رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التجلي وبعد هذا الكلام بثمانية أيام، مضى ببطرس ويوحنا ويعقوب جرت العادة في أناجيل الآحاد عن التجلي، أن يبدأ النص بـ: "مضى ببطرس"، مغفلين الجملة الأولى: "وبعد هذا الكلام بثمانية أيام"، والموضوع في ذلك يكمن في كون الأناجيل الإزائية الثلاثة متفقة على الربط الدقيق بين تجلي يسوع، وبين الحديث الذي قاله يسوع "قبل نحو ثمانية أيام" (متى 17/1، مرقس 9/2، لوقا 8/28) وهذه واحدة من الحالات النادرة حيث يقوم الربط التاريخي بين حدثين من أحداث حياة يسوع. نعم، إنّ بطرس ويعقوب ويوحنا يتذكّرون! فقبل ثمانية أيام، كان هناك حديث لا يُنسى: فبداية، كان يسوع قد سألهم: من تقولون أني هو؟ وقد ردّ بطرس قائلا: "أنت المسيح ابن الله" وبعد ذلك بدأ يسوع يخبرهم عن موته الوشيك: يجب أن أتألّم وأهمَل وأموت وأقوم هذا هو الحديث الذي كان ما زال يعتمل في صدورهم وهذا ما تشير اليه الجملة الأولى إذن فالتجلي مرتبط بالآلام والقيامة. وبعد أسابيع قليلة سيصحب يسوع معه أيضا الأصدقاء الثلاثة أنفسهم إلى بستان جتسماني (متى26/37 -مرقس 14/33)، حيث سيرون هذا الوجه الذي كان يشعّ بالمجد، سيرونه مغطى بالعرق والدم (لوقا 22/44)، وسيرونه يُلطَم (لوقا 22/64)، ثم مغطى بالبصاق (متى 25/67). ففي الحديث الذي جرى قبل ثمانية أيام، كان يسوع قد أخبرهم أنّ عليهم هم أيضا أن يحملوا "صليبهم" ليتبعوه (لوقا 9/23). وأضاف يومها يسوع: "أنّ البعض منهم لن يذوق الموت قبل أن يرى ملكوت الله" (لوقا9/27) ولكن، ألم يكن التجلي صورة من هذا الملكوت السري حيث يتجلى مجد الله في البشرية؟ فكيف لي يا رب، أن أحلم بفرح الفصح دون أن أعبر هذه الطريق؟ فهل كان هذا الصوم فرصة لي للمشاركة في آلامك؟ وههوذا أسبوع ثانٍ يبدأ حاملين فيه "الصليب نحو الفرح" إنّ الآلام والتجلي يكوّنان نفس السر! مضى ببطرس ويعقوب ويوحنا وصعد الجبل ليصلي يا للحظ الرائع لهؤلاء الثلاثة! إنهم مدعوون للصلاة مع يسوع وعندما سنراه يصلي، سنرى أيضا ماذا كانوا يفعلون خلال هذا الوقت! لقد كانوا غير مستحقين لهذا، أي للصلاة مع! لماذا؟ لأنهم كانوا نائمين فيما كان هو يصلي إنّ يسوع هو حقا "رجل صلاة". ففي اللحظات الحاسمة من وجوده، كان يسوع يصلي (لوقا 3/21، 5/19، 6/12، 9/18، 10/21، 11/1، 22/32، 22/41-42، 23/34، 23/46) فعبر إنجيله، يشير لوقا إلى ميل يسوع إلى الوحدة والعزلة ليكون وجها لوجه وقلبا لقلب مع الله. هناك سر في حياة يسوع ؛ وهو أنه يحيا حياة حميمة بشكل استثنائي مع كائن يدعوه "أباه" فيسوع هو "الإنسان المتجه إلى الله"، وهذا هو المفتاح لفهم هويته الحقيقية وقد كانت كلمة "أب" هي أولى كلماته كطفل في الثانية عشرة في الهيكل (لوقا 2/49)، وستكون هي آخر كلماته كرجل بالغ لحظة موته على الصليب (لوقا 43/46). وأنا، ما هو الوقت الذي كرسته للصلاة في هذا الصوم؟ وبينما هو يصلي، تبدّل منظر وجهه، وصارت ثيابه بيضاء تتلألأ كالبرق إنّ لوقا يتجنّب استعمال كلمة "تجلى" التي استخدمها كل من متى (17/2) ومرقس (9/2). ونحن أيضا علينا بدورنا، إذا أردنا أن نتحدث عن الإنجيل لمعاصرينا، علينا أن نحاول مطابقته على الزمان والمكان، وبالتالي أن نتجنّب استخدام بعض الكلمات فلوقا، اضطرّ إلى تجنّب استعمال كلمة "تجلى"، نظرا لكون سامعيه من الوثنيين القدماء ذوي الثقافة اليوناني ؛ فهؤلاء لن يفهموا من كلمة التجلي إلاّ ضربا من التناسخ والتحول عند الآلهة الميتولوجية ولذا فقد أراد استخدام كلمة أكثر تواضعا وبساطة ظاهريا، بقوله أنّ وجه يسوع قد "تبدّل"، صار وجها آخر أثناء الصلاة وبالفعل، فإذا أمعنا النظر بوجوه بعض الناس من المصلين بتقوى وبعمق وتركيز، فسنرى وجوههم وكأنها مسحورة بنوع من الوهج الداخلي: صحيح أنه نفس الشخص ولكنّ شيئا ما غير عادي يشفّ منه! إنّ ما ترمز اليه (الثياب) في الثقافة الكتابية، يكمّل هذه الفكرة ؛ فالثياب (البيضاء اللماعة) هي علامة الكائنات السماوية (دانيال 7/9، 10/5-6) وسيطبّق المسيحيون الأوَل هذا الكلام على يسوع القائم (رؤيا 1/13، لوقا 17/23، 24/4) وما ثوب المعمودية الأبيض، وثوب العروس الأبيض، وثوب الكاهن الأبيض في القداس، إلاّ إشارة إلى الفصح وإلى التلاميذ المشتركين مع معلمهم (رؤيا 3/18، 4/4، 6/11، 7/9، 7/13). إنّ في الإشارة إلى "وجه يسوع المتبدّل" بالصلاة تشجيعا لنا على الصلاة التي يمكن أن تبدّلنا في مواجهة الشدائد والمحن والآلآم والخطايا "فنحن جميعا نعكس صورة مجد المسيح الرب بوجوه مكشوفة كأنها مرآة" (2كورنتوس 3/18). فهل كانت وجوهنا متجلية في هذا الصوم؟ وإذا رجلان يكلمانه، وهما موسى وإيليا، قد تراءيا في المجد، وأخذا يتكلمان عن رحيله الذي سيتم في أورشليم إنّ لوقا هو الوحيد الذي يروي لنا موضوع الحديث الذي دار بين يسوع وبين أكبر شاهدَين من العهد القديم: إنهما يتحدثان عن رحيله عن خروجه (سفر الخروج) وقد يصعب علينا أن ندرك إلى أي مدى عاش يسوع حياته وفكرة الموت تلازمه، هذا الموت الذي يدعوه يوحنا "عبورا" وفصحا (يوحنا 13/1)، ويدعوه لوقا "رفعا" وقيامة (لوقا 9/51-24/51) إنّ يسوع هو رجل التضحية بالذات: فهو عارف لماذا أتى وإلى أين يذهب إنه ذاهب إلى الآب، إنه يدخل إلى المجد مارا عبر الموت ويجرّ الانسانية كلها خلفه إنّ السر الفصحي ليسوع في أورشليم، هو ملخص كل التاريخ البشري، وملخص لقدَري الشخصي أنا أيضا! فسواء شئت أم أبيت ،سواء وعيت ذلك أم لم أعه، فأنا اعيش حالة خروج (رحيل) أغادر فيها أرض العبودية إلى الأرض الموعودة. إنّ الكنيسة تبدأ بالصوم يوم (أربعاء الرماد) مذكرة إيانا بقدَرنا: "تذكر يا إنسان أنك تراب وإلى التراب ستعود" ولكنّ التجلي يحول هذا القدر إلى آفاق ممجدة ؛ فإذا ما عدنا إلى التراب، سنعبر إلى الله إنّ الإيمان بيسوع يحمل طابعا رائعا من التفاؤل ؛ نحن نور الناس، ونسير نحو الله. وكان بطرس واللذان معه قد أثقلهم النعاس ولكنهم استيقظوا فعاينوا مجده والرجلين القائمين معه، حتى إذا همّا بالإنصراف عنه قال بطرس ليسوع: "يا معلّم، حسن أن نكون ها هنا فلو نصبنا ثلاث خيَم، واحدة لك وواحدة لموسى، وواحدة لإيليا، ولم يكن يدري ما يقول ومرة أخرى، وأمام