشمونيين! والذين تعرّضوا - أي المتأغرقين- للكثير من هجمات يهوذا ورجاله، فآثروا الانضمام إلى سارون. بيت حورون: Beth horon: اسم عبري معناه "بيت المغارة" أو "البيت الفارغ" ويكتب أحيانًا "بيت أور" أو "بيت عور" وهو مكان يبعد عن أورشليم 21 كم إلى الشمال الغربي منها، وكانت "شيرة ابنة يربعة" قد بنت - أو ربما أعادت ترميم - بيت حورون العليا وبيت حورون السفلى (أخبار الأيام الأول 7: 24) وعلى بعد عدة أميال منها يقع الممر العام الوعر والذي يصل ما بين السهل وقلب اليهودية. إلى هناك طرد يشوع الأموريين في حربه معهم (يشوع 10: 10). وكان الطريق بين قريتي بيت حورون العليا والسفلى ضيّق ووعر، وكان بإمكان قوة صغيرة في القرية العليا منع قوة أكبر بكثير من التقدّم، وربما ظن سارون أنه سوف يبلغ المدينة العليا قبل يهوذا، أو أن يشق طريقه بالقوة عبر قوة يهوذا الهزيلة. ُانظر خريطة رقم (3). ويوحى النصّ هنا بأن "سارون" قد جاء خلال الطريق المعتاد من السهل السأحلى لأورشليم، من جهة الشمال الغربي عن طريق " لدّة "، وعبر ميديا أو بالقرب منها، وكانت " دورا Dora" هي أقرب القواعد العسكرية المهمة شمال لدّة. من هذا الطريق سار الفلسطينيون لمواجهة شاول (صموئيل أول 13: 18) ونظرًا لأهميتها فقد جعلها اليهود حصنًا في مواجهة الأعداء، ونعرف أن "شيشق" ملك مصرقد انتزعها من يد رحبعام، كما كانت طريقًا سلكه الكنعانيون والفلسطينيون والثراكيون والمصريون والرومان. وفي عصر يهوديت أرسل ألياقيم من أورشليم إلى أهلها لتقوية حصونها في وجه الأشوريين باعتبارها مدخلًا هامًا لليهودية (يهوديت 4: 5). وفيما بعد قام "بكيديس" القائد السلوقى بتحصينها، بعد استيلائه على اليهودية (1مكا9: 50) هكذا كانت "بيت حورون" ذو أهمية كبيرة في تلك العصور (انظر خريطة رقم 13). لم تكن القوى متكافئة ما بين اليهود والسلوقيين في تلك المعركة، ولذا فقد تشكّك أتباع يهوذا في البداية في امكانية تحقيق النصر، لاسيّما وهم صائمين في ذلك اليوم، ربما لأنه كان يوم صوم أو لأنهم صاموا خصيصًا لأجل الحرب. فهم نفر قليل، راجع (3: 47 وقارن مع 2مكا 5: 27 و10: 6). ولكن العامل الأكبر في النصر كان هو إيمان يهوذا المكابى بقضية الأمة مما اكسبه شجاعة نادرة. وقد خطب يهوذا في جنوده فيما يشبه "التوجيه المعنوى في الحروب"، إذ ذكّرهم بأنهم أصحاب حق، ولذلك فالله سيحارب عنهم، كما أنهم في حالة دفاع عن النفس وعن النساء والأطفال، وكانت العادة في الحروب أن ُيؤخذ النساء والأولاد كعبيد ضمن الغنائم، وبالتالي فإن الابادة هنا ليست بمعناها الحرفي، وكثيرا ما حدث أن وقع الأعداء الذين تربّصوا بإسرائيل: غنيمة في أيديهم، راجع: (سفر العدد 14: 3 و يشوع 8: 27 و إشعياء 17: 14 و إرميا 30: 16 وحزقيال 39: 10). لقد كانت إذا حرب مفروضة عليهم، والله قادر أن يخلص بالكثير وبالقليل، وفي ذلك ترديد لما قاله يوناثان لحامل سلاحه، عند حرب اليهود مع الفلسطينيين: " لعل الله يعمل معنا لأنه ليس للرب مانع عن أن يخلص بالكثير أو بالقليل" (صموئيل أول 14: 6). كما أن أسلوب العظة عمومًا يشبه ما ورد في سفر التثنية: " فقلت لهم لا ترهبوا ولا تخافوا منهم. الله السائر أمامكم هو يحارب عنكم" (تثنية 1: 29، 30) راجع أيضًا (3: 18 - 22 و 9: 1). وتوحي (الآية 13) بأن المؤمنين الذين اشتركوا في المعارك هم غير الجماعة التي اعتزلت لتحيا في حياة صوفيّة، راجع (2: 42). ويضيف يوسيفوس أن يهوذا قال لهم أن في الطهارة قوة عظيمة (تعين على النصر) بل يرى الحسيديين أن الطهارة وحدها كافية دون قتال، راجع (1مكا 2: 37 و2مكا 8: 4 و 12: 42). وفي الواقع فإن يهوذا المكابي يحدّد هنا استراتيجية اليهود وحروبهم. وهكذا استطاع بشجاعته وبسالة الذين معه والذين آزرهم الرب، بأن ينقضّوا كالنسور على الأعداء، فهزموهم ثم طاردوهم من ثمّ حتى السهل وتبعوهم بعد ذلك حتى "أرض فلسطين"، والمقصود بها المنطقة البحرية والتي ذكرت في (1مكا15: 18) باسم (الساحل) وقد خسر السلوقيون في تلك المعركة ثمانى مئة رجل، وهو يعدّ عددا كبيرًا بالنسبة لهذا الهجوم الخاطف من قبل جيش صغير. أمّا تعبير " انكسر سارون" فقد جاء في العبرية sbr بمعنى "ُهزم" هزيمة منكرة (كما ورد في إشعياء 14: 25 في نبوته عن مصير الأشوريين) ولا تعني" ُقتل" كما ظن يوسيفوس، في حين أن التعبيرالأكثر شيوعًا هو ngp "ضرب" راجع (أخبار الأيام ثان 14: 11،12). هذا وقد انتشرت أخبار هذا النصر ومن قبله الانتصارات على أبولونيوس، مما آثار قلق أنطيوخس أبيفانيوس الملك، وتشير نبرة التعبير عن النصر هنا، تلك الواردة في وصف مآثر داود (أخبار الأيام ثان 14: 17 - قارن مع: تثنية 2: 25). ُانظر خريطة رقم (3). أنطيوخس يتجه إلى فارس 27فلما سمع أنطيوخس الملك بهذا الكلام، غضب غضبا شديدًا. فأرسل وجمع كل قوات مملكته، جيشا قويا جدًا. 28وفتح خزانته ودفع إلى جيوشه رواتب سنة وأمرهم بأن يكونوا متأهبين لكل شيء. 29ثم رأى أن الفضة قد نفدت من الخزائن، وقد قلت جزية البلاد بسبب الخلافات والنكبة التي أحدثها في البلاد بإلغائه السنن التي كانت لها منذ الأيام القديمة . 30وخشى أن يحدث ما حدث مرة أو مرتين فلا يملك ما يقوم بنفقاته وعطاياه التي كان يجود بها جودا واسعا فاق به الملوك الذين كانوا من قبله.31فتحير في نفسه حيرة شديدة، وعزم على الذهاب إلى بلاد فارس ليأخذ جزية البلاد ويجبي مالاً جزيلا. 32فترك ليسياس، وهو رجل شريف من الأسرة الملكية، يشرف على أمور الملك، من نهر الفرات إلى حدود مصر، 33وولاه تربية أنطيوخس ابنه إلى أن يعود.34وفوض إليه نصف الجيش والأفيال، وأملى عليه جميع وصاياه ومنها ما يخص سكان اليهودية وأورشليم، 35أن يوجه إليهم جيشا ليفنى ويستأصل شوكة إسرائيل وبقية أورشليم، ويمحو ذكرهم من ذلك المكان، 36وينزل في جميع بلادهم أبناء الأجانب، ويقسم أرضهم. 37وأخذ الملك النصف الباقي من الجيش وانطلق من أنطاكية، عاصمة ملكه، في السنة المئة والسابعة والأربعين، وعبر نهر الفرات، وجاب الأقاليم العليا. في تلك الأثناء كان أنطيوخس منصرفًا في أنطاكية إلى الاحتفالات التي أقامها حسب عادته، فلمّا سمع بأنباء تلك الانتصارات اضطرب. لقد تنبّه أن المسألة لم تعد مجرد "مناوشات" تصدر عن بعض الفدائيين أو الثوار، وانما هي في الواقع جيوشًا منظمة بقيادة ثائر ذو قدرات فائقة، يحرز الانتصارات، ومن ثم فقد قرّر الالتفات إلى هذا الخطر الجديد الذي ُيحدق بملكه ومملكته. لا سيّما وأن اضطراب تلك المنطقة القريبة من البحر المتوسط، قد يمهّد السبيل لديمتريوس الأول - المطالب بالعرش - لتحقيق غرضه، وذلك بعكس ما ظنّ البعض من أن تلك الأحداث لم ُتقلق أنطيوخس لاستخفافه بيهوذا المكابي. ويتّضح لنا من النص هنا أن اليهودية تلعب دورًا كبيرًا في الأحداث، إذ قلّت الضرائب نتيجة الاضطهاد ونشر الهيلينية، ولذا فقد قرّر الانتقام بنفسه من اليهود، غير أنه أرجأ ذلك إلى وقت لاحق، فقد انهكته الديون التى تركها له انطيوخس الثالث أبوه بعد "معركة أباميا" سنة 189 ق.م. كما أن مخططاته العسكرية الاستعمارية كلفته المزيد من النفقات لاسيما وقد كان سخيّا مع جنوده (آية 28) فقد دفع لهم رواتب عام كامل، وهكذا تسبب العاملان في نضب الموارد المالية (2مكا 8: 10). وهكذا لم تعد له إمكانية تحقيق الرخاء لشعبه، وبالتالي فقد اتجه إلى التفكير في الاستيلاء على خزائن المعابد المنتشرة في عبر مملكته، وكان قد فعل ذلك مع هيكل أورشليم من خلال هليودورس ومنلاوس رئيس الكهنة، وهو الآن يخطط لتكرار ذلك مع هيكل برسابوليس في فارس. كما كان هناك سببًا آخرا قويًا يعجّل بالاتجاه إلى تلك النواحي، وهو قهر القوة المتزايدة ل "ميتريداتس الأول"، والذي كان قد شغل عرش فارس في سنة 171 ق.م. وأصبح مع الوقت أقوى من أن يكون مجرد تابع للملكة السلوقية. ومثله جميع الولايات الفارسية الشرقية الثريّة (وُتسمّى تلك الولايات: المرازابيات) والتأكد من خضوعها هي وضرائبها له، والتي قد ُتعين الحكام هناك على تحقيق رغبتهم في الانفصال عن المملكة السلوقية، مثلما حدث مع الثائر " مولونMolon " في عهد أنطيوخس الثالث.(1)، ُيضاف إلى ذلك احتياجه الشديد إلى أموالها على النحو الذي ذكرناه، وكان موسم الربيع هو موسم شنّ الحملات، وهكذا زحف أنطيوخس في ربيع عام 166 /165 ق.م. ولقد ظن البعض أن مشكلة اليهود في ذلك الوقت لم تكن ذي بال بالنسبة للملك المضطرب، وذلك إذا ما قورنت بالتهديد الفارسى في الشرق، وبالتالي يتعجب أولئك النقاد كيف يسلط سفر المكابيين الضوء على أحداث اليهودية باعتبارها أخطر ما يجرى في العالم، إذ يؤكد السفر على اهتمام الملك بالقضاء على المقاومة، ويرون بالتالي أن الكتب اليهودية بالغت في تقدير الموقف. ولكن إذا ما نظرنا إلى التأثير اللاحق على البشرية، فإن الكتب اليونانية واليهودية كانت على حق!!، إذ أنه بين جميع الأحداث في المملكة السلوقية، لم يكن فيها أكثر أهمية من تلك الخاصة باليهودية على الإنسانية في العصور اللاحقة. وبالتالي فإن الأسفار المقدسة ليست مجرد مستودع تاريخي، وانما يختار الوحي المقدس ما يجب التركيز عليه. في الوقت ذاته لن يترك أنطيوخس شوكة اليهود تقوى ويستفحل أمرهم، فيحدث مالا يمكن تداركه، ومن ثم قرر الاتجاه إلى بلاد فارس بينما يترك في اليهودية من يتولى إخماد المقاومة. أمّا السنن التي ألغاها وتسببت في النكبة والبلاء وقلة الموارد المالية (آية 29) فربما كانت الحريات التي منحها سابقًا أبيه أنطيوخس الثالث الكبير لرعايا مملكته، ومنها تلك التي كانت لليهود. والحقيقة أن سياسات أنطيوخس المدنية والدينية، أثارت ردود فعل واسعة ليس في اليهودية فقط وانما في الإمبراطورية كلها، والمقصود ب " السنن التي كانت لها منذ الأيام القديمة ": التأكيد على أن جميع الشرائع ترجع إلى ما قبل زمن الآباء، ولعل كتاب اليوبيلات (الكتابات الأبوكريفية) يحاول تأكيد ذلك. ليسياس Lysias:اسم مشتق من الإسم اليوناني " ليسيانوس" ومعناه " نهاية الحزن". ويسميه يوسيفوس: " ليشاوس" ومن المحتمل أن يكون قد حلّ محلّ "سارون" والذي فشل في حملته على اليهود، ونفهم من (2 مكا10: 11) أنه قائد إقليم بقاع سوريا وفينيقية، وهو الإقليم الذي يوصف ب"من نهر الفرات إلى حدود مصر" وكانت تعني في العصر الفارسى: "شرق الفرات" وهكذا يمكن أن ُيسمى: قائد قوات سوريا العليا. ويعد ليسياس من أكفأ ضباط أنطيوخس، وقد عمل معه ثم مع ابنه أنطيوخس أوباطور الخامس، وأكثرهم فطنة، مما أهّله للحصول على أعلى لقب ملكي (صديق الملك) أو "من قرابة الملك syngenes" (2مكا11: 1) وهو أعلى لقب فخري في البلاط السلوقى (1مكا10: 89) ولكنه لا يعني بالضرورة أنه من الدم الملكي. وكان الوزير في المملكة السلوقية هو " القيّم على المصالح " أو" المقلّد تدبير الأمور" راجع (1مكا 3: 7 و 10: 11 و 11: 1) كان ليسياس مسئولًا عن الجزء الغربي من المملكة (آية 32) وقد أسند إليه الملك أمرين، أولهما أن ينوب عنه في غيابه ويرعى ابنه أنطيوخس الصغير، وثانيهما القضاء على المقاومة التي يتزعّمها يهوذا المكابى والذي سيقيم الله الخلاص عن يده (راجع ملوك ثان 14: 27) ثم توطين الوثنيين في اليهودية بعد إعادة تقسيمها، وسوف يتّضح لنا ذلك من رغبة رجاله في بيع اليهود كعبيد وسبايا (آية 36). ولذلك فقد ترك أنطيوخس معه نصف الجيش والأفيال، مما يوحى بأن الجيش الذي كان مع ليسياس كان كبيرًا. وقد جعل ابنه أنطيوخس وليّا للعهد، ملقبًا إياه ب ملك " باسيليوس basileus " في حين جعل ليسياس وصيّا عليه ورئيس وزراءه، ولكن جميع المكاتبات كانت ُتوقّع باسم الملك الصغير لا الوصي (2مكا 11: 16-36). وفي وثيقة هامة تسمّى " قصاصة من التاريخ اليوناني" منسوبة إلى بروفيري Prophyry واحتفظ بها يوسابيوس المؤرخ، ترد إشارة إلى ُملك أنطيوخس وابنه معا، وذلك في لوحة فلكية عن المريخ نقشت عام 118/117 ق.م. حيث نقرأ بأحد سطورها: "عام 115 (197/196 ق.م.) أنطيوخس وأنطيوخس ابنه ملك". وكان المقصود أنطيوخس الثالث والرابع. وفي القائمة المسمارية للملوك والتي ورد بها خبر وفاة أنطيوخس الرابع، إشارة إلى أن الملك الوالد - وهو في عنفوان شبابه - يمكن أن يمنح لقب ملك لابنه الصغير الذي لا يستطيع القيام بأعباء الحكم(1). هذا وكان نفوذ ليسياس والملك الطفل قاصرًا على غرب الفرات، هذا وقد ظلت ولاية ليسياس على أنطيوخس مدة سنة وستة أشهر، وبعد هزيمة القوات التي أرسلها لاخضاع اليهود، تولى هو قيادة الجيش ولكنه هُزم أيضًا هو الآخر، فمضى من توّه إلى أنطاكية ليعزّز قوته، غير أنه ُهزم مرة ثانية (1مكا4: 26 - 35 و 2 مكا11: 16) وفي سنة 163 اشترك مع أنطيوخس أوباطور - بتحريض من منلاوس - في مهاجمة اليهود، ولكنهم ُهزموا فأعدموا منلاوس ملقين عليه تبعة هذه الكسرة (2مكا13: 2 - 17) ولم ييأس ليسياس فقد أعاد الكرة على اليهود وحاصر أورشليم، وكاد يفتك باليهود لولا سماعه بأن " فيلبس وصى الملك" قد تسلّم مقاليد الحكم في أنطاكية، فبادر إذ ذاك إلى عقد مصالحة مع اليهود، ومن ثم انطلق إلى أنطاكية حيث استردّ السلطة عن طريق القوة من فيلبس (1مكا6: 28 - 63) وفي سنة 163 ق.م. قبضت جيوش ديمتريوس الأول عليه هو وأنطيوخس الصغير حيث ُقتلا (1مكا7: 2-4 و 2مكا14: 2). (الآيتين 36،37): كانت الخطة هي القضاء على المقاومة، وبيع المتمردين المتبقّين على قيد الحياة كعبيد (2مكا8: 9 - 11) ثم مصادرة أراضيهم وتوزيعها على الأجانب، ويتضح من (آية 37) أن الملك كان في ذلك الوقت في "مكان محايد" حيث انطلق من ثمّ إلى عاصمة ملكه، ومن هناك اتجه إلى بلاد فارس، وتشير عبارة "الأماكن العليا" إلى نواحي إيران " اقليم فارس الحديث جنوب ايران" (6: 1). كما أغار أيضًا على "ميسين Mesene " عند رأس الخليج الفارسي. ومنذ عهد هيرودت Herodotus المؤرخ يستخدم الكتّاب اليونان تعبير " الأقاليم العليا " للإشارة إلى بلاد ما بين النهرين وايران، الواقعة بعيدًا عن ساحل البحر المتوسط. وكانت حملته تلك في ربيع سنة 165 ق.م. (147 سلوقية). ُانظر خريطة رقم (5). نواب أنطيوخس يخوضون حربًا ضد المكابيين مكابيين ثان 8: 8-15 38فاختار ليسياس بطليمس بن دوريمانس ونقانور وجرجياس، وهم رجال ذوو بأس من أصحاب الملك. 39ووجه معهم أربعين ألف راجل وسبعة آلاف فارس ليأتوا أرض يهوذا ويدمروها على حسب أمر الملك. 40فساروا بالجيش كله حتى بلغوا إلى قرب عماوس، وعسكروا هناك في أرض السهل. 41وسمع بخبرهم تجار البلاد، فأخذوا من الفضة والذهب شيئًا كثيرا وأغلالا، وجاؤوا المعسكر حتى يشتروا بنى إسرائيل عبيدا لهم، وانضمت إليهم قوات من أرض أدوم وأرض الفلسطينيين.42ورأى يهوذا وإخوته أن الشر يتفاقم وأن الجيوش تعسكر في بلادهم، وبلغهم كلام الملك إذ أمر بإهلاك الشعب واستئصاله. 43فقال كل واحد لصاحبه: "هلموا ننهض شعبنا من دماره ونقاتل عن شعبنا وأقداسنا". 44فاحتشدت الجماعة لتتأهب للقتال وتصلى وتسأل الرأفة والمراحم. 45وكانت أورشليم مهجورة كالقفر لا يدخلها ولا يخرج منها أحد من بنيها. وكان المقدس مدوسا وأبناء الأجانب في القلعة التي صارت مسكنا للأمم. وقد زال الطرب عن يعقوب وبطل المزمار والكنّارة. كلف ليسياس ثلاثة من القواد للقيام بالحملة التأديبية على اليهود: بطليموس بن دوريمانس: ويسمى بطليموس مقرون أو ماكرون (2مكا10: 12) ويقترح المؤرخ بوليبيوس أن يكون دوريمانس أبو بطليموس هذا هو شخص كان قد ناهض أنطيوخس الكبير، أما بطليموس فهو قائد اقليم بقاع سورية وفينيقية (قارن في مكابيين الثاني 4: 45-47 مع 1مكا 8: 8) وهو واحد من اثنين وسبعين حاكمًا عيّنهم أنطيوخس الرابع في المملكة السلوقية، وكان منلاوس (رئيس الكهنة غير الشرعي) قد وسّطه لدى أنطيوخس بسبب شكاية اليهود عليه، ولكنه في النهاية وُشي به فانتحر بالسمّ (2مكا10: 13) ومن المحتمل أن يكون قد عُيّن محلّ سارون بعد فشله في إخضاع اليهود. وفي مكابيينثان ترد ملاحظة هامة عنه تفيد بأنه رئيس لكل من نقانور وجرجياس، وبالتالي هو الذي أرسلهما للانتقام من يهوذا ورجاله (2مكا 8: 8،9). نقانور: (اسم يوناني معناه الفاتح) ويرد في مكابيين الثاني أنه ابن "بتروكلس"، وهو أحد القادة المقربين للملك السلوقى، حيث تمتع بلقب: "أول أصدقاء الملك" (2مكا8: 9) وكان يعمل أولًا كمروّض للأفيال المستخدمة في الحروب، أقامه سلوقس واليًا على اليهودية لكي يجرّد ألكيمس من سلطته المدنية (2مكا14: 12) وقد ُعرف عنه بغضته الشديدة لليهود وقد بادله اليهود كرها بكره، فقد جدّف في وقت لاحق على الهيكل، ولذلك فعندما هزمه اليهود تعقبوه إلى أن قبضوا عليه وقتلوه ثم علقوا رأسه وذراعه على السور، ثم قطعوا جثته وألقوها للطيور، بل جعلوا الانتصار عليه احتفالا ُيقام من عام لعام، ومن بين بوابات الهيكل كانت هناك بوابة نقانور الشهيرة (كما سيأتي). جرجياس: (اسم يوناني ربما كان مشتقًا من الاسم جورجيوس ومعناه فلاح). وهو القائد العسكري بين القادة الثلاثة، وقد ُسمي في (2مكا 10: 14،15 و 12: 32-37) أنه حاكم أدوم، وكان الحكام السلوقيون يفضلون ارسال قادة للمناطق الصعبة ممن لهم فيها خبرة. ولربما ُعيّن بعد ذلك في مكان بطليموس بعد انتحاره، وقد قاد جرجياس العمليات العسكرية في هذه الموقعة ولكنه هُزم من جيش المكابى كما سيأتي، غير أنه عاد وانتصر في موقعة أخرى في "يمنيا" على يوسف وعزاريا، وهي الواقعة التي ُاطلق عليها اصطلاحًا: "نكسة يمنيا"، وكان اليهود يمقتون جرجياس ويسمونه " الرجل الملعون" أو " المنافق" (2مكا12: 35). وبينما يركز هذا السفر على "جرجياس" كقائد ماكر، فإن سفر المكابيين الثاني يركز على نيقانور باعتباره شديد الفجور (2مكا 8: 34 و 15: 3). وقد تألّفت حملة القادة الثلاثة على اليهودية من أربعين ألف جندي وسبعة آلاف فارس، وكان الغرض منها هو تدمير اليهودية ومحو هويّتها وجعلها مقاطعة ملكية. ورغم تعجب البعض من هذا الرقم الضخم الذي يواجه به السلوقيون قوة صغيرة من اليهود، إلاّ أن السلوقيين كانوا قد بدأوا يخشون اليهود وقوتهم ويتحسّبون لمفاجآتهم، فقد ُهزموا منذ وقت قصير قادة أشداء وقتلوا كثيرين منهم، وبالرجوع إلى حروب داود نجد أنه قضى على أربعين ألفًا من المشاة الأراميين وسبعة آلاف فارس (أخبار الأيام ثان 19: 18) وأسر عشرين ألفًا من القوة الأرامية (أخبار الأيام ثان 17: 4). يضاف إلى ذلك أن هؤلاء القادة الثلاثة كان لديهم أضعاف هذه الأعداد التي اشتركوا بها. عند سهل عمّاوس عسكر الجيش، وقد أشاع أولئك القادة بأن اليهود لا محالة سوف يُباعون، وعلى التجار والراغبين بالتالي الاستعداد لذلك، فجمع هؤلاء الكثير من المال وهم يمنوّن أنفسهم بتجارة رابحة، ولاشك أن مثل تلك الشائعات كفيلة في حد ذاتها بتثبيط عزائم اليهود، سواء جنودهم أو السكان المحليون، غير أنه اتضح أن الاعداء كانوا متفائلين أكثر من الضروري، وقد ملء الكبر قلوبهم مستخفين باليهود. ويقصد بكلمة: "أغلال" (آية 41): "أولاد"، وذلك حسبما يرد في تاريخ يوسيفوس وفي الترجمات السريانية واللاتينية. ولعله يقصد الغلمان الذين سيسوقون العبيد والإماء، حيث تأتى في ترجمة أخرى "ذوى قيود" أي حاملي القيود. هذا وكان للأدوميين نشاطًا واسعًا في تجارة العبيد. عمّاوس Emmaus: (اسم عبري معناه الينابيع الحارة) وُيحتمل أن يكون من الاسم العبري "همات" ومعناه "الربيع الحار" وذلك نسبة إلى مياهها الحارة في فصل الربيع، حيث ُيعتقد أنها تشفى من بعض الأمراض، وهو نفس ما يقرّره يوسيفوس. وهي قرية سهلية تقع على بعد 12 كم إلى الشمال الغربي من أورشليم، وقد تحيّر العلماء في تحديد موقعها، والأرجح أنها المكان المسمّى الآن (القبيبة) على مسافة 11 كم شمال غرب أورشليم أيضا، وفي الحفريات التي تمت سنة 1873م تم العثور على منزل قديم يُحتمل أن يكون منزل "كليوباس" المذكور في (لوقا24: 18) حيث بنى الآباء الفرنسيسكان كنيسة على اسمه، ورغم أنها لم ُتذكر في الكتاب المقدس سوى مرتين (المكابيين وإنجيل لوقا) إلاّ أنه من المحتمل أن تكون هي " الموصة" المذكورة في (يشوع 18: 26) وأن كان يشوع يصفها بأنها مدينة وليست قرية. ويظن البعض أنها قرية عمواس الحالية، بينما رأى آخرون أنها "مستعمرة فاسبسيان، وهو المكان المسمى "كولونيا"، وفي بداية العصر المسيحي كانت ما تزال معروفة بمائها الشافي، وفي القرن الثالث الميلادى كانت تسمى "نيكوبوليس" وكانت مزارًا سياحيًا، ومكان اجتماع للأساقفة، هناك تقابل جيروم مع يوسابيوس القيصري. وعندما استولى بكيديس على اليهودية سنة 160 ق.م. حصّنها ضمن مدن أخرى، وأخذ أبناء رؤسائها كرهائن أودعهم في القلعة السلوقية، كما وضع في المدينة نفسها جنودا سلوقيين، أساءوا إلى سكانها (1مكا9: 50) وفي النسخة السينائية ُتوصف عماوس بأنها على بعد 160 غلوة من أورشليم، وليس ستين فقط (32 كم بدلًا من 12كم). وعندما عسكر السلوقيون عندها في ذلك الوقت، كانت قاعدة جيدة لقوة دفاع ثابتة فيها، تقوم بإغلاق الطرق الساحلية الخارجة من أورشليم. قوات أرض أدوم وأرض الفلسطينيين: تأتى "أرض أدوم" في اليونانية وبعض الترجمات الأخرى سورية، ولكنها ُقرئت خطأ في الأصل العبري حيث ُيظن أنه نطق " دم dm` " على أنها " رم rm` " (راجع قضاة 3: 8 و صموئيل ثان 8:12 و ملوك أول 11: 25 و ملوك ثان 16: 6) وأماّ "أرض الفلسطينيين" فتعنى حرفيًا "أرض الأجانب" راجع (1مكا5: 68) وفى المقابل فإن "أرض الأجانب" جاءت في السبعينية بمعنى "أرض الفلسطينيين" وترد كثيرًا في السبعينية على هذا النحو (1مكا4: 22،30 و 5: 66). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). وقد استخدم سفرًا صموئيل كلمة "غرباء" باستمرار في في الاشارة إلى الفلسطينيين، وفي عصر داود سمّى سكان غزة وأشدود وأشقالون أنفسهم بالفلسطينيين، مع أن أكثرهم ليسوا من أصل فلسطيني، وفي العهد الجديد استخدم الرومان اسم فلسطين للمنطقة التي تشمل اليهودية والسامرة والساحل الملاصق والأراضي المجاورة. هكذا فقد انضمّت إلى الجيوش السلوقية، قوات أخرى وثنيية من سورية والمدن الفلسطينية، ربما من المرتزقة، أو الذين تجندوا من تلك المناطق باعتبارها واقعة تحت سيطرة السلوقيين. قرر القادة السلوقيون في عماوس مراقبة عدة طرق هامة تصل أورشليم بالسهل الساحلي، وأن يرسلوا قواتا تسد طرق أخرى، كما كانت خصوبة الأرض تضمن لهم مؤنتهم لمدة طويلة، كما اهتم السلوقيون بتأمين الجانب المصري بحيث لا يتحالف البطالمة مع اليهود، ومن هنا فقد أغلقوا المدن الساحلية، بينما كان الأدوميون - أعداء اليهود - يسدّون الطرق الداخلية (5: 65 و2مكا 12: 32-37) ورغم ذلك فقد كان معسكر الأعداء عرضة للهجوم من قوات تتحرك خفية بمحاذاة التلال إلى الجنوب. وكان استعداد تجار الرقيق للعمل، يشير إلى ثقتهم في تحرّك سريع من قبل القوات السلوقية على أكثر من محور لتتحد مع مناصريهم في قلعة عكرة بأورشليم لتحقيق أهدافها، ولعل ذلك من بين الأسباب التي دفعت يهوذا المكابي إلى المبادرة بالهجوم، رغم أن قواته الصغيرة لا تستطيع تأمين جميع الطرق ضد الأعداء، غير أنه كان بإمكانه التحرّك إلى المرتفعات جنوب عماوس لمراقبة أية تحركات للمعسكر السلوقي على طول الطرق الشمالية إلى أورشليم وكذلك أي تحرّك على الطرق الجنوبية، كما كان يمكن ليهوذا الانسحاب متى استدعى الأمر إلى التلال التي له فيها أنصار، كذلك فإن قرب اليهود من معسكر السلوقيين جعل جرجياس ونقانور يترددان في تقسيم قواتهما وتخفيض القوة الرئيسية في عمّاوس، وهكذا فإن تسرّع جرجياس حلّ مشكلة يهوذا ومهد له الطريق لإبادة الحملة كلها وهكذا أدرك يهوذا وجنوده أن الأمر يتخطى قدرتهم، وبالتالي فقد التجأوا إلى الله بالصلاة واستمدّوا قوتهم من شعورهم بأنهم يقاتلون عن الهيكل وعن اخوتهم، راجع (صموئيل ثان 10: 12 و أخبار الأيام الأول 19: 13) وطلبوا أن يترأف الله بهم، فقد كان الخراب والدمار آتٍ ليطل بوجهه على اليهودية كافة. وعن انهاض الهمم في الآية 43 نجد صدى لما ورد في: (عاموس 9: 11) بينما تشير القطعة الشعرية في (الآية 45) إلى مستوى الذل والاحباط الذي كان اليهود يشعرون به في تلك السنوات من تاريخهم، إذ تجاوزت المرارة حلوقهم. وربما نجد في هذه الآية صدى لنبوات (إشعياء 24) فبعد فترة من الارتداد (24: 5) ُتترك المدينة في حالة من الخراب والدمار (24: 6-13) وبعد ذلك يرفع الناس أصواتهم إلى الله (24: 14-16) فيحقق لهم الله نصرا ُيفزع الأعداء (17: 23) وهكذا يمكن للمطّلعين على النبوات في ذلك الوقت أن يتوقعوا ذلك النصر الذي حققه المكابيون، راجع أيضًا (أشعياء 63: 18). ُانظر خريطة رقم (4). اجتماع اليهود في المصفاة مكابيين ثان 8: 16-23 46فاجتمعوا وأتوا إلى المصفاة، قبالة أورشليم، لأن المصفاة كانت من قبل مكان صلاة لإسرائيل. 47وصاموا في ذلك اليوم وتحزموا بالمسوح وحثوا الرماد على رؤوسهم ومزقوا ثيابهم.48ونشروا كتاب الشريعة ليطلعوا على ما كانت الأمم تستطلع في شأنه صور أصنامها. 49وأتوا بثياب الكهنوت وبالبواكير والعشور، ثم أحضروا النذراء الذين قد استوفوا أيامهم. 50ورفعوا أصواتهم إلى السماء قائلين: "ماذا نصنع بهؤلاء وإلى أين نذهب بهم؟ 51فإن أقداسك قد ديست ودنست وكهنتك في الحزن والمذلة. 52وها إن الأمم قد اجتمعت علينا لتبيدنا، وأنت عليم بما تتآمر به علينا. 53فكيف نستطيع الثبات أمامها، إن لم تكن أنت في نصرتنا؟" 54ثم نفخوا في الأبواق وصرخوا بصوت عظيم. المصفاة Mizipah:(كلمة عبرية معناها برج المراقبة) وعند تقسيم الأرض وقعت في الجزء الشمالي من نصيب بنيامين (يشوع 18: 26) ووردت في السفر هنا باسم "حيلام" (5: 35) ويجب التفريق بينها وبين المصفاه التي تترجم أحيانا "سكوبيا" والتي مكانها الآن "تل النصبة" أو "شعفات" على مسافة 13 كم، وربما يكون مكان المصفاة التي نحن بصددها الآن قرية "النبي صموئيل" على مسافة حوالي عشرة كيلومترات شمال غرب أورشليم، حيث تأكّد ذلك من الحفريات التي تمت هناك سنة 1897م وكذلك في الفترة من 1935 - 1946م. وهو المكان الذي يمكن من خلاله رؤية أورشليم ومراقبة الطرق الآتية من الغرب، أما قرية "النبي صموئيل" فهي أقرب إلى عماوس، لأن تل النصبة لا يمكن مشاهدة أورشليم منه. وكانت المصفاه مكان اجتماع اليهود للصلاة والتشاور (قضاة 20: 1 و صموئيل أول 7: 5 و 10: 17) وعندما كانت في أيدي السلوقيين هاجمها يهوذا المكابى وأحرقها وسلب غنائمها وأحرقها بالنار (1مكا 5: 35). وقد ارتبط الصوم وارتداء المسوح وما يصاحب ذلك من حثو الرماد على الرؤوس وتمزيق الثياب، بالضيقات التي تلمّ باليهود بين وقت وآخر والمسوح: هو لباس من الشعر أو وبر الإبل، يرتديه الإنسان على جسده مباشرة، على سبيل اذلال الجسد، أو ينام فوقه أو يرتديه كرداء، وأحيانا كان يستخدم في شكل مجرد "شارة حداد" وأحيانا كمنطقة على الحقوين حيث كان يسمى ذلك "زنار المسح" (ملوك أول 20: 31،32 و إشعياء 3: 24 و 20: 2) وقد شمل لبس المسوح كحداد في بعض الأوقات: النساء والأطفال والشيوخ بل والمذبح أيضا، كما حدث في أيام يهوديت، كما استخدم في حالات الوفاة، وُوضع ذات مرة فوق الحيوانات كما حدث في نينوى (يونان 3: 8) وأحيانا عند الندم والتوبة. تمزيق الثياب: وهو اجراء أو سلوك يصاحب المسوح غالبًا في الحالات الُمشار إليها، فقد مزق رأوبين ثيابه عندما فقد يوسف، وكذلك فعل يعقوب أبيهما (تكوين37: 29،34) وكذلك أخوة يوسف عند اكتشاف سرقة الكأس، وإليشع عند صعود إيليا وأيوب عند فقدانه لممتلكاته وداود عند مقتل شاول، وكذلك فعل حزقيا عند سماعه تهديدات سنحاريب الأشورى (ملوك ثان 19: 1). هكذا يجيىء تمزيق الثياب ولبس المسوح استدرارًا لمراحم الرب ورأفاته. استشارة الله(آية 48): في ذلك الوقت لم يكن هناك أنبياء يتنبأون للشعب، على غرار ما كان يحدث في عصر الأنبياء الكبار والصغار، ومن ثم فقد عاد الشعب هنا إلى الطرق القديمة، مثل الجلوس تحت شجرة الصفصاف أو النخلة حيث كانت دبورة النبية تقضى للشعب (قضاة 4: 5)، فقد كانوا يراقبون حركة أوراق الشجر ليقرروا بالتالي ماذا يصنعون، حيث ُتعطى الحركه علامة للإيجاب أو النفي، أو من خلال "الأوريم والتميم" المثبت على صدره رئيس الكهنة، أو الأحلام والرؤى، ثم ظهور الله لبعضهم أو التكلم فمًا لأذن معهم. أماّ هنا فقد اتبعوا طريقة مختلفة، وهي فتح كتاب الشريعة على أي مكان ليقرأوا ماذا يقول الرب، فتكون تلك هي رسالة الرب لهم أو قراره بخصوص ما يشغلهم، وتشير الآية إلى أن هذه الطريقة كانت متبعة لدى بعض الشعوب الوثنية التي حولهم "على ما كانت الأمم تستطلع في شأنه صور أصنامها" بمعنى أن يتخيلوا هل يبتسم الصنم قدامهم أم يعبس، هل ينعكس الضوء عنه في اتجاه ما دون غيره.! وربما تكون هذه العادة قد انتشرت بين الشعوب في المنطقة في ذلك الوقت، وقد أوجد اليهود طريقة مقابلة لها من خلال أسفار الشريعة حتى لا يضلّ الشعب(1)، راجع في ذلك (2مكا8: 23). والآن لنا في كلمة الله المزخر فيها كل حكمة وتعزية، ما نحتاج إليه،فالله بعدما كلم الآباء بالانبياء قديمًا بانواع و طرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه (عبرانيين 1: 1،2). وعند الحاجة إلى اتخاذ قرار سليم يمكن اتباع الآتي: 1-الصلاة بتسليم حتى يهب الله حكمة للإنسان يسلك موجبها. 2- دراسة الأمر دراسة موضوعية شمولية محايدة. 3- استشارة من يثق بهم ولهم خبرة في المجال ذات العلاقة. أما المفسرين فقد رأوا أن الوثنيين في ذلك الوقت حاولوا اثبات أن عباداتهم موجودة في التوراة (تنتمي إلى ديانة إسرائيل) ولكن العهد القديم يشير في أكثر ن موضع إلى انحراف الشعب إلى عبادات غريبة، عاتبهم الله عليها وعاقبهم بسببها أكثر من مرة. (الآيات 49 - 54): هذه الخطوات تعبر عن توقف العبادة وعدم قدرة الشعب على مواصلة حياتهم الليتورجية، في ظل الظروف السياسية المحيطة والتي افضت إلى توقف الذبيحة والخدمات كلها، وكانت ثياب الكهنوت تستخدم في الخدمة في هيكل أورشليم فقط (خروج 28: 40-43 و 39: 1). وها هم يرغبون في اتمام الوصايا وتقديم الذبائح وإتمام طقس النذيرين الذين استوفوا أيام نذرهم، حيث أن ذبائحهم الإجبارية وذبائح السلامة والخطية كانت ُتقدم في الهيكل فقط (سفر العدد 6: 13-20). فقد كان من الممكن الاحتفاظ - لمدة طويلة - بالبكور والعشور التي لا تتلف سريعا، ولكنه وطبقا لتفسير الربيين ل (تثنية 26: 12،13) كان يجب نقلها من مكان مقدمها إلى أورشليم بحلول الفصح في السنة الثالثة أو السادسة من الدورة السبتية، ولعل ذلك يؤكد لنا أن سنة حملة جرجياس ونيقانور (165/164 ق.م.) كانت السنة السادسة من الدورة السبتية، وأن السنة (164/163ق.م.) كانت سنة سبتية، راجع التعليق على (6: 20) ومع ذلك لا نستطيع أن نحدد وقت الحملة بأنه قرب الفصح، لأنه طالما كانت أورشليم مغلقة أمام الأتقياء فإنهم بالتالي لا يستطيعون نقل المحاصيل التي تحوّلت إلى مقدسات (عشور وبكور) إليها، ومن هنا كانت حيرتهم: ماذا يفعلون بها.؟ ولا نعرف بالضبط كيف كانوا في ذلك الوقت يفسرون (تثنية 26: 12،13). أمّا بواكير الحيوانات الطاهرة، وهي تقدمات اجبارية تقدم في الهيكل (خروج 13:12-15 و سفر العدد 18: 17 و تثنية 12: 6-18 و 14: 23 و 15: 19،20) وبكور الثمار (خروج 34: 22-26 و لاويين 23: 17-20). كما شملت " العشور الالزامية": عشور الماشية، وكان يمكن احضار "الُعشر الثاني" فقط إلى الهيكل (لاويين 27: 32،33 و تثنية 12: 6- 18 و 14: 23). كان ذلك تجسيد لحالة البؤس التي كانوا عليها، وهم يصرخون إلى الله لعله يترأف عليهم وعلى هيكله، فقد قام عليهم الأمم لابادتهم، وهو ما نرى فيه صدى لقصة حزقيا الملك وسنحاريب الأشوري (ملوك ثان 18: 25 و 19: 27 وإشعياء 36: 10 و37: 28) قارن مع (إرميا 18: 23). وأما النفخ في الأبواق هنا فيفهم منه أنهم أتموا هذه الطقوس في المصفاه وعلى مرمى البصر من القدس والذي كان محظور عليهم دخوله، وإن كانوا على وشك أن يستردّوه (سفر العدد 10: 9)، وهكذا قام يهوذا والشعب بتأدية هذه الشعائر بدقة وشوق ولهفة، وذلك وسط مشهد محزن ومثير للعواطف. وقد حاول التقاة قبل ذلك الاستشهاد دون مقاومة (2: 28-38) لاستثارة الله للانتقام لهم من أعدائهم، راجع (تثنية 32: 36) أمّا هنا فإنهم يكتفون باظهار الضعف والعجز لاستدرار عطف الله ومعونته(1). يهوذا يجهّز الجيش 55 وبعد ذلك أقام يهوذا قواد الشعب، رؤساء الألف والمئة والخمسين والعشرة، 56وأمر من أخذ في بناء بيت، أو خطب امرأة أو غرس كرمًا، أو كان خائفا. بأن يرجع إلى بيته، بحسب ما ورد في الشريعة. 57ثم سار الجيش وعسكر بجنوب عمّاوس 58فقال يهوذا: "تجهزوا وكونوا ذوى بأس وتأهبوا للغد لمقاتلة هذه الأمم المجتمعة علينا لتبيدنا نحن وأقداسنا، 59 فلأن نموت في القتال خير لنا من أن نعاين الشر في قومنا وأقداسنا وكما تكون مشيئته في السماء، فليصنع". يعود بنا يهوذا المكابى إلى المنهج الكتابي بخصوص تنظيم الجيوش في إسرائيل القديمة، وأول ذكر لمثل هذه التقاسيم جاء في نظام القضاء لا في الحرب، حين عيّن موسى النبي رؤساء ألوف ورؤساء مئات ورؤساء خماسين ورؤساء عشرات، عملًا بنصيحة حميه يثرون (خروج 18: 21) حتى يسهل قيادة الشعب وقضاء حاجاتهم (تثنية 1: 15) حيث يؤكد ذلك "لا مركزية" موسى في الحكم. وفي سفر العدد نقرأ عن وجود هذا النظام في الجيش "ثم تقدم إلى موسى ضباط ألوف الجيش أي رؤساء الألوف ورؤساء المئات" (سفر العدد 31: 48). وفي وقت لاحق نجد ذلك مع داود عند حربه مع أبشالوم (صموئيل ثان 18: 1). هذا وقد ُوجد هذا النظام في "كتاب الحرب" الخاص بالأسينيين سكان مغائر قمران. كما كان هذا النظام معمولًا به على نطاق واسع في العالم اليوناني القديم. ثم يتبع المكابى التقليد الكتابي أيضًا في اعفاء كل من له ظروف خاصة، وربما كان السبب أصلًا هو منع شخص آخر من الزواج بزوجة الجندي أو الاستمتاع بباكورة العنب، أو سكنى البيت الجديد الخاص بذلك الجندي، فتتاح من ثم الفرصة للجندي الحديث هذا بالاستمتاع بمثل ذلك ليؤجل تجنيده إلى وقت آخر (تثنية 20: 5 - 9) ومن جهة أخرى ُيخشى أن يضعف قلبه في الجهاد في الميدان بسبب ذلك، وبالتالي تضعف قلوب من حوله من الجنود بسببه. هكذا أعفى يهوذا المكابى كل خائف وكل مشغول ببناء بيت، ومن خطب فتاه وعلى وشك الزواج منها، أو من غرس كرمًا وأوشك أن يجنى أول ثماره. ورغم قلة العدد بالأكثر نتيجة لهذه التصفيات، فإن ذلك سيؤكد أن النصر ليس بسبب قوة الجيش وكثرة أفراده، وانما إلى معونة الرب إذ أنها حرب مقدسة (راجع قضاه 7: 3). وأتى يهوذا بالجيش إلى جنوب "عماوس" في الجهة المقابلة لمعسكر السلوقيين، وقد كان موقع السلوقيين بالضبط على مسافة 15 ميلا شمال غرب أورشليم (ربما عمواس الحالية) بينما يرى البعض أنها "القبيبة" الآن، على بعد 8 أميال شمال شرق أورشليم، مما يتفق مع مسافة الستين غلوة المذكورة في (لوقا 24: 13). ثم وعظهم وأكّد عليهم من جديد أنها حرب للرب فإمّا أن يموتوا واقفين وإما أن يعيشوا راكعين وأقداسهم مدوسة (1)، " وتعلم هذه الجماعة كلها أنه ليس بسيف ولا برمح يخلص الرب لأن الحرب للرب وهو يدفعكم ليدنا" (صموئيل الأول 17: 47). ثم يختم بعبارة لها نظير في الصلاة الربانية "وكما تكون مشيئته في السماء فليصنع" وهي تقابل "كما في السماء كذلك على الأرض". (1)قام العالم "بورنى C. F. Burney" بإعادة صياغة القطعة النثر الواردة في الأعداد (3 - 9) في شكل قصيدة وذلك في عام 1919 - 1920م. (2)هناك مقابلات كثيرة خلال السفرين ما بين داود النبي ويهوذا المكابي، سواء من خلال استخدام التعبيرات أو رواية الأحداث، كما سنرى. (1)موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية/ د. عبد الوهاب المسيرى/ ج4. ص339. (1)حيث لم ُيتهم السامريين أنفسهم خلال السفرين بأنهم ساندوا السلوقيين في حروبهم، ولا يتهمهم يوسيفوس إلاّ بانكار قرابتهم لليهود (12: 5 - 5 - 257)، أمّا سكنى الوثنيين في السامرة فيظهر لنا من خلال " بردية السامرة " . راجع يوناثان جولدشتاين - مكابيين أول / ص 246. (1)يشكك البعض في تقلد سارون لهذا المنصب، ويرون أنه مجرد قائد لوحدة عسكرية سورية ) المؤسسات السلوقية Bickerman, p.64-65.). (1)يرى بعض المؤرخين أن أرساكيس "ميتريداتس الأول" ملك برثية لم يكن مصدر خطر حقيقي في ذلك الوقت، وانما بعد أنطيوخس الرابع بكثير، أمّا الذي حارب البرثيين فهو أنطيوخس السابع، وضعفت مقدونية بموته، ومن ثمّ قيام الملوك اليهود، ولم يتدخل أنطيوخس السابع في ديانة اليهود، حسبما يورد يوسيفوس. (1)لمزيد من التفاصيل عن حقوق ولي العهد وعلاقته بالملك الحي، راجع: Jonathan A. Goldstien, p. 252-254 (1)ما تزال مثل هذه الطرق منتشرة بين البسطاء من الناس، حين يفتحون الكتاب المقدس بشكل عفوى للحصول على رأى الله، أو قراءة الفنجان والودع وغيرها وهي طرق خاطئة بلا شك. (1)انظر: (لاويين 26: 40-45 و تثنية 26: 7،8 و 30: 1-10 و قضاة 2: 15-18 و صموئيل أول 7: 2-14 و ملوك أول 14: 25 27) وجميعها نصوص تؤكد حتمية تدخل الله متى اتضع عبيده قدامه. (1)مرة أخرى يقابل السفر هنا بين داود ويهوذا المكابي، انظر (صموئيل ثان 10: 12 و أخبار الأيام الأول 19: 13). |
||||
31 - 03 - 2014, 05:21 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام -
مكابيين أول 4 - تفسير سفر المكابيين الأول معركة عماوس | حملة ليسياس | تطهير الهيكل وتدشينهفى هذا الأصحاح يخوض اليهود "حرب للرب ولمقدساته" فيعينهم الله وعندئذ يقومون بواحد من أعظم الأعمال في تاريخهم، وهو عيد التجديد والذي يعدّ الأحدث في التقوىم اليهودي. معركة عماوس . مناورات قبل الحرب مكابيين ثان 8: 23-29 يقصد بأهل القلعة هنا أولئك اليهود المتأغرقين والمتعاونين مع القوات السلوقية والمتمركزين في القلعة السلوقية في أورشليم مع نظرائهم من الجنود السلوقيين، وهم الذين نصحوا جرجياس بعدم مواجهة اليهود مباشرة، وإنما الالتفاف حولهم للإطباق عليهم، وبما لهم من الخبرة بطبوغرافية المكا ن، فقد دلّوا السلوقيون على طريق داخل الجبل يجعلهم في موقع استراتيجى. وبالمقارنة مع ما ورد عن هذه الموقعة في (2مكا 8: 24) نفهم أن جرجياس القائد السلوقى، كان يعمل هنا بالتنسيق مع نيقانور (القائد الثاني) وكانت الخطة تقضى بأن يهجم نيقانور من الشمال بينما يهجم جرجياس من الجنوب، ومن المحتمل أن يكون كل من جرجياس ونيقانور قد تقدما من جهة الساحل حتى عماوس، حيث حاول جرجياس القيام بحركة التفاف، ولكن يهوذا المكابى بجيشه الصغير والمسلّح تسليحًا خفيفًا، استطاع أن يحرز نصرًا مزدوجًا على الاثنين. إذ أنه وبينما كان يهوذا متمركزًا بجيشه، سمع بوجود جيش جرجياس على مقربة منه داخل الجبل (ويهوذا أقدر بمعرفة دروب ومسالك الجبال أكثر من جرجياس). ومع أن السفر هنا وكذلك سفر المكابيين الثاني (8: 12-27) لم يذكر أن يهوذا حصل على هذه المعلومات بطريقة خارقة للطبيعة، إلاّ أن كاتب كتاب أخنوخ - وهو معاصر لتلك الحملة - يشير إلى ذلك، وربما أراد مقارنة المكابي بداود النبي. قارن: (أخنوخ90: 14)(1) مع صموئيل الثاني 5: 23- 25 و أخبار الأيام الثاني 14: 14-16). فبادر يهوذا على الفور إلى مهاجمة جرجياس، وهي إحدى ميزات يهوذا العسكرية (كما سبق القول)، وفي الوقت ذاته تحرّك جرجياس تجاه اليهود، غير أنه لم يجدهم حيث ظن أن قلوبهم قد ضعفت فهربوا في الجبال. ويقول يوسيفوس في تاريخه أن يهوذا المكابي قرر مهاجمة المعسكر بنفسه وأنه جعل رجاله يتناولون عشاءهم مبكرًا وبعد أن ترك نارا مشتعلة في معسكره في عماوس(1)، ثم حاول تتبعهم طوال الليل حتى الصباح، حيث نظر الجيشان أحدهما الآخر عن بعد، ولأول وهلة ظهر جيش جرجياس قويًا مخيفًا مقابل جيش المكا بي (قارن مع صموئيل أول 17: 38-47)، ولكن الأخير خطب في جنوده وألهب حماسهم للقتال عن طريق الوازع الديني، وهي عادة مرتبطة ببدء المعارك. هذا وبينما تشبه خطة يهوذا هنا: خطة يشوع (راجع يشوع 8: 6) فإننا نجد تشابها بين عمل كل من داود ويهوذا المكابي، راجع (أخبار الأيام الأول 14: 14-16 و صموئيل ثان 5: 23-25) راجل: الجندي العادي (المشاه على أرجلهم). فارس: أو الخيال وهو راكب الفرس، وهو أخف حركة وأعلى تدريبًا ودوره أهم في المعركة. درع: هو اللوح المعدنى أو الجلد القوى لحماية صدر الجندي من سهام العدو. عظة التوجيه المعنوى مكابيين ثان 10: 1-8 ما يزال حدث عبور البحر الأحمر هو محور حياة اليهود وتاريخهم، ويعد الانتصار الأعظم في سلسلة حروبهم وانتصاراتهم (خروج 14)، إذ يمثل لهم الكثير لاسيما فيما يتعلق بحصولهم على الحرية بعد العبودية المرة في مصر، والتي تلازمهم ذكراها عند كل مرة يأكلون فيها الفصح "على أعشاب ُمرة" وبالتالي دخولهم في حياة جديدة. والمقارنة هنا بين الخطر المحدق بيهوذا بسبب حصاره بين قوات جرجياس ونيقانور، وخطر الاستعباد، كذلك كان بني إسرائيل محاصرين بين البحر وقوات فرعون التي تطاردهم. كما يلمّح السفر إلى خلاص إسرائيل من سنحاريب، حيث نجد صدى ل (الآية 11) في: (ملوك ثان 19: 19 و إشعياء 37: 20)(1). ويلاحظ في (الآية 10) كيف يستعيض كاتب السفر عن لفظة الجلالة ب"السماء" بشكل واضح، فلم يقل لنصرخن إلى إلى السماء لعلها ترضى عنا (حيث يمكن أن يقال ذلك عن السماء بسكانها والعون الآتي منها) ولكنه يقول (السماء...لعلّه!). وهو ما يلاحظ أيضًا في (آية 24) .. وعاد اليهود، وهم يسبحون السماء ويباركونها قائلين: "إنه صالح وإن للأبد رحمته" وكما شرحنا في المقدمة فقد كانوا وقتئذ يفعلون ذلك احتشامًا وحياءا. وأماّ "عهد الآباء" الذين يطلبون تذكّره هنا، فإن شأنه في ذلك شأن جميع وعود الله، حيث يعدّ بمثابة رصيد روحي متروكًا لهم من قبل الله يسحبون منه وقتما شاءوا. الجولة الأولى في الحرب 12ورفع الغرباء أبصارهم فرأوا اليهود مقبلين عليهم.13فخرجوا من المعسكر للقتال، ونفخ أصحاب يهوذا في البوق 14وشنوا القتال فانكسرت الأمم وانهزمت إلى السهل، 15وسقط بالسيف جميع الذين في المؤخرة، فتعقبوهم إلى جازر وسهول أدوم وأشدود ويمينا، وكان الساقطون منهم نحو ثلاثة آلاف رجل. فوجىء السلوقيون، ويصفهم هنا بالغرباء (راجع التعليق على 3: 41) بالجيش اليهودي قادمًا: فتهيأوا للقتال وكذلك فعل اليهود، ولكنه من الواضح أن السلوقيين لم يتوقعوا شجاعة المكا بي وبسالة رجاله، فروّعهم ذلك برغم تفوّقهم العسكري، لقد ظن السلوقيون أنهم قد خرجوا في نزهة لا حرب!! وأن الجيش اليهودي لا يعدو في حقيقته سوى عصابة غير نظامية، بالرغم من سماعهم عن انتصاراتهم السابقة. ويمكن أن ننظر إلى ما حدث باعتباره هزيمة للسلوقيين في الواقع، أكثر من كونه نصرًا لليهود، فعند دخول أرض الموعد، نبّه الله اليهود إلى أن الذي يحدث هو انهزام الأمم أمامهم بسبب شرّهم، لا برّ اليهود. جازر: كلمة عبرية معناه (نصيب أو مهر العروس) وهي مدينة كنعانية تقع على مسافة 22 كم شمال غرب أورشليم، وعلى مسافة سبعة كيلومترات غرب عماوس (عمواس). إلى هناك تعقّب جيش المكابى جيش نقانور (1مكا 7: 45) وذلك في سنة 161ق.م.، وفي وقت آخر انتزعها من تيموثاؤس القائد العمونى، ولكن بكيديس السلوقى استولى عليها وحصّنها تحسّبًا لمناهضة اليهود وذلك ضمن مدن أخرى (1مكا 6: 52) غير أن سمعان المكابى عاد فاستردها ثانية في سنة 141ق.م. حيث طهّرها وبنى له فيها بيتًا وأمّن الوثنيين الذين فيها، ثم جعلها مقرًا لابنه (1مكا 13: 43 - 48 و 14: 7، 54).ومرة أخرى نرى التقابل بين عمل يهوذا المكابي وعمل داود النبي (راجع صموئيل ثان 5: 25 و أخبار الأيام الأول 14: 16). الحفريات الحديثة في جازر: ربما كان هناك بالفعل نقطة للسلوقيين في جازر تستخدم كملجأ للمطاردين في الحرب (انظر خريطة رقم 3) ويدل تحصين بكيديس لحصن جازر - كما سبق الاشارة - على أنه كانت هناك قلعة قديمة (1مكا 1: 33 و 4: 61 و 6: 7 و 9: 52). والحفريات الحديثة للتنقيب عن الاثار توحي بأن أية نقطة دفاعية يونانية في جازر، ربما استخدمت تحصينات كنعانية سابقة، كانت ما تزال موجودة فوق الأرض، كما اكتشف موقعان هناك ُيحتمل أن ينتميا إلى الموقع الدفاعي القديم، فقد اكتشف في طبقة تم تحديد تاريخها - من خلال الفخار الذي الذي عثر عليه - بأنها تعود إلى الفترة من 175-150 ق.م. كما اكتشف من خلال طبقة أخرى: إعادة تحصين بكيديس للموقع. وكذلك أمكن استنتاج وجود نقطة دفاعية ترجع إلى وقت نقانور وجرجياس، ومرحلة أخرى متأخرة تمثل انشاءات ضخمة ُتنسب إلى سمعان المكابي(1). أمّا العالم Clermont-Ganneau فقد كشف عن جازر القديمة، ففي سنة 1873م. ووجد كتابة محفورة باليونانية والعبرية على أحد الصخور " تخوم جازرPEFQ 1873 "وهو المكان الذي أشار إليه سفر يشوع (16: 3). وكتب يوسابيوس أن جازر على بعد أربعة أو خمسة كيلومترات شمال نيكوبوليس (عماوس). أدوم: كلمة عبرية (من آدم ومعناها أحمر) وجاءت في المخطوطات اليونانية Idudaiajوقد سكن بنى عيسو أو بني أدوم (الأدوميين) في نواحي الأردن بالقرب من أشدود وجازر، وقد ُسميت المنطقة كلها أدوم وذلك لوجود صخور حمراء بها، وفي عصر المكا بيين كان جرجياس هو قائد تلك المنطقة، وعند بيت صور في أدوم عسكر جيش ليسياس لمحاربة اليهود، ولكن يهوذا المكابى كسره هناك (آيات 28 - 34) وهناك حارب يهوذا أيضًا بنو عيسو لأنهم كانوا يضايقون اليهود حيث هزمهم وسلب غنائمهم (1مكا 5: 3) ومن هناك عبر جيش أنطيوخس الخامس مجتازًا وادى البطمة وعدلام ومودين حيث اشتبك مع اليهود (1مكا 6: 31 و 2 مكا 13: 14). أشدود: كلمة عبرية (معناها حصن أو قوة). تبعد عن يهوذا شمالًا بمسافة أربعة كيلومترات ونصف، وكانت حتى عصر المكابيين مدينة فلسطينية من بين المدن الخمس الفلسطينية (أشدود/عقرون/غزة/أشقالون/جت) وكان فيها معبد الإله "داجون" اشهر آلهة الفلسطينيين، ولكنها أصبحت هيلينية خلال الفترة من 333 - 63ق.م. حين تحول اسمها إلى " أزوتوس Azwtoj" (بحسب المخطوطات اليونانية)كانت أشدودحصنًا قويًا، وبينما لم يستطع داود اخضاعها فيما يبدو فإن الآشوريين احتلوها أكثر من مرة منزلين عقابًا بأهلها، وفي عصر المكابيين استولى عليها يهوذا ويوناثان وطهراها من الأوثان (1مكا 5: 68 و 10: 84) وفي عصر الرومان قدمها اغسطس قيصر هدية لسالومى أخت هيرودس، وفي القرن الرابع كانت مقر أسقفية.(1) ويوجد مكا نها الآن قرية صغيرة على بعد 18 ميلًا شمال شرق غزة. يمنيا: الكلمة صيغة يونانية للإسم العبري "يبنة" أو "يبنئيل" وقد ُذكرت في (أخبار الأيام ثان 26: 6) تحت اسم "يبنيت" ومعناها "الله يبنى". ووردت في النسخ اليونانية هكذا " Iamneia ". وهي مدينة تقع على حدود يهوذا الشمالية على مسافة 21 كيلومترا إلى الجنوب الغربي من يافا، ومسافة سبعة كيلومترات شرق شاطئ البحر المتوسط على طريق غزة شمال أشدود. وقد هاجمها يهوذا المكابى بعد ذلك الوقت بقليل نظرًا لمضايقة أهلها لليهود، وعند يمنيا هُزم اثنان من قواد المكابى، وفيها مرفأ هام حيث كانت تعد عاصمة المنطقة البحرية. وفي سنة 90م قام علماء اليهود بعقد مجمع حددوا فيه الأسفار التي يقبلونها فيما يعرف بقانون العهد القديم. سهول أدوم وأشدود ويمنيا: يبين ترتيب هذه الأسماء أنه كان هناك " لسان" من الأرض تسيطر عليه أدوم كان يمتد من مريشة ويفصل اليهودية عن المدن الفلسطينية (انظر خريطة رقم 4). ورغم الهزيمة التي ألحقها المكابى بجيوش السلوقيين إلاّ أن المعركة كانت ما تزال قائمة ولم يُزل الخطر بعد. أمّا عن الثلاثة آلاف الذين سقطوا، فهو رقم غير مبالغ فيه، لاسيما وأن يهوذا قد استولى على الغنائم فيما بعد (آية 23). حسم النصر على القواد الثلاثة والاستيلاء على غنائمهم 16 ثم رجع يهوذا وجيشه عن تعقبهم 17وقال للشعب: "لا تطمعوا في الغنائم، لأن الحرب لا تزال قائمة علينا. 18فإن جرجياس وجيشه بالقرب منا في الجبل، فاثبتوا الآن أمام أعدائنا وقاتلوهم، وبعد ذلك تأخذون الغنائم بأمان". 19ولم ينته يهوذا من هذا الكلام حتى ظهرت فرقة تتشوف من الجبل. 20فرأت أن رجالهم قد انهزموا وأن المعسكر قد أحرق، كما دلهم على ذلك الدخان المتصاعد. 21فلما عاينوا ذلك خافوا خوفا شديدًا. وعند رؤيتهم جيش يهوذا في السهل مستعدا للقتال، 22فرّوا جميعا إلى أرض الفلسطينيين. 23فرجع يهوذا إلى غنائم المعسكر، فأخذوا ذهبًا كثيرا وفضة وأرجوانا بنفسجيا وأرجوانا بحريا وأموالا جزيلة.24وعاد اليهود، وهم يسبحون السماء ويباركونها قائلين: "إنه صالح وإن للأبد رحمته". 25وكان في ذلك اليوم خلاص عظيم في إسرائيل. كان يهوذا المكابى ثاقب الفكر، فلم ينتش سريعًا للنصر ويلتفت إلى الغنائم، فالحرب ما تزال مستمرة، بل توقع بحسّه العسكري هجومًا مضادًا، ولذلك فإن الانشغال بالغنائم قد ُيضعف الاستعداد القتالى لجنوده، فمن جهة سوف يتراخون بسبب الغنائم، ومن جهة أخرى سوف يتلهّون بها في حين يهجم الأعداء بغتة، (راجع 2مكا 8: 26). وقد رصدت الفرقة السلوقية التي كانت تتشوّف (تراقب عن بعد من مكان عال) ما حدث فروِّعت عندما شاهدت آثار الهزيمة وعلامات الدمار، (يشوع 8: 8،19،20) وكذلك تحُفّز الجيش اليهودي للقتال، وعند ذلك قرر الجيش السلوقى أن يلوذ بالفرار. وبالرجوع إلى (2مكا8) يتضح أن يهوذا أحرز النصر على كل من جرجياس ونيقانور، فقد قهر القوة التي مع نقانور في عماوس، ثم على تلك التي مع جرجياس جنوبي عماوس (آية 17) فإذا كان جرجياس كان قد ُعيّن قائدا في أدوم، فإن الهجوم كان سيتّجه من الجنوب بالتنسيق مع نقانور الآتي من الشمال، ولكنه من المحتمل أن كليهما قد تقدما معًا من الساحل حتى عماوس. في مقابل ذلك قسم يهوذا قواته للهجوم على نقانور بثلاثة آلاف جندي من الستة الذين معه (2مكا 8: 16) بينما ترك الباقي لحماية مؤخرة جيشه ضد هجوم جرجياس، والذي لم يحدث أصلًا (كما سبق الاشارة) فقد أدرك جرجياس أن نقانور يهرب، فهرب هو الآخر تاركا معسكره لينهبه اليهود بسهولة. أما نيقانور فقد هرب متنكرًا في ثياب بسيطة. يقول يوسيفوس أن السلوقيين قد تغلبوا في البداية وقتلوا بعضًا من جنود يهوذا المكا بي، حيث اتضح فيما بعد وهم يدفنوهم أنهم كانوا يحملون أصنامًا صغيرة ذهبية داخل ثيابهم (مثل تعاويذ) حيث اعتبر يهوذا أن ذلك هو السر وراء مقتلهم، ويضيف يوسيفوس أن اليهود بعد كسرهم للقواد الثلاثة، قاموا بسلب أموال التجار الذين أملوا أن يشتروا اليهود كوعد السلوقيين لهم، فقد عكس الله ظنونهم. ثم قام يهوذا بتقسيم الغنائم بالتساوي بين جنوده كما أرسل أنصبة للمحتاجين من الشعب مثل الأرامل والأيتام (زوجات وأولاد الجنود القتلى) والفقراء. ومن بين الذين كانوا مع الجيش السلوقى المهاجم " فيكس" القائد المعّين من قبل أنطيوخس أبيفانيوس على اليهودية، والذي هرب من القتال مختبئًا في منزل بإحدى القرى، وأغلق بابه عليه، فقام عندئذ يهوذا بإحراق البيت فمات فيكس، وهو الذي كان قد عذّب الشيخ ألعازر الكاهن وقتله (كما سيجىء). ومن بين الغنائم ُيذكر الأرجوان Purpule وهو الثياب الثمينة التي يرتديها الملوك ورؤساء الكهنة والأمراء وُعلية القوم، والأرجوان في الواقع هو صبغة ذات ألوان (مثل الأحمر والقرمزي والبنفسجى) وهناك نوعان منه أحدهما مصنوع من الأكاسيد المستخرجة من التربة، والآخر هو البحرى والذي يستخرج من حيوانات بعض الأصداف البحرية. وأكثر من اشتهروا بصنع هذا الأرجوان هم سكان صور، وهو عالي التكلفة بطبيعة الحال، وكانت ثياب هرون الكاهن منه (سيراخ 45: 12) كما سنقرأ لاحقًا كيف أرسل الاسكندر بالاس الأرجوان إلى يوناثان المكابي بمناسبة تعيينه رئيس كهنة (1مكا 10: 20،62،64) ونقرأ كذلك عن الغني الذي يلبس الأرجوان مقابل لعازر الذي يتضوّر جوعًا (لوقا16: 19). ونلاحظ في (الآية 24) هنا أن اليهود يشيرون إلى الله مرة أخرى ب "السماء" ويباركونها " يباركونه"، ومن المرجح أن يكونوا قد أنشدوا في هذا التسبيح مزامير الهلليل (113 - 118) راجع (أخبار الأيام الأول 16: 8-36 و أخبار الأيام الثاني 20: 21 و مزامير 106،107،136) وهي تهلل لانتقام الله لشعبه عندما يصبح صالحًا، والذي يضل أحيانا. الاحتفال بالعودة إلى الشريعة: صار خلاص في إسرائيل، ومع أن الصراع لم يكن قد حسم بعد مع السلوقيين، إلاّ أن تلك الانتصارات كانت حلقة ذات مكسب هام في ذلك الصراع، ويمكنا أن نرى فيها أيضًا صدى لانتصارات داود، راجع (صموئيل أول 19: 5 و صموئيل ثان 23: 10،12 و أخبار الأيام الأول 11: 14). وبعد النصر على جرجياس ونقانور ظلت اليهودية متحررة من قوة السلوقيين حتى حملة ليسياس (4: 28-35) وحيث أن الحامية الموجودة في قلعة عكرة كانت قد أصبحت أقل قدرة على التعامل مع قوة يهوذا (قارن 2مكا 8: 8) وأصبح اليهود الأتقياء الذين لم يتمردوا مع يهوذا، يشعرون بالحرية في اتباع تعاليم الشريعة علنًا، ومن هنا ربما كانت النتيجة المباشرة للانتصار على جرجياس ونيقانور هي الاحتفال بيوم 24 آب المذكور في كتاب " مجلات تعانيت Megillat Ta'anit " حيث يذكر الآتي: " في الرابع والعشرين من الشهر ُعدنا إلى شريعتنا". ولا يمكن أن يكون هذا اليوم تذكارا لثورة متتيا لأنه لم ينتظر من شهر كسلو في الشتاء، إلى منتصف الصيف (بدء الاضطهاد) ليقوم بثورته. حملة ليسياس الأولى على اليهود 26ووفد كل من نجا من الغرباء على ليسياس وأخبروه بكل ما حدث. 27فلما سمع ذلك بهت وانكسر عزمه، لأن الأمور لم تجر لإسرائيل كما كان يريده ولم تؤد إلى النتيجة التي أوصى بها الملك.28وفى السنة التالية، جمع ليسياس ستين ألف راجل منتخبين وخمسة آلاف فارس لمحاربة اليهود. 29فأتوا إلى أدوم، ثم عسكروا ببيت صور، فلاقاهم يهوذا في عشرة آلاف رجل. 30ولما رأى ذلك الجيش القوى، صلى فقال: "مبارك أنت يا مخلص إسرائيل الذي حطم بطش الجبار عن يد عبده داود، وأسلم معسكر الفلسطينيين إلى يد يوناثان بن شاول وحامل سلاحه، 31فأقفل كذلك على هذا الجيش في أيدي شعبك إسرائيل، وليخزوا مع جنودهم وفرسانهم. 32أحل عليهم الرعدة، وأذب ثقتهم بقوتهم، وليتزعزعوا بانسحاقهم. 33أسقطهم بسيف محبيك، وليسبحك بالأناشيد جميع الذين يعرفون اسمك". 34ثم التحم القتال، فسقط من جيش ليسياس خمسة آلاف رجل، سقطوا أمام اليهود. 35فلما رأى ليسياس انكسار جيشه وبسالة جيش يهوذا وأنهم مستعدون بشجاعتهم إما للحياة وإما للموت، ذهب إلى أنطاكية وجمع جيشا من الغرباء ليعود بجيش أكثر إلى اليهودية. كان ذلك في بداية سنة 164ق.م. (راجع 3: 37) حين أبلغ الناجون من القتال (وُيسمون هنا بالغرباء ويستخدم السفر هنا الكلمة اليونانية التي تعني الفلسطينيين) ليسياس بأن الحملة على المكابيين قد فشلت وأن القوات السلوقية قد ُمنيت بخسائر جسيمة، إذ وقعت فريسة سهلة لجيش المكابى، وهكذا حسب ذلك فشلًا له هو في المهمة المكلف بها من قبل انطيوخس للقضاء على المقاومة اليهودية. ُانظر خريطة رقم (6). ومن ثمّ فقد كان لزامًا عليه أن يتولى ذلك بنفسه، ليحقّق رغبة الملك من جهة وليثأر لكرامته من جهة أخرى. فجمع حشدًا ضخمًا من الجنود لا يتناسب مطلقًا مع الجيش المكابى، حيث بلغ السلوقيون: ستين ألف مقاتل، مقابل عشرة آلاف مع يهوذا، وكان معه في المعركة السابقة أمام جرجياس ونيقانور ثلاثة آلاف فقط، ولكنه بعد انتصاره عليهما جمع إليه آخرين(1). وتوحي زيادة عدد جنود يهوذا المكابي في هذه المرة مقارنة بالسابقة، بزيادة عدد مؤيديه من غير المقاتلين، بحيث تمثل هذه الزيادة نسبة مئوية كبيرة من التعداد اليهودي، وقد جاء هذا التأييد واسع النطاق ليس نتيجة لانتصارات المكابي فحسب، وانما لأنه أصبح من الممكن لجماعات اليهود الأتقياء - والتي كان قد لحقها التمزيق الشديد - أن تتحد لأنها كانت ترى في انتصار ليسياس كارثة كبرى على أمتهم ودينهم، فما أن يزول خطر ليسياس حتى تتفرق القوات من حول يهوذا، لأنهم كانوا لا يرغبون في القتال بشكل عام، بل أملوا في تدخل مباشر من الله، ويلاحظ في (2مكا 11: 29-32) أن منلاوس الكاهن الخائن قد راسل السلطات السلوقية لانهاء الاضطهاد. وتمركز جيش ليسياس في أدوم باعتبارها المنطقة المجاورة لليهود يسكنها الوثنيون، وكان معسكرهم "بيت صور" حيث توجد هناك حامية سلوقية (6: 7)، ويبدو أن الجيش السلوقى قد دار حول اليهودية من جهة السهل، من الجنوب عبر أدوم والمدينة الحدودية "بيت صور"، إذ ُتمثل جبال اليهودية مشكلة كبيرة لهم، من حيث عدم درايتهم بها مما يدَعهم فريسة سهلة لليهود، حتى جاءوا إلى بيت صور. بيت صور: Bethzur اسم عبري معناه (بيت الصخرة "الإلهية") وهي من أقدم مدن العالم وتبعد عن صيدا من جهة الجنوب 40 كم، وإلى الشمال من حبرون سبعة كيلومترات، وكانت تمثل حصنًا عظيما على الطريق بين أورشليم وحبرون، كما كانت من أقوى الحصون في العصر الفارسي، حيث بذل الاسكندر جهدًا ُمضنيًا استمر سبعة أشهر، في سبيل اسقاطها والاستيلاء عليها، وعندها أصبحت إحدى الحصون السلوقية، ولمّا أساء أهلها معاملة اليهود جاء يهوذا المكابى وانتقم منهم، واستولى عليها فأصبحت من ثمّ حصنًا يهوديًا ضد الأدوميين، وذلك بعد تطهيرها من الأصنام وتحصينها (5: 15 و 6: 7،26) ولكن ليسياس أسقطها من جديد سنة 163 ق.م. ليعيدها حصنًا سلوقيًا (6: 31، 49،50 و 2 مكا 13: 19) وبعد أن خفت قبضة ليسياس عليها عادت لليهود، ولكن بكيديس أكد الاستيلاء عليها مرة أخرى ليجعلها سلوقية، كما أخذ أبناء رؤسائها رهائن (1 مكا 9: 52،54) حيث سميت "الحصن الثالث" وكانت ملجئا للمرتدين من اليهود باعتبارها مدينة هيلينستية وذلك في سنة 154 ق.م. (1مكا10: 14) وعندما وهب أنطيوخس السادس لسمعان المكابى إدارة مساحة كبيرة من المملكة السلوقية، كانت صور حدودها الشمالية، فأعاد سمعان تحصينها في نفس العام (1 مكا 11: 65 و 13: 33 و 14: 7) وظلت تحت السيادة المكابية حتى استولى عليها الرومان سنة 64 ق.م. ويبدو أنها كانت مدينة غنية إذ باع فيها ألكيمس نفائس الهيكل التى استولى عليها (2 مكا4: 32،39). ولكن لماذا اختار ليسياس المرور عبر " أدوم وبيت صور"؟: ربما حدث ذلك بسبب أمطار الشتاء، ولكن الأرجح أن ذلك الطريق وحده كان يتيح له دخول اليهودية - أرض العدو - بعدما يكون قد عبر قمم الجبال، لأن خطأ السماح للعدو باتخاذ وضعه أعلى التلال، كان قد أوقع الهزيمة بسلفه، وكان الأدوميون - كما سبق القول - أعداء تقليديين لليهود، ولاسيما اليهود التقاة (1مكا 4: 61 و 5: 3،65،66 و 6: 31 و 2مكا 10: 15-23) في حين كانوا رعايا مخلصين للسلوقيين، ويوحي النص بأن بيت صور تابعة لأدوم، ولكنها في الواقع تابعة لليهودية، إذ نقرأ في سفر المكابيين الثاني أن ليسياس قد حاصر بيت صور باعتباره حصنًا مكابيا في ذلك الوقت (2مكا 11: 5). وبالتالي فلا صحة للرأي القائل بأن يهوذا قد استولى على بيت صور من أدوم مما دفع ليسياس لشن القتال عليه، إذ أن يهوذا لم يفعل ذلك إلاّ بعد انسحاب ليسياس حيث أكّد تبعيتها لليهودية. يبارك الله . مبارك الله.. الذي (آية 30): استخدمت هذه العبارة قبلًا في (أخبار الأيام الأول 29: 10 و طوبيا 3: 11 و مزمور 119: 12.. وغيرها) وقد أصبحت مع الوقت الصيغة المحببة لدى اليهود في الصلاة. السنة التالية (آية 28): . أما عن السنة التي جمع فيها ليسياس جيوشه، فإن السفر هنا يميز بين " العام الشمسي اليوناني etos " و " المدة الزمنية البالغة عامًا كاملا emiautos " فقد تعطي الكلمة العبرية " šnh " أيا من هذين المعنيين، وأن كانت المدة الزمنية البالغة عامًا كاملا يمكن التعبير عنها بوضوح تام ب " snt ymym " (تكوين 41: 1) أو ب " ymym" وحدها(لاويين 25: 29).وخلال مدة العام التي تلت هزيمة جرجياس ونيقانور، أعد ليسياس حملة جديدة ثم بدأ الزحف، وربما كانت هزيمتهما في صيف أو خريف سنة 165 ق.م. حيث أنها حدثت بعد رحيل أنطيوخس شرقًا، فهل استغرقت الترتيبات والحملة الفترة ما بين صيف أو خريف سنة 165 وشهر كسلو (ديسمبر) 164 من العام التالي.؟ لذلك فإن المدة بين انسحاب ليسياس وعيد التدشين: تعتبر كبيرة، كما كان من بين الأسباب التي دفعت ليسياس إلى القيام بحملة على اليهودية، هي حساسية موقع اليهود بالنسبة للبطالمة لاسيما وأن الملك ومعه نصف الجيش كان بعيدا عن البلاد. انتهت حملة ليسياس في أذار (مارس) سنة 164 (أواخر الشتاء) وصحب ذلك إعلان بانهاء الاضطهاد ومنح اليهود عفوا عاما. وكان على تريفون Tryphon أن يقود حملة في الشتاء (1مكا 13: 20-24). واقترب كل من ليسياس وتريفون من أورشليم من جهة الجنوب الأكثر جدبًا، ربما لتجنّب أمطار الشتاء بقدر الامكان. ُانظر خريطة رقم (6). على أية حال فإن العام التالي هنا ليس بحسب التاريخ السلوقي، لأن العام التالي لرحيل أنطيوخس بحسب ذلك التاريخ، لم يبدأ حتى ربيع سنة 164 ق.م. عندما كانت الحملة قد انتهت.!! مرة أخرى يؤكد يهوذا المكابى لجنوده، أن العامل الفاعل في هذه المعركة هو الله لأنه سيقف معهم وبالتالي فهو أقوى من تلك القوة المعادية(1)، ويضع يهوذا نفسه في نفس موقف داود النبي ويوناثان مقابل جيش الأعداء، فبالرغم من عدم التكافؤ ما بين داود الفتى الصغير - والذي لم يقدر على ارتداء الثياب العسكرية - وجليات المصارع الخطير، فقد صرع داود هذا العدو الأسطورة، ولذلك فإن يهوذا يرى المشهد يتكرر ثانية بشكل مختلف، وها هوذا ينسب النصر إلى الله مسبقًا، ويرى في هزيمة أولئك الأعداء مجدًا لاسمه القدوس بين الشعوب. وقد ورد ذلك في (صموئيل أول 17: 4،48) أما انتصار يوناثان فمذكور في (صموئيل أول 14: 1-15). فلماّ اشتبك الجيشان سقط خمسة آلاف رجل من جنود ليسياس، ويعنى تعبير أنهم "سقطوا أمام اليهود" أن اليهود هم الذين قتلوهم، وقد استخدم المترجم اليوناني للسفر كلمة: epesonكترجمة للكلمتين العبريتينسقطوا wayyippelu و ُصرعوا " ُهزموا " wayyinnagepu). ويذكر يوسيفوس أن اليهود لم يشتبكوا إلاّ مع طليعة الجيش، ولكن الأصل العبري يفيد " سقط خمسة آلاف من طليعة الجيش". هذا وقد أتاح لليهود وجودهم على أرض المعركة، احصاء عدد القتلى، والذي زاد عن التقدير الأولي (2مكا11: 11،12). ولما رأى ليسياس أنه لا طاقة له هو وجيشه بهؤلاء المستميتين وبهرته شجاعتهم: آثر العودة مع جنوده وإلاّ تضاعف القتلى والخسائر. وهنا مال ليسياس إلى مصالحة اليهود، لاسيما عندما سمع بأن فيلبس قد استولى على الُملك في أنطاكية، وربما كان في نيته العودة إلى اليهود من جديد بعد استرداد الملك (2مكا11). سير الحملة: اعتقد ليسياس في المراحل الأولى من حملته أنه باستطاعته سحق قوة يهوذا المكابي، ولذلك لم يستجب لالتماس منلاوس الكاهن في التصالح مع اليهود، فلما ُهزم في بيت صور اتصل به وبجماعته، ورأى الطرفان أنه لا جدوى من مواصلة الحرب، لاسيما وقد ظن منلاوس أن انتهاء الحملة سيحتم على المتمردين التخلّى عن تمردهم فورا، وحينئذ وافق. وكانت شروط ليسياس هي القاء السلاح، وقبِل ذلك عدد كبير من الجنود، فانخفضت قوة يهوذا مما أقنع ليسياس بترك المنطقة دون خوف، على أن يعود في العام التالي 163/162 بجيش أكبر (آية 35). هذا ويتذكر اليهود يوم 28 اذار (كسنتكس) عام 164 كنهاية للاضطهاد، ومنذ ذلك التاريخ وحتى عيد التدشين كانت تجري عملية الترميمات واعادة البناء. آثار الدمار في الهيكل 36فقال يهوذا وإخوته: "ها إن أعداءنا قد انسحقوا، فلنصعد الآن لتطهير الأقداس وتدشينها".37فاجتمع كل الجيش وصعدوا إلى جبل صهيون.38فرأوا المقدس مقفرا والمذبح منجسًا والأبواب محرقة، وقد طلع النبات في الأفنية كما يطلع في غابة أو جبل من الجبال، والغرف مهدومة. 39فمزقوا ثيابهم وناحوا نوحا عظيما وحثوا على رؤوسهم رمادا. 40وسقطوا بوجوههم على الأرض ونفخوا في أبواق الهتاف فصرخوا إلى السماء. يؤكد يهوذا المكابى بأن قوات ليسياس لم تمض عنهم إلاّ بسبب عجزهم عن تحقيق أغراضهم، ويأتي بعد ذلك عامل آخر هو الأحداث التي تجرى في أنطاكية. ويشير اجتماع الجيش كله إلى يهوذا (آية 37) إلى أن الغالبية العظمى من التقاة قد استجابوا للمبادرة الحشمونية، فصعدوا إلى جبل صهيون (جبل الهيكل / إشعياء 18: 7 و مزمور 74: 2 و يوئيل 2: 1). أما الوصف الوارد هنا عن القدس والذي يأتي عن شهود عيان، فهو يصوّر الحال الذي آل إليه الهيكل، ويؤكد ذلك التعبير "العاطفي" أن النبات قد طلع في الأفنية (آية 39). وقد اقفر الموضع بسسب طرد السلوقيين واليهود المتأغرقين لمن فيه (1مكا 1: 39 و 3: 45). لقد كان المنظر مؤلمًا للغاية، إذ غطت المكان آثار الدمار والخراب، وبالأمس القريب كانت الذبائح تُساق والأبواق تصيح والبخور يتصاعد والدموع تسكب في حضرة الله، ومئات من الكهنة يتحركون في كافة أرجاء القدس ومجد الرب يهيمن على المكان. أما الآن فقد أصبح مهجورًا خربًا، ناهيك عن النجاسة التي لحقت به من جراء اقامة تمثال ل"زيوس" ومذبح وثني فوق مذبح المحرقة، ودم الخنازير الذي لوث أروقة الهيكل. ويذكّر ذلك بما ورد في (مزمور 74) أطلقوا النار في مقدسك ودنسوا للأرض مسكن اسمك، قالوا في قلوبهم لنفننهم معًا.. أحرقوا كل معاهد الله في الأرض.." تطهير الهيكل 41حينئذ أوصى يهوذا بعض الرجال بمحاربة الذين في القلعة، ريثما يطهر الأقداس. 42واختار كهنة لا عيب فيهم من ذوى الغيرة على الشريعة، 43فطهروا الأقداس وذهبوا بالحجارة المدنسة إلى مكان غير طاهر. 44ثم تشاوروا في أمر مذبح المحرقات المدنس، وتساءلوا ماذا يصنعون به. 45فخطرت لهم فكرة صالحة أن يهدموه، لئلا يكون لهم عارا، وقد دنسته الأمم فهدموه.46ووضعوا حجارته في جبل البيت في مكان لائق، إلى أن يأتي نبي يجيب عن أمرها. 47ثم أخذوا حجارة غير منحوتة، وفقًا للشريعة، وبنوا المذبح الجديد على رسم الأولى. 48وأعادوا بناء الأقداس وداخل البيت وقدسوا الأفنية.49وصنعوا آنية مقدسة جديدة وأدخلوا المنارة ومذبح البخور والمائدة إلى الهيكل. 50وبخروا على المذبح وأوقدوا السرج التي على المنارة، فكانت تضيء في الهيكل. 51وجعلوا الخبز على المائدة ونشروا الستائر وأتموا جميع الأعمال التي عملوها. 52 وبكروا في اليوم الخامس والعشرين من الشهر التاسع وهو كسلو في السنة المءة والثامنة والأربعين 53 قدموا ذبيحة بحسب الشريعة على مذبح المحرقات الجديد الذي صنعوه. رغم انتصارات يهوذا المكابى وصعوده هو ورجاله إلى ربوة صهيون (جبل الهيكل)، إلاّ أن الوجود السلوقى في القلعة كان ما يزال يمثل تنغيصًا لهم وخطرا يتهدّدهم، كما أن العفو العام لم يشتمل على تصريح بإعادة العبادة في الهيكل (2مكا 11: 29-31 قارن بالخطاب الوارد في 2مكا 11: 24،25) وربما كانت تلك الحامية السلوقية قد منعت يهوذا من ذلك. ومن هنا أرسل المكابى فرقة من الجنود تناوش الحامية التي هناك حتى تشاغلهم عما يدور في الهيكل من تجديد وتطهير. وعند بدء التطهير أتى يهوذا بكهنة لا عيب فيهم (لاويين 21: 17-23) وجاءت في العبرية " تميميم"، وباليونانية " amwmouj" . فنزعوا "حجارة التدنيس"، ولا يُعرف بالضبط معنى التعبير، هل هي بعض المباني أو المذابح التي أقامها الوثنيون للإله زيوس أو بعض حجرات استخدموها في الطقوس الوثنية؟ إلاّ أنه ومهما كان من أمر هذه الحجارة، فقد حسم الأمر بإلقائها في مكان بعيد، وربما كان"وادى قدرون" (وادى هنوم) وهو الوادى الكائن بجوار الهيكل وكانت تلقى فيه القمامة والقاذروات، وفيه ُالقيت من قبل التماثيل التي ضلّ ورائها بنى إسرائيل زمانًا (مكان غير طاهر/ آية 43). أكدت المشنا هذا الفعل إذ ورد: " ... في الجانب الشمالي الشرقي دفن أبناء الحشمونيين حجارة المذبح الذي دنسه ملوك اليونان" (مدوت 1: 6). غير أن المشكلة الحقيقية التي واجهتهم هي حجارة مذبح المحرقات والتي تنجست بإقامة مذبح وثني فوقها قدمت عليه ذبائح وثنية، إذ أنه وبحسب ما ورد في الشريعة، تحتم على اليهود أن يهدموا أي مذبح في نطاق أرض الموعد يكون قد تنجس بعبادة الأوثان، على ألاّ يفعلوا ذلك بمذبح الرب!، وينطبق هذا على حالتهم تماما (تثنية 12: 2-4). وتمثلت المعضلة في أيهما أقوى: التقديس السابق (في عهد سليمان) أم التدنيس اللاحق (من خلال السلوقيين)!! ثم قرّ رأيهم (مشورة صالحة) على جمعها في مكان ما، في جبل الهيكل إلى أن يأتي نبي يخبرهم عما يصنعونه بها، إذ لم يكن هناك نبي كما كان في السابق، لقد كان آخر نبي عرفوه هو ملاخى. هذا وقد أشار السفر مرارًا إلى توقف النبوة (9: 37 و 14: 41 وما بعده) راجع أيضًا (مزمور 74: 9 و 77: 9 و مراثى 2: 9 و حزقيال 7: 26). وبهذا لم يفعلوا هنا ما ُيفعل في حالة المذبح الوثني. إذ كان يجب سحق حجارته (ملوك ثان 23: 12 قارن مع 21: 5 و 23: 15 و أخبار الأيام الثاني 34: 4،7) ثم أخذوا حجارة جديدة غير منحوتة كما يقضى التقليد الكتابي (خروج 20: 25) وبنوا مذبحًا مكانه، ثم رموا ما تهدّم وأصلحوا ما فسد وأكملواما ضاع، وُيقصد بالتقديس الوارد هنا في (آية 47): التطهير لا المسح بالزيت، كما في خروج 30: 22-29 و 40: 9) (1). أما الآنية التي صنعوها فهي تلك التي ُيحمل فيها البخور والماء والدموالسكائب والملح، ثم الرفوش والملاقط والسلالم المتحركة لإنارة المنارتين، وغيرها. ومن المحتمل أنيكونوا قد رفعوا الأجزاء القابلة للنقل مثل المنارتان ومذبح البخور ومائدة خبز الوجوه، وهي أجزاء يمكنتحريكها بالفعل، فربما كانوا قد احتفظوا بها منذ وقت تدنيس الهيكل حتى اعادة تدشينه، بينما يمكنهم بسهولة تغيير الستائر، والتي تفصل بين موضع وآخر وعلى الأبواب وغيرها، وبذلك عوّضوا الخسائر الناتجة عن اساءة السلوقيين إلى الموضع (1مكا 1: 22،4: 28) راجع أيضًا (خروج 25: 31 - 39 و30: 1 - 10 و 25: 23- 30). ويشير يوسيفوس إلى أنهم اتبعوا في التدشين الطقس الذي أتمه موسى في تدشين الخيمة، وربما كانوا قد أحضروا في ليلة 25 كسلو: الشمعدان ذو الُشعب ومذبح البخور والمائدة إلى القدس الداخلي، وقدموا البخور وأضاءوا السرج ووضعوا خبز التقدمة، وأما الذبيحة فقد أحضروها في صباح اليوم التالي، وبينما عند هذه المرحلة في وقت كل من موسى وسليمان، نزلت نار من السماء على الذبيحة كدليل على الحضور الإلهي، "الشاكيناه" (خروج 40: 22-27 ولاويين 9 وأخبار الأيام الثاني 4: 19،20 و5: 1 و7: 1) هكذا كان يهوذا ينتظر ومعه الحشمونيين، معجزة من هذا القبيل، ومن ثم قام الكهنة باشعال النار وتقديم الذبيحة (آية53) حيث اقتدحوا النار من حجارة ساخنة أو صوّان (2مكا10: 3) وقد اختار شيوخ اليهود الأجزاء التي تتلى من الشريعة في هذه المناسبة (سفر العدد 7: 1-8: 4). ولا شك أنه كان منظرامبهجًا أن تضاء المنارتان بعد ذلك الظلام الدامس الذي عاش فيه الهيكل وبالتالي الأمة (أخبار الأيام الثاني 4: 20) وكان ذلك يعبرعن الأمل في عودة الحضور الإلهي(2)، وكذلك البخور الذي ُرفع، والأبواق التي انطلقت أصواتها تعلن استئناف العبادة في الهيكل. وكان عمل الكهنة في الهيكل يبدأ قبل الفجر. تدشين الهيكل 52وبكروا في اليوم الخامس والعشرين من الشهر التاسع، وهو كسلو، في السنة المئة والثامنة والأربعين، 53وقدموا ذبيحة بحسب الشريعة على مذبح المحرقات الجديد الذي صنعوه. 