هذه الرؤية المدهشة التي كانوا قد شهدوها، نلاحظ أنّ الرسل، لم يفهموا شيئا! إنهم في موقف ضبابي، نصف نائمين ونصف يقظين، لذا نسمعهم يتفوهون بعبارات لا تنم عن شيء! فالاقتراب مما هو إلهي لا يمكن التعبير عنه بلغة واضحة ؛ فبعد أن رحل موسى وإيليا، يدخل الرسل إلى المسرح وهم يتلعثمون وفي جتسماني سنراهم نائمين أيضا. إنّ موسى وإيليا هما رجلا جبل سيناء (خروج 33/18-22 ، 1 ملوك 19/9-14) وقد إحترق الإثنان بنار العلي، وهما محرّرا شعبهما من عبادة الأصنام وكما رأينا، فإنّ يسوع يعيش في ألفة مع كبار أنبياء الكتاب المقدس فهل كرّستُ بعض الوقت لتأمّل الكتاب المقدس في زمن الصوم هذا؟ وبينما هو (بطرس) يتكلم، ظهر غمام ظلّلهم، فلما دخلو في الغمام خاف التلاميذ إنّ لوقا، وخلافا لمتى ولمرقس، يُدخِل التلاميذ الثلاثة في "الغمام"، الذي هو رمز ثابت للحضور الإلهي فنظرا لكونهم لم يفهموا شيئا من التجلي الذي حصل للتو، فإنّ الله نفسه يأخذ المبادرة هذه المرة لإدخالهم في كشف (وحي) روحي جديد مرة ثانية. إنّ الدخول إلى عالم الله يتمّ عبر مراحل متتالية ونشير هنا مرة أخرى إلى الخوف المقدس الذي يعتري الذين يستحوذ عليهم الله، فهم لن يستطيعوا التعبير عن ذلك أبدا وكما رأينا، سيلزمون الصمت هذه المرة أيضا!. إنّ كل تعاريفنا العقائدية والعقلية عن الله، تبقى في نهاية الأمر قاصرة وخاطئة إلى حدّ كبير، ولا تعدو مجرد ثرثرات فارغة! فالله أكبر من أن يحيط به أي تعريف، والأفضل أن ندعوه بـ"غير المُدرَك". فلنصمت إذا في أعماقنا، ولندخل إلى الغمام، إلى هذا الضباب الظليل، حيث لا نرى أمامنا أبعد من أمتار محدودة، حيث نتقدم متلمسين باحثين عن الطريق، طريقه هو. وانطلق صوت من الغمام يقول: "هذا هو ابني الذي اخترته، فله اسمعوا لقد استخدم كل من متى ومرقس هنا عبارة "ابني الحبيب"، في حين ينفرد لوقا في استخدام عبارة "ابني الذي اخترته" وفعليا، يسأل العقلانيون المولعون بالتاريخ: ما الذي قاله الصوت؟ وطبعا لا تهتمّ الأناجيل كثيرا بالرد على هذا النوع من الفضول فكلمة "مختاري"، كلمة مصدرها لوقا، ومن خلالها يحيلنا إلى مقاطع عديدة من أشعيا حيث تعني إمّا شعب الله أو ذلك الشخص الغامض "عبد الله" (أشعيا 42/1، 43/20، 45/4) وفي لحظة الصلب، سيستخدم لوقا نفس الكلمة من جديد (لوقا 23/35). ونحن أيضا بدورنا مختارون بالمعمودية وكل اختيار هو بقصد خدمة الآخرين ؛ فالله قد اختارني لأنه ينتظر مني شيئا، شيئا فريدا! وما إن دوّى الصوت، حتى بقي يسوع وحده، فالتزموا الصمت ولم يخبروا أحدا في تلك الأيام بشيء مما رأوا لم يفهموا شيئا في تلك اللحظة، وهذا أفضل! فسيفهمون فيما بعد، عندما سيصبح يسوع "العبد" و "المختار" في فصحه، أي في خروجه (رحيله) نحو الآب. |
09 - 03 - 2013, 04:34 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: التجلي
شكرا على المشاركة المثمرة
ربنا يفرح قلبك |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ما هو عيد التجلي وهل له اسم آخر؟ |
التجلي |
عيد التجلى |
على جبل التجلي |
التجلي |