54وفى مثل الوقت واليوم الذي فيه دنسته الأمم، في ذلك اليوم دشن بالأناشيد والعيدان والكنارات والصنوج. 55فجثا كل الشعب وسجد وبارك السماء التي وفقته. 56وأتمّوا تدشين المذبح في ثمانية أيام وقدموا المحرقات بفرح وذبحوا ذبيحة السلامة والحمد. 57وزينوا واجهة الهيكل بأكاليل من الذهب وبشارات، وجددوا المداخل والغرف وجعلوا لها أبوابا. 58فكان عند الشعب سرور عظيم جدًا وأزيل تعيير الأمم. 59ورسم يهوذا وإخوته وجماعة إسرائيل كلها أن يعيد لتدشين المذبح في وقته سنة فسنة مدة ثمانية أيام من اليوم الخامس والعشرين من شهر كسلو، بسرور وابتهاج. لماذا تأخر تطهير الهيكل: يعد تطهير الهيكل وتدشين المذبح، وهو ما يسمى اصطلاحًا بعيد التجديد، من أهم الأحداث في تاريخ اليهود، وقد أصبح عيدًا قوميًا وشعبيًا بقدر أهميته الدينية، إذ ارتبط العيد بالانتصارات المتلاحقة التي أحرزها اليهود على السلوقيين الذين دنّسوه، محاولين محو الهوية الدينية اليهودية. يلاحظ أنه رغم انتهاء حملة ليسياس في الربيع، إلاّ أن تطهير الهيكل تم في الخريف (ديسمبر) ولم يكن يهوذا بالطبع ينتظر أمرا ملوكيا من أنطيوخس للسماح له بذلك، ويبدو لنا أن هذا التأخير كان بناءا على رغبة اليهود التقاة (الحسيديين ولاسيما القادة الدينيين) والذين رأوا أن ينتظر الشعب حتى يحقق الله النبوات عن غزو أنطيوخس لمصر (دانيال 11: 40-45/أ) وقبل أن يحدث زمان الضيق الذي لم يكن مثله (دانيال 12: 1) وحدوث الزلازل والكوارث الطبيعية، الُمشار إليها في سفر موسى الأبوكريفي (10: 1-6) وينتهي عهد الهيكل المصنوع بيد إنسان، وتأتي نهاية الاضطهاد وينزل بأنطيوخس حكم البلاء (دانيال 7: 11،22،26 و 11: 45/ب) وعقابا ينزل بالأمم (سفرموسى 10: 1-6) واليهود الأشرار (أخنوخ 90: 26،27) وتكون نهاية إمبراطورية السلوقيين وبداية إمبراطورية القديسين الأبدية (دانيال 7: 11-14،22،26،27 و أخنوخ 90: 30) وينزل هيكل الله من السماء إلى أورشليم ليحل محل الهيكل الذي تدنس والذي ُشيد بيد الإنسان (أخنوخ 90: 28،29). وتعلل التقاة بأنه لا توجد في المقابل نبوة عن تجديد الهيكل بأيدي بشرية، وبالتالي فمن الجرأة تجديد الهيكل كان الله نفسه سيزيله ويستبدله، وكانت هناك نبوة بأن الله ذاته سوف يحطم جميع الأصنام (موسى 10: 7). في المقابل لم يقتنع المكابيون (القادة العسكريين) بذلك، وانتظروا حتى يثبت عدم تحقيق هذه النبوات التي ينتظرها التقاة!! التوقيت الذي يجب فيه التطهير: كان التاريخ الذي سيعمل فيه الله ضد أنطيوخس أبيفانيوس، طبقا لما ورد في (دانيال 7: 25) هو أول السنة السبتية، والتي كانت تبدأ في تشري (الشهر السابع من السنة اليهودية) على الرغم من أن الطوائف اليهودية اختلفت على بداية السنة: هل تبدأ أول تشري Rosh ha- shanah أو يوم التكفير Day of atonment (راجع لاويين 25: 8،9). وكان بامكان السلطات الدينية العليا تعديل مواعيد الأعياد، وفي المقابل لم يكن المسئول المدني قادرًا على تغيير ذلك وفقا لمشروعاته، غير أنه من غير المعروف إن كان بامكان القادة الدينيين في ذلك الوقت القيام بذلك، أي تنظيم التقوىم الطقسي (دورة الأعياد) كما هو واضح من الخطاب العيدي في (2مكا 1: 1-10). وهكذا لا يوجد دليل على أن اليهود استطاعوا تغيير التقوىم آنذاك(1). أعمال التطهير: في البداية رأى يهوذا ورجاله أن ُيخرجوا من فناء الهيكل: (النافذة الشعرية) التي كانت مستخدمة في الطقوس الجنسية المتصلة بالعبادة الوثنية، ولم تكن في البداية ُمعتبرة نجسة لأن النجاسة كانت ترتبط بالأواني المعرّضة للتدنّس (لاويين 15: 16-18) ولكن اكتشاف مجوهرات في تركيب النافذة فتحت مجالًا للشكّ، وربما كان اليهود ينتظرون أن يدمرها الله حسبما يشير ميخا (1: 7) ولم يبدأ يوشيا الملك في تدمير المباني المعدة لممارسة الدعارة الطقسية إلاّ بعدما أخرج الأصنام والأدوات الخاصة بذبائح الأوثان (ملوك ثان 23: 4-7) وبناءا على ذلك قام اليهود بتدمير النافذة في 23 من شهر: "مارهيشفان" وربما استغرقت عملية التطهير عدة أيام، وعندئذ أمكن تقديم تقدمة للرب من الدقيق على المذبح يوم 27 من شهر: مارهيشفان(2). بينما ُتركت الأصنام الموجودة أمام أبواب المنازل الخاصة (1مكا1: 55) دون تحطيم بناءا على إصرار التقوىين على أن يحطمها الله في أول السنة السبتية الصحيح، وأفادت "مجلة تاعنيت" بأنه في يوم 3 كسلوُازيلت الأصنام من أمام المنازل. وظل يهوذا واليهود حتى يوم 22 من شهر كسلو، لعل الله يتدخل بشكل مباشر لتدشين الهيكل، فلما لم تحدث المعجزة ثبت بوضوح أن ما تخيله التقاة على أنه نبوات في هذا الشأن لم يكن صحيحا. وربما تشير الآية 26 (إلى أن يأتي نبي "حقيقي") إلى المرارة التي أحسها التقاة آنذاك تجاه النبوات الكاذبة. من ثم لم يكن ثمة داع لتأجيل تدشين المذبح، واستئناف العبادة الكاملة بما في ذلك تقديم الذبائح، ووفقا للتقويم الكبيس كان قد انقضى ثلاث سنوات منذ التدنيس الذي حدث على يد السلوقيين في 15 كسلو، ولم يبقَ على اليوم الخامس عشر - وهو المعد الشهري للذبائح الوثنية - سوى يومين (راجع 1: 54-56) ولعل يهوذا ُاعجب بأن يكون موعد الذبيحة الأولى بعد التطهير، هو نفس الموعد عندما قدمت فيه أول ذبيحة لـ"زيوس" أي في الخامس والعشرين منذ سنوات ثلاثة مضت (سنة 167ق.م /راجع 1: 59). بل وفي نفس التوقيت من النهار، ويحدّد سفر دانيال المدة من بداية إبطال المحرقة الدائمة وتطهير الهيكل: 1290 يومًا، أي ثلاث سنوات ونصف(انظر صفحة 29). وكانت مدة اليومين كافية للاعداد لهذا اليوم العظيم، وبالمقارنة مع مناسبات التدشين السابقة في الكتاب المقدس، فقد دشنه سليمان في زمن موسم المظال (ملوك أول 8: 2،65،66 و أخبار الأيام الثاني 5: 3 و 7: 8-10). أما في أيام زربابل فقد كان تدشين المذبح من أجل الذبائح الاجبارية يتزامن مع عيد المظال (المشناه / مواعيد) أي سبعة أيام المظال يضاف إليها اليوم الثامن وهو يوم الاجتماع المقدس. أما موسى فقد ُدشن المذبح المتنقل لمدة ثمانية أيام في أول الشهر الأول من العام اليهودي " نيسان" (خروج 40: 2، 17 و لاويين 9: 1،17). أما وأن ُيدشن الهيكل هنا بعد التدنيس الدي تعرّض له، فهو وضع مشابه لما حدث في أيام أحاز (أخبار الأيام الثاني 28: 22-30: 27) حيث قام الكهنة بقيادة حزقيا بتطهيره لمدة ثمانية أيام، اعتبارا من اليوم الأول حتى الثامن من الشهر الأول، وقدسوه ثمانية أيام أخرى اعتبارا من اليوم التاسع وحتى السادس عشر (أخبار الأيام الثاني 29: 17-36) حيث قدموا الكثير من المحرقات والذبائح في اليوم الأخير، ولكن الشهر الأول كان ما يزال بعيدا بالنسبة للمكابيين، إلاّ أنه فلكيا كان ما يزال موسم المظال مستمرًا (1). وقد اشتملت احتفالات التدشين على مزامير الهلليل (مزامير 113 - 118) وتسمى الأناشيد وذلك بمصاحبة العيدان (جمع عود) والكنارات (آلة موسيقية بسيطة مثل الربابة) راجع (نحميا 12: 27 و أخبار الأيام الثاني 5: 13) وربما اشتمل الاحتفال على صلوات شكر مرتبة أصلًا أو رتبت خصيصًا لهذه المناسبة، وتحولت مع الوقت إلى جزء من الطقس. وأماّ الذبائح التي قدموها فهى: محرقة: ويقدمها الشعب أو الإنسان عوضًا عنه، وتحرق بكاملها، وتشير إلى الرب يسوع الذي قدم نفسه عنا، وهي أساس كل الذبائح. ذبيحة سلامة (أو شكر): وكانت تقدم عرفانًا وشكرًا لله واعترافًا بفضله، وفي حين تحرق ذبيحة المحرقة كلها، فإن ذبيحة السلامة كان يأكلها مقدمها مع ذويه بعد أن يهب الكاهن نصيبه، وذلك في نفس اليوم، ويقدم معها فطير. ويذكر يوسيفوس أنهم طلبوا من الله أن يرسل نارًا من السماء، فخرجت نار من الحجارة فأحرقت الذبيحة، ومن هذه النار أوقدوا المنارتين وقد استمرت هذه النار حتى خراب الهيكل في سنة 70 م. على يد الرومان، ولعلّ يوسيفوس يقصد بهذه النار تلك التي خرجت من سائل النفطار، الذي عثروا عليه حيث كانت الأواني قد ُاخفيت (كما سيجىء في 2 مكا1). وقد ُاكمل هذا الاحتفال المبهج والمهيب بتزيين واجهات الهيكل وتعليق الشارات، وقد اعتاد اليهود تزيين المدخل بالشمعدانات وعناقيد العنب، وفي هيكل هيرودس كان حجم عنقود العنب على جدران الهيكل بحجم الرجل، ومن غير المعروف ماذا كانت تلك الشارات والتي تشبه الأعلام. عيد التدشين (التجديد): من ثم قررّ اليهود أن يكون هذا الاحتفال عيدًا يحتفلون به من عام إلى عام - وهم يضعون هنا أسس الاحتفال بالعيد (آية 55،59) - يعيّدونه ثمانية أيام يتخللها مزامير الهلليل، يحملون فيه أغصان الزيتون وسعف النخل مثلما يحدث في عيد المظال أو الأكواخ، حيث دُشن هيكل سليمان في عيد المظال (ملوك أول 8: 2، 62 - 66) وكانوا يضيئون الُسرج وهو الذي أعطى لهذا العيد اسمه: الأنوار (الحانوكا) رمز الشريعة، وُتوضع السرج هذه في ُكوى البيوت، مما جعل للعيد شعبية حتى بعد خراب الهيكل سنة 70م. تسمية العيد: ورد هذا العيد في مجلة "تاعنيت" في التلمود تحت اسم عيد التدشين، "حانوكا Ha nukkah". فالأصل العبري للفعل " يدشّن hnk " يشير إلى تقديس مذبح جديد فقط، في حالة أن التدشين تمّ بواسطة نار معجزية من السماء (مثلما حدث في أيام موسى وسليمان). وفي سفر المكابيين الثاني ورد اسم محايد للعيد: (أيام المظال في شهر كسلو) ربما لم يكن الاسم مقبولًا لدى الحشمونيين في البداية، بسبب تشابهه المشئوم مع اسم احتفال يربعام (ملوك أول 12: 32،33) بل أنه كان أقل قبولًا من خلفاء الحشمونيين بسبب أن التقاة كانوا يرفضونهم بصفتهم: يربعامات معاصرين!!(1). وقد أطلق سفر المكابيين الثاني على العيد تسميتي: "تطهير الهيكل" (2مكا 2: 16 و 10: 5) و " تدشين المذبح" (2مكا 2: 19). أما يوسيفوس فإنه لا يستخدم الكلمة اليونانية " يدشّن enkainizein " بل تعبير يفيد الاستئناف أو الاعادة والتجديد، كما أطلق عليه اسم: السرج أوالأنوار. كيف كان اليهود يحتفلون به في عهد السيد المسيح(2): كان العيد يبدأ كالعادة في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر (كسلو) ويستمر لثمانية أيام، وفي كل يوم كانوا يسبّحون "الهلليل" بينما يأتي جمهور المصلين حاملين سعف النخيل مع بعض الأغصان الأخرى، وكان الهيكل يضاء بالأنوار في جميع جوانبه، وكذلك كانت البيوت، وهذه الطقوس الثلاثة (التهليل والأنوار والأغصان) هي القاسم المشترك بين العيدين، أي عيد المظال وعيد التدشين (وقد شرحنا ذلك في تعليقنا على رسالة يهود أورشليم إلى يهود مصر في بداية السفر الثاني للمكابيين) فكما ُأدخلت عادتا ترنيم الهلليل وحمل الأغصان إلى عيد التجديد، ُأدخلت في المقابل عادة الإضاءة إلى عيد المظال (راجع2 مكا10: 6) هذا وربما تكون بعض الجماعات المسيحية في الغرب قد تأثرت بمظاهر الاحتفال بعيد التجديد، وذلك في احتفالاتها بميلاد المسيح (احتفالات الكريسماس) فهو عيد تجديد الهيكل (هيكل البشرية) الذي جدّده الله بواسطة هيكله هو من خلال ميلاده، راجع (يوحنا 2: 19). أما عن كيفية إنارة الهيكل، فإن التقليد ُيفيد بأنه بعد السبي واعادة ترميم الهيكل، وعندما أرادوا انارة المنارة الذهبية، عثروا على قنينة زيت واحدة مملوءه زيتا نقيًا ومختومة بختم رئيس الكهنة وكانت مخصّصة للمصابيح، ومع أن تلك الكمية لم تكن كافية إلاّ ليوم واحد، فقد حدثت المعجزة حين بارك الرب الزيت وبقيت القنينة ممتلئة لمدة ثمانية أيام، ولهذا السبب صدر الأمر بإنارة الهيكل والمنازل لمدة ثمانية أيام أيضا. هذا وقد اختلفت طقوس الاحتفال بالعيد من حيث التفاصيل، فإما أن يشعل رب البيت شمعة واحدة لكل أفراد الأسرة وإماّ شمعة لكل فرد، ومتى كان متديّنا فإنه يشعل لكل فرد شمعة في كل ليلة بحيث إذا كان أفراد الأسرة عشرة فإن الاحتفال يبدأ بعشر شمعات في اليوم الأول، وفي اليوم التالي يرتفع إلى عشرين شمعة، وهكذا يصل عدد الشموع في نهاية الاحتفالات - في اليوم الثامن - إلى ثمانين شمعة. كان هذا طقس مدرسة هلليل، وأما مدرسة شمّاى (شمعي) فقد أوصت بترتيب عكسى للسابق، وأمّا طائفة القرائين فلم تمارس الاحتفال بالعيد أصلًا (1). ولم يكن مسموحًا بالصوم بوجه عام في ذلك اليوم مثل يوم البوريم أيضا، هذا وقد اقترح دكتور هيرزفيلد Dr.Herzfeld - وهو كاتب يهودي معروف - أن عيد الأنوار جاء لإحياء ذكرى هبوط النار من السماء على المذبح في هيكل سليمان (أخبار الأيام الثاني 7: 1).. غير أن أعظم حدث جرى في هذا العيد، هو اشتراك المسيح فيه في الهيكل (يوحنا10: 22). الاحتفال بعيد الحانوكا الآن (أو الهانوكا): نظرا لوقوع العيد في نفس توقيت عيد الكريسماس في الغرب، فقد اتسمت احتفالات اليهود بطابع مسيحي، فالشمعدان أو "المينوراه" يقابل شجرة الكريسماس، كما أن الهدايا التي توزع على الآخرين تشبه هدايا "بابا نويل" التي تُوهب للأطفال، وهكذا مع الوقت أصبح العيد شعبيًا علمانيًا أكثر منه دينيًا، حتى أصبحت المينوراه تسمىّ "شجرة الحانوكا" كما ظهر ما يسمى "العم ماكس رجل الحانوكا"(1) ويقابل "سانتا كلوز" موزع الهدايا لدى المسيحيين. وهكذا اختفت الأدعية والنصوص الكتابية التي تتلى في عيد التجديد - كما سبق الاشارة - ليتحول العيد إلى عيد قومى يعبر عن اليهودية. والآن وفي هذه المناسبة من كل عام توقد الشمعدانات الضخمة في الميادين العامة، وتنظّم مواكب ضخمة من السيارات والتي تحمل الشمعدانات فوقها، وفي بعض العواصم الأوربية مثل باريس، يصل الموكب إلى ميدان كبير مثل "كونكورد" حيث ينزل الناس من سياراتهم مكوّنين دائرة كبيرة يشترك فيها المئات منهم، يرقصون ويغنّون في صخب شديد وأما في إسرائيل فيصعد آلاف الشبان إلى قلعة ماسادا خلال تلك الاحتفالات. اجراءات وقائية بعد التدشين 60وفى ذلك الزمان بنوا على جبل صهيون من حوله أسوارا عالية وبروجا حصينة، لئلا تجىء الأمم وتطأه كما فعلت من قبل. 61وأقام يهوذا هناك جيشا يحرسه، وحصّن بيت صور، حتى يكون للشعب معقل تلقاء أدوم. هكذا حققت الثورة المكابية في مرحلتها الأولى - والتي توصف بأنها "حرب للرب ومقدساته" - الهدف الأسمى لها وهو استعادة الحرية الدينية، واستمر الحال هادئًا في اليهودية خلال الفترة من 164 - 162ق.م بسبب موت أنطيوخس أبيفانيوس وما رافق ذلك من تبعات، وقد ظل اليهود يستمتعون بهذه الحرية الدينية حتى أيام السيد المسيح، إلى أن ُدمر الهيكل سنة 70م. ومن هنا تبدأ المرحلة الثانية من كفاح المكابيين والتي يمكن وصفها بـ"حرب الطمع والاتساع والضلالة"(1) ولكن وبينما أعانهم الرب في المرحلة الأولى، فقد عانوا هم في المقابل كثيرًا فيما بعد، حتى وصل الأمر بهم إلى استعداء فريق منهم الحكام السلوقيين على الفريق الآخر، وذلك عندما انقسموا إلى فريقين رَسَمَ العداء العلاقة بينهما. هذا وقد اتّخذ يهوذا المكا بي بعض الاجراءات الوقائية لحماية الهيكل حتى لا يتعرض للتدنيس مرة أخرى، حيث أحيط جبل صهيون بسور عالٍ وبروج للمراقبة والدفاع، وأمّا بيت صور فقد حصنها لتكون "خط دفاع لليهود" مقابل الخطر الآتي من جهة منطقة أدوم. ".. ثم أتى أولادك إلى قدس أقداس هيكلك، وطهروا صحن معبدك وطهروا مقدسك وأضاءوا السرج في ساحاتك المقدسة، وأقاموا أيام التدشين الثانية هذه " (واحدة من الصلوات التي صارت جزءا من طقس عيد التدشين) (1)وكانت استراتيجية ترك النار مشتعلة لخداع العدو: شائعة في قصص الحرب اليونانية (راجع 1مكا 12: 28،29). (1)قارن أيضًا إشعياء 49: 24 و صموئيل أول 17: 46. وهو ما ذكر صراحة في 2مكا 8: 16-20 (راجع أيضًا إشعياء 36 و 37 و ملوك ثان 18: 13-19. (1)لمزيد من التفاصيل عن تلك الحفريات: انظر تعليق يوناثان أ جولدشتاين على السفر - ص264و265. (1)دائرة المعارف الكتابية - ج 1/ص 305. (1)إلى هذه الحملة أشار كتاب أخنوخ الأبوكريفي (90: 15)" ورأيت سيد الخراف يأتي اليهم غاضبا. فالذين رأوه فرّوا هاربين، وأمام وجهه وقع الجميع في الظلمات" انظر كتاب مخطوطات قمران - كتابات ما بين العهدين. ج2 /ص98 وكذلك هامش هذه الآية في ص 156. دار الطليعة الجديدة- دمشق1998. (1)راجع: (ميخا 7: 16 و لاويين 26: 36 و تثنية 28: 65 و صموئيل أول 10: 26 و يشوع 5: 1 و مزمور 9: 11،12 و 107: 26،27). (1)لمزيد من التفاصيل، راجع توسفته: عابودا زاراه Aboda zarah Tosefta والتلمود البابلي: Makkat, 2,9، ومشناة ميدات. (2)وبعكس ذبيحة المحرقة يمكن اضاءة السرج في أي موضع، كطقس تذكاري خارج المقدس (استير 8: 16). انظر مشناة "تاميد" (1: 1-3: 3). (1)لمزيد من التفاصيل عن التقوىم اليهودي في تلك الحقبة، انظر تعليق يوناثان أ.جولدشتاين على 1(مكا4: 36). (2)هذه المعلومات مأخوذة عن مجلة تاعنيت/ التلمود. (1)هناك الكثير من الآراء حول مواعيد الاحتفال بالتدشين، وعدد أيام ذلك، سواء في أيام سليمان أوموسى أو حزقيا أو المكابيين. راجع في ذلك: تعليق يوناثان أ جولدشتاين ص / 276 280, (1)راجع تعليق يوناثان أ. جولدشتاين / ص282. (2)راجع كتاب الهيكل. ألفريد هيدرشيم /اعداد المؤلف- ص 298، 299. (1)حاول بعض العلماء الربط بين تعليم كل من مدرستي شمعي وهلليل بخصوص ايقاد الشموع، وطقوس أحد الأعياد الوثنية في عصر المكابيين، وهو العيد المسمى: "انقلاب الشمس الشتائي" حيث أطلق أنطيوخس أبيفانيوس اسم هذا العيد على مناسبة تدنيس الهيكل. ويقضي الطقس في ذلك العيد بايقاد سراج واحد في اليوم الأول، على أن يضاف إليه في كل ليلة تالية سراجا آخر أو أكثر حتى احتفال ثمانية أيام،كرمز للشمس المستعيدة ضيائها. ولكنه وبينما استخدم اليهود تقويما قمريا، اسنخدم الرومان تقويا شمسيا، كما أن احتفال 25 كسلو اليهودي يقابل 25 ديسمبر الروماني والمعروف بعيد ميلاد إله الشمس sol. Incevitusوالذي ُيحتمل أن يكون قد ُصدّر إلى روما من سوريا .. ومن هنا عكست مدرسة شمعي عدد الشموع. ولكن عيد التدنيس 15 كسلو= 6 ديسمبر، ويوم 25 كسلو = 16 ديسمبر، بينما عيد الشمس بعيد عن كليهما، لاسيما في أيام يهوذا. وهكذا فلا أساس لهذه الفكرة. (1)موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية. عبد الوهاب المسيرى. ج5/ص 266. (1)تاريخ إسرائيل/ القمص متى المسكين. |
||||
31 - 03 - 2014, 05:26 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام -
مكابيين أول 5 - تفسير سفر المكابيين الأول الحملات على الأمم الوثنيةحقق اليهود الهدف الأساسي من ثورتهم وهو استعادة الهيكل واستئناف العبادة، حيث أعانهم الله في ذلك جدًا، ويظهر ذلك من التباين الشديد بين القوتين اليهودية والسلوقية في المعارك، فبينما كان قوام الجيش السلوقى أربعين الفًا من الجنود وسبعة آلاف من الفرسان، كان جيش المكابيين في المقابل لم يتجاوز الستة آلاف جندي وفارس ومع ذلك اوقعوا الهزيمة باعدائهم (1مكا3: 39 و 2مكا8: 16). عن ذلك يعبّر زكريا النبي في نبوءته قائلًا: "لأنى أوترت يهوذا لنفسي، وملأت القوس أفرايم وأنهضت أبناءك يا صهيون على بنيك يا ياوان (اليونان) وجعلتك (يا صهيون) كسيف جبار، وُيرى الرب فوقهم وسهمه يخرج كالبرق، والسيد الرب ينفخ في البوق ويسير في زوابع الجنوب. رب الجنود يحامى عنهم فيأكلون ويدوسون حجارة المقلاع.. ويخلصهم الرب إلههم في ذلك اليوم كقطيع شعبه بل كحجارة التاج مرفوعة على أرضه، ما أجوده وما أجمله" (زكريا 9: 13 - 17). ولكنهم طمعوا في فتح بلاد جديدة، حيث امتدّوا إلى الشمال في جلعاد ووصلوا إلى الساحل عند أشدود، وبرغم الصلح الذي عقده معهم ليسياس بسخاء وتقدير، إلاّ أنهم لم يكتفوا بذلك، بل شرعوا في الاتساع وبسط النفوذ (2مكا11: 13- 21). ملاحظة تاريخية: بدأ عيد التدشين في (25 كسلو) ولكن من السنة البسيطة (= 16 أكتوبر 164 ق.م.) وليس 25 كسلو من السنة الكبيسة (والتي تقابل 14 ديسمبر 164 ق.م.) كما مرّ بنا في التعليق على (4: 36-54) وبالتالي فقد كان هناك متسع من الوقت لكل الأحداث المذكورة في هذا الأصحاح. وكانت الحملات ضد أدومية وأقربتين والنباطيين قصيرة جدًا، كما لم تستغرق المعارك ضد العمونيين أكثر من أسابيع معدودة، كما حدث أثناء تلك الحملات سيل غامر (راجع4: 38) مما يؤكد أن ذلك قد تم قبل موسم الجفاف (آخر أبريل) وبحسب ما ورد في (2مكا12: 31،32) فقد كان ذلك قبل عيد الأسابيع (6 سيفان = 21 أبريل 163 ق.م. من السنة البسيطة).كما أنه منذ أن بدأ يهوذا في حصار قلعة عكرة (1مكا6: 20) لم يقم بحملات جديدة ضد الأمم المجاورة، وهو الحصار الذي بدأ في الأول من نيسان 28 يناير 163 ق.م. (من السنة البسيطة)، ثم نستنتج من (دانيال12: 11) أنه في 17 يونيو 163 ق.م. اندلعت معركة بيت زكريا حيث ُحوصرت قوات يهوذا (6: 32-48). ونخلص من كل ما سبق أن الفترة ما بين 16 أكتوبر 164 ق.م. إلى مايو 163 ق.م. كانت كافية لاستيعاب أحداث الأصحاح الخامس الذي نحن بصدده.(1) الحملة على بنى أدوم وبنى عمون 1 ولما سمعت الأمم التي حولهم أن قد أعيد بناء المذبح وُجدد المقدس كما كانا من قبل، غضبت غضبًا شديدا 2وعزمت على أن تبيد من بينها من نسل يعقوب، وأخذت تقتل وتهلك من الشعب. 3وكان يهوذا يحارب بنى عيسو في أدوم عند أقربتين، لأنهم كانوا يحاصرون إسرائيل، فضربهم ضربة شديدة ودحرهم وسلب غنائمهم. 4وتذكر شر بنى بيان الذين كانوا فخا ومعثرة للشعب يكمنون له على الطرق. 5فألجأهم إلى البروج وحاصرهم وحرّمهم وأحرق البروج وكل من كان فيها بالنار. 6ثم عبر إلى بنى عمون، فصادف عسكرا قويا وشعبا كثيرا تحت قيادة طيموتاوس. 7فشن عليهم حروبا كثيرة، فانسحقوا أمامه فكسرهم. 8وفتح يعزير وتوابعها، ثم عاد إلى اليهودية. كان من مصلحة الأمم المجاورة لليهود، أن يظل الأخيرين مستعمرين أذلاء، إذ كانوا في الواقع يُمَثِّلون بالنسبة لهم خطرًا كامنًا يتحرك متى زال الضغط عنهم، فُهم الأعداء التقليديون لهم، وقد كان لهذه العداوة أسباب ضاربة في القدم، فقد نظر الأدوميون والعمونيون إلى اليهود باعتبارهم مستعمرين في الأساس، جاءوا من الجولان في البرية ليحتلوا هذه الأرض، كما أنه ما يزال مطبوعًا في ذاكرة بنى أدوم أن اليهود هم نسل يعقوب الذي سلب عيسو جدهم الأكبر كل شيء، وفى المقابل فقد ساعد الأدوميون بالأمس القريب جنود نبوخذ نصر، في الاستيلاء على أورشليم نظرًا لخبرتهم بطبوغرافية الأرض هناك، وهم الشامتون في دمارها "انقضوا انقضوا حتى الأساس منها" (مزمور 137: 7-9) ولما لم يكن في استطاعتهم محاربتهم بسبب تحوّل اليهود إلى قوة عسكرية ُيخشى جانبها، فقد راحوا ينتقمون من اليهود السكان بينهم في شبه جاليات أو أقليات هناك. يُضاف إلى ذلك أن الوثنيين رأوا في اعتزال اليهود عنهم كراهية للجنس البشرى كله، فبادلوهم كرهًا بكره، مع أن انعزال اليهود كان بسبب تجنّبهم أي صلة بعبادة الأوثان. أما عن رغبة الأمم في الانتقام من اليهود حال سماعهم بأنباء انتصارات المكابي واستعادتهم الهيكل، فقد كان السبب الحقيقي وراءها هو ادعاء اليهود بامتلاكهم المنطقة بأكملها بناءًا على ما ورد في الشريعة ونبوات الأنبياء، وكانت تلك الانتصارات تعني أن يد الله قد عادت لتساندهم مرة أخرى، وبينما توقّع اليهود تحقيق تلك النبوات، خشى الوثنيون الأمر ذاته، بل أن كل من اليهود والأمم في ذلك الوقت رأوا "يشوع الثاني": في يهوذا المكابى (1). ُانظر خريطة رقم (7). أُعيد بناء المذبح (آية 1): وصف الوثنيون استئناف العبادة في الهيكل باعادة البناء، والواقع أن التعبير الأصلي في هذا ليس تجديد Dedicationبل Restored أي استعادة " أرددنا يا رب إليك فنرتدّ جدد أيامنا كالقديم" (مراثى 5: 21). ومن هنا فقد قصد النص العبري: " يستعيد " وليس " يدشّن" (2). عقربات (أقربتين) Akrabattene: حصن على مرتفع جبلى، يقع على الطريق من اليهودية إلى أدوم، جنوب البحر الميت بالقرب من "أقرابيم Akrabbim". ويشير يوسيفوس إلى موقع يسمّى " أكراباتين" جنوب شرق شكيم حيث ُيظن أنها عقربات المذكورة هنا. وفي ذلك الوقت كانت على حدود اليهودية داخل السامرة، وفي حملة يهوذا المكابى كانت بالتأكيد جزءا من السامرة وليس من اليهودية، حيث أن أحداث هذا الأصحاح قد وقعت خارج اليهودية (آية 1،2) كما أن أرض افرايم جنوب أقربتين، انضمت لليهودية فقط في أيام يوناتان المكابى (10: 30 و 11: 34) أمّا في أيام يهوذا فقد كانت هناك نسبة كبيرة من الأدوميين تسكن أقربتين حتى أن المنطقة ُدعيت ب" أدومية " حيث أصبح من الضروري التمييز بينهما وبين أدوم الأساسية، حيث دعيت "أدومية العظمى" أو " الجنوبية". بنى بيان Baean, Sons ofوفي اليونانية " uiown baian": يبدو أنها قبيلة بدوية. ورد في احدى المخطوطات (LAMW) بني صبعون Sabeanou بدلا من بني بيان (تكوين 36: 20،24، 29 و أخبار الأيام الأول 1: 38،39) وهو من بنو سعير، ونتيجة لتطورات لغوية للاسم صبعون مابين اللغتين العبرية والأرامية (لا مجال لايرادها هنا)، جاء النطق الوارد في السفر Beney Baian. ولا ُيعرف على وجه الدقة أين كانت تسكن تلك القبيلة، وأن كانت (الآية 6) تفيدنا بأن يهوذا عبر من عندهم إلى بني عمون، وبالتالي فمن المحتمل أنهم عاشوا بالقرب من عبر الاردن. ولكن مخطوطات كتاب اليوبيلات - الذي يرجع لتلك الفترة - يشير إليها باعتبارها مدينة في عبر الأردن شرقا في محلة رأوبين، وهي ليست بعيدة عن ميدبا. وبالعربية "باعون"، ولهذا فهي جنوب عمون، ويرد فيه: "ومسكنهم من أرض بني عمون حتى جبل حرمون، وبيت ملكهم قرنايم وعشتاروت و أذرعي وميشور وباعون" (يوبيلات 10). اشتهر رجالها بالكمن فى الطرق العامة للعابرين لمهاجمتهم وسلبهم، مثلما اشتهر الأسكيثيون، وكانوا يفرضون اتاوات على المسافرين ولاسيّما التجّار منهم. إلى هذه القبيلة ُاشير في سفر العدد (32: 3) ومن المرجّح أن يكون أتباعها قد قاوموا نحميا عند إعادة ترميم الأسوار (نحميا 4: 7 وما يليه) ولكنه من غير المؤكد إن كانت لهم علاقة بأعمال اللصوصية المذكورة في مثل السامري الصالح على الطريق من أورشليم إلى أريحا. وقد أساء أفراد هذه القبيلة كثيرًا إلى بنى إسرائيل على وجه الخصوص، مما استلزم معه القيام بعمل عسكري ضدهم من قِبل المكابيين. تمامًا مثلما فعل شاول بعماليق، (صموئيل أول 15: 2،3) راجع أيضًا (خروج 17: 14 و تثنية 25: 17، 18) . طيموتاوس (تيموثاؤس): اسم يوناني معناه "عابد الله" وهو قائد بنى عمون، المعينّ من قبل أنطيوخس أبيفانيوس، وقد دارت عدة معارك بينه وبين المكابيين، ففي البداية ألجأ اليهود إلى الحصون حسبما يرد في هذا النص (وكذلك في 2 مكا 12) ولكن يهوذا هزمه، ولمّا أعاد الكرة ُهزم أيضا، غير أنه هزم اليهود بقيادة يوسف وعزاريا في يمنيا، وفي آخر معركة له مع اليهود هُزم ولما تعرض للقتل استعطفهم ليتركوه ففعلوا، ولكنه واصل تحديه لهم مما ألجأهم إلى قتله في حصن جازر. غير أنه تواجهنا مشكلة خلال السفرين بخصوص الاسم "طيموتاوس"، فبالرغم من أنه يظهر لنا في (5: 6، 11، 34،،4037) أنه لا يوجد سوى شخص واحد بهذا الاسم، وهو الرأي الذي يعتمد عليه يوسيفوس، إلاّ أن هناك شخصين بهذا الاسم: أولهما قائد كبير سلوقى وهو المذكور هنا في هذه الحملة وهو المذكور كذلك في (2 مكا12: 10- 31) لأنها نفس الحملة العسكرية، ويشير السفر هنا إلى أن طيموتاوس قد نجا من الموت حيث يتضح ذلك من (2 مكا 12: 24، 25). ولكن كيف يذكر أن طيموتاوس قد مات (فى2مكا8: 30 - 32) ثم نراه حيًا في (2مكا 9: 24 - 37) حيث يلقى مصرعه لاحقا، ثم نراه حيًا في (2مكا 12: 2 - 31) وينجو من الهزيمة؟ لذلك ولتفسير ما يبدو من التباين هنا، يجب ملاحظة الآتي: 1-طيموتاوس المذكور هنا وبالتالي في (2مكا10: 24 - 37) كان مسئولًا محليًا بالمقاطعة العمونية)رتبته:(phylarch(1) التي يحكمها السلوقيون، وكان المسئول المحلى باستطاعته في بعض الأحيان أن يستعين بنخبة من الفرسان السلوقيين (2مكا10: 24). 2-طيموتاوس المذكور هنا في (11 - 44) وكذلك في (12: 2، 10 - 31) هو قائد الجيش السلوقى (رتبته: Strategos)(2) وهو الذي كان يحكم ما يعرف الآن بشمال عبر الأردن وجنوب سوريا. 3-هناك ملاحظة هامة في (2مكا8: 30، 31) بخصوص اشتراك أسر الشهداء في الغنائم، وكان ذلك في حربهم ضد طيموتاوس القائد السلوقى، أمّا في (2مكا 8: 32) فالذى ُقتل هو طيموتاوس القائد المحلى. وهكذا يمكن التمييز بين الاثنين. يعزير: اسم عبري معناه "يعين" أو " قوى/ صعب". وهي مدينة أمورية محصنة في أرض جلعاد، وُهبت في البداية لسبط جاد ثم أعطيت بعد ذلك إلى اللاويين ثم الحبرونيين، وفيما بعد أصبحت تابعة لموآب. وُعرف سكانها بكثرة شرورهم، ومع أن العالم "بيفينوت Bevenot" يستبعد أن تكون يعزير هذه هي جازر المذكورة في (2مكا10: 32) إلاّ أن ذلك هو الأرجح. وتقع يعزير على بعد 18 كم غرب "ربة بنى عمون" ومسافة 27 كم شمال شرق حشبون (1)، وتبعد إلى الشمال الشرقي من أريحا بحوالي 40 كم.، وقد سمّاها يوسيفوس وجيروم: "عازر/ يارز"، وتسمى الآن "خربة يعزير" أو "بيت زرعة" وتقع بين كوم يزور ووادى كوم، حيث ُيحدد موقعها الآن بمسافة 20 كم من الأردن شرقًا. ويذكر يوسيفوس أن يهوذا أحرق المدينة (يسميها يزورا Iozora) وأنه أسر النساء والأطفال. (انظر خريطة رقم 7). بنى عمون Ammon/Ammonites: اسم عبري معناه "عمّي أو شعبي" وهم بنو "عمى" ابن لوط، سكنوا في شرق الأردن في جبال جلعاد بين أرنون ويبوق، وتقع مكانها الآن مدينة "عمّان" الأردنية. عبد أهلها الإله كموش (المسمى أيضًا: مولك). وكانوا ضمن أعداء اليهود باستمرار، فعند مهاجمة الأشوريين لليهودية في عصر يهوديت، نصح العمونيون أليفانا القائد الأشورى بضرب الحصار حول اليهود، في حين حذره أحيور العموني من الدخول في حرب أصلًا مع اليهود لأن الله يدافع عنهم (يهوديت 5). وإلى بنى عمون هرب "ياسون" رئيس الكهنة بعد استيلاء منلاوس على منصبه (2مكا4: 26) حيث اصطحب معه ألف جندي عمونى وعاد ليهاجم أورشليم، وإذ لم ينجح في ذلك عاد أدراجه إلى عمون (2مكا 5: 7). أما عن سكان الجاليات اليهودية بين الأغلبيات الوثنية، فقد نظر إليها سكان البلاد الوثنيين باعتبارهم الطابور الخامس "Fifth column" الذي يمهّد الطريق لاحتلال البلاد، ومن ثمّ فقد كانوا يضطهدونهم. ويشرح المزمور 83 تآمر تلك الأمم على بنى إسرائيل. ُانظر خريطة رقم (7). إزاء التهديدات الصادرة عن تلك الأمم ثم اضطهادهم للجاليات اليهودية الساكنة بينهم، رأى يهوذا أن يوسّع دائرة نفوذه، فاشتبك مع بنى عيسو في أقربتين (عقربات) حيث هزمهم واستولى على غنائمهم، وأما "بنى بيان" (احدى القبائل العربية الشهيرة) فقد طاردهم حتى اضطرّهم إلى الاحتماء في الحصون والبروج، ومن ثم أحرق تلك السجون - التي اختاروها لأنفسهم - بما فيها، وكذلك حارَب سكان يعزير، والذين يرتبطون هم وبنى بيان ب"بني بعون" و"حشبون" الوارد ذكرهم معًا في (سفر العدد 32: 3) والذين كانوا يقطنون "بعل معون" شرق البحر الميت، وحيث أن العمونيين السابق ذكرهم كانوا يسكنون شمال شرق البحر الميت، إذن فقد كانت حملة يهوذا المكابى التأديبية والتوسعية معًا حول البحر الميت وبالقرب من الأردن. حرّمهم: الكلمةAnathematizباليونانية وharamبالعبرية تعنيان: "يحرّم"، والأصل السامى الذي ُتشتق منه لفظة "حِرْم" يعنى "التنحية جانبا" أو "يحظر استعماله دنيويا"، ويقصد به " التخصيص لله بشكل عام"، أماّ هنا فيقصد به الحكم بالهلاك، فيقتل الناس والبهائم، بينما توهب الأشياء الثمينة للهيكل، وهو ما ُيعد احدى قواعد الحرب المقدسة (تثنية 7: 1- 20 و 20: 13 وما يليه و صموئيل أول 15: 3) وكانت مخالفة ذلك تستوجب العقوبة (يشوع 7 و صموئيل أول 15: 16 - 23)، ويأتي الوعد بالتحريم في بعض الأحيان قبل المعركة على سبيل النذر لضمان الانتصار (سفر العدد 21: 2) غير أن تنفيذ هذه القاعدة أصبح مرنًا مع الوقت، وفي الأزمنة اللاحقة تطوّرت الفكرة من سيادة الله المطلقة إلى ابوته كإله رحيم (حكمة 1: 13 و متى 5: 44،45). وفي الإطار الكنسي هناك فرق بين التجريد من الرتبة أو الإيقاف عن الممارسة من جهة، والحرم من جهة أخرى، ففي الأولى ُيعفى الشخص من رتبته فلا يحق له التعليم أو القيادة والأبوة الروحية نظرًا لخروجه عن الإيمان أو العقيدة أو السلوك اللائق - مما استوجب معه التجريد - في حين يجوز له أن يمارس حياته كمؤمن عادي عضو في الكنيسة، بينما يؤدى الحرم إلى القطع من شركة الكنيسة، فلا يحق له الاشتراك في الأسرار المقدسة، وفي الحالتين الباب مفتوح للتوبة مما يمكّن من استعادة الشركة والرتبة. الإعداد للحملات على الجليل وجلعاد 9وإن الأمم التي في جلعاد اجتمعت على من كان من إسرائيل في بلادها لتبيدهم، ففروا إلى حصن دياتما. 10وأرسلوا كتابا إلى يهوذا وإخوته قائلين: "إن الأمم التي حولنا قد اجتمعت علينا تريد إبادتنا، 11وفى عزمها أن تأتى وتستولى على الحصن الذي فررنا إليه، وجيشها يقوده طيموتاوس. 12فهلم الآن وأنقذنا من أيديها، فقد سقط منا عدد كثير. 13وجميع إخوتنا الذين في أرض طوب قد ُقتلوا وُسبيت نساؤهم وأولادهم وُسلبت أموالهم وهلك هناك نحو ألف رجل" 14فبينما هم يقرأون الكتاب، إذا برسل آخرين قد وفدوا من الجليل وثيابهم ممزقة، وأخبروا بمثل ذلك قائلين: 15" قد اجتمعوا علينا من بطلمايس وصور وصيدا وكل جليل الأمم ليبيدونا". 16فلما سمع يهوذا والشعب هذا الكلام، عقدوا مجمعا كبيرًا وتشاوروا فيما يصنعون لإخوتهم الذين يعانون الشدة وهجمات الأعداء. 17فقال يهوذا لسمعان أخيه: "إختر لك رجالا وامض وأنقذ إخوتك الذين في الجليل، وأنا ويوناتان أخى نمضى إلى أرض جلعاد" 18وترك في اليهودية يوسف بن زكريا وعزريا قائد الشعب، مع بقية الجيش للقيام بالحراسة. 19وأوصاهما قائلًا: توليا أمر هذا الشعب ولا تشنّا على الأمم حربا حتى نعود". 20فانقسم الرجال، ثلاثة آلاف مع سمعان يمضون إلى الجليل، وثمانية آلاف مع يهوذا إلى أرض جلعاد. هكذا حقق المكابى جولة ثانية من الانتصارات وعاد ظافرًا إلى اليهودية، ونلاحظ أوجه الشبه بين هذه الأحداث وإنقاذ يشوع للجبعونيين وانقاذ يفتاح لجلعاد، كما رأى فيها البعض تحقيق لنبوة إشعياء (8: 23-9: 6) بخصوص خلاص عظيم على الضفة الشرقية للاردن. غير أنه لم يلبث أن تواردت إليه الأنباء عن اضطهادات واسعة لليهود المنتشرين في شكل جاليات بين الشعوب المجاورة لليهود، انتقامًا من المكابيين الذين حققوا الكثير من المكاسب العسكرية. جلعاد Gilead: كلمة عبرية معناها " قوى" وفي العربية تعني "متراس صخري". في البداية كانت جلعاد محصورة في جنوب يبوق، غير أنها لم تلبث أن شملت المنطقة ما بين يبوق واليرموك، وكان سكانها وثنيين بينهم جالية يهودية، تعرضت للمضايقات شأن جميع الأقليات في ذلك الوقت، مما ألزم يهوذا المكابى بالانتقام منهم، فلمّا طارد أهلها أفراد الجالية اليهود، لجأ هؤلاء إلى الاحتماء في حصن دياتما. ُانظر خريطة رقم (8). حصن دياتما Dathema: وهو قلعة في غرب "بصرة" بأرض جلعاد، وقد حدّد العالم أبل Abel موقعها على مسافة 80 كيلومترا من " ُبصرة" (انظر خريطة 7) شرق "قرنائيم"، وربما كانت هي "رمتة" الحالية والمذكورة في السريانية باسم "رامتيه" كما يرى البعض أنها ُقرئت خطأ "دامثا"(1) بينما يرى البعض الآخر أنها هي "عتمان" الواقعة شرق "المزريب"، ورأى آخرون أنها "الكراك" على مسافة 45 ميلًا شرق بحر الجليل (2مكا12: 17) وربما تكون مكانها الآن قرية " تل حمد". إلى هذه القلعة فرّ الكثير من جاليات اليهود في تلك المنطقة، ومن داخلها استطاعوا تمرير رسالة استغاثة إلى يهوذا المكابى كي يأتي ويخلصهم، لا سيّما وقد انتوى الوثنيون احراق الحصن بمن فيه، كما فعل المكابي مع بنى بيان (آية 5) بعد أن قتلوا منهم عدد بالفعل، ولكنه من غير المعروف إلى أي شعب كان هذا الحصن يخضع، ولكن ربما يكون سكانه قد قبلوا اليهود كلاجئين فيه، ولم يكن حصن دياتما هو المكان الوحيد الذي لجأ إليه اليهود المطاردون، إذ نقرأ في (آية 27) أن آخرين كانوا محاصرين في "بصرة وباصر وعليم وكسفور ومكيد وقرنائيم" وغيرهم في مدن أخرى في جلعاد. وأخبار من أرض طوب" Tob: طوب كلمةعبرية معناها "طيب" وتقع أرض طوب (وتسمّى أيضًا أرض بنى عمون) في المنطقة الواقعة ما بين عمان والأردن، وهي مدينة أرامية جنوب حاران، وكان حكامها هم أسرة بني طوب" اليهودية (نحميا2: 6 و 6: 17 و 13: 8) ويشير يوسيفوس إلى أسرة يهودية يطلق عليها: "الأسرة الطوبية" وكانت من الأسر البارزة في عبر الأردن، كما ُعرفت هذه الأسرة من خلال البرديات اليهودية(1). وكان مركزهم الرئيسي في: " عرق الأمير" في المنطقة التي ُيطلق عليها أرض العمونيين (آية 6 و 2مكا5: 7) على مسافة قريبة جدًا من موقع حملة يهوذا على العمونيين، وكيلومترات قليلة عن "يعزير" وبعيدا جدًا عن أهدافه في جلعاد ويفيد التاريخ بأنه كانت توجد وحدات عسكرية ُتلقب بالطوبية في ذلك المكان، وكان اليهود الطوبيون المشار إليهم في (2مكا12: 17،35) أفرادا في واحدة من تلك الوحدات، وبعد انتحار هركانوس الطوبي ربما يكون الجيش الطوبي - والذي كان مستقلًا لفترة من الزمن - قد استسلم لأنطيوخس الرابع، واستقر في مكان ما من جلعاد(2) (انظر خريطة رقم 7). وفي عصر المكابيين كانت الخيول الحربية تتدرب هناك، كما كان يوجد بها مقر الوالي السلوقى في موقع يسمى "الكرك". وتسمى حاليًا قرية "الطيب" شرق المكان المسمّى الآن "ديرا" على الطريق ما بين دمشق وعمان. وقد اضطهد جنود طيموتاوس العمونى أهلها، فقتلوا منهم ألف رجل وسبوا النساء والأطفال، كما سلبوا مقتنياتهم، ولعل هذه المذبحة هي السبب المباشر في قرار يهوذا القيام بحملة انتقامية (2مكا12: 17). يبدو من النص هنا أن اضطهاد اليهود قد تمّ في وقت واحد، حيث تلاحقت الأخبار عن ذلك في ورودها على المكابي ورجاله، وتشير الثياب الممزقة (آية 14) إلى أن أولئك الرسل قد نجوا من خطر محقق، أو أنهم قد مزقوا ثيابهم تعبيرًا عن هول ما يحدث، وهى عادة مألوفة مرتبطة بالمصائب والكوارث الشخصية والقومية. الجليل: Galille: كلمة عبرية معناها "مقاطعة أو دائرة" ويقع الجليل في المنطقة الجبلية لسبط نفتالى، وهي في شمال اليهودية، وفي عصر المكابيين عبر "بكيديس" القائد السلوقى إلى هناك، حيث ضرب اليهود عند "أربيلا" قرب بحر الجليل (1مكا9: 1- 4) بينما ضرب يوناتان المكابى قوات "ديمتريوس" في " كداسة " قرب "حاصور" في الجليل (1مكا11: 63) وعند "بيت شان" هناك تقابل " تريفون" القائد السلوقى الآتي من سوريا مع يوناتان حيث استطاع خداعه واستدراجه إلى "عكا"، هناك أسره سنة 143ق.م. (1مكا12: 39 و 13: 1- 13). ُانظر خريطة رقم (8). وفي سنة 104 ق.م. استولى أرسطوبولس على الجليل حيث جعلها مقاطعة يهودية، وبذلك أصبحت أكثر مدن الجليل تحت السيطرة المكابية، حيث ظلّت هكذا إلى أن استولى الرومان عليها سنة 63 ق.م. وفي أيام المسيح كان الجليل ضمن رعوية هيرودس الكبير ومن بعده هيرودس أنتيباس مع تعديل جغرافي صغير. هذا وتمتدّ منطقة الجليل ستين ميلًا من الشمال إلى الجنوب، وثلاثين ميلًا من الغرب إلى الشرق، وتوجد فيها أجمل بقاع فلسطين، حيث تتنوع التضاريس ما بين بركانية إلى جيرية إلى سهول خصبة، وتنقسم إلى مستويين: الجليل الأعلى وفيه جبال عالية، والسفلي وهو أكثر مناطق فلسطين استواءا. جليل الأمم(الجليل الأممي): تأتى التسمية بسبب تواجد العناصر الوثنية في المكان رغم امتلاك سبط أشير للمنطقة ذات وقت، كما لم يقدر سبط نفتالي التخلص منهم قبل ذلك، وإليها أشار إشعياء النبي في (9: 1 و 8: 23). ويقصد الرسول الذي وصل إلى المكابى هنا، أن الوثنيين الساكنين في مدن الجليل قد ثاروا ضدّهم، وأما تلك المدن فهى: بطلمايس Ptolemais: وهو الاسم الذي أطلقه بطليموس الثاني الملك المصري على "عكا" سنة 261 ق.م. والتي كانت ثغرًا فينيقيًا، وجعلها مركزًا رئيسيًا لحكم البطالمة، وكانت تسمى "جوف سوريا" وقد حوّلها الإمبراطور كلوديوس إلى مستعمرة يسكنها قدامى المحاربون السوريون. وتقع بطلمايس "عكا" على ساحل البحر المتوسط على مسافة 44 كيلومترا شمال صور، وكانت تدعى قديمًا "عكو" وهي كلمة تعنى في الكنعانية "الرمل الساخن"، وكانت مطمعًا دائمًا لمختلف المستعمرين نظرًا لاستراتيجية موقعها. وفى إطار كراهيتهم الشديدة لليهود حرّض سكانها بقية الوثنيين ضد اليهود، وعندما أبرم أنطيوخس الخامس مع اليهود معاهدة سلام سنة 158ق.م احتجّ سكان عكا (2مكا13: 24). ُانظر خريطة رقم (8). إلى هناك ذهب يوناتان المكابى سنة 150 ق.م. ليقدّم هدايا لكل من الاسكندر بالاس وبطليموس المصري واللّذين تصاهرا هناك (1مكا10: 27- 60) وفي وقت لاحق وهبها ديمتريوس الأول ليوناتان كعلامة صداقة، بحيث تُستثمر جزيتها في احتياجات الهيكل (1مكا10: 39) ولكن ديمتريوس الثاني عاد فانتزعها، وإلى هناك استدعى يوناتان المكابى للتفاوض معه في أمر القلعة السلوقية في أورشليم (1مكا11: 22- 24). وفي عكا أيضًا أوقع "تريفون" بيوناتان حيث أسره هناك (1مكا12: 45 - 48) وهكذا ظلّت عكا تتأرجح بين السلوقيين والبطالمة حتى الغزو الروماني. صيدا Sidon: اسم سامى معناه "مكان الصيد" وهي أقدم المدن الفينيقية، وإليها ُينسب جميع الفينيقيين نظرًا لشهرتها لاسيما في مجال السفن والتجارة، وهو الأمر الذي وضعها بين أغنى دول المنطقة. وتقع صيدا إلى الشمال من صور على مسافة 39 كم بين جبال لبنان والبحر المتوسط. وفي حملة الاسكندر تعاون أهلها معه وذلك بسبب مضايقة الفرس لهم، ففتحها بسهولة (على العكس من صور)، وبعد الاسكندر كانت تمثّل جزءا من مملكة البطالمة (307 - 198ق.م.) ومن ثمّ آلت إلى السلوقيين حتى عام 65 ق.م. حين أصبحت جزءا من ولاية سوريا الرومانية. وفي خلال تلك الفترة وفى سنة 111 ق.م. بالتحديد: نالت حق الحكم الذاتي، ولكن أغسطس قيصر عاد فانتزع منها هذا الحق سنة 20 ق.م. ومنذ ذلك الحين أخذت في الضعف، ويشير الرحالة خلال القرنين الرابع والسادس إلى أن شهرة المدينة كانت قد خمدت. ُانظر خريطة رقم (8). وهناك ملاحظة هامة بخصوص صور وصيدا وهما من المدن الفينيقية التي احتضنت عبادة الآلهة الكنعانية، حيث لم يرد اسمها ضمن البلاد التي أخضعها الرومان، فقد هاجمها الرومان مرتان في عامى 241 و201 ق.م. قبل أن يدمروها تمامًا سنة 146 ق.م. كما لا يذكر هنا أن يهوذا حارب صور وصيدا في حملته، بل أكثر من ذلك ُيحتمل أن يكون ملوك الحشمونيين قد سعوا لاحقًا لاقامة علاقات مع تلك المناطق. ونقرأ أنه عندما منح يوليوس قيصر امتيازات لليهود في سنة 47 ق.م. قرر أن تقام ألواح برونزية تسجل عليها هذه الامتيازات باللاتينية واليونانية، توضع في صور وصيدا وأشقالون مما يوحى بأن كان للجمهور علاقات طيبة مع تلك البلاد منذ فترة طويلة. هكذا بدأ اضطهاد اليهود منظمًا من قبل الشعوب الوثنية، مما أوقعهم في ضيقة شديدة هددت حياتهم بالخطر، وهكذا عقد يهوذا "مجمعا" للبحث والتشاور فيه بخصوص ما يتوجب اتخاذه من قرارات، وهو ما يمكن أن ُيسمى "مجلس حرب". ُانظر خريطة رقم (8). مجمع Ekklesia: كلمة يونانية تدل على: 1- تجمع وثني يدعى للاجتماع 2- اجتماع للحكام من رجال الدين 3- الكنيسة المسيحية. 4- اجتماعا مؤلفًا من جميع المواطنين (اجتماعا جماهيريا). ولكن المجمع الكبير المذكور هنا يشبه إلى حد كبير "غرفة عمليات عسكرية" مثل مجلس الحرب المذكور في سفر يهوديت، حين اجتمع أليفانا الأشورى مع قواده لتدبير الأمر (يهوديت2: 2). وانتهى المجمع بإعلان الحرب، ومن ثم فقد ُقسّم الجيش إلى ثلاث فرق، الأولى مع يهوذا ويوناتان معا وقوامها ثمانية آلاف جندي لمحاربة سكان جلعاد، والثانية مع سمعان وحده وقوامها ثلاثة آلاف جندي لانقاذ اليهود المحصورين في الجليل، بينما ُتركت الفرقة الثالثة مع اثنين من القادة هما يوسف وعزاريا للاهتمام بشئون الشعب وحماية أورشليم، مع التشديد عليهما بعدم القيام بأي عمل عسكري خارجي، غير أنهما لم يطيعا مما أضرّ بالأمة كثيرًا كما سيجىء. حملات سمعان على الجليل وجلعاد 21ومضى سمعان إلى الجليل وشن على الأمم حروبًا كثيرة، فانسحقت الأمم أمام وجهه فتتبعها إلى باب بطلمايس. 22فسقط من الأمم نحو ثلاثة آلاف رجل وسلب غنائمهم. 23وأخذ الذين في الجليل وعربات، مع النساء والأولاد، وكل ما كان لهم، وجاء بهم إلى اليهودية بسرور عظيم. استطاع سمعان بشجاعة أن يقتحم الحصون المحتجز بها اليهود مع عائلاتهم، والذين كانوا يتوقعون هلاكهم في نفس اليوم أو اليوم التالي من قبل وثنيّى الجليل. وقد طارد سمعان في حملته أولئك الذين تصدوا له وقتل منهم عددا كبيرًا وسلب مقتنياتهم، ثم حمل الأسرى إلى أورشليم ليوطنهم هناك خوفًا من أن يعيد الأعداء الكرّة عليهم، لاسيما وأنه لم تكن لهم حتى ذلك الوقت القوة الكافية لحماية يهود الجليل البعيدين، ومن هنا كان اجلاءهم إلى اليهودية قرارا حكيما. ويمكن أن نجد صورة الشعب العائد إلى أورشليم هنا، في عدة مواضع من العهد القديم، راجع على سبيل المثال (أخبار الأيام الثاني 15: 1-9 و إرميا 31: 6-12 و عوبديا 20،21). عربات Arbatta, arbatta: جمع عربة ومعناها في العبرية "سهل أو بادية"، وهناك منطقتان بهذا الاسم، وهما عربات أريحا وعربات موآب: الأولى عبارة عن سهول متاخمة لأريحا في غربى الأردن، إلى هناك عبر يشوع بالشعب (يشوع 4: 13) حيث قاموا بعمل الفصح في الجلجال (يشوع 5: 10). أما الثانية فهي الجزء الغربي من سهول موآب شرقى الأردن، هناك نزل بنو إسرائيل بعد القضاء على عوج ملك باشان (سفر العدد 22: 1) وهناك قام موسى بتوزيع الأرض الواقعة في شرق الأردن بين السبطين والنصف سبط (يشوع 13: 32)، وفي عربات موآب بكى بنو إسرائيل لمدة ثلاثين يومًا على موسى بعد موته (تثنية 34: 8). من هناك خلّص سمعان اليهود المأسورين وأتى بهم مع الباقين إلى أورشليم (انظر الخريطة رقم 8). أمّا عربات المقصودة هنا فقد جاءت في اليونانية: " ArBatta " وفي النسخ الأرامية الأولى: أردفط " وفي النسخ الأرامية الأخرى: " نهربطن" وقال يوسابيوس: " كانت على بعد ثلاثة أميال رومانية غرب بيت شان" وكذلك قال رابي يوداه: " كانت مدينه على حدود بيسان واسمها أربو ". يهوذا ويوناتان يتمّان مهمّتهما 24وأما يهوذا المكابى ويوناتان أخوه، فعبرا الأردن وسارا مسيرة ثلاثة أيام في البرية. 25فصادفا النبطيين، فتلقوهما بسلام وقصّوا عليهما كل ما أصاب إخوتهما في أرض جلعاد 26وأن كثيرين منهم قد ُحصروا في بصرة وباصر وعليم وكسفور ومكيد وقرنائيم، وكلها مدن حصينة عظيمة، 27وأن هناك آخرين محصورين في سائر مدن جلعاد، وأن أعداءهم مستعدون للهجوم في الغد على الحصون والاستيلاء عليها وإبادة جميع من فيها في يوم واحد.28فعاد يهوذا وجيشه أدراجهم بغتة وتوجّهوا نحو البرية إلى باصر، فاستولى على المدينة وقتل بحد السيف كل ذكر وسلب جميع غنائمهم وأحرق المدينة بالنار. 29ثم قام من هناك ليلا وسار الى قرب الحصن. ولما قام من هناك ليلا وسار إلى قرب الحصن. 30ولما كان الصباح، رفعوا أبصارهم، فإذا بقوم كثيرين لا عدد لهم حاملين سلالم ومجانيق لفتح الحصن، وكانت المعركة قد بدأت. 31ورأى يهوذا أن المعركة قد التحمت، وقد علت جلبة المدينة إلى السماء من النفخ في الأبواق والصراخ الشديد، 32فقال لرجال جيشه: " قاتلوا اليوم عن إخوتكم".33فخرج في ثلاث فرق من وراء الأعداء، فنفخ في الأبواق وتعالت الصلاة. 34وعلم جيش طيموتاوس أنه المكابى، فهربوا من وجهه، فضربهم ضربة شديدة، فسقط منهم في ذلك اليوم ثمانية آلاف رجل. 35 ثم اتجه نحو حيلام وحاربها فافتتحها وقتل كل ذكر فيها وسلب غنائمها وأحرقها بالنار. 36ومضى من هناك فافتتح كسفور ومكيد وباصر وسائر مدن أرض جلعاد. أثناء عبورها في البرية لتخليص اليهود المأسورين، التقى القائدان يهوذا ويوناتان بالنبطيين، والذين كانت قد نشأت بينهما من قبل علاقات مودة حافظ عليها اليهود بعد ذلك، وقد رووا لهما أخبار اضطهاد اليهود، ومن البديهى أنهم قد أمدوهما بمعلومات هامة في هذا الشأن. النبطيين Nabatians: وفي اليونانية " toij NaBataioj":وهم شعب عربي من نسل نبايوت "نيبت" ابن اسماعيل (تكوين 25: 13) سكنوا أولًا في الحجاز كبدو ُرحّل ثم أسسوا مملكة لهم في منطقة " بترا " جنوب شرق عبر الأردن، في القرن الرابع قبل الميلاد. و كانت لهم ثروة حيوانية ضخمة (إشعياء 60: 17 و 2مكا12: 11) كما لعبوا دورا كبيرًا في مجالات التجارة والفن والزراعة والسياسة حتى الفتوح الاسلامية في القرن السابع، وكانوا يسيطرون على طرق القوافل الموصلة بين الهند والجزيرة العربية ومصر. تخلّى النبطيون عن اللغة العربية منذ ذلك الحين وتكلموا الأرامية (لغة المملكة الفارسية آنذاك) وقد شهد البحر الأحمر ظهورهم أولاّ كقراصنة حيث قاومهم المصريون ويقول ديودورس المؤرخ أنه عندما أرسل أنطيوخس الأول حملته على النبطيين لاخضاعهم سنة 314 ق.م، لم يجدهم جنوده هناك ومن ثم حملوا غنائمهم ومضوا، غير أن النبطيين كمنوا لهم في الطريق وأوقعوا بهم مستردّين غنائمهم، كما أحبط النبطيون هجومًا آخرا لليونانيين في نفس العام، وهكذا استطاعوا تأمين المنطقة " البترا " مكدّسين ثروة طائلة عن طريق تجارة القوافل، كما لم يستطع المكابيون اخضاعهم عندما اصطدموا بهم، ومن ثم تحالفوا معهم (2مكا12: 10) وقد ظل يوناتان يصون هذه العلاقات حيث استعان بهم بعد ذلك في حربه مع بكيديس، وعندما هرب ياسون رئيس الكهنة السابق، طارده أرتاس "الحادث" ملكهم، مجاملة لليهود (2مكا5: 8). ولكنه وفيما بعد جاء ملك آخر ناهض الاسكندر جنايوس لتأمين حدود النبطيين سنة 96 ق.م. وواصل خليفته مناهضتهم أيضا. ومنذ عصر الرومان وبدأت سلسلة من الصراعات بين اليهود والنبطيين، تكبد خلالها الأخيرين احدى وثلاثين هزيمة ساحقة على يد هيرودس الكبير، فلّما ساءت العلاقة بين الرومان وهيرودس، اتسع النبطيون حتى وصلت حدودهم إلى دمشق، وذلك في عهد "أبيداس الرابع" أشهر ملوكهم واقواهم (9 ق.م-40 م.) والملقّب بالحارث، والذي أشار إليه القديس بولس حين هرب من دمشق (كورنثوس الثانية 11: 32). هذا ويعدّ النبطيون احدى القبائل العربية الكثيرة، مثل بنى يمرى وبنى بيان والزبديون وغيرهم (كما سيجىء). أما عن علاقتهم بالمكابيين فيبدو لنا هنا أنه كانت صداقة بين الطرفين، ولكنها جاءت بعد عداوة بينهما حسبما يشير سفر المكابيين الثاني (12: 11،12) حيث تحولوا إلى أصدقاء لهم بعد أن ُمنوا بهزيمة ساحقة. ويدور الحديث في هذا الجزء من الأصحاح حول قوات قوافل نبطية جاءوا من تلك النواحي، حيث كانوا شهود عيان لما جرى على اليهود هناك. وأما عن المدن التي تعرض فيها اليهود للاضطهاد فهى: بصرة Bozrah: اسم عبري معناه (حظيرة) حسبما يرد في (ميخا2: 12) وهي أبعد مدينة من جهة الجنوب ذكرت في السفر حتى الآن، وهي مدينة قديمة حصينة في أدوم وكانت أقوى الحصون في النصف الشمالي من أدوم، وتتحكم في الطريق المؤدي إلى العربة وميناء إيلات، وُيظن أنها "صبرة" الحديثة الواقعة على جرف صخري، تحيط بها الوديان السحيقة وتقع على مسافة ثلاثين ميلًا شمال " البترا "، ويظن البعض الآخر أنها الآن "بوسطرة" الواقعة على مسافة خمسين ميلًا جنوب شرق بحر الجليل، واثنى عشر ميلًا من داثمان (حصن الكراك). باصرBasor, Bazor, Bosor وفي اليونانية " Bossro en Alemoij": اسم عبري معناه "حصن" وهي في الأصل احدى مدن الملجأ التي ُوهبت لرأوبين ثم تنازلوا عنها لسبط لاوي (تثنية4: 43 و يشوع 20: 8 و21: 36) انظر أيضا: (أخبار الأيام الأول 6: 78) وفيها كانت تقيم جالية يهودية في عصر المكابيين. وتقع باصر على مسافة ثمانية كيلومترات شرق حشبون، ومسافة 14 كم شمال شرق مادبا، وربما تكون الآن: "بصر الحريرى". عليم Alema: وهي مدينة حصينة في جلعاد، وربما كان مكانها الآن:"علما"على مسافة 13.5 كم جنوب غرب "باصر" أو "بصر الحريرى" على طريق حاران، ويحتمل أن تكون هي "حيلام" الُمشار إليها في (صموئيل الثاني 10: 16). كسفور Chaspho: وهي مدينة حصينة عظيمة في جلعاد، ويظن البعض أنها الآن المدينة المسماه " كسفيس" . وجاءت في بعض النسخ Xasfw'r . كما وردت في الآرامية " كسفن " (راجع التعليق على2 مكا 12: 13- 16) . مكيد Maked: اسم كنعانى معناه "مكان الرعاة" وُتكتب أحيانا (مجيد = قوى = عظيم). وهى مدينة كنعانية في أرض جلعاد، يوجد بالقرب منها الكهف الذي اختبأ فيه ملوك الكنعانيين الخمسة من يشوع حيث أمر بإغلاقه عليهم، وفي سجلات تحتمس الثالث المصري يرد اسم المدينة ضمن المدن الكنعانية التي استولى عليها، وقد ُاشير إليها على أنها بجوار عشتاروت. واسمها حاليًا " تل مقداد". وجاءت بالآرامية "ماقيد". قرنائيم Carnaim: أو " قرنيم" وهو اسم عبري معناه "ذي القرنين". وتقع هذه المدينة على مسافة ميل واحد شرق بحر الجليل والأردن، وهي التى كانت فيما مضى عاصمة لـ"عوج" ملك باشان.! وكما يتضح من اسمها فهي تنتسب إلى هيكل عشتاروت (أترجتيس) الموجود هناك والُمسمّى "عشتاروت قرنائيم". في هذا الهيكل كان يوجد تمثال للإلهة عشتاروت له قرنان، وكان الهيكل من السعة بحيث يستوعب آلاف الرجال، وإليه هرب اليهود المضطهدون حيث أتى يهوذا وخلّصهم، وإلى نفس الهيكل هرب جنود طيموتاوس العمونى فتعقبهم يهوذا المكابى وأحرق الهيكل وهم داخله (2مكا12: 21،26) وتسمى هذه المدينة الآن "الشيخ سعد". في جميع هذه الحصون حوصر عدد كبير من اليهود، حيث كانت نية الأعداء فتح تلك الحصون لقتلهم، أو احراق بعضها بمن فيها، وكان من نتائج روايات النبطيين المخلصة والمتعاطفة، أن غيّر يهوذا ويوناتان من خطتهما، حيث عادا أدراجهما إلى "باصر" وقاما بالانتقام من أهلها هناك، ويبدو من النص أن اليهود لم يكونوا هناك بل هربوا إلى حصن دياتما، إذًا فقد كانت الحملة على باصر ليس لتخليص اليهود بل للانتقام من أهلها. الحصن: ويقصد به - بلا شك - حصن ديماتا (آية 9)(1) حيث فوجىء يهوذا باستعداد الوثنيين لاقتحام هذا الحصن، وكان القتال قد بدأ بالفعل، إذ بدأ المحصورون في الحصن في المقاومة من خلال نفخ الأبواق والصراخ، ومن هنا اشتبك يهوذا مع المهاجمين وهم جنود طيموتاوس والذين كانوا يهدفون إلى اقتحام الحصن وقتل من فيه - كما سبق الاشارة - فألهب يهوذا حماس جنوده بأن يقاتلوا عن اخوتهم، راجع: (نحميا 4: 8) ثم جعلهم في ثلاث فرق ونفخ في الأبواق(2) وحاصرالأعداء من الخلف. مجانيق وسلالم: المجانق (جمع منجنيق) وهي آلة حربية ُتنصب أمام الأسوار وُتقذف بواسطتها الحجارة الضخمة بغرض فتح ثغرات في السور تمهيدًا لهدمه أو اقتحامه، وقد اسُتخدمت المجانق أيضًا في مهاجمة السفن وإغراقها وهدم المرافق وترويع الأفراد، غير أن الآله الأكثر فعالية في هدم الأسوار هي تلك الُمسماه: الكبش الحديدي Battering Ram وهو عبارة عن ذراع خشبى طويل مثبّت في نهايته رأس معدنى يتم توجيهه عن طريق زنبرك ضخم، ليصطدم بقوة رهيبة بالحائط فتحدث فيه الضربات المتلاحقة فجوة، مما يمهد لهدم السور. وُتستخدم السلالم بالتالي في تسلّق الأسوار والدخول من الثغرات، وُتصنع من الخشب أو الحبال، حيث ُيركب في نهايتها خطاطيف حديدية تشتبك بالحائط المراد تسلّقه. ولكن رجال طيموتاوس ذُعروا عندما علموا أن مهاجميهم هم رجال يهوذا المكابى وعندئذ فرّوا هاربين، إذ كانت آثار الهزائم التي تكبّدوها ما تزال جاثمة على صدورهم، ولكن المكابى لم يكتفِ بمجرد هروبهم بل قام بمطاردتهم وقتل الكثيرين منهم، كما فعل مع سكان باصر (آية 28). وأما حيلام: فلا شك أنها "عليم" المذكورة في (آية 26) وهكذا فعل المكابي مع بقية المدن التى ضايقت اليهود وألجأتهم إلى الهروب والاحتماء بالحصون، وُيلاحظ أنه لم ُيوجد يهود في تلك المدن التي انتقم منها، مما يؤكد أن الحملة كانت تأديبية أكثر من كونها خلاصية. طيموتاوس يشّن هجومًا مضادًا 37وبعد هذه الأحداث، جمع طيموتاوس جيشا آخر وعسكر قبالة رافون في عبر الوادى. 38فأرسل يهوذا رجالا يتحققون من أمر المعسكر، فأخبروه قائلين: "إن جميع الوثنيين الذين حولنا قد انضموا إلى طيموتاوس، وهم جيش عظيم جدًا، 39وقد استأجروا عربا يظاهرونهم، وعسكروا في عبر الوادي. وفى عزمهم أن يأتوك للقتال". فخرج يهوذا لملاقاتهم.40ولكن طيموتاوس قال لرؤساء جيشه عند اقتراب يهوذا وجيشه من وادى الماء: "إن عبر إلينا أولًا، فلا نستطيع الثبات أمامه، فإنه يتفوق علينا تفوقا، 41وإن تخوّف وعسكر في عبر النهر، ُجزنا إليه وتغلّبنا عليه". 42فلما بلغ يهوذا إلى وادى الماء، أقام كتبة الشعب على الوادى وأمرهم قائلًا: "لا تدعوا أحدا يعسكر ههنا، بل ليمضوا جميعا إلى القتال". 43وعبر وهو في المقدمة وكل الشعب وراءه، فانسحق أمامه جميع الوثنيين وألقوا سلاحهم وفرّوا إلى معبد قرنائيم. 44فاستولى اليهود على المدينة أولاً، ثم أحرقوا المعبد مع كل من كان فيه بالنار، وُأخضعت قرنائيم ولم يعودوا يستطيعون الثبات أمام يهوذا. كان طيموتاوس العمونى مقاتلًا عنيدًا شديد البأس لا يستسلم بسهولة، وكلما سنحت له الفرصة شن حملة انتقام من اليهود، وكان العراك فيما بينه وبينهم سجالًا، إلى أن ُقتل على أيديهم في حصن جازر كما سيجىء. رافون Raphon: من الكلمة "رافو" ومعناها في العبرية " شفاء" ويدعوها يوسيفوس "رمفون" (الآثار اليهودية 12: 4،8) كما دعاها البعض الآخر " الرافة". وفي اليونانية: rafon وطبقا لبلينيوس: " رافانا" .وهي احدى مدن الديكابوليس في أرض جلعاد، على نهر الأردن على مسافة سبعة كيلومترات جنوب غربي "أذرعات"، ومسافة 13 كم شمال شرق قرنانيم (ويحدد البعض المسافة ب17ميلا) وقد وردت هذه القرية في سجلات تحتمس الثالث ضمن المدن التي استولى عليها. عند هذه القرية وفي عبر الوادى اجتمع إلى طيموتاوس عدد هائل من الوثنيين، والذين كانوا ما يزالون يحنقون بشدة على المكابيين الذين أذلوهم وقتلوا منهم الآلاف، وقد رأوا في طيموتاوس أملًا نصيرا للانتقام من اليهود، بل وانضم إليهم أيضًا جنود مرتزقة من العرب لمناصرتهم (مظاهرتهم). العرب: كلمة سامية معناها " قفر" وهم بنو اسماعيل، عاشوا كقبائل متفرقة في شبه الجزيرة العربية وجبال سورية وفلسطين ولبنان، كان الملوك يستميلوهم إلى جانبهم، لما لهم من مال وسطوه وخبرة بتضاريس وطبوغرافية الأرض في عصر المكابيين، كما تؤكد الدراسات استخدام الإمبراطوريات الهيلينية مرتزقة عرب. وقد اتّصفوا بالخشونة والمساومة مع الملوك لكسب ودّهم، في ذلك الوقت اشتهرت قبائل كثيرة منهم، مثل (بنو يمرى/ بنى بيان/الزبديون/النبطيون/أتباع زبديئيل وإيملكوئيل) راجع (1مكا9: 35 و 2مكا 5: 11 و 8: 32 و 10: 11 و 12 و 12: 10). وادى الماء Brook of Water, Stream of water: ويقع مقابل قرية "رافون" وأغلب الظن أنه ليس اسم علم، ولكنه وادى به ماء غير عميق، أو ربما كان الماء في موسم الأمطار يغمره. وبينما عسكر طيموتاوس بجيشه في الجانب الأعلى، حتى يكون جيش المكابي في مرمى سهامهم وقذائفهم، وبالتالي فإنها ستكون جسارة من اليهود أن يعبروا إليهم، وهكذا يصبح وجودهم في الأسفل هدفًا سهلًا لهم، ولكن يهوذا - والذي أنبأه الجواسيس بذلك على الأرجح - خيّب آمالهم (راجع موقف مشابه في صموئيل الأول 14: 9،10) حيث عين قوادًا للجنود من ضباطه (كتبة الشعب / راجع تثنية 20: 5) لضمان سير الخطة كما ُرسم لها، حيث أمرهم بالإسراع في مباغتة الأعداء، والذين سقطت قلوبهم ففروا هاربين تاركين أسلحتهم محتمين بمعبد قرنائيم Karnaim، وهو المعبد الذي كانت عشتاروت ُتعبد فيه (وُتعرف في مصر بالإلهة المصرية "هاتور" ذات قرني البقرة) وربما ظن الهاربون أن اليهود سيحترمون الموضع المقدس لهم، أو أن إلاهتهم سوف تأتي على نحو معجزي لإعانتهم (انظر: 1مكا10: 83،84 و 2مكا12: 21،26). وعند ذلك استولى يهوذا على قرية قرنائيم أولًا، وأكد سيطرته عليها، ومن ثم اتّجه إلى ذلك المعبد حيث أحرقه بمن فيه (انظر خريطة رقم 7). اسقاط عقرون 45وجمع يهوذا كل من كان من إسرائيل في أرض جلعاد، من صغيرهم إلى كبيرهم ونساءهم وأولادهم مع أمتعتهم، جيشا عظيمًا جدًا ينصرف إلى أرض يهوذا. 46فوصلوا إلى عفرون، وهي مدينة عظيمة حصينة جدًا تقع على طريقهم. فلم يكن لهم أن يحيدوا عنها يمنة ولا يسرة إلا أن يجوزوا في وسطها. 47فأغلق أهل المدينة على أنفسهم وردموا الأبواب بالحجارة. 48فأرسل إليهم يهوذا بكلام سلم قائلا: " إننا نجوز في أرضكم لنذهب إلى أرضنا، ولا يضركم أحد، إنما نمر على أقدامنا". فأبوا أن يفتحوا له. 49فأمر يهوذا أن ينادى في المعسكر بأن يعسكر كل واحد في المكان الذي هو فيه. 50فعسكر رجال البأس، وهاجم يهوذا المدينة كل ذلك اليوم وليلته كلها، فُاسلمت المدينة إلى يديه. 51فأهلك كل ذكر بحد السيف ودمر المدينة من أساسها وسلب غنائمها واجتاز في المدينة من فوق القتلى. 52ثم عبروا الأردن إلى السهل الكبير قبالة بيت شان.53وكان يهوذا يجمع المتخلّفين ويشجع الشعب طول الطريق. حتى وصلوا إلى أرض يهوذا.54فصعدوا جبل صهيون بسرور وابتهاج، وقدّموا المحرقات لأنه لم يسقط أحد منهم، بل عادوا بسلام. عاد يهوذا ويوناتان ومعهما اليهود مع نسائهم وأولادهم ومواشيهم وجميع مقتنياتهم، بما يعيد إلى الأذهان ذلك المشهد " المحوري" في تاريخ خلاص إسرائيل، حين خرجوا هكذا من أرض مصر إلى البرية بعد أن استعادوا حريتهم. مما يجعلهم على حق أن يدعوا يهوذا المكابى ب " موسى الجديد ". ودخل الموكب المهيب المؤثر إلى أورشليم، من خلال طريق مختصر- في الغالب - اشفاقًا على الشيوخ والأطفال والنساء، والذين سُيعاد توطينهم، مما اضطره للاصطدام ببنى عقرون في حين أنه لم يكن في نيته شن أيّة غارات في طريق عودته. عقرون Ekron: اسم سامى معناه "استئصال" وأمّا المعنى في العبرية فهو "المكان القاحل" وربما كان يعنى في العبرية "عامر". وعقرون هي أقصى المدن الفلسطينية الخمس شمالًا، إذ تبعد مسافة 39 كم غرب أورشليم، وعلى ُبعد أميال قليلة شمال شرق نهر الأردن. عبد أهلها "بعل زبوب" والذي يعنى "إله الذباب" وبعد أن كانت تابعة لشيشق ملك مصر أصبحت في يد سنحاريب ملك آشور، وعندما تحالف الاسكندر بالاس مع يوناتان المكابى ضد ديمتريوس الثاني، وهبه عقرون (عقروت) كعلامة صداقة (1مكا10: 89) وقد دعاها يوسيفوس " توباركى" وأماّ الآن فهي "خربة الموقينا". وفي زمن تلك الحملات المكابية كانت عظيمة جدًا ومحصّنة، وكما حدث عند دخول أرض الموعد حين وجد يشوع نفسه مُضطرًا أكثر من مرة إلى المرور من خلال بعض المدن، وبينما سمحت له بعضها بالمرور بسلام وقدمت له ولمن معه الخبز والماء فصارت صداقة بينهما، فقد رفض البعض الآخر في المقابل مروره مما ألجأه إلى محاربتهم حيث هزمهم واستولى على غنائمهم أو تحريم كل ما ومن فيها (كما سبق الشرح في مسألة التحريم). ومن سياق النص يتضح أن يهوذا قد مرّ بالمدينة في طريق عودته، ولكن أهل عقرون لم يسعوا في أذى اليهود، وانما اكتفوا بتأمين أنفسهم ومدينتهم تحسبًا لغارة محتملة من هؤلاء العابرين، ومع أن يهوذا قد أرسل إليهم يؤكد رغبته في المرور فقط، إلاّ أنهم أبوا عليه ذلك. ويلاحظ هنا الفرق بين التعبيرين " انما نمر على أقدامنا" (آية 48) ثمّ: " واجتاز.. من فوق القتلى" (آية 51) وهكذا وبينما توسّل في المرة الأولى أن يجد "موضع قدم فقط" للعبور، فإنه اضطر فيما بعد إلى أن يمشى فوق جثث القتلى (انظر سفر العدد 20: 17-19 و القضاة 11:17،19). وضع أهل عقرون المتاريس خلف أبواب المدينة معتمدين على قوة حصونها، ولكن المكابى والذي كان قد اكتسب خبرة كبيرة في فتح الحصون، استطاع اقتحام المدينة بعد يوم وليلة (ربما من خلال المجانق كما سبق) ويفيد تعبير " أن يعسكر كل واحد في المكان الذي هو فيه " (آية 49) أن يهجم كل واحد من المكان الذي هو فيه. فما أن سقطت المدينة في يده حتى انتقم من أهلها ومن المدينة أيضا. بيت شأن Scythopolic, Beathshean: اسم عبري معناها "بيت الراحة" وكان ُيطلق عليه "هيكل شان" حيث كان " شان" إلهًا سامريًا في شكل أفعى تسمى الإله "ساهان". وهي مدينة تقع عند نقطة تلاقى واديا الأردن ويزرعيل، وتبعد مسافة تسعة كيلومترات غرب نهر الأردن، ومسافة 110 كم من أورشليم، وقد ساهمت الينابيع الكثيرة مع الطقس الاستوائى وخصوبة الأرض في جعلها مكانًا صالحًا للسكنى، وبيت شأن هي المدينة التي علّق الفلسطينيون جسد شاول على سورها. في عصر المكابيين أقام فيها السلوقيون معبدًا للإله ديونيسيوس، وقد شهد اليهود الذين فيها أن سكان المدينة قد أحسنوا معاملتهم، مما دعا يهوذا المكابى إلى شكرهم، بعد أن كان مضمرًا لهم شرا كما حدث مع بقية المدن التي اضطهدت اليهود الساكنين فيها (2مكا12: 29- 31). وفي سنة 107 ق.م. وقعت في يد يوحنا هركانوس وظلت تحت سيطرة المكابيين حتى احتلها الرومانيون مع المدن التي حولها، حيث أصبحت ضمن مجموعة Decpolic "ديكابوليس" أي (اتحاد المدن العشر في الثقافة اليونانية)، وقد ُاشير إليها في أكثر من موضع في العهد الجديد (متى4: 25 و مرقس 5: 2 و 7: 31) وقد هاجمها اليهود خلال حروبهم مع الرومان. وفي العصر البيزنطى صارت بيت شأن أسقفية، وقد بنى على التل الكبير فيها كنيسة مثل كنيسة القيامة، و فيها ُاكتشف حديثًا آثار دير للرهبان يعود إلى القرن السادس. وبعد الفتح العربي استبدل اسم بيت شأن إلى "بيصان" ولكن الصليبيين دمروها تمامًا، وتوجد فوق آثارها الآن مدرسة للبنات، وأما المكان الأصلي لبيت شأن الآن فهو " تل الحصن" بقرب بيصان الحالية، مما يعنى أن المدينة قد ُاعيد تعميرها ذات وقت، ولكن في مكان قريب من المكان الأصلي. وأماّ الاسم "سكيثوبوليس" ومعناها "مدينة الأسكيثيين" فيرجع إلى غزو الأسكيثيين المكان قبلًا، وربما بسبب مساعدتهم البطالمة في غزوها سنة 254 ق.م. وأما الوادى المشار إليه هنا بالقرب من بيت شان، فهو وادى الأردن، وإن كان وادى يزرعيل يوجد في تقاطع معه. الحملة ونبوات إشعياء: في هذه الأحداث نجد أصداء واضحة لبعض نبوات إشعياء، والتي تتحقق هنا بانتصارات يهوذا، ففي (إشعياء 35: 10 وبالمقارنة مع 51: 11) رجوع مبهج إلى جبل صهيون يأتي بعد خروج إسرائيليين لم يكن لهم حول ولا قوة فيما سبق، كما نجد أيضًا في (إشعياء 52: 11،12) خروج واثق للإسرائيليين من أورشليم. بل يستخدم السفر التعبير ذاته " بسرور وابتهاج " الوارد في (إشعياء 35:10 و 52: 9). وفي المسار المعجزي للحملة، وحيث لم يسقط فيه أي فرد من اليهود، نرى تحقيقا لما ورد في (إشعياء 25) فمن الممكن أن نجد في (إشعياء 25: 1-5) وصف للحملة في جلعاد بـ"المدينة الحصينة" (25: 2) يمكن أن تكون إشارة إلى "بصرة"، ويمكن أن نرى في (25: 6،7) التأثير المبهج لانتصارات يهوذا على البشرية كلها، إذ يترك ذلك رصيد تعزية وفخر لأولاد الله على مر العصور. 55وفى الأيام التي كان فيها يهوذا ويوناتان في جلعاد وسمعان أخوه في الجليل قبالة بطلمايس، 56سمع يوسف بن زكريا وعزريا، رئيسا الجيش، بما حققوا من المآثر وشنوا من المعارك، 37فقالا: " لنقم لنا نحن أيضًا اسمًا، ولنمض لمحاربة الأمم التي حولنا". 58ثم أمروا الجيش الذي معهما فزحفوا على يمنيا. 59فخرج جرجياس ورجاله من المدينة إلى ملاقاتهم للقتال. 60فانهزم يوسف وعزريا، فتتبعوهما إلى حدود اليهودية، وسقط في ذلك اليوم من شعب إسرائيل ألفا رجل، وكانت في شعب إسرائيل هزيمة عظيمة، 61ذلك بأنهما لم يسمعا ليهوذا وإخوته، ظنا منهما أنهما يحققان مآثر. 62إلا أنهما لم يكونا من نسب أولئك الرجال الذين ُأوتوا خلاص إسرائيل عن أيديهم. اتهمت يمنيا بالقيام بأعمال وحشية ضد اليهود الساكنين هناك (انظر 2مكا12: 8،9) وكانت في ذلك الوقت عاصمة إقليم أشدود، وكان على اليهود للوصول إلى يمنيا أن يعبروا منطقة ضيقة من اقليم أدوم (انظر خريطة رقم 9). في أثناء هذه الأحداث المتلاحقة والمثيرة بما فيها من أسفار ومعاناة وانتصارات للمكابيين واغتنام الأسلاب وعقد الاتفاقيات، ووسط الأنباء المتواردة على يوسف وعزاريا، تحرّكت الرغبة داخلهما في تحقيق بعض الانتصارات، وفي حين أن الأوامر الصادرة إليهما كانت صارمة بعدم القيام بأي عمل عسكري هجومي، بل أن يقتصر دورهما على الاهتمام بمصالح الشعب، إلاّ أن تلك الأنباء أسالت لعابهما لاحراز بعض المجد لنفسيهما. ويرد في (2مكا12: 8) أن المكابى قد قام بهجوم ناجح على يمنيا، قبل زحفه على جلعاد بفترة وجيزة، مما جعل يوسف وعزريا يظنان أن هجومهما عليها سيكون خاطفًا وسهلًا. ولكن المشكلة كانت في قلة عدد الجنود الذين معهم، كما أن الحرب تحتاج إلى تخطيط، إذ لا يكفى ضعف العدو والذي قد يلجأ إلى الحيلة، ولكن كسر الطاعة دائمًا ما ينتج عنه المتاعب، أمّا السفر فيعلل هزيمة يمنيا بأن القائدين يوسف وعزاريا، لم يكونا ضمن الذين يتم الخلاص على أيديهم، وبذلك يأخذ الجهاد هنا بعدًا دينيًا، بحيث لا يقتصر الأمر على التوازنات العسكرية والسياسية فقط، فهما لم يكونا من نسل الحشمونيين، كما أنهما لم يفشلا فقط في تحقيق مآربهما بل ألحقا الهزيمة بأمتهما، إذ سقط هذا العدد الكبير دفعة واحدة في معركة(1)، بل أن جرجياس (غالبا حاكم أدوم) قد وجدها فرصة سانحة أمامه للانتقام من اليهود الذين أذلّوه غير مرة (3: 38-4: 25)، هكذا بكّت صموئيل النبي شاول بأن " الاستماع أفضل من الذبيحة والاصغاء أفضل من شحم الكباش" (صموئيل الأول 15: 22). يُذكر أيضًا في هذا الصدد أن اليهود نظروا إلى يهوذا باعتباره أداة الله لتحقيق الانتصارات، فهناك بعض أوجه تشابه بين هذه الحملات، وحملات يشوع بن نون لانقاذ أهل جبعة، ونجدة يفتاح للجلعاديين. وأن حملات يهوذا وسمعان المكابيِين هي تحقيق لنبوات إشعياء، حيث نقرأ عن خلاص عظيم في الضفة الشرقية لنهر الأردن والجليل في (إشعياء 8: 23- 69) قابل مع (2مكا12: 10- 31). قارن أيضا بين (الآيات 12، 13 هنا و يشوع 10: 6). كما يواجه يهوذا هنا موقفًا أصعب من ذاك الذى تعرّض له يفتاح عندما نزل من "أرض طوب" لينقذ يهود جلعاد (قضاة 11: 4 - 33). ُانظر خريطة رقم (10). "يبلع الموت إلى الأبد و يمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه وينزع عار شعبه عن كل الأرض لأن الرب قد تكلم. ويقال في ذلك اليوم هوذا هذا الهنا انتظرناه فخلصنا هذا هو الرب انتظرناه نبتهج ونفرح بخلاصه إش 8:25،9). مواصلة الانتصارات في أدوم وفلسطين 63وعُظم الشجاع يهوذا وإخوته كثيرا في عيون كل إسرائيل وجميع الأمم التي ُسمع فيها باسمهم. 64وكانوا يجتمعون إليهم مهنئين. 65وخرج يهوذا وإخوته وحاربوا بنى عيسو في أرض الجنوب، وضرب حبرون وتوابعها وهدم حصونها وأحرق البروج التي حولها، 66وسار قاصدا أرض الفلسطينيين وجاز في مريشة. 67وفى ذلك اليوم سقط كهنة في الحرب، وكانوا يريدون تحقيق المآثر، فخرجوا إلى الحرب عن غير فطنة. 68ثم توجه يهوذا إلى أشدود في أرض الفلسطينيين، فهدم مذابحهم وأحرق منحوتات آلهتهم بالنار، وسلب غنا ئمهم المدن وعاد إلى أرض يهوذا. أعاد القادة المكابيون البهجة إلى أمتهم والثقة بأنفس أفرادها، وعوض الخوف والحزن حلّ الفرح والبهجة، وبدأوا من ثمّ في تلقى التهانى والهدايا من الأمم المجاورة، إذ أصبحت أورشليم دولة قوية لها جيش ُيخشى جانبه. ولكنه وبالرغم من كل ذلك فقد تسببت هزيمة يمنيا المخزية والمحزنة آلامًا شديدة للمكابيين والشعب، مما ألجأ يهوذا إلى القيام بحملة تأديبية من جديد لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل تلك النكسة، ولتأكيد سلطان اليهود حتى الساحل عند أشدود، وذلك قبل أن يعود ثانية إلى أورشليم. حبرون Hebron: اسم عبري معناه " ُعصبة أو اتحاد"، وقد استمدت شهرتها في الكتاب المقدس بسبب دفن " سارة " فيها. وتقع حبرون في وادى وعلى منحدر أيضا، على مسافة 32 كم جنوب غرب أورشليم ومسافة 24 كم جنوب غرب بيت لحم، وهي من أقدم مدن العالم التي ما تزال مأهولة بالسكان. وهي التي ُدعيت فيما سبق: " تترابوليس" أي المدينة الرباعية، لذا فقد ُدعيت أيضًا " قرية أربع". وهي الآن مدينة الخليل. مريشة Marisa: اسم عبري ربما كان معناه "مكان الرأس أو القمة" وهي مدينة في "الحويلة" وتبعد مسافة ميل واحد جنوب بيت جبرين " إليثروبوليس"، وتقع على الطريق بين حبرون وأرض الفلسطينيين. وفي العصر الهيللينى وحتى الحرب المكابية كانت أكبر المدن الأدومية، إليها فرّ جرجياس الأدومى بعد محاولة اغتياله على يد أحد الفرسان اليهود (2مكا12: 35). وفي سنة 110 ق.م. استطاع يوحنا هركانوس انتزاعها من الأدوميين، ولكنه سمح لهم بالبقاء فيها شريطة أن يختتنوا، ولما تعرّض سكانها لمضايقة السامريين قام بالاستيلاء على السامرة. وفي عصر الاسكندر جنايوس كانت مريشة قد أصبحت يهودية، فلما صارت في يد الرومان منحوا أهلها حكمًا ذاتيًا وأعادوا بناءها، وعندما ثارت الحرب بين هيرودس وأنتيغونوس استعان الأخير بالبرثيين فجاءوا وأسقطوها سنة 40 ق.م. مع أن هيرودس كان قد حصّنها جيدًا. سقط هؤلاء في الذلّة ذاتها التي وقع فيها كل من يوسف وعزاريا، إذ ارادوا تحقيق بعض الأمجاد، ولكن خطأهم كان أكثر جسامة من خطأ ذينك الرجلين، إذ أن الكهنة يختصّ عملهم بالطقوس والعبادة والهيكل، حقيقي أن الكهنة قد اشتركوا في البداية في القتال، ولكن ذلك كان بسبب أنهم أصحاب القضية، وقد بدأت المقاومة من خلال متتيا وهو كاهن (كما سبق في الأصحاح الأول) كما أن الهيكل كان مهجورًا والعمل الكهنوتي متوقف، وبالتالي فقد دافع الكهنة في البداية عن الهيكل، أمّا بعد تطهير الهيكل وتحقيق الهدف الأساسي، فقد أصبح للكاهن عمله ولا يجوز له الجمع بين العمل العسكري والروحي. بل لكلٍ دوره. منحوتات آلهتهم: يقصد بها هنا تماثيل الآلهة الموجودة في معابد الأمم، ولكن كلمة منحوتات تعنى أيضًا الأعمدة والزخارف والنقوش البارزة ذات الرموز الوثنية ودلالاتها. هكذا استعاد يهوذا السيطرة على المنطقة وبسط نفوذه عليها، ردًا على الهزيمة التي لحقت بهم بسبب خطا اثنين من قواده. ُانظر خريطة رقم (9). (1) Jonathan A. Goldsten, I Macc. P. 293. Jonathan A Goldsten, I Macc, P. 293.(1) Ibid.(2) (1)phylarch: لقب المسؤل المحلي وليس المسئول السلوقي الملكي. (2) استراتيجوس strategos: لقب مسئول سلوقي رفيع المستوى والمزوّد بسلطات واسعة وموارد عسكرية. وهكذا كان هناك رجلان باسم طيموتاوس، ويفرق سفر المكابيين الثاني بين الشخصين، وذلك في كل من (8: 30-32) و (10: 24). (1) طبقا لإيرونيموس وآخرين: تقع على بعد ميلين روميين شمال حشبون. (1) Interpreter's Dictionary of the Bible, Dathema. (1) مجلة الكشوف الإسرائيلية، العدد 7 سنة 1957م / ص137-145 و 229-238. (2)يوسيفوس:الآثار 12: 4-11-236. المجموعة الكاملة للبرديات اليهودية/1. (1)حاول العالم "ولهاوزن" إعادة صياغة الآيتين 26، 27 ليخلص في النهاية إلى أن جميع اليهود المُطاردون قد التجأوا جميعًا إلى حصن ديماتا فقط، ولكن سياق النص يتعارض مع ذلك. راجع: I&II Maccabees, New Catholic Commentary. (2)عن النفخ في الأبواق فبل الاشتباك في المعارك: انظر (سفر العدد 10: 9 وقضاة 7: 16 و9: 43 و صموئيل أول 11: 11 و صموئيل ثان 18: 2) وربما أيضا صاحب النفخ في الأبواق: الصراخ إلى الرب، راجع (يوئيل 1: 14). (1)في هذا الاطار ُيرجى الرجوع إلى سفر العدد 14: 40،45 بشأن انكسار بني إسرائيل أمام العمالقة والكنعانيين بسبب عدم طاعتهم لنصيحة موسى. وكما أثبت سفر صموئيل - من خلال عرضه لفشل بيت شاول وسمو بيت داود - أن الله قد اختار داود ونسله للحكم. هكذا يؤكد السفر هنا على الاختيار الإلهي للحشمونيين. وكما انكسر إسرائيل بسبب رجلين هما حفني وفينحاس في نسل مرفوض من الكهنة، يشير السفر هنا إلى أن الحشمونيين هم "نسب أؤلئك الرجال" (انظر 1صم 1: 11و4: 10،17). |
||||
31 - 03 - 2014, 05:30 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام -
مكابيين أول 6 - تفسير سفر المكابيين الأول موت أنطيوخس أبيفانيوس وصراع اليهود مع خليفتهعندما مات أنطيوخس ابيفانيوس في طريق عودته من الشمال إلى أنطاكية كان ابنه المسمى "أنطيوخس أوباطور" ما يزال صبيًا في التاسعة من عمره (1)، فخاض ليسياس -الوصى عليه- حروبًا باسمه مع اليهود، هزمهم فيها قبل أن يتم عقد صلح بين الطرفين، بسبب بعض التقلبات السياسية في عاصمة السلوقيين والتي أفاد منها اليهود. نهاية أنطيوخس أبيفانيوس 1وكان أنطيوخس الملك يجول في الأقاليم العليا، فسمع بذكر ألمايس، وهي مدينة بفارس مشهورة بأموالها من الفضة والذهب، 2وأن فيها هيكلا فيه كثير من الأموال وفيه أسلحة الذهب والدروع والأسلحة التي تركها هناك الإسكندر بن فيلبس، الملك المقدونى الذي كان أول ملك في بلاد اليونان. 3فأتى وحاول أن يأخذ المدينة وينهبها، فلم يستطع لأن أهل المدينة كانوا قد علموا بالأمر، 4فقاوموه وقاتلوه، فهرب ومضى من هناك بغم شديد راجعا إلى بابل. 5وجاءه، وهو في فارس، مخبر بأن الجيوش التي سارت إلى أرض يهوذا قد انكسرت، 6وأن ليسياس قد انهزم من وجههم، وكان قد خرج عليهم في جيش في غاية القوة، فتعززوا بالسلاح والذخائر والغنائم الكثيرة التى أخذوها ممن سحقوهم من الجيوش. 7وهدموا الشناعة التي كان قد بناها على المذبح في أورشليم وحوطوا المقدس بالأسوار الرفيعة، كما كان من قبل، وفعلوا ذلك أيضًا في بيت صور، وهي مدينة من مدن الملك.8فلما سمع الملك بهذا الخبر، بهت واضطرب اضطرابا شديدا، وانطرح على الفراش وقد مرض من الغم، لأن الأمر جرى على خلاف رغبته. 9فلبث هناك أياما كثيرة لأنه تجدد فيه غم شديد وأيقن بالموت. 10فدعا جميع أصدقائه وقال لهم: "لقد شرد النوم عن عيني وسقط قلبي من الهم. 11فقلت في نفسي: إلى أي حزن صرت وما أشد الاضطراب الذي أنا فيه، بعد أن كنت مسرورا ومحبوبا في أيام سلطاني! 12أما الآن فإني أتذكر المساوىء التى صنعتها في أورشايم وكيف أخذت كل آنية الذهب والفضة التي كانت فيها، وأرسلت لإبادة سكان اليهودية بغير سبب. 13فأنا أعلم بأنى لأجل ذلك أصابتنى هذه البلايا، وها أنا أموت بغم شديد في أرض غريبة". I ربما تفوق كراهية اليهود لأنطيوخس أبيفانيوس، كراهيتهم لتيطس الرومانى والذي أنهى على الهيكل ودمّر أورشليم، فقد كان أنطيوخس وسيظل ضمن الشخصيات التي ُتحرك حنق اليهود وتقزّزهم، مثل كراهيتهم لنبوخذ نصر في القديم، وهتلر في العصر الحديث.ويظن أغلب الدارسين أن هناك ثلاث روايات تعرض لموت أنطيوخس أبيفانيوس، تختلف أحدها عن الاثنتين الأخريين، ولكن القصة الرئيسية هي الواردة هنا، وأما تلك الواردة في (2مكا1) فهي التقليد الشعبي بخصوص انتقام الله منه، وأما الثالثة الواردة في (2مكا9) فهي على الأرجح تخصّ أنطيوخس الثالث الكبير، والذي حاول هو من قبل نهب ذلك الهيكل كما سيجىء في التعليق عليها في حينه. وقد تناولنا هذه الفروق والرد عليها خلال مناقشة الاعتراضات فالرجاء العودة إليها (كتاب: مدخل إلى سفري المكابيين). جدير بالذكر أن تاريخ موت أنطيوخس أبيفانيوس يعود إلى ما قبل تطهير الهيكل، غير أنه سمع بالأخبار المتواترة عن انتصارات اليهود وهو في طريقه عائدًا من الاقاليم الشمالية باتجاه أنطاكية عاصمة ملكه وقبل أن يموت (آية 5) مما سبب له انتكاسة إضافية عجّلت بموته. وكان أنطيوخس قد ورث عبئًا ماليًا كبيرًا وذلك بسبب الجزية الثقيلة التي وضعها الرومان على أبيه ضمن شروط الصلح المهينة عقب هزيمته في معركة مغنيسيا سنة 198 ق.م. ولذلك فقد كان من أولى اهتماماته جمع المال بأي وسيلة، مما دفعه إلى نهب أورشليم قبلًا، كما يرد في (1مكا3: 29) أنه لم يستطع القيام بنفقات جيوشه بسبب اسرافه الشديد ونفاذ خزائنه. وقد بدأت جولة أنطيوخس على النحو التالي، فقد سمع في البداية عن تمرّد المكابيين بقيادة متتيا وأولاده، فلما شرع في حشد جيوشه لسحقهم، اكتشف نضب خزائن المال، ومن ثم فقد فكر في جمع المال اللازم أولًا، ومن ثم اتجه شمالًا باتجاه هيكل أرطاميس " النناية " في بلاد فارس لسلب كنوزه، حيث أن الأماكن العليا المشار إليها هنا هي بلاد فارس ومادى وبرثية، غير أن هناك هدفًا آخر كان لحملته وهو التأكيد على خضوع "برثية" لمملكته، إذ كان نفوذ قائدها هناك يتزايد بشكل ُيخشى منه(1)، فإذا ما نهى المهمّتين عاد لينظر في أمر اليهود العصاة. ألمايس Elymais: وُتدعى أيضًا "المائيداى" وهي صيغة يونانية ل"عيلام" (تكوين10: 22) والمرجح أن ألمايس هو الاسم اليوناني للمنطقة بكاملها. ويرجّح كثير من علماء جغرافية الكتاب المقدس أنها "برسابوليس" (2مكا9:2) وألمايس هي كلمة عبرية من أصل أكادى معناها "مرتفعات". وهي بلاد ما وراء "دجلة" وتقع شرق مملكة بابل وجنوب أشور وميديا، وتقع على الضفة الشمالية لخليج العجم، بالقرب من مملكة فارس، جنوب غرب إيران حاليًا "خوزستان" . وكانت شوشن عاصمتها قبل استيلاء الفرس عليها وجعلها عاصمة لملكهم (نحميا1: 1) وكان لها حضارة عريقة ومناجم فضة وذهب، ومن بين سكانها من أتى بهم نبوخذ نصر إلى السامرة بدلًا من السامرين الذين أجلاهم إلى بابل. وفيها عاش أخيكار أخو طوبيت الأب (سفر طوبيت 2: 10) وفي هذه المدينة هيكل لأحد آلهة السوريين ويسمّى هيكل النناية، كما سيجىء فى(2 مكا1). أما الهيكل الذي حاول أنطيوخس نهبه هناك: فهو "معبد النناية" (2مكا1: 13-15) والذي يميزه اليونانيين بالآلهتين أفروديت وأرطاميس. وطبقا للمؤرخ بوليبيوس ومن بعده يوسيفوس - والذي سار على نهجه- فإن الهيكل كان هيكل أفروديت (الإلهة اليونانية المطابقة للإلهة الأكادية القديمة "إنانا" (إلهة الجنس والحرب) لذلك نرى أن النسخ اليونانية لسفر المكابيين الثاني ذكرتها باسم (نناية Nanaia)، وطبقا لعلماء اللغة أصبحت إنانا تنطق في العصور اليونانية Nana، وهذه الإلهة هي صاحبة طقوس الجنس الصاخبة والتي عرفت في بلاد كنعان باسم عشتار. ويشير المؤرخ استرابو كيف أن الثروة التي هناك أغرت ملك آخر بالاستيلاء عليها في وقت لاحق، هو "ميتراداتيس الأول" ملك فارس(1). أسلحة الذهب والأسلحة والدروع: كانت الأشياء الثمينة التي يستولى عليها الملوك في حروبهم مع الأعداء، أو تلك التي ُتهدى إليهم من الملوك والشعوب الأخرى، ُتوضع في المعابد كهدايا تذكارية، أو كهدايا تقدم بدورها إلى إله المعبد وذلك على سبيل أنها نصيبه في غنائم الحرب، ولكن أحسنها.!! هكذا صنع الاسكندر المقدونى، وكان أول ملك بالفعل على بلاد اليونان بعد أن وحدها أبوه فيلبس وجعلها تحالف واحد (آية 2 و1: 1). أما أسلحة الذهب فهي في الغالب ُتصنع خصيصًا من الذهب كنذور للهيكل لضمان كسب المعارك، وربما تكون الأسلحة الشخصية للملوك أنفسهم سواء المغيرين منهم أو المحليين، وبين الشعوب القديمة من كان ينذر أن يصنع من الذهب ما يشابه الجزء المريض من جسده، يقدمه للهيكل متى شفى، هكذا صنع الفلسطينيون "خمسة بواسير ذهب" كنذر بعد أصابتهم بالبواسير(صموئيل أول 3: 5).ُيضاف إلى ذلك النذور والهدايا التي ُتقدم للهيكل من الأفراد، سواء مالية أو عينية، وكذلك الودائع التي يضعها الناس هناك باعتباره أكثر الأماكن أمنًا إذ يحرسه الإله هناك. ويقال أن هيكل أورشليم في أيام السيد المسيح كان يعد أكبر مخزن للأموال والمعادن النفيسة. ولكن أهل ألمايس لم يمكّنوا أنطيوخس أبيفانيوس من الاستيلاء على خزائن هيكلهم، بل قاوموه كرجل واحد دفاعًا ليس عن الأموال فقط بل وعن الهيكل وكرامتهم، فشعر أنطيوخس بالخوف عندما رأى تصميمهم، خاصة وأنه كان يعرف كيف ُقتل أنطيوخس الثالث من قبل لهذا السبب عينه، وهكذا انسحب بدون قتال، وتشير الآية (2مكا9: 2) لا إلى معركة بل إلى خزي أنطيوخس في التقهقر. وفي أفضل التقديرات فإن أنطيوخس قد رأى أنه من غير المقبول محاربة أناس ُعزل يدافعون عن عقيدة، وليس جنود مسلحون يحمون البلاد، لاسيّما وأن البلاد نفسها خاضعة له. وحينئذ تراجع في اتجاه اقليم بابل غرب ألمايس. النكسة الثانية لأنطيوخس (5 - 9): ولم يكد الملك يستوعب اخفاقه في جمع المال، حتى تواردت إليه في الطريق أنباء فشل الحملة على اليهودية، مما كسر قلبه بالأكثر وأسلمه للمرض، وساءت حالته واستبد به القلق واليأس، وليس من الواضح إن كان قد استطاع خلال تلك السفرة تأكيد سلطانه على البرثيين أم لا. وهناك وثيقة من بابل بالكتابة المسمارية تبين أن خبر وفاة أنطيوخس أبيفانيوس قد وصل إلى بابل في الشهر التاسع (كسلو/20 نوفمبر-18 ديسمبر) من سنة 148 السلوقي البابلي (164 ق.م.). وربما ُعرف الخبر في أورشليم في 28 يناير سنة 163 ق.م. وحيث أنه من المحتمل أن الاحتفال بعيد المظال كان يتم طبقًا للتقويم اليهودي غير السليم (انظر التعليق على 4: 36-54) ولذلك فمن المحتمل أن يكون موت أنطيوخس بعد تكريس المذبح الجديد. وإلى نهاية أنطيوخس أبيفانيوس يشير دانيال في نبوءته قائلًا: "وُتفزعه أخبار من الشرق ومن الشمال فيخرج بغضب عظيم ليُخرب ويُحرم كثيرين وينصب فسطاطه "خيام قصره" بين البحور وجبال بهاء القدس ويبلغ نهايته ولا معين له" (دانيال 11: 44،45) وفي إشارة أخرى إلى موته على فراشه دون أن ُيقتل تقول النبوءة: "وبحذاقته ينجح أيضًا المكر في يده ويتعظّم بقلبه وفى الاطمئنان ُيهلك كثيرين ويقوم على رئيس الرؤساء وبلا يد ينكسر" (دانيال 8: 25). ويقول "رولان" أن النص العبري يرد فيه: "وينصب أخبيته في " ابرنو" البحرين في جانب " زابى المقدس" . ورغم ما يرى فيها رولان من غموض، إلاّ أن "برفير" وهو مناهض كبير للمسيحية يقول أن هذه الآية تشير إلى حملة أنطيوخس على ما وراء الفرات وموته في أثناء هذه الحملة، وعليه فإن" " هي " تاب" أو " تابا " (طاباي Tabai) حيث مات أنطيوخس حسبما يروى أبيان وبوليبيوس المؤرخان.(1) ومع أنها كانت ضمن المنطقة التي يسيطر عليها، إلاّ أنه يرثي نفسه بأنه يموت في أرض غريبة (آية 13). ويقول المؤرخان بوليبيوس ( xxxxi,11) و برفيريوس أن أنطيوخس مات في مدينة جابي Gabai وهي بحرف الجيم و ليس بالطاء أي طابي Tabai، وهي إحدى المدن الرئيسية في فارس كما يقول سترابون: (مثب شوشان و برسوبوليس و بسرجدي، وهي تقع في أرض جبياني أو جبيني "Gabianhأو Gabhnh" ). أنطيوخس يرثى ذاته (10-13): في لحظات صدق رجع أنطيوخس إلى نفسه وهو على فراش الموت، وعند الاحتضار يكون الإنسان أصدق ما يكون، بما في ذلك اللصوص والقتلة، إذ لا يتبقى أمامه ما يحرص عليه أو يخاف منه، وقد يستطيع أن ُيخفي الأسرار المتعلقة بالآخرين، غير أنه لا يقدر أن يحجب أسراره الشخصية، إذ يكون وهو في عمق ضعفه مستخفًا بكل شيء، كما أنه لا يوجد ما يذّل الإنسان ويكسر شوكة كبريائه سوى المرض، والأكثر من ذلك: الاحتضار الذي يسبق الموت. يقول أنه كان طيبًا ومحبوبا في مملكته، والمعروف عنه أنه كان مسرفًا في كرمه كما سبقت الاشارة إلى ذلك عند استعداده لحملته الأخيرة. ومع أن أنطيوخس هنا يندم على سلب هيكل أورشليم وسعيه في إذلال سكان اليهودية، ومع شعور اليهود بأن ذلك العقاب قد حلّ به نتيجة اهانته للهيكل والشريعة، إلاّ أن السبب المباشر كان تلك النكسة التي ُمنى بها في ألمايس ببلاد فارس، وبينما يؤكد المؤرخ بوليبيوس ذلك، يرى يوسيفوس - مثل اليهود- أن ذلك كان انتقامًا لهم من قبل الله. ومع أن اعتراف أنطيوخس قد جاء متأخرًا كثيرًا، إلاّ أن صدوره عنه قبل وفاته أمر له مغزاه ومعناه والذي ُيضاف إلى رصيد خبرات شعب الله في صراعهم مع الوثنية والمستعمرون. وكان موته في سبتمبر 164ق.م (149 سلوقية). وبذلك تكون مدة ملكه احدى عشر سنة. ويقول يوسيفوس في هذا الصدد: " وأني أتعجب من قول بولوبيوس الميجابوليتي ابن سمكا أن أنطيوخوس مات لرغبته بسرقة هيكل أرطاميس في فارس، وهو أمر لم يفعله حقيقة، بل تفكر به، وهذا ما يعتقده بوليبيوس، ولكن كان بالأولى أن نرى أن الملك مات من أجل سرقته هيكل أورشليم " (1) أنطيوخس الخامس أوباطور يعتلى العرش 14ثم دعا فيلبس أحد أصدقائه وأقامه على جميع مملكته، 15وسلم إليه تاجه وحلته وخاتمه، وأوصاه بإرشاد أنطيوخس ابنه وتربيته للُملك. 16ومات هناك أنطيوخس الملك في السنة المئة والتاسعة والأربعين. 17وعلم ليسياس أن الملك قد توفى وملك مكانه أنطيوخس ابنه الذي رباه منذ حداثته وسماه باسم أوباطور. كان أنطيوخس الرابع أبيفانيوس قد اغتصب الُملك من أخيه ديمتريوس الأول، والذي هو الوريث الشرعي وكان قد وصل إلى سن يسمح له بأن ُيطالب بحقوقه، مثلما فعل بعد ذلك حين استرد عرشه (أصحاح 7) ولذا فقد سعى أبيفانيوس في تأمين العرش لابنه، وإذ كان ما يزال صبيًا لم يتجاوز التاسعة فقد عَهَد به في بادىء الأمر إلى ليسياس وهو أحد القواد المقربين إليه (3: 33)(2) ثم عاد فعهد به إلى فيلبس وهو المشار إليه في (2مكا9: 29) وأودع عنده الشارات الملكية والتاج والخاتم الخاص به. لاسيما وقد أخفق ليسياس بما في ذلك الهزائم التي ألحقها به اليهود. وكانت السلطة التي منحها للأخير أعظم من تلك الممنوحة لفيلبس حيث امتدت إلى الإمبراطورية بأكملها، وكان التاج والخاتم والرداء رموزا للسلطة الملكية. وقد ولّد ذلك: الصراع بين فيلبس وليسياس الأمر الذي افاد منه اليهود في وقت حرج، وذلك عندما تراجع ليسياس عن تدمير أورشليم عاقدًا الصلح معهم مرتين، الأولى في الأصحاح الثالث، والثانية في هذا الأصحاح، ففي الأولى سمع ليسياس في أورشليم بموت أنطيوخس واستيلاء فيلبس على العرش على أساس حداثة سن أنطيوخس الصغير، فترك اليهودية واتجه إلى أنطاكية، ونادى بأنطيوخس ملكًا وذلك في أكتوبر 164 ق.م. (2مكا9: 5) غير أن ديمتريوس الأول وهو الوريث الشرعي للمُلك - كما سبق- قام بقتل الاثنين معًا واعتلى العرش (1مكا7: 2) وذلك في سنة 162 ق.م. وكانت المدة التي مكثها الملك الصبى نظريًا تبلغ سنتان (من 164 - 162ق.م.) وقد تَسمّى " أوباطور": وهي كلمة يونانية تعني "الشريف أبًا" أو الذي "أبيه شريف" (وهو ما يعكس شعبية أنطيوخس الرابع). حصار قلعة السلوقيين في أورشليم 1: 33 - 35 كانت قلعة السلوقيين (قلعة عكرة) مصدمة وعثرة لليهود في أورشليم - كما سبق القول - وكانت تشبه " قاعدة عسكرية" سلوقية في أورشليم، أمّا سكانها - والذين كانوا أغلبهم من الأمم - فقد راحوا يضايقون الشعب الداخل إلى الهيكل للعبادة، سواء أكان ذلك من جهة الإهانات أو الأذى الجسدي، كما كانت فرصة لتلصّص الوثنيين على جانب من أكثر جوانب حياتهم خصوصية وقداسة وحساسية (أي العبادة) كما شجع السلوقيين بقية الوثنيين - الذين حول اليهود - على الإساءة اليهم. من هنا كان تفكير يهوذا المكابى في التخلّص من هذا الوجود الوثني، ومن ثم حشد جيشًا كبيرًا لهذا الغرض، وكان ذلك في سنة 163/162 ق.م. (150 سلوقية). القذافات Firing Platforms: وهي قواعد أو مصاطب ُيقذف من فوقها بسهام ذات شعلات نارية، وُتطلق بغرض احراق الحصون أو السفن وغيرها. وقد ُعرف منذ ذلك الوقت ما يسمى ب" النار الإغريقية " والتي اسُتخدمت في مهاجمة السفن بشكل خاص. وتستخدم في تلك القاذفات مواد قابلة للاشتعال، بحيث لا تنطفى القذيفة بسهولة رغم اطلاقها بقوة شديدة، كما أنها تستمر مشتعلة مدة طويلة قبل أن تخبو. وهي تختلف عن آلات رشق السهام النارية المذكورة في (آية 51) وأن كان الفرق بينهما غير معروف. غير أننا نقرأ في (حزقيال 17: 17 و 21: 27) ما يوحي بأنها نوعًا من الأسوار المبنية للحصار. هذا وقد استمر حصار القلعة لبعض الوقت قبل أن تصل حملة الانقاذ بقيادة ليسياس وأنطيوخس الخامس، والتي نتج عنها هزيمة يهوذا في " بيت زكريا". ُانظر خريطة رقم (10). الوشاية (21 - 27): وبينما كان المكابيون يحاصرون القلعة، استطاع بعض المحصورين من اليهود المتأغرقين (الذين اعتنقوا الحضارة الهيلينية وأصبحوا تابعين بالتالي للسلوقيين) التسلّل من الحصار، ثم ضمّوا إليهم آخرين من اليهود الذين على شاكلتهم في الخارج، مكوّنين وفدًا إلى الملك أنطيوخس الخامس وليسياس الوصي عليه، متشكّين وُمتباكين من الاضطهاد الذي يعانونه من اليهود اخوتهم! وأنهم في خطر وأن شر اليهود في تزايد مستمر، وأن الأمر لا يتعلق فقط باليهود المساكين والموالين لوالده والمخلصين له، وانما أيضًا بالمملكة السلوقية ذاتها، إذ سيكون من الصعب اخضاع اليهود إذا صارت الأمور في صالحهم على هذا المنوال.!! وقد استطاعوا استمالة الملك من خلال هذه المداهنة: فها هم ُيقتلون هم واخوتهم - من اليهود المتأغرقين- بسبب وفاءهم له.!! مقدس بيت الصور: كانت بيت صور إحدى "مدن الملك" أي مركزا من مراكز المملكة، ولكن اليهود اقتحموها واستولوا عليها مخلّصين اخوتهم المضطهدون فيها، ثم حصّنوها وجعلوها مركزًا يهوديًا (1مكا4: 61 و 5: 15) وتعبير "مقدس" الوارد هنا يعنى (مخصّص للملك). اليهود يتعرضون لهجوم شامل: تعتبر هذه الحملة انتكاسة لليهود، كادت تضيع بسببها كافة الانجازات التى حققوها عن يد المكابيين، بما في ذلك الهيكل والذي كان قد مضى على تطهيره أقل من عام، غير أن الله قد تدخل في الهزيع الرابع وأنقذهم من هزيمة ساحقة كانت مؤكدة. معركة بيت زكريا 28فلما سمع الملك غضب وجمع كل أصدقائه وقواد جيشه ورؤساء الفرسان. 29وجاءته من ممالك أخرى ومن جزر البحار جنود مرتزقة. 30وبلغ عدد جيوشه مئة ألف راجل وعشرين ألف فارس واثنين وثلاثين فيلا مدرّبا على الحرب. 31فزحفوا مجتازين في أدوم وحاصروا بيت صور وحاربوا أياما كثيرة وصنعوا المجانيق، ولكن الآخرين خرجوا وأحرقوها بالنار وقاتلوا ببأس. 32فسار يهوذا عن القلعة وعسكر في بيت زكريا تجاه معسكر الملك. 33فبكر الملك وأطلق جيشه دفعة واحدة في طريق بيت زكريا، حيث تأهبت الجيوش للقتال ونفخوا في الأبواق. 34وأروا الأفيال عصير العنب والتوت حتى يهيجوها للقتال. 35ثم وزعوها على الفرق، فجعلوا عند كل فيل ألف رجل لابسين الزرود وعلى رؤوسهم خوذ النحاس، وأقاموا لكل فيل خمس مئة فارس منتخبين.36فكان أولئك حيثما وُجد الفيل سبقوا إليه، وحيثما ذهب ذهبوا معه لا يفارقونه. 37وكان على كل فيل برج حصين من الخشب يحميه، مثبت بالأحزمة، وعلى البرج المحاربون الثلاثة المقاتلون من على الأفيال، فضلا عن الفيال.38وجعل الملك سائر الفرسان من هنا ومن هناك على جانبى الجيش يضايقون العدو ويسترون الكتائب. 39فلما لمعت الشمس على تروس الذهب والنحاس، لمعت بها الجبال وتلألأت كمشاعل من نار. 40وانتشر جيش الملك قسم في أعلى الجبال وقسم في السفوح، ومشوا برباطة جأش وانتظام. 41فارتعد كل من سمع صراخ ذلك الجمهور وجلبة زحفهم وقعقعة سلاحهم، فإن الجيش كان عظيما وقويًا جدًا.42فتقدم يهوذا وجيشه للمبارزة، فسقط من جيش الملك ست مئة رجل. 43ورأى ألعازار أوأران واحدًا من الأفيال مدرعًا بدروع ملكية ويفوق جميع الأفيال جسما، فظن أن عليه الملك. 44فبذل نفسه ليخلص شعبه ويقيم لنفسه اسما مُخَلَّدًا. 45وعدا إليه بجرأة في وسط الفرقة، يقتل يمنة ويسرة، فتفرق الأعداء عنه من هنا ومن هناك.46ودخل بين قوائم الفيل حتى صار تحته وقتله، فسقط عليه الفيل إلى الأرض فمات مكانه. 47ولما رأى اليهود سطوة الملك وبطش الجيوش ارتدوا عنهم. كان يمكن لليهود أن يبرروا هجومهم على المرتدين، بدفاعهم عن الشريعة، وأن محاربتهم للأمم المجاورة هي لحماية أنفسهم. أما حصارهم لبيت صور والقلعة ثم تحصين جبل الهيكل فقد اعتبرها الحكام السلوقيون أعمال تمرد ضد الإمبراطورية، انظر (1: 33 -40 و 6: 7) وقد ُشنت هذه الحرب من قبل ليسياس باسم أنطيوخس الصغير، ويلاحظ أن العدد الضخم الذى ُحشد من الجنود الأساسيين، مع ما انضم إليهم من المرتزقة، يفوق بكثير جدًا احتياج المعركة مع جيش قد لا يتجاوز وقتها العشرين ألفًا. وقد اتجه الجيش الجرار بفرسانه وأفياله نحو اليهودية من خلال أدوم، ولا شك أنهم مروا بوادى البطمة (صموئيل أول 17: 2) وعدلام (2مكا12: 38) ثم وقع اشتباك في البداية في مودين (2مكا13: 14) وأمّا الاستيلاء على بيت صور فقد تأخر بعض الوقت، بسبب مقاومة أهلها من جهة وبسبب تعديل في الخطة لدى السلوقيين. أما الجنود المرتزقة الذين انضموا إلى السلوقيين في هذه الحملة (آية 29) فقد كانوا من الجزر اليونانية التي لم تكن قد استقلت بعد، ومن الممالك التي ظلت مستقلة وهي: برغامس وبيثينية وبنطس وكبادوكيا. وكان أحد شروط الصلح بعد معركة أباميا التي ُهزم فيها أنطيوخس الثالث، منع السلوقيين من استئجار الأجانب، كما كانت تمنعهم من حيازة الفيلة، ومع ذلك لم تكن هذا الشرط نافذا في ذلك الوقت (7: 1). إلى ذلك الوقت كان المكابى ما يزال يحاصر القلعة السلوقية في أورشليم، وما أن سمع بأنباء الحملة السلوقية واشتباكها مع مقاتلى بيت صور، حتى ترك القلعة مؤقتًا ليدرأ ذلك الخطر الذي قدم على اليهودية أولًا، فربض بجيشه عند بيت زكريا، وقد كان ليسياس قادرا على محاصرته بين جيشه والقلعة، لاسيما وأن أورشليم كان ينقصها المؤن والإمدادات. بيت زكريا Beth zachariah: وهي قرية تبعد عن أورشليم مسافة 16 كم إلى الجنوب الغربي، ومسافة 10 كم شمال بيت صور إلى الشمال الشرقي، وتسمى حاليًا "خربة بيت شكريا" ويقال أن هناك قرية الآن باسم "بيت زكريا". ُانظر خريطة رقم (10). اشترك الأفيال في المعركة: تأتى أول إشارة لاستخدام الأفيال بالنسبة للأعمال العسكرية في الكتاب المقدس، في سفرى المكابيين فقط، وأن كان استخدامها في الأعمال الحربية سابق على ذلك بقليل، فقد ُعثر على عملة تذكارية ُسكّت بمناسبة انتصار الرومانيين على بيروس في سنة 264 ق.م، وقد ظهر على أحد وجهى العملة صورة فيل حربى، كما سارت الفيلة في استعراض النصر الشهير لأنطيوخس الرابع سنة 166 ق.م. وتعد أفضل الأفيال - في الإطار الحربى - تلك الواردة من الهند، وكان يثبت فوق ظهر الفيل برجًا من الخشب مثبّت بأحزمة من الجلد يتسع لعدد كبير من الجنود يصل إلى اثنين وثلاثين جنديا(1)، والبرج محصّن مثل القلعة الصغيرة. والقراءة الواردة هنا عن عدد الجنود "3 " صحتها "30" (يرد في اليونانية واللاتينية والفولجاتا: 32 جندي) عدا قائده والذي كان من أصل هندي في الغالب، كما هو الحال هنا، ولكن الأفيال والتي كانت مرتفعة الثمن نادرة الوجود بسبب صعوبة وصولها من جنوب شرق آسيا إلى الشرق الأدنى، جعل من وجودها ضمن القوة العسكرية امتيازًا كبيرًا لمالكيها، وقد ُذكر أن أنطيوخس الكبير كان يمتلك مئة وعشرون فيلًا، غنمها منه الرومانيون بعد هزيمته (1مكا8: 6). على الرغم من أن الرومان بعد حرب مغنيسيا قد منعوا الجيش السوري من استخدام الفيلة، إلا أن كل الشواهد التاريخية في المصادر المختلفة توضح بجلاء عدم انصياع الملوك السوريين لهذه الرغبة. وفي العمليات العسكرية كان الفيل الواحد يتوسط عددا كبيرًا من الجنود، وصل إلى ألف في هذه المعركة كانوا يرتدون الخوذ النحاس (البرونز) والدروع (الزرود) ومعهم خمسمائة فارس. وكانت هذه الحملة تضمّ اثنين وثلاثين فيلًا، ومن الميزات التي يوفرها الفيل في المعارك هو إتاحة الفرصة للجنود المحمولين فوقه استخدام السيوف والرماح والسهام بشكل أكثر فعالية، إضافة إلى ميزة لا نظير لها، وهي أن رائحة الفيل، وربما منظره، يثير اشمئزاز الخيول الموجودة في المعركة مما يدفعها إلى الهرب بعيدًا، ولذلك فمن المعتاد جعل الأفيال في مقدمة الصفوف!. وفي المقابل كان يجب تدريب الخيول تدريبا خاصا لتتحمل وجود الفيلة. وعند بدء القتال كان "الفيّال" وهو سائق الفيل ومدربه، والذي كان في العادة هنديًا (ترجمة الفولجاتا6: 37) يضع أمام الفيل عصير من العنب والتوت الأحمر، وفي ترجمات أخرى: "دم العنب" (راجع: تكوين 49: 11 وتثنية 32: 14) وذلك بغرض إثارة حميته للقتال وجعله أكثر فعالية ونشاطًا في ساحة المعركة، ولكنه من غير المعروف إن كان الفيل ُيسقى من هذا الشراب أم ُيكتفي بعرضه أمام عينيه فقط. ولكننا نعرف أن الفيلة مغرمة بعصير الفواكه. ومن المرجح جدًا أن يكون المقصود هو عصائر غير مختمرة، إذ أن الأفيال متى سكرت فإنها ستصبح خطرة على كلا الطرفين. كان المشهد مرعبًا من شأنه أن يوقع الرعب في قلوب المحاربين من اليهود على الجانب الآخر، والذي لم تكن إمكانياته البشرية أو عتاده يتناسب مع إمكانيات الطرف الآخر، وكان هذا الحشد يشبه العرض العسكري (استعراض للقوة) كما يعكس هذا الهجوم بهذا العدد مدى حنق السلوقيين على اليهود.. لقد كانت قوة كافية لفتح عدة ممالك. كان منظر التروس (الذهب والنحاس) في شعاع الشمس، ثم توزيع الجنود سواء في أعلى الجبال أو في السهول من أسفل، مع حركة أقدامهم المنتظمة ثم صياحهم العسكري والأبواق التي تزأر أصواتها، سبب رعدة ونذير كارثة في طريقها إلى اليهودية، فها قد تربّص بها الأعداء راغبين في الثأر لكرامتهم من "حفنة المكابيين" التي أقضّت مضاجعهم. ويمكن أن نجد هنا صدى لهذا المشهد في (حزقيال 21: 8-23) حيث يبرق سيف مصقول ويرهب ويهزم إسرائيل. التحام الجيشان ومقتل ألعازار: إن "تقُدم يهوذا" يؤكد شجاعته واقدامه وعدم الانتظار لتلقّي الضربات، وقد استطاع جنوده قتل ستمائة جندي سلوقى في أول جولة، أما ألعازار فقد وجد أحد الأفيال وفوقه برجًا مميزًا ومزيًنا، يرتدى الجنود الذين يستقلونه ثيابًا مميزة، ومن ثم فقد ظن أنه الفيل الذي يستقله الملك، ورأى في قتله كسرة عظيمة لجيش الأعداء، فاخترق الصفوف في شجاعة حتى وصل إلى ذلك الفيل، ثم دخل بين قوائمه الأربعة ليطعنه طعنة قاتلة، ولكنها كانت قاتلة للاثنين! حيث سقط الفيل فوقه فقتله في الحال، وربما كان ذلك الفيل هو الذي كان الملك معتادا على ركوبه، ولكن الملك الطفل لم يذهب إلى المعركة. ولكن هذا السلوك مع ذلك دليل على شجاعة ألعازار وتضحيته، وبينما ينظر البعض إلى سلوكه باعتباره نوعًا من التهوّر وعدم الحكمة، فإنه عندما يحمى وطيس القتال في المعارك يفعل الجندي ما لا يفعله في الأوقات العادية. ويشار إلى هذا الحدث في (2مكا13: 15). ومع كل ذلك فقد تراجع اليهود أمام هذا السيل الجارف من الجيوش. حصار بيت صور وجبل الهيكل 48فصعد جيش الملك نحو أورشليم لملاقاة اليهود وحاصر الملك اليهودية وجبل صهيون. 49وعقد صلحا مع أهل بيت صور، فخرجوا من المدينة لنفاد الطعام من عندهم إذا حوصروا فيها، لأن السنة كانت سنة سبت للأرض.50فاستولى الملك على بيت صور وأقام فيها حرسا يقومون بحراستها. 51وحاصر المقدس أياما كثيرة ونصب هناك القذافات والمجانيق وآلات لرشق النار والحجارة وأدوات لرمى السهام ومقاليع.52وصنع اليهود أيضًا مجانيق قبالة مجانيقهم وحاربوا أياما كثيرة.53ولم يكن في مستودعاتهم طعام، لأنها كانت السنة السابعة، وكان الذين لجأوا إلى اليهودية من الأمم قد أكلوا ما فضل من المؤونة.54فلم يبق في الأقداس إلا نفر يسير، لأن الجوع غلب عليهم. أما الآخرون فتفرقوا كل واحد إلى بيته. واصل جيش أنطيوخس أوباطور زحفه، فحاصر أورشليم وجبل الهيكل (جبل صهيون)، وأماّ حصن بيت صور فقد استسلم دون إراقة دماء، وهو ما عبر عنه بأنه عقد مصالحة بين الطرفين، وقد ساهم في سرعة الاستسلام نفاذ مخزون الطعام بسبب السنة السبتية. سنة سبت: كانت أوامر الشريعة بخصوص السنة السبتية مثل السبت الأسبوعى أيضًا "وست سنين تزرع أرضك وتجمع غلتها وأمّا في السابعة فتريحها وتتركها ليأكل فقراء شعبك وفضلتهم تأكلها وحوش البرية كذلك تفعل بكرمك وزيتونك" (خروج 23: 10) وترد الوصية بخصوص السنة السبتية بتفصيل أكثر في (لاويين 25: 1 - 7) وأما في سفر التثنية فتضيف التعليمات الاعفاء من الديون أيضا (تثنية 15: 1- 4). ولكن اليهود لم يلتزموا بذلك وهم في أرض الموعد، ولذلك فقد كان من بين أسباب سبى بابل هو أن " تستوفى الأرض سبوتها" فقد مكثوا في أرض الموعد حوالي 490 سنة احتوت على 70 سنة سبتية!! وهي المدة التي مكثوها في بابل مسبيين (586 - 516 ق.م.) راجع (إرميا 34: 14- 22). وبعد العودة من السبي عاد الشعب للاهتمام بالسنة السبتية شأن كافة أحكام الناموس، ولعل السنة التي كرز فيها يوحنا المعمدان كانت سبتية (سنة 26م) وهو ما أتاح لكثير من اليهود التلاقى ومتابعته. وفي السنة السبتية كانت لا ُتزرع المحاصيل، بل وحتى الحبوب التي تنمو من تلقاء نفسها كان لا يمكن حصادها بصورة منتظمة، ورغم أن المخزون من السنوات السابقة كان يكفي عادة لغذاء اليهود حتى مجيء المحصول التالي للسنة السبتية، إلاّ أنه من المحتمل أن حملات كل من جرجياس ونيقانور وليسياس قد عطلت الزراعة في اليهودية. ُيضاف إلى ذلك سبب آخر لتناقص المخزون في اليهودية، وهو العدد الكبير من اللاجئين إلى اليهودية من الجليل وجلعاد (آية 53) وهكذا فإن تنفيذ الطقوس بمراعاة السنة السبتية قد جعل من المستحيل على يهوذا القيام بمقاومة على نطاق واسع عند النقاط الثابتة في بيت صور وأورشليم. واضطر أتقياء اليهود للبحث عن الطعام في أماكن نموه التلقائية. وهم هنا في خريف 163 ق.م. وكانت السنة السبتية قد بدأت في خريف 164ق.م. ومن ثم قام السلوقيون بفتح المدينة ثم تركوا فيها حامية عسكرية. وكان اليهود التقاة يؤمنون أن مراعاة السنة السبتية سيجلب لهم النصر والانتقام (لاويين 26: 7-12) كما آمنوا بنبوات الربيين القائلة بأن الله نفسه سيتدخل في السنة السبتية وينهي خضوع إسرائيل الطويل للحكام الأجانب. حصار الهيكل: ولاشك أن العتاد والأساليب القتالية للسلوقيين، كانت تفوق نظيرتها لدى اليهود، لاسيما من جهة استخدام الأفيال أو آلات رشق الحجارة والسهام والمقاليع، ولا ُيعرف على وجه الدقة الفرق بين: " القذافات " و" آلات رشق النار" أو الفرق بين: " المجانيق " و" آلات رشق الحجارة " وكذلك ما هي أدوات رمى السهام والمقاليع.؟ وربما قام اليهود بنصب المجانق أيضًا على أسوارهم، أو القلاع التي تنتشر على السور، غير أن الجوع الناتج عن نفاذ مخازنهم- لاسيما وقد استهلك اليهود المستوطنين كل ما تبقى من الاحتياطى (وهم اليهود الذين خلصهم المكابيون من المدن الوثنية / آية 53) كل ذلك جعل بقاء رجال اليهود في الصفوف العسكرية أمرًا صعبًا، ومن ثمّ فقد تفرّقوا لأجل تأمين حكامهم وطعام أسرهم. أما يهوذا المكابي - ونلاحظ أنه لا ُيذكر في الآيات السابقة - فيقول يوسيفوس أنه قد توارى في "جفنة Gophna " أو في بعض التلال أو في بيته في مودين، وذلك في إطار عودة كل واحد إلى بيته (انظر آية 54)(1). الله ينقذ اليهود من هزيمة محققة السلوقيون يمنحون اليهود الحرية الدينية مكابيين ثان 11: 13 -33 بعد أن عقد ليسياس صلحًا مع اليهود بعد فشله في الحرب السابقة معهم، وكان ذلك متزامنًا مع رغبته في الاطمئنان على الأحوال في أنطاكية، عاد فتراجع عن ذلك بلا تردد، غير أن الُطموح الشخصي له قد أنقذ اليهود ثانية من هزيمة وشيكة. ولابد أن اليهود التقاة قد تعجبوا بعد انسحاب أنطيوخس الخامس من أورشليم، فقد تنبأت النبوات بأنه في ذلك الوقت ستكون فترة خضوع إسرائيل للحكام الأجانب قد انتهت وستكون هناك أحداث عظيمة أخرى قد حدثت. وربما اعتقدوا أن نسل أنطيوخس الرابع كان مقدرا له الهلاك بسبب الخطايا الشنيعة لهذا الطاغية (إشعياء 14: 21 و 2مكا7: 17) وربما لهذا السبب تمرّدوا على ديمتريوس الأول باعتباره من نسله. فقد طمع فيلبس(1) في الوصاية على العرش مستعيدًا بذلك الامتياز الذي كان قد منحه أبيفانيوس إياه من قبل، فهو المطّلع على شتى جوانب وخبايا المملكة بحكم وظيفته، كما أن الجو كان خاليا في أنطاكية في غياب كل من الملك ووصيّه، يضاف إلى ذلك احتمال قيام ديمتريوس بالمطالبة بالعرش (الأمر الذي حدث بالفعل بعد قليل). كل ذلك جعل "الملك" يعقد الصلح مع اليهود، وكان فيلبس قد عاد لتوّه من بلاد ميديا وفارس، وبصحبته الجيوش التى كانت مع أنطيوخس في حملته هناك قبل موته. اقترح ليسياس مع الملك الصغير وكبار الضباط خيار الصلح مع اليهود والعودة من ثم إلى أنطاكية، لاسيما وأن الضعف آخذ في الانتشار بين الجنود مع نفاذ المؤن. وهكذا لعبت عوامل ثلاثة دورًا كبيرًا في هذا التحوّل في سياسة الحملة: أولها موت أنطيوخس مما أضعف التأثير الهيللينى للسلوقيين في اليهودية، وثانيها الإعياء ونقص الإمدادات في المعسكرين، والثالثة دسائس فيلبس في أنطاكية. وقد عقد ليسياس من قبل صلحًا مع اليهود، مصدرا عفوا ينهي به الاضطهاد سنة 164 ق.م. (راجع التعليق على 4: 35) وأن كان الصلح ساريا على الذين ألقوا أسلحتهم، ولكن العفو هنا يشمل جميع اليهود، انظر (2مكا11: 23-26). وقد أقسم السلوقيون هنا على احترام شروط الصلح، ومن ثم خرج المتمردون من حصونهم لاستقبالهم، ولكن الملك (والتأثير الحقيقي لليسياس) نقد الاتفاق. إذ ما أن دخل إلى المدينة كزائر يتفقد الموضع، حتى ساءه متانة الحصون، فأراد حرمان اليهود هذه الميزة تحسبًا لنشوب الحرب بينهم ثانية، ومؤكدا أيضًا تفوقه العسكري، ومن ثمّ أمر بهدم تلك الحصون والأسوار. وقد احتمل اليهود ذلك صاغرين إذ لم يكن لهم طاقة بهم. ولم يستمر الأمر طويلًا حيث اتجه الملك بالجيوش إلى أنطاكية ليسترد العرش من فيلبس. ولم تمض سنة 162 ق.م حتى قام ديمتريوس بقتل كل من الملك ووصيّه منتزعًا العرش منهما، كما سيجىء. وان كان يوسيفوس يذكر أن أنطيوخس الخامس بعد انتصاره أمر بإعدام فيلبس(1). وقد أيد السلوقيون هذه المعاهدة كتابة حيث صدرت وثيقة بهذا الشأن تمنح اليهود مزيدًا من الامتيازات، كما أيدّ الرومان هذه المعاهدة برسائل وجهوها إلى اليهود، إذ كانوا يؤثرون بقاء الملك الصغير على العرش مقارنة بديمتريوس والذى كان معروفًا عندهم، إذ مكث أسيرًا لفترة مكان أخيه أنطيوخس، راجع (2مكا11). ومن المهم أن نلاحظ أن الأخوة المكابيين لم يشتركوا في تلك المفاوضات. (1)حسبما أورد المؤرخ تاكيتوس. (1)سترابو: 16، 18،744 (1)وهما مؤرخان وثنيان موثوق بهما: تاريخ سورية/الياس الدبس. عدد 433/ص190 من المجلد الثالث. (1) يوسيفوس: (الآثار 12: 60، 1). (2)يذكر المؤرخ ابيان أن أنطيوخس كان سنه 9 سنوات عندما نولى الملك، أما المؤرخ بورفير فيقول أن سنه كان 12 سنة، ويشاركه في الرأي المؤرخ يوسابيوس. ومع ذلك ُيحتمل أن الزوجة الوحيدة لأنطيوخس الرابع كانت لاوديكيا أرملة سلوقس الرابع، وبالتالي يكون أنطيوخس الخامس قد ُولد في سنة 174 ق.م. وليس قبل ذلك، وربما حدث خلط بين أنطيوخس الخامس والطفل أنطيوخس ابن سلوقس الرابع. (1)رأى البعض أن الرقم مبالغ فيه، وأنه ربما كان: اثنان والثالث هو القائد، وهناك نقش قديم على حجر كريم يبين فيلا وفوقه رجلان في الهودج بينما السائق الهندي على رقبته (آية 37). (1)يعود يوسيفوس فيقول في كتابه AT(الآثار) أنه كان في الهيكل المحاصر. (1)فيلبس صديق حميم لأبيفانيوس وأخيه في الرضاعة وأحد قادة جيشه. راجع: (2مكا9: 29). (1)ربما يكون يوسيفوس قد استقى هذه المعلومات من كتب ياسون القيريني، أو كتاب حونيا الرابع، راجع: يوناثان أ جولدشتاين /ص325. |
||||
31 - 03 - 2014, 05:33 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام -
مكابيين أول 7 - تفسير سفر المكابيين الأول مكائد ألكيمس و نكانور و بكيديسيمثل هذا الأصحاح حلقة جديدة في صراع المكابيين مع الحكام السلوقيين من جهة، واليهود المرتدين عن الشريعة إلى المدنية الهيلينية من جهة أخرى، ولاسيما رئيس الكهنة والذي كان خليق به أن يضطلع بدور إيجابي وسط هذه الأحداث التي حوّلت تاريخ الأمة، فإذا به يعمل ضدّها ولصالح الأعداء، ولكن وكما هو معروف فإن المتاعب الداخلية أصعب بكثير من الخارجية، فإنه من الصعب على العدو اختراق الصفوف متى كانت الأمة متماسكة لها فكر وهدف واحد. ديمتريوس يسترد العرش مكابيين ثان 14: 1-10 1وفى السنة المئة والحادية والخمسين، خرج ديمتريوس بن سلوقس من روما، وصعد في نفر يسير إلى مدينة بالساحل وملك هناك. 2ولما دخل دار ُملك آبائه، قبضت الجيوش على أنطيوخس وليسياس لتأتيه بهما. 3فلما علم بذلك، قال: " لا ُتروني وجهيهما". 4 فقتلتهما الجيوش، وجلس ديمتريوس على عرش ملكه. لم يكد ليسياس وأنطيوخس الخامس يهدءان بعد التخلّص من فيلبس، حتى وصل وفد من روما بقيادة جنايوس أوكتافيوس، لفرض الالتزام التام للصلح الذي تم بعد معركة أباميا سنة 189/188 ق.م. لاسيما تدمير السفن الحربية والتخلّص من الأفيال، وقد شعر الرعايا السلوقيون بالاهانة من منظر التدمير، مما حدا بشخص ُيدعى " لبتين Leptines "إلى قتل أكتافيوس، ومن ثم صدرت نداءات تدعو إلى إعدام بقية الوفد الروماني. فلما وصلت الأنباء إلى روما وجد ديمتريوس الأول - المأسور هناك منذ 176/175 ق.م.- الفرصة ملائمة له للتخلّص منهما والفوز بالعرش، والذي كان يرى أنه أحق به منهما. ديمتريوس: من الاسم اليوناني "ديميتير" ولعله إله الزراعة لدى اليونانيين، ويوجد كثيرين بهذا الاسم، ولكن المقصود هنا هو ديمتريوس الأول بن سلوقس الرابع الملقب "سوتير" (161 - 155 ق.م) وكان قد حلّ كرهينة في روما مكان أخيه أنطيوخس الرابع أبيفانيوس سنة 176ق.م. وقد حاول الهرب مرتين من هناك ولكنه فشل، كما حاول إقناع مجلس الشيوخ الروماني بتأييده ملكًا على أنطاكية، غير أنهم لم يوافقوه على ذلك مفضّلين عليه أنطيوخس الصغير لكونه قاصرًا، والحكم الضعيف لوصيّه ليسياس، بدلًا من أن تكون في يد ديمتريوس القوي. غير أنه استطاع الهرب أخيرًا، حيث أشاع لاحقًا بأنه تعيّن ملكًا من قبل روما، وقد ساعده بوليبيوس المؤرخ في الهرب وكان ذلك عام 161 ق.م. (1) ويلقّبه يوسيفوس ب " ديمتريوس بن سلفانوس". وصل ديمتريوس أولًا إلى طرابلسبلبنان، وهي المدينة الُمشار إليها هنا بأنها ساحلية (2مكا14: 1) وحسبما يورد بوليبيوس المؤرخ، فإنه كان بصحبة ديمتريوس ستة عشر رجلًا فقط، ولكن يوسيفوس يورد في تاريخه أنه خرج بجيش عظيم ليلاقى أنطيوخس أوباطور والذي كان قد وصل إلى مكدونية بجيشه(1) وربما تكوّن جيش ديمتريوس من المتعاطفين مع قضيته (فهو صاحب العرش أساسًا) وكذلك المستاءين من حكم أوباطور ووصيّه ليسياس، ثم الذين صدّقوا ادعاءه بتعيين روما له ملكًا، والتي اضطرت للاعتراف به لاحقًا، ويؤيد أيضًا قيامه على رأس جيش عظيم، ماورد في (2مكا14: 1) وهكذا قطع مسافة 283 كيلومترا من طرابلس حتى وصل أنطاكية، حيث استطاع القيام بانقلاب وقتل أكبر رأسين في المملكة (أوباطور وليسياس) ثم استرداد العرش. ومن خلال التاريخ الوارد في (الآية 1) وكذلك وثيقة بابلية بالكتابة المسمارية بتاريخ 17 أكتوبر 162 ق.م. ويظهر فيها أنطيوخس الخامس على أنه ما يزال ملكًا. نستنتج أن ديمتريوس تولّى الحكم مبكرا جدا، وبالتأكيد في الشهر الأول من سنة 151 سلوقية (29 سبتمبر-28 أكتوبر 162 ق.م.). وقد استطاع في البداية سحق الثائر تيماركوس والذي كان مسيطرا على المنطقة. قبضت الجيوش: جاءت في العبرية " أبناء القوة " أي قوات، وفي اليونانية ai dunameij، وباللاتينية principes copiarum، وبالسريانية "ربي حيلا" (ذوو القوة). لا ترونى وجهيهما: يحمل هذا التعبير من العاطفة ما يحمله من الحنق والكره، إذ ربما خشى ديمتريوس إن هو رآهما أن يرق قلبه لهما، لاسيما الصبى - وهو ابن أخيه - فيتبكّت من ضميره ويعفى عنهما، أو ربما ليعفى ذاته من توبيخ محتمل منهما، بالرغم من أن مثول الأسرى من الملوك أو الشرفاء ُيعد مهانة كبرى لهم ولذة وتشفّي لدى آسريهم. ويصف يوسيفوس ليسياس بأنه ابن عم أنطيوخس الصغير، وأن ثمّة معركة نشبت بين الجيشين انتصر فيها ديمتريوس. دسائس ألكيمس <SPAN lang=ar-sa> 5فأتاه جميع رجال الإثم والكفر من إسرائيل، وفي مقدمتهم ألكيمس، وهو يطمع أن يصير عظيم كهنة. 6ووشوا على الشعب عند الملك قائلين: "إن يهوذا وإخوته قد أهلكوا أصدقاءك وطردونا عن أرضنا. 7فأرسل الآن رجلا تثق به يذهب ويفحص عن كل ما أنزله يهوذا بنا وببلاد الملك من الدمار ويعاقبهم مع جميع أعوانهم". ألكيمس Alciemus: وباليونانية " Alkimoj" ومعناها "الله أرعد" أو "الله يقوم" أو "الشجاع الباسل" وهي من الأصل العبري: إلياقيم. وأورد يوسيفوس اسمه بصيغة مختصرة " ياقيم - Iakemoj" (1) . وهو من نسل هرون وإن لم يكن من عشيرة |
||||
31 - 03 - 2014, 05:37 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام -
مكابيين أول 8 - تفسير سفر المكابيين الأول التحالف مع الرومانيينبينما كانت المنطقة في ذلك الوقت تخضع لمتغيرات سياسية وعسكرية، كانت اليهودية -عقب انتصارات المكابى- تتبلور كأمة لها هوية ومصالح وأصدقاء وتحالفات، فقد بدأ القادة هناك في فتح قنوات دبلوماسية مع القوى الأخرى في العالم مثل روما واسبرطة وغيرها، ولكن لماذا اتجه اليهود -في استراتيجية التحالف- إلى تلك الجهات البعيدة، بينما لم يتحالفوا مع الأمم القريبة منهم (راجع آية 19) ليس ذلك فحسب بل أنهم يعقدون تحالفًا مع مملكة هي ضد السلوقيين والذين كان من المفروض أنهم خاضعين لسلطتهم حتى ذلك الوقت، إن الشريعة نفسها ترفض ذلك (التحالف مع الأمم القريبة)، كما أدان الأنبياء مثل تلك الخطوة وكان يحل باليهود عقابًا سريعًا عند كل محاولة منهم في هذا الاتجاه، راجع (حزقيال 17: 11-21 و أخبار الأيام ثان 36: 13-19 و إرميا 27: 1-15). ولكنه بعد الانتصارات التي حققها اليهود، صاروا مقتنعين بأن الله يسمح لهم بالتحالف مع الرومان لأن الشريعة تمنع التحالف مع "سكان الأرض" راجع (خروج 27: 32،33 و 24: 12-15 و تثنية 7: 2) في حين تسمح بالتحالفات مع الأمم البعيدة، حيث يتضح لنا ذلك من قصة الجبعونيين (يشوع 9: 3- 27) ورغم وجود أوجه للشبه بين وفد الجبعونيين ووفد اليهود لروما هنا، إلا أن اليهود لم يكونوا مخادعين مع الرومان، بل واضحين مستقيمين. ولقد أدان الأنبياء بشدة تحالف اليهود مع القوى الوثنية، ولكن يهوذا المكابى تحالف مع روما لأنها ليست شريرة مثل " أشور وبابل" ولا " قصبة مرضوضة" مثل مصر، ولذلك لم يتحالف مع البطالمة في مصر. هذا وقد وجد بعض الشراح في (إشعياء 26: 11، 15 و 55: 5 وملاخى 1: 5 - 14) نبوات عن تحالف مع روما، حيث فسرت يد الرب على أنها يد روما، وأشارت (الآية 15) إلى الإمبراطورية الرومانية، وفي (إشعياء 55: 5 و ملاخى 1: 5 - 14) إشارة إلى وجود كهنة غير مخلصين فى وقت يكون فيه اسم الرب عظيما بين الأمم كما تأتى الكلمة الرومانية Jove مثل اسم إله إسرائيل. ومع أن اليهود لم يجنوا في الواقع أية ثمار من تلك التحالفات، إلا أننا سندرك مع الوقت كيف كان ذلك بتدبير من الله لصالح المسيحية التي استثمرت الوجود والنفوذ الروماني - أيّما استثمار - في الكرازة بالإنجيل. يهوذا ُيبهر بانجازات الرومان العسكرية هنا عرض لقوة روما وسياساتها نحو الأعداء، جولاتها القتالية والتي نتج عنها خضوع أمم كثيرة لسلطانها. غير أنه يجب الانتباه هنا إلى أن تلك الأخبار كانت مما سمعه يهوذا "وسمع يهوذا.. آية 1" مما يفسر لنا بعض المفارقات الخفيفة في تلك الأخبار العسكرية الواردة في النص. جولات روما مع الأمم البعيدة 1وسمع يهوذا باسم الرومانيين أنهم رجال ذوو بأس ويعطفون على كل من ينضم إليهم، وكل من جاءهم صادقوه. 2وُقصّت عليه حروبهم وما قاموا به من مآثر في قتال الغاليين، وأنهم أخضعوهم وفرضوا عليهم الجزية، 3وما فعلوا في بلاد إسبانية واستيلاؤهم على معادن الفضة والذهب التي هناك، 4وأنهم استولوا على البلد كله بفضل فطنتهم وطول أناتهم، مع أن ذلك البلد كان بعيدا جدا من ديارهم. وكان كذلك أمر الملوك الذين جاؤوا من أقاصى الأرض وأغاروا عليهم، فقد سحقوهم وضربوهم ضربة شديدة. وأما سائر الملوك فإنهم يحملون إليهم الجزية كل سنة. نشأة روما: ترجع تسمية روما بهذا الاسم إلى "روميليوس" الذي أسسها سنة 753 ق.م.، فقد بناها أولًا كمدينة فوق أحد التلال السبعة في إيطاليا، على الضفة الشمالية لنهر التيبر، حيث كانت مكانها مستوطنة سابقة لبعض القبائل، ثم ما لبثت أن شملت روما جميع التلال، وكان سكانها يتكونون من عدة قبائل، ثم صارت مع الوقت إمبراطورية واسعة الأطراف عاصمتها روما، حيث أصبحت محط أنظار العالم في العلم والفلسفة والفنون والأساطير، وأهم من ذلك أنها أصبحت فيما بعد عاصمة العالم اللاتيني المسيحي. أما السبب الحقيقي خلف تطاير شهرتها ووقوع رعبتها على كافة الشعوب، فقد كان انتصارهم على "هانيبال" والذي من أصل أفريقى وكان يحكم قرطاجنة (قرطاج) وهي عاصمة مملكته، وبعدما غزا أممًا كثيرة أراد أن يظفر بالروم، فنزل بإيطاليا واستمرت الحرب بينه وبين بلادها عشر سنوات قتل فيها الكثير من الروم، وفي النهاية حاصر روما نفسها مؤملًا الاستيلاء عليها، فلما ضيق عليها الحصار وأوشك حكامها على الاستسلام، برز من بينهم أحد القادة يسمى "سفناو" والذي استمهلهم في القيام على رأس جيش قوامه ثلاثين ألف مقاتل، خرج بهم سرًا واتجه نحو أفريقيا حيث أوقع بها الهزائم ثم قتل شقيق هانيبال ويدعى "أسترويل" ومن ثم قفل عائدًا إلى روما، وصعد إلى سور المدينة ونادى في هانيبال منبئًا إياه باجتياحه أفريقيا وقتله لأخيه ثم ألقى إليه برأسه فاغتاظ وارتعب، ولكنه ورغم ما أصابه من الذعر فلم يتخل عن حصار روما بل زاده ذلك إصرارًا، فأعاد سفناو الكرّة ولكن هذه المرة اتجه إلى قرطاجنة نفسها عاصمة ملك هانيبال وضيق الخناق بدوره عليها فلما أوشكت على السقوط، أرسل إليه أهلها يستنجدون به، فقرر عندئذ الاسراع لنجدتها وقبل أن ينصرف عن روما قام بقتل جميع الأسرى الروم لديه. وفي طريق عودته تقابل في البحر بسفناو وقام قتال بينهما هزم فيه هانيبال ووقع أسيرًا غير أنه آثر الانتحار، فاستولى سفناو على جميع بلاده(1). ومن هنا وقع رعب الرومان على جميع الشعوب التي سمعت بذلك. الغاليين Gouls: والتي ُعرفت لاحقًا ببلاد الغال (فرنسا وبلجيكا) وهم في الأصل قبائل من البربر، سكنوا أولًا خلف جبال الألب، ثم عبروا الجبال وهاجموا بلاد كثيرة حتى وصلوا إلى مكدونية فاحتلوها سنة 279 ق.م. ثم بلاد اليونان أيضًا حتى وصلوا في زحفهم إلى روما، غير أن جنود "الكابيتول" هزموهم ولم يطلقوهم إلا بفدية كبيرة من الذهب. وقد اضطر أنطيوخس الأول بسبب مضايقاتهم الكثيرة إلى ترك فريجية الشمالية لهم سنة 270 ق.م. حيث أقاموا بها مطلقين عليها أسم غلاطية (نسبة إليهم) ثم عادو ليشتبكوا مع الرومان سنة 225 ق.م. غير أن الرومان ألحقوا بهم هزيمة منكرة، حيث قتلوا منهم أربعين ألفًا وأسروا الباقين ونهبوا ممتلكاتهم. ولكن بعض العلماء لا يستبعدون أن يكون الغاليين المذكورين هنا في السفر هم سكان غلاطية بآسيا الصغرى والتي أخضعها الرومان سنة 190 ق.م. حيث كان لها أهمية أكبر بالنسبة لليهود، ويروى أولئك العلماء أن هذا الرأي هو أكثر منطقية حيث كانت هناك حملة في تلك المنطقة سنة 189 ق.م. بقيادة القائد الروماني "جنايوس مانيلوس فولسو" تلك الحملة التي حصدت أموالًا طائلة تصل إلى "مائتى طالن"(1) من تلك المدن. إسبانية Spain: شبه جزيرة في جنوب غرب أوروبا، عرفت في عهد الرومان باسم "هسبانيا Hispania " سكنها في البداية بعض قبائل "الليجوريين والسلتيين" من إيطاليا، وذلك خلال القرن السادس، ولكن القوقاز أو الفينيقيين (الايبريين) طردوهم من هناك. تعرضت أسبانيا للغزو من قرطاجنة سنة 237 ق.م. ثم ُضمّت إلى روما سند 206 (ويرى البعض سنة 201) عندما أغار عليها الرومانيين طمعًا في مناجمها من الذهب والفضة، غير أن خضوعها كان جزئيًا حيث استمرت مقاومة أهلها حوالي مائتى سنة. قدمت أسبانيا إلى روما اثنان من الأباطرة وأسهمت بأفضل الجنود، وقد أحكم الرومان سيطرتهم عليها تمامًا في سنة 123 ق.م. بعد محاولات عديدة بدأت في سنة 197 ق.م. ُهزموا فيها أكثر من مرة. وبما أن أسبانيا تقع بعيدًا عن روما، فإنه من المنطقى أن تكون روما قد أخضعت جميع البلاد الواقعة فيما بينها وبين أسبانيا، ووضعتها روما تحت الجزية شأن المقاطعات الرومانية الأخرى، كما حدث بعد ذلك في سوريا. وربما كان المقصود من "الملوك الآتين من أقاصى الأرض (آية 4) أنهم قادة قرطاجنة: هانيبال وهسدروبال" آتين من أسبانيا. حروب الرومان مع المقدونيين والسلوقيين <SPAN lang=ar-sa> 5وقد سحقوا فيلبس وفرساوس، ملك كتيم، في الحرب وكل من قاتلهم وأخضعوهم. 6وسحقوا أنطيوخس الكبير، ملك آسية، الذي زحف لقتالهم ومعه مائة وعشرون فيلًا وفرسان ومركبات وجيش كثير جدًا، 7وقبضوا عليه حيًا. وضربوا عليه وعلى الذين يملكون بعده جزية كبيرة ورهائن من وقت إلى آخر. 8ونزعوا منه بلاد الهند وميديا ولود وخيار بلادهم وأعطوها لأومينيس الملك. 9ولما همّ اليونانيون أن يسيروا لمقاتلتهم، بلغهم ذلك 10فارسلوا إليهم قائدًا واحدًا وحاربوهم، فسقط منهم قتلى كثيرون، وسبوا نساءهم وأولادهم ونهبوهم واستولوا على أرضهم وهدموا حصونهم واستعبدوهم إلى هذا اليوم. 11وأما سائر الممالك والجزر التي قاومتهم، فإنهم دمروها واستعبدوا سكانها. نظر اليهود إلى انتصارات الرومان على الملوك اليونانيين واحتلالهم للإمبراطوريات الهيلينية باعتبارها أجزاء من إمبراطورية الاسكندر الأكبر، راجع (دانيال 2: 40، 41) كما رأى كاتب السفر تدبيرًا إلهيا في هزيمة روما لمقدونية التى تحكم اليهودية. فيلبس: المذكور هنا هو فيلبس الخامس ملك مقدونية والمذكورة حرفيا في (1: 1): كتيم. ُولد سنة 238 ق.م. وملك ما بين 221 - 179 ق.م. وهو ابن ديمتريوس الثاني وأبو "فرساوس"، تحالف فيلبس مع هانيبال ضد روما سنة 215 ق.م. حيث هزم هزيمة فاصلة في سنة 197 ق.م. في معركة "سينصقفالى Synoscaphale " ورضخ لشروط صلح قاسية، ثم مات في نفس العام. فقد فرض عليه الرومان جزية قدرها ألف طالن لمدة عشر سنوات ولكنهم اعفوه سنة 190 ق.م. من دفع الباقي. فرساوس (برسيوس Perseus): وهو آخر ملوك مقدونية، ولد في سنة 212 ق.م. من فيلبس المقدونى وزوجته "بيلوكراتيا" التي من "أركوز" وكوريث شرعي لعرش أبيه فيلبس الثالث كان قلقًا من أخيه غير الشقيق "ديمتريوس" والمأسور في روما والذي استطاع توسيع دائرة علاقاته مع ذوى السلطة هناك، مما جعله يحمل أبيه علي قتله على مضض، وقد أعقب والده على العرش في سنة 179 وتزوج "لاودكية" ابنة سلوقس الرابع. ولكن أومينيس ملك برغامس وشى بفرساوس لدى الحكام في روما بسبب طموحاته وسياساته التوسيعيه، مما حملهم على إعلان الحرب الثالثة على مقدونية سنة 171 ق.م. والتي استمرت ثلاث سنوات وانتهت في معركة "بيدنا Pydna" على مسافة 16 كم جنوب بيدنا، وذلك في 22 يونيو سنة 168 ق.م. حيث هرب فرساوس نفسه، ومنذ ذلك الحين أصبحت برغامس ولاية رومانية، وبذلك كانت نهاية الأسرة الأنتيجونية ومملكتها في مقدونية. وقد أظهرت المعركة براعة القائد الرومانى اميليوس بولس Aemilius Baulus، والذي قتل مئة وعشرين ألفًا من المقدونيين وأسر عشرة آلاف مقابل خسائر طفيفة في صفوفه، وفي طريق عودته مرّ على " ألبانيا "، والتي كانت تسمى وقتذاك (ايبروس) منتقما منها لمساعدتها فرساوس، وأسر منها مئة وخمسين ألفًا باعهم عبيدًا، كما كانت الغنائم التي استولى عليها كفيلة باعفاء المستعمرات من الضرائب.! وبعد ذلك قام بأسر فرساوس نفسه ليعرضه ضمن الغنائم والأسرى، في احتفالات النصر التي أقامها اميليوس في روما سنة 167 ق.م، وقد مات فرساوس في الأسر بعد ذلك بخمس سنوات، وعقب هذا الانتصار أمر الرومان أنطيوخس الرابع أبيفانيوس بالتخلي عن مصر، والطريف أن المندوب الروماني عندما وجد أنطيوخس مترددًا قام برسم دائرة حوله طالبًا منه أن يقرر قبل اكتمال الدائرة أو قبل الخروج منها!! ورضخ أنطيوخس لمطالب روما. أما عن تسميته بالكبير (أو العظيم) فقد أطلقها هو على نفسه عند دخوله في موكب انتصار بعد استرداده سلوكية من بطليموس يورجيتيس (1مكا11: 8) في سنة 219 ق.م. ويقول البعض الآخر أن سبب هذه التسمية، كان سبب مسيرة الغزو التى قام بها نحو الهند (212 - 206 ق.م.) والمشابهة لمسيرة الاسكندر الأكبر، وقد وصف المؤرخ بوليبوس حصار أنطيوخس للمدينة وصفً بليغًا، حيث دخل سلوقية في سنة 205 في موكب ظافر وكأنه الاسكندر الأكبر الثاني، وذلك في طابور طويل من الفيلة وكميات ضخمة من الأسلاب، وفي هذه المناسبة خلع على نفسه لقب (الملك العظيم) حيث عرف به منذ ذلك الحين. عملة أنطيوخس الثالث " الكبير" وقد نشبت حروب ومنازعات كثيرة بين السلوقيين والبطالمة للاستحواز على فلسطين، وقد انتزعها أنطيوخس أخيرًا في " معركة بانياس" سنة 198 ق.م. ولكن التجاء البطالمة إلى الرومان كان هو الذريعة لتدخل روما في شئون المنطقة منذ ذلك الحين، فلمّا حاول محاربة " أتالس" ملك برغامس سنة 199 ق.م. أرغمه الرومان على التراجع، وعند عودته وجد المصريين قد استولوا على بعض بلاده فهزمهم ولما أرسلوا له ثلاثة من القادة هزمهم واضطروا لقبول شروط مهينة للصلح، ثم قام بحملة تأديبية لغزة، وأما اليهود فقد استقبلوه حسنًا مما جعله يلاطفهم(1). وفي هذا تتم نبوءة دانيال النبي عن أنطيوخس الثالث الكبير " فيرجع ملك الشمال (أنطيوخس الكبير) ويقيم جمهورًا أكثر من الأول ويأتي بعد حين بعد سنين بجيش عظيم وثروة جزيلة وفي تلك الأوقات يقوم كثيرون (فيليب ملك مقدونية وأهل سورية) على ملك الجنوب (بطليموس أبيفانيوس) وبنو العتاة من شعبك يقومون لاثبات الرؤيا ويعثرون (اليهود) ويأتي ملك الشمال (أنطيوخس الثالث) ويقيم مترسة ويأخذ المدينة الحصينة فلا تقوم أمامه ذراعا الجنوب (المصريين) ولا قومه المنتخب ولا تكون له قوة للمقاومة (في معركة بانياس) والآتي عليه يفعل كإرادته (في حصار صيدا) وليس من يقف أمامه ويقوم في الأرض البهية (اليهودية) وهى بالتمام بيده" (دانيال 11: 13- 16). واتبع أنطيوخس استرداده سلوقية سنة 219 ق.م. بحملات كثيرة لاستعادة جميع المدن التي كانت خاضعة للسلوقيين، ولكن الرومان تنبهوا إلى سياساته التوسعيّة، وبعد الحرب (البونية) وجدوا لزامًا عليهم تأمين ناحية الممالك الهيلينية في شرق البحر المتوسط، ولم ينتبه أنطيوخس إلى ذلك الخطر، فواصل فتوحاته غربًا ولكن الرومان ضيقوا عليه الخناق حتى كسروه مما اضطره إلى عقد الصلح معهم كما سيأتي، ومنذ ذلك الحين لم تعد المملكة السلوقية قوة عظمى في حوض البحر المتوسط.. وبعد مئة عام من انكسار أنطيوخس فوض مجلس الشيوخ الروماني القائد الفذ "بومباى" الاستيلاء على جميع البلاد الواقعة هناك، وقد اتم ذلك بنجاح خلال ثلاث سنوات. وفي حملة أنطيوخس على آسيا الصغرى لتوسيع مملكته في سنة 196 ق.م. استغاث سكان البلاد هناك بالرومان، والذين أرسلوا إليه وفدا يحذّره ولكنه لم يأبه لذلك، ثم تحالف مع هانيبال القرطاجنى - وهو عدو الرومانيين - وطلب منه مئة سفينة وعشرة آلاف جندي وألف فارس، لمحاربة الرومان في إيطاليا في سنة 192 ق.م. ولكن الرومان هزموا هانيبال، ثم الحقوا ذلك بهزيمة منكرة لأنطيوخس نفسه في سنة 190 ق.م. حيث قتل من رجاله خمسون ألفًا بينما أسر ألف وأربعمائة، ولم يكن لديه من الأفيال سوى أربعة وخمسون فقط، ولكنه أضاف إليها مئة وخمسون أخرى استولى عليها من غزوته للهند (بينما كان معه 102 فيل عند حربه مع بطليموس الرابع) في معركة رافيا سنة 217 ق.م. وفي المعركة التي هزم فيها كان معه ستون ألفًا من المشاه وأكثر من اثني عشر ألف فارس. وأرغمه الرومان على قبول شروط مهينة للصلح، وذلك في معاهدة "أباميا" سنة 188 ق.م.، وهذه هي الشروط: 1 - التخلي عن كل ما وراء جبال طوروس من آسيا الصغرى (شمالها وغربها). 2 - التكفّل بنفقات الحرب والتي بلغت خمسة عشر ألف وزنة، يدفع منها مقدما: خمسمائة، ثم ألفان وخمسمائة بعد عقد الصلح، ثم تقسيط الباقي على اثنتى عشر سنة (ألف وزنة كل سنة). 3 - تقديم عشرين رجلًا كرهائن يختارهم الرومان (ما بين 18 سنة إلى 45 سنة) ومنهم كان أنطيوخس الرابع. 4 - تسليم هانيبال عدوهم و" قواس الأتولى" الذي تسبّب في نشوب الحرب (ولكنهما كانا قد هربا). وفي سنة 189 ق.م. صدّق مجلس الشيوخ على شروط الصلح وكان رئيس الوفد الروماني هو "مكيد البيزنطى" وقد راوغ أنطيوخس ليدفع فقط نصف الغرامة وترك بعض المدن دون غيرها مما طلبوه، ولكنهم رفضوا، فحاول استمالة " شيبون" القائد الروماني بارجاع ابنه المأسور لديه ولكنه رفض أيضا، وحاول محاربة الرومان ثانية فهزموه أيضا، ثم أعطوا البلاد التي انتزعوها منه إلى أومينيس الملك مكافأة له كما سيأتي. وإن كان قد أعطى بعضها ل (رودس) كما حصلت المدن الاغريقية التي كانت تحت سيطرته على حريتها. وفي ذلك تمت نبوءة دانيال النبي عن أنطيوخس "ويحول وجهه (أي أنطيوخس) على الجزائر (جزائر البحر المتوسط واليونان) ويأخذ كثيرًا منها ويزيل رئيس (روماني هو شيبون الأسياوى) تعييره فضلًا عن ردّ تعبيره عليه" (دانيال 11: 18). ولجأ أنطيوخس إلى خطة أخرى وهي فكرة المصاهرة، حيث زوج ابنته لملك مصر، كما زوج الأخرى لأرياط ملك الكبادوك، ولما حاول تزويج الثالثة لملك برغامس رفض الأخير مجاملة للرومانيين، لكي تتم بذلك نبوءة دانيال "ويجعل وجهه ليدخل بسلطان كل مملكته ويجعل معه صلحًا ويعطيه بنت النساء ليفسدها فلا تلبث ولا تكون له" (دانيال 11: 17). مناوشاتهم مع خلفائه: عندما حاول أنطيوخس أبيفانيوس غزو مصر، أرسلت كليوباترا وبطليموس أخاها إلى روما تستنجد بها، ومن ثم أرسلت روما وفدا إليه في مصر أرجعه عنها. وعندما رغب ديمتريوس الأول في الملك وكان مأسورا عندهم رفضوا ذلك، وأرسلوا يطمئنون على سلامة الأحوال في كل من مصر وسوريا، حيث وجدوا هناك أن عدد السفن والأفيال التي لدى السلوقيين تفوق العدد المتفق عليه في معاهدة الصلح (السسابق الاشارة اليها) فقاموا بقتل الأفيال الزائدة وحرق السفن مما أهاج أحد الجنود فقام بقتل واحدًا من المبعوثين الرومان الثلاثة. ثم هرب ديمتريوس من روما واسترد الملك فأقرته روما. وعندما قتل "تريقون" أنطيوخس السادس أرسل إلى روما تمثالًا من الذهب زنته ألف وزنه فكتبوا عليه أنه هدية ولكنهم لم يقرّوه في الملك، في مقابل ذلك حزنوا لوفاة يوناتان المكابى وأرسلوا إلى سمعان أخوه يجددون معاهدة السلام بين روما واليهود. ولما ملك يوحنا هركانوس وهو ابن سمعان أوفد رسلًا إلى روما لتجديد المعاهدة، وبناءا على ذلك أمروا "أنطيوخس صيدات" بتسليم المدن اليهودية التي استولى عليها مع تعويضهم (أي اليهود) عن نفقات الحرب. وفي سنة 69 ق.م. خلع الرومان أنطيوخس ابن الملكة "سيدانه" أرملة أنطيوخس العاشر، وأكمل بومبى الظفر به وإرغامه على دفع غرامة الحرب وتبلغ ستة آلاف قنطار، وأن يوقع على اتفاق بالتخلي عن سوريا والكبادوك وأرمينيا الصغرى وذلك في سنة 64 ق.م. وهكذا سقطت سوريا تمامًا وأصبحت مقاطعة رومانية، بينما تأخر خضوع مصر للرومان حتى سنة 30 ق.م. وقد مات أنطيوخس الثالث في هيكل النناية سنة 187 ق.م. (وهو هيكل الإلهة إنانا البابلية والتي عرفت باسم عشتار في بلاد كنعان) حين حاول نهب كنوزه لسدادا الجزية، حيث غدر به الكهنة وقتلوه (وقيل غدر به أحد رجاله) وهو ما يظن خطأ أنه مقتل أنطيوخس أبيفانيوس في هذا الهيكل (كما مر). بلاد الهند: تأتى " الهند" في العبرية: "هوندو" وتعنى الكلمة: الأرض التي ُتروى بالنهر الكبير، وهي شبه جزيرة كبيرة في آسيا، كانت تمثل حدود المملكة السلوقية، غير أن كثيرًا من العلماء لهم تحفّظ على ذلك، فمنهم من رأى أن كلمة الهند ترجمت خطأ، أصلها "أندويا" ولكن الواقع أن حرفي (OI) في اليونانية ينطقان كسرة، وبالتالي فهي (إنديا) India أي الهند(1)، كما ظن العالم ريسبرجRisberg أنها Milyans وأن مادي بالتالي والمذكورة معها، هي: Pisidians، كما يرى العالم كرامبون Crampon أن صحة الكلمة الهند هي JoniansMilians باليونان. ميديا Midia: وقد سكن الميديون في الهضبة الواقعة إلى الشمال الغربي من إيران، وقد أطلق الاسم خطأ على سكان المنطقة كلها، في حين أنهم شغلوا مساحة طولها 600 ميل وعرضها 250 ميل، وكانت عاصمة الميديين "اكبتانا"، تعرضت ميديا للغزو كثيرًا بسبب شهرة خيولها الحربية، فقد غزاها كل من "هدد نيرارى وتفلث فلاسر وسرجون الثاني" تحالف الميديون مع الاسكيثيين وهاجموا أشور فاسقطوا نينوى سنة 612 ق.م. ولعل أشهر ملوكها هو (كيا كزاريس) الذي توسع ببلاده وزوج حفيدته "أميتيس" إلى نبوخذ نصر والذي بنى لها بدوره حدائق بابل المعلقة، كما زوج شقيقتها لقمبيز حيث انجبت له " كورش" الذي أعطى لنفسه بعد ذلك لقب (ملك ميديا) حيث كانت قد توحدت مع فارس وأصبحت الثنائي الشهير: (ميديا وفارس) أو (فارس ومادى) راجع (دانيال 8: 20). لود Lud, Ludim: ُعرف سكان لود بالليديين (سكان ليديا) ويقول يوسيفوس أن لود المذكورة في (تكوين 10: 22) هي أصل ليديا، وأما هيرودوت Herodotus فيقول "ليدوسLydus " هو الجد الأكبر لليديين، وقد ذكرت لود أو ليديا في (إشعياء 66: 19) ضمن بعض بلاد في شمال البحر المتوسط أو شمال سوريا بآسيا الصغرى، وقد أسماهم المصريون " لودانو" كتحريف للكلمة "روتانو" والتي كانت اسمًا لمنطقة سكناهم فيها، ويعرف عنهم أنهم رجال حرب أشداء (إرميا 46: 9 و حزقيال 27: 10) إذ يشيد هيرودوت كثيرًا ببسالتهم، ومن المحتمل أن يكون الأشوريين قد رحّلوهم من بلاد ما بين النهرين إلى آسيا الصغرى. أومينيسEumenes: إسم يوناني معناه "الميال إلى الخير" ويكتب أحيانا "يومينيس"، والمذكور هنا هو أومينيس الثاني ملك برغامس (197 - 159 ق.م) وقد خلف أباه أومينيس الأول، عرف عنه حكمته وبسالته ولطفه، ساعد الرومانيين بقيادة "فولفيوس نوبليور" في حربهم ضد أنطيوخس الكبير والتي استمرت من 91 - 188 ق.م. (كما مرّ) فلما هزم أنطيوخس، كافأ الرومان أومينيس بأن وهبوه آسيا الصغرى وجزء من ثراكية (بلاد الهند / ميديا / لود). وقد أصبحت برغامس أعظم ممالك الشرق، حيث أنشأ فيها أومينيس مكتبة عظيمة تعد الثانية بعد مكتبة الاسكندرية، ومن بعد وفاته ملك ابنه "الكس الثاني" الملقب بـ" فلادلفيوس". اليونانيين: تأتى التسمية العربية "اليونان" من الكلمة العبرية "يونه" ومعناها "حمامة" وربما كان الاسم أيضًا منسوبًا إلى "ياوان" وهو اسم لإحدى القبائل اليونانية الأولى في شبه جزيرة كبيرة جنوب شرق أوروبا، بين بحر أدريا والأرخبيل، ويرجع أصل سكانها إلى نسل يافث، وقد تحدروا من آسيا خلال الفترة (3000 - 1800 ق.م.) وسميت بلادهم ب "الهيلينية" وكذلك حضارتهم. والمقصود هنا بالطبع سكان اليونان، وهم غير سكان المملكة السلوقية، وإن كانوا يشتركون معًا في الثقافة والحضارة واللغة. أما ما يعرف بحرب التحالف اليوناني Achaeanleague مع روما، فقد حدث في سنة 146 ق.م. أن أرسلت روما جيشًا بقيادة "القنصل لوكيوس مميوس" لسحق اليونانيين والاستيلاء على كبرى مدنهم (كورنثوس) وقد صاحب ذلك مذابح وبيع النساء والأطفال كعبيد، وُدمرت المدينة، وأزيلت أسوار جميع المدن وخضعت أغلب مدن اليونان تحت قيادة حاكم لإقليم مقدونيا(1). سائر الممالك: ربما كان المقصود بها "مملكة الأتاليد" Attalid في برغامس، والتي أوصى آخر ملوكها: "أتالوس الثالث" بأن تؤول إلى روما في سنة 133 وقام أريستونيكوس - يدعى الحق في الملكية - بقيادة المقاومة الشديدة ضد الحاكم الروماني حتى استسلم سنة 130 ق.م.، بينما استمر أتباعه في المقاومة حتى سنة 129 / 128 ق.م. وفي سنة 129 تحولت مملكة الأتاليد هذه إلى اقليم آسيا الروماني. الجزر: كان الرومان قد استولوا على عدة جزر أثناء حربهم مع قرطاج في القرن الثالث ق.م. مثل صقلية وسردينيا وكورسيكا وجزر البليار، وأن كانت مثل تلك الجزر لم تعرف بمقاومتها للرومان، ولكن مصطلح جزر بشكل عام يشير في الكتابات العبرية إلى الجزر اليونانية. ولعله من الملفت أن السفر لم يشر هنا إلى هزيمة قرطاج من الرومان، وهى مستعمرة فينيقية (كنعانية) ذات العبادات الوثنية الممقوتة لدى اليهود. وقد هاجمتها روما مرتين في عامى 241، 201 ق.م. ثم دمرتها نهائيًا سنة 146 ق.م. ولكن ذلك يؤكد أن السفر قد كتب قبل ذلك التاريخ. ويعد هذا الأصحاح وثيقة هامة لوصف عظمة روما في ذلك الوقت، فإن المصادر التي تتحدث عن روما كانت الرومان أنفسهم ثم النقوش التي قام بها بعض من أصدقاء الرومان، وكذلك التاريخ الذي دونه بوليبيوس وهو وأن كان يوناني إلا أنه كان متعاطف مع الرومان، ومن هنا فإن وصف اليهود للرومان يعطى صورة صادقة محايدة لوضع روما كإمبراطورية قوية وفاضلة مع ملاحظة أن اليهود كانوا حتى ذلك الوقت مستقلين وغير خاضعين لروما، بل كانت روما - عمليًا - تتجاهل شئون سوريا واليهودية ومصر البطلمية، يضاف إلى كل ذلك أن السفر كتب بالعبرية ولم يقرأه أي روماني. أما تعبير " كل من ينضم إليهم" (آية 1) فهي ترجمة للكلمة اليونانية Prostithemenios والتي من الممكن ترجمتها إلى "يسعى للتحالف معهم" إلا أن اليهود قصدوا "الاهتداء والاقتران" فكما أن الرومان كانوا يمنحون المواطنة لكثير ممن يلتجأون إليهم، هكذا اليهود يمنحون المواطنة لكل من يطلب الاهتداء، راجع (إشعياء 14: 1). وكانت "الصداقة" وصفًا رسميًا في العلاقات الدولية الرومانية، وهي ترادف تقريبًا الآن: " الاعتراف الدبلوماسى". هذه هي الأخبار التي وصلت إلى يهوذا المكابى، وهي بقدر ما تثير الرعب، تثير الاعجاب والتقدير، مما يجعل الرومان خليقون بالتحالف والصداقة، لاسيما بسبب الجوانب الأخرى من سياساتهم. الجانب الآخر للرومان 12ولكنهم حفظوا المودة لأوليائهم والذين اعتمدوا عليهم. وتسلّطوا على الملوك، قريبهم وبعيدهم، وكل من سمع باسمهم خافهم. 13ومن أرادوا مؤازرته وتمليكه ملكوه، ومن أرادوا خلعه خلعوه، فعلا شأنهم كثيرًا. 14ومع ذلك كله، لم يلبس أحد منهم التاج ولا ارتدى الأرجوان مباهاة به. 15ووضعوا لهم مجلس شورى يتداول فيه كل يوم ثلاث مئة وعشرون رجلًا، يتداولون على الدوام في أمور الشعب للمحافظة على نظامه. 16وهم يفوضون سلطانهم وسيادة أرضهم بجملتها كل سنة إلى رجل واحد، ويطيعون جميعًا هذا الواحد، وليس فيهم حسد ولا منافسة. اتسعت المعاهدات والتحالفات ما بين الرومان وأمم كثيرة، وقد اتسعت منطقة نفوذهم، وكانوا يمنحون بعض البلاد الخاضعة لهم حكمًا ذاتيًا مقابل جزية يؤدونها كل عام، مع ضمان خضوعها لهم وقيام علاقات دبلوماسية وتجارية وغيرها، مما جعل سمعتهم تتقدمهم أينما اتجهوا. وفي (الآية 13) إشارة خفية تحمل التخوّف وتوجب التحوّط، فهي وإن تكن نذير شؤم لم ينتبه إليه يهوذا المكابى - المبهور بالرومان - إلا أنها كانت في الاتجاه الآخر خيرًا وتدبيرًا من الله، فمع أن الرومان أذلوا اليهود ودمروهم أكثر من أي شعب آخر إلا أن استيلاءهم على تلك البلاد قد أسهم كثيرًا في نشر ملكوت الله، ليس في اليهودية فحسب بل في العالم أجمع. ومن الأمثلة على فعالية الرومان في هذا الشأن: أنها مكّنت " مسينيسا في " نوميديا" سنة 302 ق.م. ثمّ بطليموس السادس وبطليموس الثامن كملكين مستقلين عن روما في سنة 168 ق.م. وربما بطليموس السادس ثانية بعد أن طرده بطليموس الثامن سنة 164 ق.م. وبطليموس الثامن نفسه كملك للقيروان (ضد المؤامرات التي كان يخشاها) سنة 162/161 ق.م. وأنطيوخس الخامس خلال الفترة من سنة 163 - 162 ق.م. ضد مكائد ديمتريوس الأول، وتيماركوس كملك ل مادي سنة 161 ق.م. ضد معارضة ديمتريوس الأول الذي كان يطالب بمادى، كما كانت روما قد خلعت فرساوس من عرش مقدونيا (كما سبق) ومع ذلك فقد اخفقت روما في إبقاء كل من أنطيوخس الخامس وتيماركوس في السلطة، كما اعترفت روما ب ديمتريوس الأول كملك للإمبراطورية السلوقية في سنة 160 ق.م. وتفرط الأخبار التي بلغت يهوذا في مدحهم، حيث يصله أنهم أناس عمليون لا يقيمون وزنًا كبيرًا للشكليات، ولا ينزعون إلى التباهى بالتيجان أو الألقاب أو الثياب الفاخرة، والحقيقة أن الرومان كانوا هكذا في بداية عهدهم بالحكم، وهم رجال حرب بالدرجة الأولى بعكس اليونانيين والذين هم رجال فن وثقافة محبين للشعر والجمال والنفائس، ولكن الرومان قد تحولوا إلى هذه الاتجاهات ذاتها بعد ذلك. ولو عاش يهوذا المكابى طويلًا، لسمع ورأى الصراعات الدامية على السلطة بين القادة الرومان ولضاق ببذخهم وترفهم، وأنفَ من الوشايات والدسائس التي تحاك في زوايا القصور ولُروّع من منظر دماء مصارعى الوحوش، ومن مناظر الوحوش وهى تفتك بالأسرى والمسيحيين واليهود معًا، ولكان قد غيّر رأيه عندما رأى الشعب الجائع ينتظر سفن مصر فإذا بها محملة بالرمل الأبيض الآتي من على ضفاف النيل ليُفرش في أرضية حلبة المصارعات!! ولتَقزز من منظر الولائم الرومانية المبالغة في الترف والميوعة.. تعلم الرومان من الشعوب الأجنبية النظام والطاعة، والتي شكلت نظام الحكم لديهم بعد ذلك، وبعد صراع طويل ما بين طبقتى الأشراف والعامة استمر لمدة مئة وخمسون عامًا، ُسمح للعامة (وهم أحفاد العبيد والأجانب) بالاشتراك في الحقوق والحكم مع طبقة الأشراف (أحفاد الشيوخ والسياسيين والقادة العسكريين) فقد أصبح لهم تمثيل في الحكم من خلال " التربينيون Teribunes " أي طبقة المدافعون عن حقوق الشعب، ثم ازداد نفوذهم بعد ذلك من خلال القانون الروماني الشهير المعروف ب "الاثنى عشر لوحًا". وتشير (الآية 14) إلى النظام الجمهورى في الحكم الروماني، ويشير السفر هنا من طرف خفي إلى مساوئ حكم الملكية (التاج والأرجوان)، ففي روما لم يكن يرتديهما إلا القادة المنتصرين وذلك أثناء الاستعراض العسكري فقط، ومن المحتمل أن الاسكندر جنايوس - والذي يرى البعض أن السفر ُكتب في أيامه - قد تخلّى عن مظاهر الُملك وأن كان قد بدأ حكمه بلبس التاج مثل أسلافه، إلا أن هناك بعض العملات في عهده نقش عليها "جنايوس رئيس الكهنة ومستشار اليهود" مما يشير إلى أنه تخلّى لبعض الوقت عن لقب "ملك" ربما بسبب تمسكه برئاسة الكهنوت أكثر من الملك. مجلس الشيوخ والحكام: كان مجلس الشيوخ الروماني Senete في أيام حكم الملوك مجرد هيئة استشارية، أما في النظام الجمهورى فقد أصبحت سلطة هذا المجلس أهم ميزات الحكومة الجمهورية، في حين تقلص سلطان الحكام في المقابل بسبب كثرتهم وانتشارهم على مساحات واسعة نتيجة الفتوحات المستمرة، وهكذا ونتيجة اتساع الإمبراطورية كان مجلس الشيوخ هو السلطة المركزية والفعلية في روما، أما فيما يختص بخارج العاصمة فقد نشأت خمسة وظائف هي: القنصل، الوالي، المحتسب، القاضي، والقسطور (مراقب الحسابات). ويصل عدد أعضاء مجلس الشيوخ ثلثمائة عضو، ُيختارون على أساس إنجازاتهم وخدماتهم للأمة، ولم يكن هناك فرق بين الادارتين الجمهورية (الحاكم) والسيناتورية (مجلس الشيوخ) بمعنى وجود تنسيق دائم بين الجهتين، وقد قامت ذات وقت ثورة نتيجة عدم قدرة مجلس الشيوخ على ضبط سلوك أعضاءه، من حيث نمو الرشوة واستقطاب الأعضاء، والذين كانوا قادرين بدورهم على استخدام الفيتو ضد أي قرار (وذلك من خلال القضاة العشرة). ويقول شيشرون Cicero أنه كانت من وظائف المجلسس الوصاية على الأخلاق العامة. وأما ما يبدو من اختلاف طفيف ما بين واقع نظام الحكم في روما بالفعل، وما هو وارد هنا، فإن هذه هي الأخبار التي وردت إلى يهوذا، فالأعضاء الثلثمائة والعشرين قد يكون مضافا إليهم القضاة المذكورين أو بعض الرتب الأخرى المساعدة، هذا وفي سنة 81 ق.م. قام " سولا Sulla" بزيادة هذا العدد إلى ستمائة عضو، ولم يكن المجلس يجتمع كل يوم بل حسبما يستدعيه القضاة المسئولون، ومع ذلك فلا شك في وجود دوائر حكومية وقضائية منبثقة عن مجلس الشيوخ تعمل يوميًا. وكان بلاط الحشمونيين هو المقابل لمجلس الشيوخ الروماني، ولكن وبشكل عام كان هناك مجلس شيوخ في إسرائيل، المسمى "السنهدريم". وأما عن السلطة المخولة إلى واحد منهم كل عام، فإن المجلس كان له رئيسان (قنصلان) يعملان بالتناوب، كل منهما كممثل للدولة، فقد كان الرومان يحذرون أن يعهدوا بالسلطة لشخص واحد، وانما كانوا ينتخبون المسئولين في مجموعات من اثنين حتى يستطيع الواحد أن يبطل أوامر الآخر، ولم يكن يعين ديكتاتور واحد ليحكم الدولة إلا في أوقات الطوارئ. ورغم أنه كان هناك العديد من الصراعات بين أعضاء المجلس والحكومة، بل كانت هناك في ذلك الوقت حرب أهلية بين " سولا " وخصومه، كما حدث بعد ذلك التاريخ بقليل أن انتشر العنف في عهد أسرة "جراتشى Gracchi" (سنة 133 و 123 - 121 ق.م.) وكذلك إجراءات القمع من جانب "ساتورنينوس" و"جلوكيا" (100 ق.م.) ثم تمرد ومقتل " ليفيوس دروسوس" وحرب الحلفاء (91 - 87 ق.م) وغيرها: إلا أن نظام الحكم في روما بشكل عام كان مستقرًا وعظيمًا، إذا ما قيس بالتقلّبات السياسية في اليهوديةِ وكذلك مناطق أخرى عديدة من العالم في ذلك الحين. سياسة روما في الشرق: بالرغم من أن هدف اليهود في الاتجاه نحو روما كان التحرر من نير السلوقيين، إلا أن روما لم تقف فعليا بجور اليهود في صراعهم، كما أن تحرك يهوذا هذا قد جاء متأخرًا جدًا، وكانت سياسة روما هي تشجيع القوى الصغيرة واظهار الشهامة نحوها، وذلك من أجل كبح جماح القوى الكبرى في المنطقة، ذلك بالطبع دون تحمل أية مسئوليات تتطلب عملًا عسكريًا من جانبها، وكان يكفيها اضعاف تلك القوى الكبرى بتشجيع القوى والجماعات الصغرى على التمرد.! ورغم ما يدّعيه البعض من شكوك حول صدق هذه المعاهدة، حيث أن اعتراف روما بسيادة واستقلال دولة صغيرة كاليهود، كان يعنى في المقابل اعلان الحرب على الدولة السلوقية وملكها ديمتريوس، ولكن هذه كانت سياسة روما، فقد سلكت على هذا النحو مع الثائر "تيماركوس" وغيره من قائدى التمرد. هكذا أراد الرومان إرباك ديمتريوس من خلال الترحيب بأعدائه.! تحالف اليهود مع الرومانيين مكابيين ثان 4: 11 17فاختار يهوذا أوبولمس بن يوحنا بن أكوس وياسون بن ألعازار، وأرسلهما إلى روما ليعقدا مع الرومانيين عهد الصداقة والتحالف، 18ويرفعا عنهم النير، لأنهم رأوا أن مملكة اليونان قد استعبدت إسرائيل استعبادًا. 19فذهبا إلى روما في سفر طويل جدًا، ودخلا مجلس الشورى وتكلما وقالا: " 20إننا مرسلان إليكم من قبل يهوذا المكابى وإخوته وجمهور اليهود لنعقد معكم عهد تحالف وسلام، ولتجعلونا في عداد حلفائكم وأصدقائكم". 21فحسن الأمر لديهم. 22وهذه نسخة الكتاب الذي دونوه على ألواح من نحاس وأرسلوه إلى أورشليم، حتى يكون عندهم تذكار سلام وتحالف: 23"الفلاح للرومانيين ولأمة اليهود في البحر والبر للأبد، وليبعد عنهم السيف والعدو! 24إذا قامت حرب، في روما أولا أو عند أي كان من حلفائها في كل امتداد سيادتها، 25فأمة اليهود تحارب معها بكل عزمها، كما تقتضيه الحال، 26ولن يعطى المعتدون ولن يقدم لهم قمح ولا أسلحة ولا فضة ولا سفن. هكذا حسن لدى الرومانيين، ويحافظون على هذه الالتزامات من دون أن يأخذوا شيئا. 27وكذلك فإن وقعت لليهود حرب أولًا، فالرومانيون يحاربون معهم بكل عزمهم، كما تقتضيه الحال. 28ولن يعطى المعتدون قمحا ولا أسلحة ولا فضة ولا سفنًا. هكذا حسن لدى الرومانيين. ويحافظون علي التزاماتهم من دون غش. 29على هذا الكلام عاهد الرومانيون شعب اليهود. 30وإذا شاء هؤلاء أو أولئك أن يزيدوا على هذا الكلام أو يسقطوا منه، فيفعلون برضاهم، وكل ما زادوا أو أسقطوا يكون ملزما. 31أما الشرور التي أنزلها بهم الملك ديمتريوس، فقد كتبنا إليه قائلين: لم ثقلت النير على أصدقئنا وحلفائنا اليهود؟ فإن عادوا يشكونك، فسننصفهم ونقاتلك بحرًا وبرًا". أوبولمسEupolemus ويكتب أحيانا " لوبيما" وهو الشخص المعين من قبل يهوذا المكابى كسفير لدى روما، وربما كان هو اليهودي الفلسطينى الذي كتب عن موضوعات في العهد القديم حسبما يورد ذلك الكاتب "شورر Schurer " (1)وأوبولمس هو المذكور أيضًا في (2 مكا 4: 11) وأما جدّه " أكوس" فقد يكون اسمه مشتق من الإسم العبري "هقوص" وتعنى "شوك". وقد يكون هو هقوص فعلًا وبالتالي يكون أوبولمس واحدًا من عشيرة هقوص الكهنوتية (أخبار الأيام الأول 24: 10) وقد عمل أبوه يوحنا سفيرًا لليهود في روما. ياسون: اسم يوناني معناه "يشفى" ويرى بعض الشراح أن أبيه ألعازار هو شقيق يهوذا، بطل المعركة التي ُقتل فيها تحت أحد الأفيال (6: 46) وبذلك يكون يهوذا المكابى هو عمه، وقد يكون هذا الرأي صحيحًا، لولا أن الإسم "ياسون" هو يوناني، مما يثير التساؤل إن كان المكابيين قد وهبوا أولادهم مثل تلك الأسماء، وهو رأى ليس مستبعد، بينما يرى العالم ماير Meyerأن ألعازار المذكور هنا هو نفسه الشهيد المذكور في (2مكا 6) هذا وقد ُارسل ياسون هذا في وقت لاحق من قبل يوناتان المكابى، كسفير لليهود لدى الاسبرطيين (1مكا12: 16 و 14: 22). ويتمثل دور السفير ليس في توصيل الرسائل أو شرح وجهات نظر حكومته فقط، وانما العمل على تحبيب الآخرين في بلاده وشعبه وحكامه. هكذا خادم الله هو سفير عنه بين الآخرين يحبون المسيح والسماء بسببه (اذا نسعى كسفراء عن المسيح كان الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله (كورنثوس الثانية 5: 20). هذا ويستحق هذان السفيران المديح لأنهم استطاعوا أن يبرموا معاهدة ذي صيغة غير تقليدية - كما سنرى - وفي روما كان ُيذكر أسماء القناصل الرومان والمسئولين المحليين والسفراء، بل أن كانت تلك الأسماء في الواقع كانت تشكل جزءا من نص المعاهدات، وأما يوسيفوس فقد كتب في تاريخه أسماء المبعوثان اليهوديان دون القنصل الروماني، لأنه لم يكن متأكدا منه، فيقول عن المعاهدة أنها: (<FONT size=5> ُكتبت بواسطة أبوليمس به يوحنا وياسون بن ألعازار، في الوقت الذي كان يهوذا فيه رئيس كهنة الأمة وسمعان أخوه قائدًا) حيث كانت بعض المعاهدات في المنطقة تكتب بأسماء <SPAN lang=ar-sa> |
||||
31 - 03 - 2014, 05:43 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: شرح الكتاب المقدس - الأنبا مكاريوس الأسقف العام -
مكابيين أول 9 - تفسير سفر المكابيين الأول يوناتان المكابي يخلف يهوذا في قيادة اليهودشهدت المرحلة الانتقالية ما بين المعركة التي ُقتل فيها يهوذا واستعادة اليهودية لهدوئها واستقرارها: اضطرابات كثيرة وضيق وحصار وخيانة، فيما يشبه تلك الفترة التي بدأ فيها المكابيون في الشروع في تنظيم صفوفهم، وكان الفرق الوحيد هو أن الهيكل في المرة الثانية كان قد تطهّر واسُتئنفت العبادة فيه. موت يهوذا في معركة بئروت 1ولما سمع ديمتريوس بأن نكانور وجيوشه قد سقطوا في الحرب، عاد فأرسل إلى أرض يهوذا بكيديس وألكيمس، ومعهما الجناح الأيمن. 2فسارا في طريق الجليل وعسكرا عند مشاكوت بأربيل، فاستوليا عليها وأهلكا نفوسًا كثيرة. 3وفى الشهر الأول من السنة المئة والثانية والخمسين، عسكرا عند أورشليم، 4ثم زحفا وانطلقا إلى بئر زيت في عشرين ألف راجل وألفى فارس. 5وكان يهوذا قد عسكر في الفاسة ومعه ثلاثة آلاف رجل منتخبين. 6فلما رأوا كثرة عدد الجيوش خافوا خوفًا شديدً، فجعل كثيرون ينسلون من المعسكر، ولم يبق منهم إلا ثمانى مئة رجل. 7ورأى يهوذا أن جيشه قد انسل والحرب تضايقه، فانكسر قلبه لأنه لم يبق له وقت لجمع رجاله، واسترخت عزيمته. 8قال لمن بقى معه: " لنقم ونهجم على خصومنا عسى أن نقدر على محاربتهم". 9فصرفوه عن عزمه قائلين: " ليس في طاقتنا اليوم إلا أن ننجو بنفوسنا ثم نرجع مع إخوتنا ونقاتلهم، فإننا عدد قليل". 10فقال يهوذا: "حاشا لى أن أفعل مثل ذلك وأهرب منهم. وإن كان قد دنا أجلنا، فلنموتن بشجاعة عن أخوتنا ولا نبقين على مجدنا وصمة". 11وخرج جيش العدو من المعسكر ووقفوا بإزائهم، وانقسمت الفرسان قسمين، وكان الرماة بالمقاليع والقسى يتقدمون الجيش، وكانت مقدمة الجيش كلها من ذوى البأس. 12وكان بكيديس في الجناح الأيمن، وتقدمت الفرقة من الجانبين وهتفوا بالأبواق. ونفخ رجال يهوذا أيضًا في الأبواق، 13فارتجت الأرض من جلبة العسكرين، والتحم القتال من الصبح إلى المساء. 14ورأى يهوذا أن بكيديس وقوة الجيش في الجناح الأيمن، واجتمع حول يهوذا كل ذي قلب ثابت. 15فكسروا الجناح الأيمن وتعقبوا إثرهم إلى جبل حاصور. 16فلما رأى رجال الجناح الأيسر انكسار الجناح الأيمن، انقلبوا على آثار يهوذا ومن معه. 17فاشتد القتال وسقط قتلى كثيرون من الفريقين 18وسقط يهوذا وهرب الباقون. على الرغم من تحذير الرومان لديمتريوس من التعرض لليهود، إلا أن ذلك قد جعل ديمتريوس يحنق على اليهود، بسبب المعاهدة التي أبرموها مع الرومان، والتي سيتضح لنا أنها لم ُتجد اليهود نفعًا!! فقد واصل السلوقيون الضغط على اليهود، حيث تحرّك ديمتريوس الملك بسرعة مذهلة للانتقام من اليهود عقب هزيمة الجيش ومقتل نكانور في أورشليم، فبينما حدث ذلك في 13 مارس (أذار) سنة 151 سلوقية (وهو يوازى 28 أذار سنة 160 ق.م.) فإن جيش السلوقيين بقيادة بكيديس يصحبهم ألكميس وصل إلى أورشليم في الشهر الأول من السنة التالية: نيسان (أبريل / مايو) سنة 152 سلوقية (أي 160 ق.م) أي خلال مدة لا تزيد عن شهر (وفى أكثر تقدير شهران، إذا كان هناك فرق شهرًا في التقوىم) إن هذا يعنى أن وصول أخبار الهزيمة إلى الملك في أنطاكية ثم تجهيز جيش جديد وبدء الزحف جنوبًا إلى الجليل، قد استغرق عدة اسابيع فقط. أما ذلك الجيش والذي يوصف هنا بأنه "الجناح الأيمن" فهو ما يشبه عندنا في مصر "الجيش الثاني" أو الجيش الثالث أو الفرقة كذا في بعض الأنظمة العسكرية الأخرى، فقد انحدر من الشمال نحو أورشليم من جهة الجليل، والتي تأتى في بعض النسخ "الجلجال" 1. وكانت المحطة الأولى لهم والتي كانت بمثابة اختبار لقوة اليهود هي قرية مشاكوت في أربيل. وبحسب ما قاله يوسيفوس، فإن بكيديس جاء من الشمال: " خرج من أنطاكية "(2). مشاكوت Masaloth , Mesaloth، وهي موقع غير معروف بالقرب من أربيل، ويظن العالم روبنسون أن كلمة مشاكوت قد تكون هي الكلمة العبرية التي تعني درجات السلم أو الطوابق أو شرفات، مما يحتمل معه أنها تشير إلى الحصن الموجود في المنطقة، أو المنحدر النازل من الكهوف هناك. وربما كانت صدى للكلمة العبرية mesillah الواردة في (إشعياء 11: 16) بمعنى "طريق رئيسى". وفي سفر أخبار الأيام الأول (26: 18) والثاني (9: 11) تترجم بكلمة anabaseis ومعناها (درج السلم). جاء المكان في اليوناني: (Messaluq en Arbhloij) وهذا المكان لم يذكره يوسيفوس ومن الصعب تحديده، ويرى الرابي كاهانا أنه مكان صغير بجانب أربيل قرب الشاطئ الغربي لبحيرة كنارة، والرابي نتاي الأربيلي كان من هناك وهو مذكور في المشنا (أبوت 1: 8) وهو معاصر للمكابيين. أربيل: Arbela (أربيلا): وهي بيت أربئيل التي اقتحم حصونها شلمان (هوشع 10: 14) وربما كانت أول موضع يستولى عليه الأشوريين في الجليل، وتسمى أحيانا "أرباليس" ومكانها "أربد" أو "خربة أربد" وهي غير بعيدة عن الشاطئ الغربي لبحر الجليل، وقرب " قرون حطين" حيث اشتبك هناك صلاح الدين الأيوبى مع الصليبيين سنة 1187م. وربما يشير الاسم أربيلا إلى مجموعة من المغائر المستطيلة والمحصنة بحوائط سميكة، حيث استخدمت من قبل اليهود اللاجئين واللصوص والمتمردين، وتقع هذه المغائر في الجليل الأسفل بقرب بحيرة جنيسارت، ويشير يوسيفوس إلى أن تلك الكهوف والتي تقع في المنحدر، كانت تشكل الحائط الجنوبي للغور العظيم، وفي " وادى الحمام" والذي يتصل بسهل جنيسارت غربى قرية "المجدل"، وقد عاصر هو نفسه مقاومة اليهود لهيرودس بعد ذلك عندما عصف بهذه المغائر في خريف عام 39 ق.م. ليطرد اللصوص والثائرين من داخلها، وقد عاد فحصّنها من جديد عندما أقام معاهدة مع يهود الجليل. وقد حاصر بكيديس المنطقة وأسر من كانوا مختبئين في الكهوف، لأن كثيرًا من الشعب هربوا ليختبؤا فيها من وجهه. وتسمى حاليًا "حزبة أربد" وتقع على مسافة 4 كم غرب الجليل، وقد اكتشف حديثًا هناك معبدًا يهوديًا يرجع إلى القرن الثالث الميلادى مما يعكس أهمية المكان بالجليل، وربما يكون السيد المسيح قد زاره وهو في طريقه من كفر ناحوم إلى الناصرة، وذلك أثناء كرازته في الجليل. فإذا ما اعتبرنا أن بكيديس قد عبر بسهل يرزعيل قادمًا من أنطاكية، فقد سار في الطريق جنوبًا حتى السامرة وبذلك تكون جلجالا (أو جلجيليا) على مسافة 8 كم شمال بيت لحم، وتكون مشاكوت هي " المسلة" على مسافة ثلاثة كيلومترات إلى الجنوب الشرقي من "دوثان" ويذكر العالم "أونوم" أن "أربيلا" تقع في السهل العظيم على بعد تسعة أميال من " لجون" ولكنه لا يعرف مكانها بدقة الآن(1). وبعد أن قتل بكيديس البعض هناك وأسر البعض الآخر من المختبئين، غادر المكان ومعه ألكيمس ليعسكر من جديد في أورشليم قبل أن يزحف بثقة وبقسم من الجيش وليس كله، حتى وصل إلى "بئر زيت". بئر زيت Berea:أو بئروت حسبما ترد في النص اليوناني وتاريخ يوسيفوس، أو "بئيروت" . جاءت بئر زيت في النص العبري "بيرا"، وفي الآرامية "بيرات" وهكذا وردت في مخطوطة "saint - Germain": Bereth. وكتب يوسيفوس: " عسكر يهوذا بجانب إحدى القرى واسمها Zhqoj (زيت) . ووردت في بعض النسخ ب (بئر الزيت) وباليونانية: Birzhqoj أو Bhrozqoj ". اُنظر خريطة رقم (11). وتعنى في العبرية: "آبار" بينما يرى العالم "أبل Abel " أنه يجب قراءتها " Bereth بيريث" وأما الكلمة " بير زيت Berzetha" فتعنى بئر الزيت أو بئر الزيتون. وهي قرية تقع على مسافة 16 كم شمال أورشليم بجوار "رام الله" على الطريق المؤدى إلى نابلس (السامرة)، وهي في الأصل مدينة " للحويين" (يشوع 9: 7-20) ثم صارت بعد التقسيم من نصيب بنيامين، وبالرغم من أن يوسابيوس المؤرخ يضعها تحت اسم "جبعون" (على مسافة سبعة أميال رومانية من أورشليم على الطريق من عمواس إلى نيكوبوليس) إلا أنه من المرجح أنها تقع إلى الشمال الغربي من جبعون، وهي الآن قرية "البيرة" أو "البيرى" على مسافة ثمانية أميال إلى الشمال من أورشليم، على الطريق الرئيسى. هناك عسكر بكيديس بجيشه الضخم متحفزًا متربصًا وذلك في الشهر الأول من سنة 152 سلوقية، (وهو الشهر الذي يمتد من 13 ابريل إلى 11 مايو من سنة 160 ق.م.) وأما يهوذا فكان قد عسكر في الفاسة Elasa: وهي قرية صغيرة بالقرب من بيت حورون تسمى الآن "خربة الآشي" أو "العشي"، وكان جيش اليهود متواضعًا: عدة وعددًا، ليدخل بعد قليل معركة غير متكافئة، فقد وقع الرعب في قلوب جنوده وأحسوا بأنه لا جدوى من الحرب ولا طاقة لهم بها ولا طائل من ورائها سوى هلاك وشيك، وقد رأى الجميع أن ينسحبوا حتى يعيدوا تنظيم الجيوش، غير أن يهوذا رفض الاقتراح. ولكن معنويات جنوده هبطت ورغم هبوط معنوياته هو الآخر، إلا أنه قرر الاشتباك مع السلوقيين بنفر قليل لا يتجاوز ثمانمائة رجلًا مع جيش نظامى مجهز لا يقل عن عشرة آلاف (قسم من القوة الكلية التي حضرت من أنطاكية) ولما حاول أولئك الجنود اليهود المخلصين - الذين آثروا البقاء معه - صرف عزمه عن الحرب رفض بشدة مفضلًا أن يموت رجلًا عن أن يتخاذل " فلنموتن بشجاعة عن أخوتنا ولا نبقين على مجدنا وصمة". ولا شك أنه كان لخوفهم دور في الهزيمة "هكذا قال الرب لكم لا تخافوا ولا ترتاعوا بسبب هذا الجمهور الكثير لأن الحرب ليست لكم بل لله" (أخبار الأيام ثان 20: 15 راجع أيضًا 32: 7) وأما يهوذا نفسه فإن بعض الشراح يرون أنه رفض الهروب إيمانا بأن الله سوف يخلصه هو وشعبه، وهناك نبوءة في سفر أخنوخ (كتاب أبوكريفي) تفيد هذا المعنى، حيث شبه السلوقيين بالغربان واليهود بالحملان التي عانت كثيرا ثم نبت قرن كبير لأحد الخراف (يقصد يهوذا) وأراد الأعداء اقتلاع قرنه ولم يفلحوا وفي النهاية سقط الأعداء وانغلقت عليهم الأرض، وأعطى سيف كبير للخراف فهرب الجميع من أمامهم(كتاب أخنوخ 90: 9 - 36)(1). وكان يهوذا محقًا في ثباته وشجاعته فليس المهم أن يبقى هو حيًا ولكن أن يحصل الشعب على حريته وأن يكون مثالًا لبقية الجنود في الاقدام والاستخفاف بالموت. وبينما كان أخوة يهوذا من بين الذين نصحوه بالهرب، فإن آخرين حفّزوه على القتال اعتمادا على النبوات. ونلاحظ هنا أن عظة المعركة قصيرة ومختلفة (آية 10)، فهي مجرد كلمات قليلة تنبئ بما سيحدث وتعكس اهتزازا في ثقته بالنصر (قارن وصية متتيا أبوه) (2: 49- 68) وعظمته هو في معارك سابقة (3: 18-22 و 4: 8 - 11). ُانظر خريطة رقم (11). المقاليع: يعدّ المقلاع من الأسلحة الهجومية الخفيفة، وهو عبارة عن شريط من الجلد (أو الحبل) عريض من منتصفه وهو الجزء المسمى "كفة المقلاع" والتي يوضع بها الحجر، ثم يقوم المهاجم بالإمساك بطرفى الشريط ثم يديره بقوة فوق رأسه وما ان يأخذ سرعته حتى يسمح بانفلات أحد الطرفين لينطلق الحجر في اتجاه الهدف، وقد استخدم داود النبي هذا السلاح في قتل جليات، كما يحدثنا سفر القضاه عن رجال من بنيامين عسر (يستخدمون اليد الشمال) يرمون بالقلاع على الشعرة ولا يخطئون (قضاة 20: 16). القسّي: جمع قوس وهو أداة هجوم شهيرة، والقوس عبارة عن نصف دائرة من الخشب المرن القوى (مثل الخيزران) به ثقب في منتصفه وله وتر يصل بين الطرفين، يثبّت السهم من نهايته في منتصف الوتر بينما رأسه يطلّ من فتحة الخشب، ويقوم المهاجم بسحب السهم قدر المستطاع إلى الخلف فينضغط القوس جدًا وما أن يفلت السهم حتى ينطلق بقوة تجاه الهدف، من جراء عودة الخشب إلى وضعه. وقد تطور استخدام السهام بعد ذلك عندما صممت سهام ذو رؤوس مسممة تقتل حالما تجرح، ثم اخترعت دواليب بها فتحات كثيرة في واجهتها تثبت فيها رؤوس السهام لتطلق على الأعداء بكميات وافرة دون أن يقدر الأعداء على اصطياد الرماه نظرًا لاحتمائهم داخل الدولاب، والذي يتحرك معهم في المعركة بواسطة عجلات. وتعد البندقية هي التطوير الرائع لفكرة القوس والسهم. الخطة السلوقية: قسم السلوقيون جيشهم إلى قسمين وذلك رغبة منهم في التكتيك العسكري حتى يمكنهم إرباك اليهود، هذا وقد استخدم تعبيرا "الجناح الأيمن" و " الجناح الأيسر" كتعبيرات قياسية من قبل المؤرّخين اليونانيين والرومانيين في وصف خطوط المعركة، ويدل تعبير الجناح الأيمن في (آية 1) على وحدة قتالية قوامها نصف كتيبة في الغالب، وهي ما يعدل الآن "سلاح المشاه" وهو العمود الفقرى للجيوش في ذلك الوقت(1). ومن الآيات (12- 16) يمكن استنتاج أن الجناح الأيمن كان يشكل نصف مشاة بكيديس، وفي (الآية 4) نعلم أن بكيديس كان لديه عشرين ألف جندي مشاة، وهكذا يمكن استنتاج أن الكتيبة المقدونية سنة 160 ق.م. كانت بنفس قوام الكتيبة في سنة 166 ق.م. وفي سنة 161/160 ق.م. هزم ديمتريوس الأول القائد الثائر " تيماركوس" بحيث أصبح ممكنًا استخدام هذه الوحدة المهمة كجناح أيمن ضد يهوذا المكابى. وقد وقع يهوذا في نفس الفخ القديم، فالجناح الأيمن للعدو ينسحب وبينما يهرول جنود اليهود مطاردين إياه، إذا بالأيسر يطوقهم، ورغم يوم كامل من القتال بين الفريقين وهو أمر مذهل في الواقع، إذ كيف تسنّى لليهود الصمود يومًا كاملًا بعددهم الصغير هذا، بل ويصطادون الكثيرين من جنود الأعداء، ولكنه وبعد تلك المقاومة العنيفة ُمني اليهود بهزيمة كبيرة عند جبل حاصور. جبل حاصور: ويرد في ترجمة الفولجاتا "جبل أشدود" وفي النص اليوناني the mountain Azotus وجبل أشدود يقع في السهل البحرى، وربما يكون قد حدث خلط بين (asdod وهي أشدود) وبين (asedot) ومعناها "المنحدرات الجبلية" (1) وبحسب تاريخ يوسيفوس " أزدود" سهل عند أشدود، هكذا يقصد النص أن بكيديس تبعهم في المنحدرات عند سهل أشدود. هذا وتأتى الكلمة بمعنى "المنحدرات" أو " أماكن تجمّع المياه" مرتان في سفر يشوع (يشوع 10: 40 و 12: 8). وتقع رام الله وبيرة عند أعلى نقطة في الطريق من أورشليم، بينما الطرق والمناطق المحيطة بها مباشرة كلها تنحدر إلى أسفل حتى يعبر الطريق وادى الدم جنوب غرب (خربة الرحا) وبعد ذلك يتجه الطريق إلى أعلى في معظم أجزائه حتى يمر على "جبل سكوبس" ويدخل أورشليم، فإذا كانت الأرض شرق وغرب وشمال رام الله وعرة جدًا، فإنه لا يمكن لفلول قوات بكيديس الهرب بسهولة إلا جنوبا نحو قلعة عكرة (أكرا) رجع (آية 15). ُانظر خريطة رقم (11). أخيرًا سقط يهوذا جبار البأس وأشهر المحاربين اليهود في التاريخ بعد داود النبى، ويذكّرنا الآيتين (17، 18) هنا، بما ورد عن مقتل شاول الملك في حربه مع الفلسطينيين من حيث الصيغة الكتابية، راجع (صموئيل ثان 1: 4) ولكن الروح القتالية المقرونة بالغيرة المقدسة ظلت في دماء الحشمونيين والمكابيين عشرات السنين بعد ذلك. دفن يهوذا المكابي 19فحمل يوناتان وسمعان يهوذا أخاهما ودفناه في قبر آبائه في مودين. 20فبكاه كل شعب إسرائيل بكاء شديدًا ولطموا عليه وناحو أياما كثيرة وقالوا:21" كيف سقط البطل مخلص إسرائيل؟" 22وبقية أخبار يهوذا وحروبه والمآثر التي قام بها وعظائمه لم تكتب لأنها كثيرة جدًا. رغم هزيمة اليهود المؤلمة في هذه المعركة، إلا أن بقاء الهيكل طاهرًا، هو ما جعل هذه الهزيمة مخفّفة بحيث يمكن اعتبارها بمثابة جولة في سلسلة صراعات اليهود مع أعدائهم، وسوف نرى كيف استعاد اليهود قوتهم سريعًا ليهزموا ديمتريوس الملك ذاته. ولكن الخسارة الحقيقية كانت في فقد يهوذا المكابى نفسه، والذي يعد في الواقع من أعظم المحاربين في التاريخ، ويأتي في العهد القديم بعد داود النبى ليس بسبب قدراته القتالية فحسب وانما لما فيه من خصال وفضائل أعطته تميّزًا أكثر، لقد كانت خسارة اليهود فيه فادحة، ولذلك فهو يستحق كل هذه المناحة والدموع، وتذكرنا عبارة "كيف سقط البطل" بـ"نشيد القوس" الذى نظمه داود النبي في رثائه ليوناتان وشاول بعد مقتلهم في جبل جلبوع، وكان تعبير "كيف سقط الجبابرة وبادت آلات الحرب" بمثابة "قرا" في النشيد، ومع الوقت صار التعبير ُيستخدم بين اليهود عند رثاء أبطالهم. ولكن كيف حصل كل من سمعان ويوناتان على جسد يهوذا بعد أن تبعثرت قواتهم، وكيف استطاعوا كذلك القيام بمراسم الجنازة المطولة في مودين دون أن يتعرض لهم أحد، يقول يوسيفوس أن يوناتان وسمعان حصلا على الجسد في ظل هدنة، وذلك طبقًا لقواعد الحرب عند اليونانيين والتي تقضى بإمكانية حصول المهزومين على جثث القتلى، غير أن الجنود المكابيين لم يكونوا مجرد أعداء عاديين وإنما متمردين قتلوا جنود نكانور ومثلوا بجثته هو، وبالتالي من الصعب تطبيق تلك القواعد الحربية معهم وبالأحرى أن يسمح بكيديس بمراسم حداد مطولة في "مودين". ويستنتج العالم " أبل Abel" أن يوناتان وسمعان قد حصلا على جسد يهوذا والتصريح كذلك بالجنازة، مقابل وعد بالكفّ عن مقاومة ألكيمس رئيس الكهنة، ومن المحتمل أيضًا أن يكون هناك نصّ مفصل لتلك الهدنة في تاريخ ياسون المطول(1). وُتشير(الآية 22): إلى وجود كتب تاريخ مساعدة، على غرار تلك المذكورة في قصص ملوك إسرائيل ويهوذا، أي كتابة سيرة أسرة حاكمة، راجع (ملوك أول 11: 41.. الخ) وأما بالنسبة ليهوذا المكابى فقد كانت حياته وأعماله وانجازاته العسكرية والسياسية أكثر من أن يحويها كتاب أو يحصيها مؤرخ(2). يوناتان المكابى يتسلم القيادة 23وكان بعد وفاة يهوذا أن الأشرار ظهروا في جميع أراضى إسرائيل، وأن فعلة الإثم رفعوا رؤوسهم. 24وفى تلك الأيام حدثت مجاعة شديدة جدا، فانضمت البلاد إليهم. 25فاختار بكيديس الكفرة منهم وأقامهم رؤساء على البلاد. 26فكانوا يبحثون عن أصدقاء يهوذا ويقتفون أثرهم ويأتون بهم إلى بكيديس، فيعاقبهم ويستهزئ بهم. 27فحل بإسرائيل ضيق شديد لم يحدث مثله منذ لم يظهر فيهم نبى. 28فاجتمع كل أصدقاء يهوذا وقالوا ليوناتان: 29"منذ وفاة يهوذا أخيك، لم يقم له مثيل يخرج علي الأعداء وعلى بكيديس والمبغضين لأمتنا. 30فنحن نختارك اليوم رئيسا لنا وقائدًا مكانه تحارب حربنا". 31فقبل يوناتان القيادة في ذلك الوقت وحل محل يهوذا أخيه. كان موت يهوذا المكابى ضربة قاسمة لقضية الأمة بعد أن قضى إحدى عشر سنة حاكمًا لليهود، وبموته رفع الضغط عن اليهود المتأغرقين والموالين للسلوقيين، والذين كانوا يتوارون في الظل أكثر الوقت خوفًا من انتقام يهوذا أو تبكيته، لاسيما وأنه لم يقم سريعًا من يحل محله في تأديب الخونة، ومن ثم بدأوا في حياكة المؤامرات من جديد، وأما بكيديس القائد السلوقى يعاونه ألكميس، فقد استغلا ذلك إضافة إلى المجاعة التي حدثت في اليهودية، حتى يستقطبا الشعب المحتاج إلى القوت بحيث يشترون انضمامهم لهم بالخبز!. وقد أوقعت المجاعة الشعب اليهودي تحت سلطان ورحمة السلوقيين، أو بمعنى أدق تحت حكم ألكيمس وأتباعه الأشرار، ورضخ اليهود هناك للحكم المحلى لهم " فانضمت (فتخاذلت) البلاد اليهم" ويذكّرنا ذلك بما ورد في سفر هوشع عندما أخطأ الشعب إلى الله، إذ قيل "لا يطعمهم البيدر والمعصرة ويكذب عليهم المسطار" (هوشع 9: 2) ويرد كذلك في سفر حبقوق: " فمع أنه لا يزهر التين ولا يكون حمل في الكروم يكذب عمل الزيتونة والحقول لا تصنع طعامًا. ينقطع الغنم من الحظيرة ولا بقر في المزاود" (حبقوق 3: 17). وقد قرر بكيديس تعيين رؤساء محليين للشعب من بين أولئك الموالين له، كمكافأة لهم أولًا، ثم ليضمن خضوع الشعب له من خلالهم، وكذلك لكي يسلموا له جيوب المقاومة الصغيرة التي تبقت من جيش يهوذا المكابى، خشية أن يعيدوا تنظيم صفوفهم من جديد ويخوضوا حربًا ضد السلوقيين، وقد سمى اتباع بكيديس من اليهود ب مبغضين الأمة (مبغضين أمتنا / آية 29)(1). ولقد وقع كثيرين بالفعل بين أيدي بكيديس والذي شفى غليله منهم، سواء بالسخرية أو التعذيب أو السجن والقتل، وقد أسهم في ذلك عدم وجود قائد بعد يهوذا يجمع كلمة الشعب ويسوسهم ويقضى حاجاتهم ويتكلم نيابة عنهم، مما ألحق الضيق والمرارة بالشعب والذي لم يكن يسترح إلا قليلًا حتّى يبدأ في حلقة حديدة من المعاناة. ويرى اليهود أن مثل هذا الضيق لم يحدث لهم إلا بعد اختفاء النبي من بينهم (آية 27) ولعلّهم يقصدون بذلك وجود قائد روحي ُملهِم، فقد كان النبي بمفهومه الكامل قد اختفى منذ قرون، من هنا كان من الضروري تعيين بديل ليهوذا، فقام أصدقاءه باختيار يوناتان المكابى شقيقه، إذ لم يكن هناك انتقال تلقائى للسلطة. رئيسًا وقائدًا: بينما ُيوصف يهوذا بأنه " قائد" فقط، فإن يوناتان هنا يكتسب وبطريقة شرعية لقبين للسلطة السياسية للحشمونيين، وفيما بعد استخدمت النصوص اليونانية كلمة "ستراتيجوسstrategos " والتي تعني قائد، لوصف الرؤساء الحشمونيين المعتمدون من الملك السلوقى، ونقرأ في (10: 65) أن "الاسكندر بالاس" منح يوناتان لقب " قائد وحاكم"، ونجد صدى لهذا اللقب المزدوج في (خروج 2: 14) حين تساءل الرجل المصري مستنكرًا تدخل موسى: "من جعلك رئيسًا وقاضيًا علينا؟". هذا ويأتي اختيار يوناتان صدى لما كان يحدث في عصر القضاه (قضاه 10: 18 و 11: 8 - 11) .هذا وتأتي في اليونانية (thn hghsin) وبالسريانية (مدبرانا) والتي تعني "قائد". وبينما تميّز يهوذا المكابى بأنه كان تقيًا غير أنانى، لا اتمام له سوى خلاص شعبه ورفعتهم، تميّز يوناتان بدبلوماسيته واقدامه في ذلك، ولا شك أنه استفاد كثيرًا من يهوذا، مما جعله قائدا ماهرا، وهكذا كان لكل القادة المكابيين مواهبه التي استثمرها الله لخير شعبهم. خيانة بنو يمرى والانتقام منهم 32فعلم بكيديس بالأمر فحاول أن يقتل يوناتان. 33وبلغ ذلك يوناتان وسمعان أخاه وجميع من معه، فهربوا إلى برية تقوع وعسكروا عند ماء جب أسفار. 34(فعلم بكيديس يوم السبت فزحف هو أيضًا بكل جيشه إلى عبر الأردن). 35وأرسل يوناتان أخاه قائد الجنود يسال النبطيون أصدقاءه أن يسمحوا بإيداعهم أمتعته الوافرة. 36لكن بنى يمرى الذين من ميدابا خرجوا وقبضوا على يوحنا وجميع ما معه وذهبوا بكل ذلك. 37وبعد هذه الأمور، أخبر يوناتان وسمعان أخوه أن بنى يمرى يقيمون عرسًا عظيمًا ويزفون العروس من نبطة باحتفال عظيم، وهي ابنة بعض عظماء كنعان. 38فذكروا دم يوحنا أخيهم وصعدوا واختبأوا في منعطف الجبل. 39ثم رفعوا أبصارهم ونظروا، فإذا بجلبة وجهاز كثير، والعريس وأصدقاؤه وإخوته خارجون للقاء الموكب بالدفوف وآلات الطرب وأسلحة كثيرة. 40فخرج رجال يوناتان من مكمنهم وانقضوا عليهم وقتلوهم، فسقط قتلى كثيرون وهرب الباقون إلى الجبل، فأخذوا كل اسلابهم. 41وتحول العرس إلى مناحة وصوت آلات طربهم إلى نحيب. 42ولما انتقموا لدم أخيهم، رجعوا إلى غيضة الأردن. تولّى يوناتان قيادة البلاد في ظروف مشابهة لتلك التي تولي فيها يهوذا المكابى شقيقه، مع أن الهيكل كان قد تطهر وأعيد تجديده، إلا أن الجيش اليهودي كان مضطرا إلى الالتجاء إلى الجبال والمغائر، لقد سمع بكيديس بأن يوناتان قد تولى قيادة اليهود، مما يعنى عودة الجيش النظامى والذي أذاق السلوقيين الكثير من الهزائم وكبّدهم العديد من الخسائر وقتل أفضل قادتهم، ومن ثم فقد أراد بقتل يوناتان القضاء على المقاومة الجديدة في مهدها، وقد هرب يوناتان إثر معرفته بذلك، ومعه سمعان شقيقه والنواة الصغيرة الأولى للجيش الجديد. كما أن بكيديس اعتبر تزعم يوناتان للمقاومة اخلال بالاتفاقية المبرمة معه والتي بموجبها تسلموا جسد يهوذا وصنعوا له الاحتفال الجنائزى (كما مر بنا). تقوع Tekoa: اسم عبري معناه: " نصب الخيام" وهي مدينة في يهوذا في عبر الأردن، على مسافة 11 كم جنوب شرق بيت لحم، وشمال الجليل وتشرف على منطقة قاحلة تمتد مسافة 51 ميلًا (أخبار الأيام ثان 20: 20) في اتجاه "عين جدي" كما تبعد مسافة 16 كم جنوب أورشليم، وربما تكون هذه المنطقة هي التى اختبأ فيها المكابيون داخل مغائر أو كهوف - مثلما هرب أنصار داود النبي (صموئيل أول 23: 26) وتنحدر أودية تلك البقعة نحو البحر الميت. إلى هذه البرية جاء يوحنا المعمدان يكرز بملكوت السموات (متى 3: 7) وإليها أيضًا جاء الرب يسوع المسيح يجرب من الشيطان (مرقس 1: 13) . ماء جب أسفار Asphar: وهي بقعة أو بركة مليئة بالماء في برية تقوع (السابق الإشارة إليها) يلجأ إليها المارة والمسافرون، وربما يكون موقعها الآن "خرائب الزعفرانة" أو "خربة بيت الزعفران" أو "الشيخ أحمد أبو صفار"، حيث يوجد عين ماء أو حوض ماء قديم إلى الجنوب من تقوع وشرق "هلهول" ويرجّح البعض أن موقعها الآن هو "بير سهلوب" على مسافة ستة أميال جنوب غرب عين جدي، وتعرف الجبال المحيطة بها باسم "سفرا" ولعلها منسوبة إلى الاسم الأصلي " أسفار"(1). وعرف بكيديس بالأمر، ولعله اختار يوم السبت، بالعودة إلى الخبرة القديمة في أيام متتيا الكاهن، حين ُاخذ اليهود على حين غرة، وربما لم يعرف أن اليهود قد قرروا قبلًا وبعد تلك النكبة (22: 41) جواز المحاربة في يوم السبت إذا كان ذلك دفاعًا عن النفس. بنو يمرى:Jambry, sons of: قبيلة عربية سكنت في ميدابا وكان أفرادها أشرارا قطاع طرق، وهم غير النبطيين والذين كانت لهم صدامات مع اليهود (5: 26)، وربما كان ل "يمرى" أصل سامى هو "mry” ومن خلال التحوير والنطق يمكن أن يقال " أمرايوى Amaraioi" كما وردت في تاريخ يوسيفوس، والاسم الشخصي هو "y' mrw” وهو أمر شبه أكيد، إذ وجد في نقش للنباطيين في "أم الرصاص" علي مسافة 16 ميلا جنوب شرق ميدبا. هذا وهناك عدة قبائل الآن تسمى "عمرى Amari". وفي اليونانية(uioi Iambrein) لها ما يناظرها في العبرية: " زمري" وهي قبيلة عربية بالقرب من ميدبا، وهي البلدة المنسوب إليها عمري المذكور، وهو رئيس جيش الأنباط، كما دل على ذلك نقش آرامي في أم الرصاص، وهي تبعد حوالي ميلين جنوب غرب ميدبا. وأما ميدابا، أو ميدبا Medba: فهي كلمة عبرية معناها "ماء الراحة" وتبعد مسافة كيلومترين جنوب عمان، ومسافة 26 كم جنوب شرق البحر الميت عند مدخل الأردن، كما تبعد عشرة كيلو مترات جنوب شرق "حسبان" وشرق بحر لوط بمسافة 25 كم. دارت حولها معارك دامية بين السلوقيين والمكابيين كما سنقرأ بعد قليل. وقد حاصرها هركانوس حيث سقطت بعد ستة أشهر، وقد أهداها هركانوس الثاني مع عدة مدن أخرى إلى النباطيين، علامة صداقة وتحالف، وفي عصر الرومان ازدهرت وقد صارت أسقفية فيما بعد، وأعيد تسكين المدينة في القرن التاسع عشر، وأقدم خريطة ُعثر عليها لمنطقة فلسطين: كانت خريطة "ميدابا" والتي أسهمت كثيرًا في اكتشاف طبوغرافية المنطقة، كما اتحفتنا الحفريات الحديثة في المنطقة بالكثير من الكنوز التي كانت في باطنها. خشى يوناتان وأخويه يوحنا وسمعان على نسائهم وأولادهم وأسلحتهم ومقتنياتهم، حيث خرجوا هاربين من وجه السلوقيين، وقد رغب يوناتان في أن يستودع كل ذلك لدى النبطيين وهم أصدقاء لليهود (1 مكا 5: 25) حتى تمر الأزمة(1)، ولكن بنو يمرى كمنوا للموكب في الطريق، وهجموا عليهم وسلبوهم جميع مالهم بما فيهم يوحنا المكابى، نفسه حيث قتلوه فيما بعد.. وما أن سمع يوناتان بما حدث حتى قرر الانتقام منهم. ورغم ثقة يوناتان في صداقة النبطيين، إلا أن استمرار تلك الصداقة كان مهددًا بسبب وضع المكابيين الحرج في تلك الأيام، ومن ثم فإن البعض يعتقد أن تلك الممتلكات التي أودعها لديهم، قد تكون بمثابة ثمن لبقائهم على عهدهم معه(2)، ولذلك فإنه مع ضياعها باستيلاء بنو يمرى عليها تبدد ذلك الأمل، بل من المحتمل أيضًا أن يكون النبطيين لم يوافقوه على الانتقام من بنى يمرى. ولكن وبشكل عام فقد كان ليوناتان - مثل داود- بعض الأنصار في برية اليهودية، راجع (صموئيل الأول 22: 26) وهكذا كان يوناتان يرى سلامته في تلك البرية أكثر من منطقة "عبر الأردن". أعراس القبائل كانت الأعراس (الأفراح) في ذلك الوقت لها طابع خاص، مازال متبقيًا بعض من مظاهرها بين سكان القرى في أيامنا الحاضرة، لا سيّما في صعيد مصر، عندما يتبارز بعض الشبان بالسيوف أو العصى (النبابيت). وكان بنو يمرى يقيمون احتفال عرس لأحد قوادهم، يقول عنه يوسيفوس أنه "أحد نبلاء العرب" ويرى بعض العلماء أنه "أحد نبلاء معون"، وأمّا العروس فهي ابنة أحد عظماء كنعان، مما زاد من مظاهر الاحتفال والاسراف في التعبير عن مكانة وسطوة أصحاب العرس من الجهتين. وأما نبطة Nabatha والتي تنتمي إليها العروس فهي في الغالب وبحسب ما يورد يوسيفوس: حصن من حصون نبوNebo (سفر العدد 32: 3) على جانب سهل موآب والذي يسمى هنا كنعان، حيث يشمل اسم كنعان هنا جميع السكان الوثنيين، وتسمى بلد العروس أيضًا "ندبة"، ويرى البعض أن "ندبة" أو "نباطا" هذه: هي الاسم الارامى لمدينة Nebo نبو قرب ميدبا، راجع (إشعياء 16: 2 الخ)، وكانت زفة العروس تشمل جهاز بيت الزوجية والهدايا المقدمة للعروسين، وذلك ضمن موكب ضخم جدًا وطابور طويل في شبه عرض لغنى ومجد العائلتين، تصاحبه الموسيقى والرقص والغناء. وقد انتقم يوناتان وسمعان لدم أخيهم يوحنا بقتل الكثيرين والاستيلاء على جميع ما كان بحوزتهم، وبعد أن تحوّل العرس إلى مناحة عادا إلى غيضة الأردن (المناطق المنخفضة عبر الأردن / راجع عاموس 8: 10). وتأتى هذه الانتصارات متشابهة مع ما قام به بنو رأوبين والجاديون ونصف سبط منسى الذين قد كسبوا الحرب ضد "الهاجريين ويطور ونافيش ونوداب" وقتلوا كثيرين ونهبوا الكثير من الماشية كغنيمة، وكانت يطور ونافيش قبيلتان من قبائل العرب بالتأكيد (راجع: تكوين 25: 12- 15 و أخبار الأيام الأول 5: 18 - 22). وكما سحق الإسرائيليون الأوائل العرب المهاجرين وحلفائهم من "ندبة" هكذا سحق يوناتان عرب بنو يمرى وحلفائهم من "ندبة". الذين يموتون في الحروب: وقد يتساءل البعض عن ذنب أولئك الذين ُقتلوا في تلك الهجمة، ولكنها الحرب! وهي في كل مرة لها ضحاياها من الأبرياء. وكان على قادة تلك القبيلة أن يفكروا في عواقب ما أقدموا عليه بقتلهم يوحنا والاستيلاء على أمتعة المكابيين. وعلى قائد الحرب بشكل عام التحسّب لذلك جيدا فإنه يتحمّل مسئولية كل قطرة دم ُتراق وكل جنيه ُينفق، وهو يتحمّل كذلك عبء كل زوجة ترمّلت وكل طفل تيتّم وكل أم تثكّلت، فإن الذي يضغط على الزناد في الحقيقة هو القائد الأعلى وليس الجندي البسيط الذي يتلقّى الأوامر وينفذ مشيئة سيده.! ولن ُيعفي القائد من المسئوليات تلك، إلاّ متى كان في حالة دفاع عن نفسه وعن شعبه وبلاده، أمّا أن كان مهاجمًا له أطماع توسّعية أو يسعى لتحقيق الشهرة أو المجد حتى ولو كان ذلك على أنهار من الدما والجثث يحاسب وُيعاقب على ذلك. وهكذا فإن شخص واحد قد يسيْ إلى شعب بالكامل، كما حدث مع يربعام بن نباط في القديم (ملوك الأول 14: 16)، والنازي في القرن الماضي وغيرهم. مثلما ُيحسن إنسان آخر إلى شعبه كما فعل سليمان الحكيم في القديم (ملوك الأول 3: 12،13) والمهاتما غاندي في القرن الماضي وغيرهم). أمّا عن أولئك الذين يموتون نتيجة لذلك، فإن مصيرهم الأبدي متوقّف بالدرجة الأولى على علاقتهم الخاصة بالله، وعلى الجندي قبل الدخول في المعركة أن يكون مستعدّا للموت، وأمّا موته عن اشتراكه في المعارك وموته في سبيل طاعته والتزامه فهو واجب وطني وحسب. وأن كانت بعض الشعوب ُتفيد معتقداتها بأن الموت في الحروب هو استشهاد يستحق المكافأة الأبدية، فهو خداع بلا شكّ وتضليل، والأرجح أنها كانت حروبا باسم الدين.! ولكنه وبشكل عام فإن الإنسان قد يواجهه الموت بأية طريقة سواء في ساحة المعركة وسط قعقعة السيوف أو أزيز الطائرات وهزيم المدافع، أو أثناء نومه في فراشه.!! وعليه أن يكون مستعدًا على الدوام لملاقاة الموت. اشتباك عابر مع بكيديس 43فسمع بكيديس فجاء إلى ضفاف الأردن يوم السبت في جيش عظيم. 44فقال يوناتان لمن معه: " لننهض الآن ونقاتل عن نفوسنا، فليس الأمر اليوم كما كان أمس فما قبل. 45ها إن الحرب أمامنا وخلفنا، وماء الأردن والغياض والغاب من هنا ومن هناك، فليس لنا من مناص. 46فاصرخوا الآن إلى السماء لُتنقذوا من أيدي أعدائكم". 47ثم التحم القتال، ومد يوناتان يده ليضرب بكيديس، فارتد عنه إلى الوراء. 48فرمى يوناتان ومن معه بأنفسهم في الأردن وسبحوا إلى الشاطئ الآخر، فلم يعبر الخصوم الأردن إليهم. 49وسقط من رجال بكيديس في ذلك اليوم ألف رجل. يبدو أن بكيديس لم يرد أن تمرّ الغارة التي قام بها يوناتان ضد هذه القبائل بسهولة، ومن ثم فقد انتهز الفرصة لكي يوقع بقوات اليهود المتمردة بعيدًا عن موطنها وفي يوم السبت. (الآية 43): ظن بعض العلماء أن هذه الآية هي تكرار للآية (34) وأن مكانها الأصلي هو هنا، بحجة أنه لا معنى لها أو علاقة بما قبلها هناك، ولكن التسلسل منطقى وطبيعي، غير أن قصة بنو يمرى هي التي جاءت بشكل عرضى في السياق، ولذا فقد لزم تكرار هذه الآية(1). تمكّن بكيديس من حصار يوناتان ورجاله، بين جيشه هو من جهة والأراضى القاحلة من جهة أخرى، وذلك شرق نهر الأردن وقرب مصبّه حيث يقصد ب "عبر الأردن" (في الآية 34) وكذلك ضفاف الأردن (فى آية 43): الضفة الشرقية. وفوجئ يوناتان بذلك ولم تكن ثمّة فرصة ليهرب فقد كانت المياه الضحلة والمستنقعات ونبات الغاب تحاصرهم وتمنعهم من الهرب سريعًا، وكانت الصلاة المقدمة هي لأجل النجاة فقط وليس الانتصار، وهتف يوناتان في رجاله بأن الأمر مختلف في هذه المرة وليس كأمس ولا ما قبله، (تلك الأيام التي كان لليهود فيها جيشًا نظاميًا قويًا يخطّط ويهجم وينتصر..) ومع ذلك فلا مناص من المواجهة والمقاومة إذ يعنى الهرب في هذه الحالة فناءهم عن بكرة أبيهم. وتشبه ظروف الحرب هذه تلك الظروف التي واجهت كل من يشوع (3: 4 و 5: 1 و 6: 1) ويوآب قائد جيوش داود (أخبار الأيام الأول 19: 10- 15). وهكذا قام يوناتان بأعمال بطولية مماثلة لما قام به يشوع وداود، ومن الملفت أن تكون "أريحا" هي أول مدينة ُذكرت في (آية 50) وكذلك جميع الأماكن االمذكورة في الآية ذاتها كانت ذات أهمية في سفر يشوع (عدا عماوس) وهكذا ظهر يوناتان وهو يشق طريقه غربًا عبر الأردن. في ذلك الاشتباك واتت يوناتان الفرصة لكي يوقع ببكيديس شخصيًا ولكن الأخير أفلت منه، وربما كانت هذه المفاجأة في القتال هي التي قلبت موازين المعركة، حيث تراجع الجيش السلوقى إلى الوراء مرتدًا لمسافة، سمحت لليهود بالهروب، حيث ألقوا بأنفسهم في الماء بالأردن لينجوا من موت محقق. ويحدد يوسيفوس مكان التحام الجيشان عند الضفة الغربية لنهر الأردن، حيث كان يوناتان قد عسكر تمهيدا للذهاب إلى المنطقة الغربية من البحر الميت، ولكن بكيديس أرغم اليهود على العودة إلى الضفة الشرقية للنهر من جديد. 50وعاد بكيديس إلى أورشليم وبنى مدنا حصينة في اليهودية، وهي الحصن الذي في أريحا، وعماوس وبيت حورون وبيت إيل وتمنة وفرعتون وتفون، بأسوار عالية وأبواب ومزاليج، 51وجعل فيها حرسا يضايقون إسرائيل. 52وحصن مدينة صور وجازر والقلعة، وجعل فيها جيوشا وميرة. 53وأخذ أبناء رؤساء البلاد رهائن، وجعلهم في القلعة بأورشليم في الحبس. عند ذلك قرر بكيديس تأمين المنطقة كلها بسلسلة من الحصون والقلاع، ليجعل منها ما يشبه المستوطنات اليهودية في فلسطين الآن (انظر خريطة رقم 13)، حيث أسكن فيها حاميات سلوقية ويهودًا موالين للسلوقيين، وزودوها بالأسلحة والمؤن (الميرة Provisions) وأما تلك الحصون فهى: أريحاJericho:وهي كلمة عبرية معناها "مكان الروائح العطرة" وتبعد مسافة أحدعشر كيلومترا شمال البحر الميت، ومسافة تسعة كيلومترات من نهر الأردن غربًا، ويرجع تاريخ أريحا إلى القرن التاسع قبل الميلاد. وقد عادت للسيطرة اليهودية منذ سنة 167 وحتى 63 ق.م. وفي أريحا أسر بطليموس بن أبوبس سمعان المكابى وقتله (1مكا16: 11- 17) ويسمى موضعها الآن: (تلول أم العليق). هذا ويقول المؤرخ سترابون: " كان هناك حصنان قرب أريحا واسمهما Taurus, Threx وُهدم الاثنان على يد بومبي القائد الروماني" (1)، ومما لا شك فيه أن أحدهما بناه بكديس. عماوس: وقد سبق الاشارة إليها في (4: 1- 27) حيث ُهزم السلوقيون. بيت حورون: سبق الاشارة إليها كذلك في (3: 16- 24) حيث ُهزم سارون وكذلك ُهزم نكانور وُقتل سنة 160 ق.م. (راجع 7: 39). بيت ايل Bethel: وهي كلمة عبرية معناها "بيت الله" وتقع غرب "عاي" على مسافة 19 كم شمال أورشليم، وتدعى الآن " بيت بيتين" أو "بيت إين". تمنةTemnath: اسم عبري معناه "القسم المعين" وباليونانية qamnaqa، توجد عدة أماكن باسم تمنة، والمدينة المقصودة هنا تقع في سبط يهوذا، إلى الجنوب من حبرون، وتدعى الآن "تبنة" على مسافة 7 كم شرق "بيت نتيف" الحالية. ولكن البعض يرى أنها تمنة التي تقع في سبط دان (تل تبنة للآن) وهي تبعد 20 كيلومتر شمال غرب بيت إيل. فرعتونPharathon: اسم عبري معناه "ارتفاع" وباليونانية faraqwn، وبالآرامية " فرت" وهي قرية كانت في سبط أفرايم وتقع على مسافة 13 كم إلى الجنوب الغربي من شكيم، ويسميها يوسيفوس " فرنتون"(2) وتوجد مدينة مشابهة لها في الاسم في جبل أفرايم تسمى "برتون" راجع (قضاة 12: 15 و أخبار الأيام الأول 27: 24).،، ربما هي فرعاثا الآن على مسافة عشرة كيلومترات جنوب غرب شكيم. تفونTephon: وهي مشتقّة من الكلمة العبرية " تفوح" ومعناها " تفاح" وذلك لشهرتها بالتفاح (يشوع 17: 7) وتبعد عن نابلس 14 كم، ومسافة 12 كم إلى الجنوب من "شكيم" وتوجد في موضعها الآن قرية " شق أبو زراد". بيت صور: وقد سبق الاشارة إليها في (4: 61 و 5: 15 و 6: 7،26). جازر: سبق الاشارة إليها أيضًا في (4: 1- 15). القلعة: وهي القلعة السلوقية الشهيرة في أورشليم " قلعة عكرة "، والتي سببت ضيقًا شديدًا لليهود على مدى سنين طويلة (1: 42- 40) حتى حاصرها سمعان المكابى مدة سنتين فاضطرّ من فيها إلى الاستسلام حيث طهرها لينهى بذلك الاحتلال السلوقى لأورشليم فعليًا. فقد كانت تلك القلعة رمزًا للاحتلال السلوقى في اليهودية. وأما الجنود الذين وضعهم السلوقيون فيها، فقد كانوا في الغالب بعض اليهود الذين انضمّوا تحت نظام ألكيمس رئيس الكهنة وليسوا ضمن "الجيش النظامى" لـ ديمتريوس والذي لم يكن حكمه مستقرًا في ذلك الوقت (اُنظر خريطة رقم 13). وقد قام بكيديس بتحصين كل تلك المدن تحسبًا لتمرد اليهود من جديد، ونصب فوقها القلاع وأبراج المراقبة لرشق السهام، ثم قوى أبوابها ومزاليجها (أقفالها) ولم يكتف بذلك، وانما قام بالقبض على أبناء رؤساء اليهود ووجهاءهم ليجعل منهم رهائن عنده في قلعة أورشليم، يهدد اليهود بقتلهم متى تمردوا. وقد أثبتت الحفريات التي تمت في تلك الأماكن مثل جازر وبيت صور وأريحا وبيت إيل: الاحتلال السلوقى للمنطقة. خيانة ألكيمس وموته 54وفى السنة الثالثة والخمسين، في الشهر الثاني، أمر ألكيمس أن يهدم حائط الفناء الداخلي للمقدس، فهدم أعمال الأنبياء وشرع في التدمير. 55فى ذلك الزمان أصيب ألكيمس بنوبة فكف عن صنيعه، وانعقد لسانه وفلج ولم يعد يستطيع أن ينطق بكلمة ولا أن يوحى بأمور بيته. 56ومات ألكيمس في ذلك الزمان في عذاب شديد. 57فلما رأى بكيديس أن ألكيمس قد مات، رجع إلى الملك، وهدأت أرض يهوذا سنتين. سلك ألكيمس على هذا النحو مجاملة لبكيديس والسلوقيين ولتأكيد المدّ الهيلليني في أورشليم، بحيث يزيل المانع الذي يفصل بين المصلين اليهود من جهة والزائرين من الأمم، ففي هيكل هيرودس وجدت لوحة رخامية يبلغ ارتفاعها 130 سم ذات زخارف جميلة، نقش عليها بالحروف اليونانية واللاتينية تحذير للأمم بعدم التقدم وإلا واجهوا عقاب الموت، وقد تم العثور علي أحد تلك الألواح تحمل نفس الكلمات التي أوردها يوسيفوس بهذا الخصوص، وعندما ثار الجمع على القديس بولس محاولين قتله، كان الاتهام الموجه له هو محاولة اختراق هذا الحاجز (أع 21: 31 و حز 44: 9). ولكن ربما كان الفناءان اللذان يشير إليهما النص، يُستخدمان من قبل أيام منسى الملك (ملوك ثان 21: 5) وأما الأنبياء الذين يذكر السفر أن ألكيمس هدم أعمالهم، فهم أنبياء العودة من السبي مثل حجى وزكريا وملاخى والذين نادوا بالحفاظ على الهيكل والمقدسات، وربما يقصد أيضًا عزرا ونحميا وزربابل وأن لم يكونوا أنبياء بالمعنى الكامل المتعارف عليه. وهكذا تداخل العامل الديني مع العامل السياسي في الصراع المكابى السلوقى، أما تعبير "الفناء" أو "الساحة" فهو يحمل الكثير من المعاني، فقد يعنى الفناء الذي يحيط بالهيكل كله والواقع داخل سور ضخم يضم جبل الهيكل، وربما يشير إلى داخل الهيكل ذاته، وربما يشير إلى "ساحة الكهنة" أو الجزء المفتوح منها للاسرائليين من غير الكهنة (ساحة إسرائيل) أو إلى ساحة النساء، وربما المنطقة الخارجية المسورة من جبل الهيكل المسماة "الدار الكبيرة" (1 مل 7: 9) انظر الشكل (أ - د). الصور الأربعة ومن الواضح أن هذا الوصف يتفق مع وصف حزقيال والمشناه وربما مع سفر أخبار الأيام (أخبار الأيام ثان 4: 9) على أنه الساحة المحيطة بالمبنى الداخلي (مثل الساحة في الأشكال ج، د والساحة الداخلية في الشكل ب) وهكذا يشكل الجدار الشرقي للساحة الداخلية أيضا الحد الغربي للساحة المذكورة، والجدارين الشمالي والجنوبي للساحة المذكورة، يعتبران امتداد لخط الجدارين الشمالي والجنوبي للساحة الداخلية. هذا وقد ورد في مخطوطة لسكان قمران عن الهيكل، وصف لساحة خارجية شاسعة كافية لتغطية جبل الهيكل كاملًا، ولكن يوسيفوس يتفق مع السفر في أن الساحة الخارجية هي "ساحة النساء" وأما الحاجز الذي اراد ألكيمس هدمه لم يكن واقفًا خارج تلك الساحة مثل "المشربية" التى كانت تفصل الأمم عن المباني المحيطة لساحة النساء(1). فإذا اتفقنا أن الجدار المقصود هنا هو الداخلي فمن المؤكد أن هدمه لم يكن بغرض ادخال الأغرقة إلى القدس، وانما يبدو أنها كانت مسألة خلاف داخلي بين الطوائف اليهودية آنذاك، بل أن الكاتب في بردية الهيكل لقمران يذكر جماعة "بناة الجدار" كجماعة يمقتها (حزقيال 13: 10). ويذكر يوسيفوس أن الاسكندر جنايوس فيما بعد قد أقام سورًا خشبيًا حول المذبح والمقدس يمتد إلى "الحاجز" لمنع دخول غير الكهنة، ولكنه من غير المعروف إن كان ذلك الحاجز على شكل مستطيل حولهما، أم على شكل خط مستقيم عبر المقدس، وهل كان هناك "حاجز" في هيكل سليمان أم انشئ في وقت لاحق؟(2). حدث ذلك في الشهر الثاني سنة 153 سلوقية (ويمتد هذا الشهر من 2 مايو إلى 30 مايو من سنة 159 ق.م.). وقد ثار اليهود بسبب رغبة ألكيمس في امتداد "الأغرقة" إلى الهيكل نفسه، وهو محور حياتهم الدينية، ولكن العمل لم يتم إذ أصيب هو بالشلل والذي أقعده عن كل شيء حتى الكلام وحتى تسيير أموره الشخصية والعائلية، ولم يعش طويلًا إذ مات سريعًا، مما أكد ظن اليهود بأن ذلك كان عقابًا له من الله بسبب جسارته على بيت الله، وقصاصًا عادلًا مقابل جميع الشرور التي اقترفها في حق قومه بتعاونه مع الأعداء. وعليه فإن رحيل بكيديس عن اليهودية جاء بسبب شعوره بأنه قد احتل البلاد بالفعل، من خلال الحصون التي أقامها وهي كافية بضمان خضوع اليهودية للمملكة السلوقية. كما أن موت ألكيمس وهو رئيس الكهنة على هذا النحو، قد أعفاه من الاستمرار في سياسة دينية - هي التضييق - لم يكن يرغب هو فيها. وأيا كانت الأسباب فإن اليهودية قد هدأت وعاشت في سلام لمدة سنتين، غير أن اليهود رأوا أن رحيل بكيديس كان نتيجة تشككه وتأثره بموت ألكيمس، والذي مهد موته لانتقال رئاسة الكهنوت إلى عائلة المكابيين. وقد سلك يوناتان كقاضى بين الشعب لا كرئيس مقاتل، كما ترك السلوقيون منصب رئيس الكهنة شاغرًا لفترة، وكان الكيمس قد عمل كرئيس للكهنة لمدة أربع سنوات بدأت من سنة 149 سلوقية عقب موت منلاوس وحتى سنة 153 سلوقية. ولا يعرف بالضبط سبب الهدوء الذى ساد لمدة سنتين، ويحتمل أن تكون هدنة ما قد ُابرمت ما بين الحشمونيين من جهة والسلوقيين واليهود الموالين لهم من جهة أخرى، حيث نقرأ في (الآية 62) أن يوناتان وسمعان ورجالهما قد اتجهوا إلى ديارهم في اليهودية. حصار بيت بيصاى. وحرب استخباراتية 58وتشاور الأثمة كلهم وقالوا: "ها إن يوناتان والذين معه في منازلهم هادئون مطمئنون، فسنأتي ببكيديس، فيقبض عليهم أجمعين في ليلة واحدة". 59فقصدوه وتشاوروا معه. 60فقام بكيديس وسار في جيش عظيم، وبعث سرا بكتب إلى جميع حلفائه في اليهودية ليقبضوا على يوناتان والذين معه، فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا، لأن نيتهم قد انكشفت. 61وقبض يوناتان والذين معه على خمسين رجلا من البلاد، وهم أرباب تلك الشرور، وقتلوهم. 62وانصرف يوناتان وسمعان ومن معهما إلى بيت بيصاى في البرية، وأعاد بناء مهدومها وحصنها. 63ولما علم بكيديس، حشد جميع قومه واستنجد حلفاءه الذين في اليهودية. 64وجاء فعسكر عند بيت بيصاى وحاربها أيامًا كثيرة ونصب المجانيق. 65وإن يوناتان ترك سمعان أخاه في المدينة وخرج في عدد من الجند وانتشر في البلاد. 66وكسر أدورين وإخوته وبنى فاسرون في خيامهم، وأخذ هؤلاء يقاتلون هم أيضًا وصعدوا بجيوشهم. 67وخرج سمعان ومن معه من المدينة وأحرقوا المجانيق، 68وقاتلوا بكيديس. فانسحق وضايقوه مضايقة شديدة لأن خطته وحملته قد فشلتا. 69فغضب غضبًا شديدًا على الرجال الأثمة الذين أشاروا عليه بالخروج إلى البلاد، وقتل كثيرين منهم، وعزم على الانصراف إلى أرضه. 70وعلم يوناتان، فأنفذ إليه رسلا في عقد المصالحة ورد الأسرى. 71فقبل وفعل بحسب كلامه، وحلف له أنه لن يسعى إلى إساءته طول أيام حياته. 72ورد إليه الأسرى الذين أسرهم من قبل في أرض يهوذا، ثم عاد إلى أرضه ولم يعد إلى بلادهم. 73وهدأ السيف في إسرائيل، وسكن يوناتان في مكماش وأخذ يحاكم الشعب، واستأصل الكافرين من إسرائيل. بالرغم من التحصينات التي قام بها بكيديس والتي كانت بالنسبة له بمثابة ضمان لرضوخ اليهودية، ورغم الهدوء الذي ساد المنطقة لمدة سنتين، إلا أن اليهود الموالين للسلوقيين خشوا على أنفسهم في حالة ما استعاد المكابيون عافيتهم وكوّنوا جيشًا، وكان لأولئك اليهود الموالين لبكيديس قوات تحت تصرفهم، ومع ذلك فلم يقوموا بعمل عدائى بمفردهم دون اللجوء إلى بكيديس ربما لوجود وعد بعدم التعرض للمكابيين. وربما أيضًا لاقى بعض من هؤلاء اضطهاد ما من اليهود الاتقياء، مما ألجأهم إلى استعداء بكيديس على قادة المكابيين من جديد زاعمين أنهم بذلك يستأصلون رأس الأفعى. ولم يكن بكيديس ينوى القيام بتلك الاعتقالات بنفسه فأمر حلفائه من اليهود بالقيام بذلك، بينما قام هو على رأس قوة سلوقية كبيرة لاعانتهم. ويذكرنا "تشاور الأثمة " كلهم هنا بتنهدات داود النبى: " أحبائي وأصحابى يقفون تجاه ضربتى وأقاربى وقفوا بعيدًا" (مزمور 38: 11). ومن ثم قاموا ببعض النشاطات الاستخبارية! لتمكين الأعداء من مداهمة القادة العسكريين والسياسيين لليهود، مؤثرين في ذلك مصلحتهم الشخصية على مصالح البلاد، هذا وقد مال بكيديس إلى رأيهم حيث استطاعوا إقناعه بالقيام "بعملية أمنية" كبيرة. وبينما يعتقد بعض الخبراء العسكريين أن الجاسوسية هي "الطابور الخامس" في الحروب، فإن البعض الآخر يؤكد أنها "الطابور الأول" الذي يمهد للعمليات العسكرية من أجل تحقيق أكبر المكاسب بأسهل الطرق وأقل الخسائر. غير أن الأمور قد سارت بعكس ما أراد بكيديس وعملاءه، حيث لم يعدم المكابيون من يقدم لهم العون في هذا الإطار، فدارت عليهم الدائرة وقام يوناتان بعملية "مداهمة" تم القبض فيها على خمسين من الرؤوس المدبرة للخيانة ثم قتلهم(1). بيت بيصاى Bethbasi،وفي اليونانيةBeqbasi أوbaiqbasi وترجمت في السبعينية إلى basei: وهي اسم عبري معناه "مكان المستنقعات" ووردت في بعض النصوص اليونانية على أنها "بيت حجلة" وهي القرية التي سكنها بنو بيصاى عقب عودتهم من السبى، حيث من المحتمل أن يكونوا قد أطلقوا اسمهم عليها (عزرا 2: 17) وتقع بين بيت لحم وتقوع على مسافة ثلاثة أميال (البعض يقول كيلو مترين) جنوب شرق بيت لحم، وعلى مسافة خمسة كيلومترات شمال شرق تقوع، وتسمى الآن "بيت باصى" أو "بيت باصا". ومن المحتمل أن يكون أحد المواقع التي حصنها عزيا الملك (أخبار الأيام ثان 26: 10) وقد وصفها يوسيفوس على أنها بيت حجلة، وتأتى في المخطوطات التي أخذت عن الترجمة اللاتينية ليوسيفوس: " بيت آلاج Beth-alage" ويصفها العالم أبل Apelبأنها: "بيت أجاليم Beth- agalem". إلى هناك توجه يوناتان بجيشه المتواضع، حيث أعاد تحصينها لتكون قلعة لهم، إذ لم تكن امكانياتهم حتى ذلك الوقت تسمح بمواجهة عسكرية مع الجيش السلوقى، وقد استعان بكيديس بحلفائه من اليهود في الهجوم على المكابيين إذ أنه - وفي السياق ذاته - يحتاج الأمر إلى الدهاء مع السلاح، لما لليهود من الخبرة بطبوغرافية المكان، وبينما حاصر الحص عملًا بنصيحة حلفاءه استغل يوناتان ذلك في الخروج سرًا مع بعض عسكره ليجمع مزيدًا من الجنود للقيام بحملات تأديبية ضد القبائل التي كانت تتعاون مع بكيديس، محققا الكثير من المكاسب. العلاقات مع أدورين وفاسرون (الآيتين 65، 66) كان يهوذا المكابى قد قام باخضاع النباطيين في البداية (5: 25) أما في حالة يوناتان هنا فلم يكن من المقبول أن يضيف إلى أعدائه عدوا جديدًا بحربه مع تلك القبائل العربية، ويقول يوسيفوس أن يوناتان هرب سرًا إلى الريف وجمع قوة كبيرة من الموالين له، والكلمة التي وردت في الآية (66) بمعنى "ضرب" أو " كسر epetaxen " هي المقابل للكلمة العبرية swh والتي تعني "أمر" مثلما وردت في (استير 3: 2،12) و الكلمة العبرية mr والتي تعني " قال" أو "أمر"، مثلما وردت في دانيال 1: 18 و 2: 2) وردت أيضًا بنفس المعنى في (1مكا4: 41 و 5: 49 و 9: 54 و 10: 81 و 12: 27،43). وهكذا يمكن أن نفهم من الآيتين (65، 66) أن يوناتان قد استدعى (أو ربما ذهب إلى) زعماء القبيلتين وأقام تحالفا معهم ضد بكيديس، وحتى إذا كان قد قاتلهم (كسرهم) فلعل ذلك قد تم أولًا قبل هذا الاتفاق. أدورين: زعيم قبيلة عربية تسكن خيامًا في الصحراء، وكانت قبيلته قد استقطبها بكيديس للتعاون معه. جاءت أدورين في العبرية "عدميرا " وباليونانية Odomhraوبالآرامية "عدورا" . فاسرونPhasiron: وباليونانية fasirwnوهو جد قبيلة عربية أيضًا تشبه السابقة، وتقع خيامها بالقرب من بيت بيصاى. وهكذا نجح تحالف يوناتان مع تلك القبائل من جهة، وهجوم سمعان أخيه على المجانيق من جهة أخرى: في هزيمة السلوقيين هزيمة ثقيلة، حيث اضطر بكيديس إلى التراجع مع جيشه ورفع الحصار عن بيت بيصاى. عند ذلك انقلب على حلفائه من اليهود المتأغرقين الذين أوعزوا إليه بأن الحرب ستكون مجرد نزهة! ولذلك يمكن ملاحظة أنه قام بحملته بشيء من التردد! قارن آية (69) مع الآيتين (57،59) وعلى الرغم من أن بكيديس يعد القائد السلوقى الذى استمر طويلًا في مضايقته لليهود أكثر من مرة، إلا أنه في هذه الواقعة ينهى حربه شخصيًا مع اليهود "... حفروا قدامي حفرة سقطوا في وسطها" (مزمور 57: 6) هنا ومن موقف القوى المنتصر يعرض يوناتان المصالحة، وقد قبلها بكيديس بدوره على الفور، لأسباب عدة منها انقاذ ماء وجهه أمام الملك ديمتريوس في إنطاكية، وهكذا تختلف معاهدة الصلح هنا عن تلك التي تمت مع ليسياس (4: 35) جدير بالذكر أيضا أن يوناتان الذي لم يكن لديه جيش نظامى بل مجرد جماعات هجومية، لم يكن لديه بالتالي من الأسرى عدد ُيذكر حتى يبادلهم مع أسراه الذين استردهم. يوناتان يؤسس ولاية يهودية: إزاء هذه التطورات ورحيل الجيش السلوقى وسريان الهدوء في البلاد، استرد المكابيون أنفاسهم من جديد واستطاع يوناتان تأسيس ما يمكن أن ُيقال عنه "إمارة يهودية" جديدة، قام فيها بدور القاضي للشعب (يحاكم الشعب أي يقضى لهم) راجع في ذلك (تثنية 19: 19 و 22: 22) مثلما فعل يهوذا المكابى (3: 10 و 4: 4) وربما جعل اهتمامه الأول محاكمة الخارجين على الشريعة أو المناوئين له أي اليهود المتأغرقين الموالين للسلوقيين. وهكذا يحسب يوناتان الرجل الذي أباد الأشرار وطهر نفاية إسرائيل كخليفة ليوشيا الملك (ملوك ثان 23: 24) محققًا نبوءة إشعياء (1: 25،26) بل ويستطرد اشعياء النبى يتنبأ بتحرير أورشليم والقضاء على الأشرار وهو ما نجد صداه في (1مكا10: 7 - 14) مكماشMechmash: كلمة عبرية معناها "مختلف" وربما تعني "مخزن" راجع (إشعياء10: 28) وهي قرية كانت تتبع سبط بنيامين، وكانت قديمًا قاعدة لمملكة إسرائيلية أولية (صموئيل أول 13: 2). تقع مكماش على مسافة 15 كم شمال شرق أورشليم، بالقرب من "جبع" ومسافة سبعة ميل ونصف شرق بيت ايل، ويقع بجوارها وادٍ تحدّه بعض الصخور المدببة من الجانبين، وهو الوادى الذي عبره يوناثان بن شاول في طريقه لمحاربة الفلسطينيين. وكانت مكماش مسرحًا لانتصاره عليهم (صموئيل أول 14: 5 -31). وقد ُسميت في العهد الجديد "مخموس". 1بينما تترجم "الجليل" إلى "الجلجال" بطريق الخطأ (بحسب يوسيفوس) فإن الجلجال في النص العبري ترجمت خطأ في السبعينية ب "الجليل". قابل يشوع (22: 10 مع 12: 23). (2)الآثار اليهودية (12 فصل 11: 1). (1)دائرة المعارف الكتابية / أربيلا. (1)مخطوطات قمران / البحر الميت. التوراه - الجزء الثاني / ترجمة موسى أديب الخورى - ص 98، 99. (1)طبقا لما يورده المؤرخ بوليبيوس فقد كانت كتيبة أنطيوخس أبيفانيوس من المقدونيين في سنة 166 ق.م. تتكون من عشرين ألف رجل. (1) T. CORBIShLEY S.J. I Macc. p. 750 (1)Jonathan I Macc , p. 366. (2) راجع كتاب مدخل إلى سفري المكابيين /مصادر السفرين. (1)يجب ألا يحدث خلط ما بين الأعداء السلوقيين يمثلهم "بكيديس"، والأعداء المحليين (وهم الخونة من اليهود وهم الذين سموا مبغضى الأمة (آية 29) وفي النص السريانى جاءت "أعدائنا من شعبنا". (1)دائرة المعارف الكتابية / أسفار. (1)في نص آخر يرد في سياق طلب يوناتان من النباطيين قد برر الرغبة في ايداع المقتنيات لديهم، بأنها تعوق حركتهم راجع: Jonathan, p.381. (2)الكلمة العبرية "أمتعة" ترجمت إلى اليونانية aposkeue والتي تشير إلى ثلاث معاني عبرية هى: أطفال، ممتلكات، ممتلكات وماشية. ويحتمل أن الكاتب قد استخدم في الآيتين 35، 39 كلمة " ممتلكات وماشية". (1)مثل أن ُيقال: " قال الأب مقاريوس لأولاده وهم مجتمعون في قلاية أحد الآباء الذي أوشك أن يفارق الجسد، قال:.... " وهكذا تكررت كلمة "قال" مرتين. راجع النقاش الكبير حول هذه الآية في تفسير السفر ل: جوناثان جولدشتاين ص 380. (1)استرابو: (16 فصل 2: 40). (2)يرى يوسيفوس في (الآثار 14 فصل 1: 3) أنها " faraqw. (1) يقال أن هذه المشربيات قد حدث بها تخريب في ثلاثة عشر موضعًا بواسطة ملوك اليونان، ويرجح أن يكون في عصر أنطيوخس أبيفانيوس الرابع. (2)لمزيد من التفاصيل راجع: ليوناثان جولدشتاين/ص 391، 392. (1)يرى يوسيفوس أن أتباع بكيديس هم الذين قبضوا على خمسين رجلًا وأعدموهم، ولكنه رأى يخالف سياق النص وهو كذلك بعيد عن المنطق. |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|