الكرسي المرقسي
السبت 29 ديسمبر 2012
القمص روفائيل سامي
خرج الآباء الرسل بعد حلول الروح القدس عليهم, في يوم الخمسين والمعروف بالعيد البنطقستي, إلي كل المسكونة كارزين بالمسيحية والتعاليم الجديدة, منفذين للوصية الربانية التي أوصاهم بها المخلص حسب ما جاء في إنجيل القديس متي: 'وأما الأحد عشر تلميذا فانطلقوا إلي الجليل إلي الجبل حيث أمرهم يسوع. ولما رأوه سجدوا له ولكن بعضهم شكوا. فتقدم يسوع وكلمهم قائلا دفع إلي كل سلطان في السماء و علي الأرض. فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وها أنا معكم كل الأيام إلي انقضاء الدهر أمين' (مت28: 16-20) فكانت هذه الكلمات أساس ومبدأ تعليمي سار عليه الآباء الرسل وفتنوا المسكونة منطلقين من أورشليم طاعة للرب ووصيته كما جاء في سفر أعمال الرسل' وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم ألا يبرحوا من أورشليم بل ينتظروا موعد الأب الذي سمعتموه مني. لأن يوحنا عمد بالماء وأما أنتم فستتعمدون بالروح القدس ليس بعد هذه الأيام بكثير. أما هم المجتمعون فسألوه قائلين يا رب هل في هذا الوقت ترد الملك إلي إسرائيل. فقال لهم ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الاب في سلطانه. لكنكم ستنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهودا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلي أقصي الأرض' (أع1: 4-8). ومن هذا المنطلق وبعد صعود المخلص ووعوده الصادقة بدأ الآباء في إرساليتهم, وكان أول كرسي رسولي كرازي, هو كرسي أورشليم الذي جعل كنيسة أورشليم هي الكنيسة الأم في عصر الرسل لما لها من قدسية بين العالم أجمع وكان القديس يعقوب البار هو أول أسقف عليها, وعقد في زمانه مجمع أورشليم عام 51م واستشهد عام 62م. وبعد الاضطهاد الذي وقع علي أورشليم عام 70م علي يد الحاكم الروماني تيطس وتم خراب أورشليم, انتقل هذا الكرسي ولم تحتفظ بعد ذلك أورشليم بمكانتها الدينية, إلا في عهد الإمبراطور قسطنطين البار وأمه الملكة هيلانة في القرن الرابع, وكان ثاني الكراسي الرسولية هو كرسي أنطاكية لأنه الأقرب إلي أورشليم جغرافيا وكرز فيها القديس برنابا ومعه بولس الرسول كما جاء في سفر أعمال الرسل 'فسمع الخبر عنهم في آذان الكنيسة التي في أورشليم فأرسلوا برنابا لكي يجتاز إلي أنطاكية. الذي لما أتي ورأي نعمة الله فرح ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب. لأنه كان رجلا صالحا وممتلئا من الروح القدس والإيمان, فانضم إلي الرب جمع غفير, ثم خرج برنابا إلي طرسوس ليطلب شاول ولما وجده جاء به إلي أنطاكية, فحدث أنهما اجتمعا في الكنيسة سنة كاملة وعلما جمعا غفيرا و دعي التلاميذ مسيحيين في أنطاكية أولا. وفي تلك الأيام انحدر أنبياء من أورشليم إلي أنطاكية' (أع11: 22-27). ويلي كرسي أنطاكية في الأهمية كرسي الإسكندرية (كرسي مارمرقس) ثم كرسي روما الذي أسسه بولس الرسول ثم تأسس كرسي خامس في عهد الإمبراطور المسيحي قسطنطين وهو كرسي القسطنطينية الذي انعقد عنده مجمع القسطنطينية الشهير والذي قاوم بدعة مقدونيوس عام 381م ومن خلال هذه الكراسي الرسولية جاء ترتيب الكنيسة الكهنوتي, حسب ما جاء في تعاليم الآباء الرسل عن الشماس والقس والأسقف, وفي الحديث عن الأساقفة وعلاقة القيادة الروحية بهم, والممثلة في البطريرك, تقول قوانين الآباء الرسل' أساقفة كل إقليم يجب أن يعرفوا الأول بينهم ويعتبرونه رأسا لهم ولا يفعلوا شيئا كبيرا بدون رأيه وليدبر كل واحد شئون كرسيه حسنا والأماكن التي في سلطانه والذي يقام رأسا أي أول عليهم لا يفعل شيئا بغير رأي الأساقفة كلهم لأنه هكذا يكون اتفاق واحد فيتمجد الله بالمسيح يسوع في الروح القدس' قانون 34 ويقابله في التقليد الخاص بالكنيسة القبطية القانون رقم 2 فقرة 25 ومن خلال الفقرة السابقة, عرفت الكنيسة طريقها إلي الأول في الأساقفة أي رئيس الأساقفة, وهو الاب البطريرك, فالبطريرك هو أب الكنيسة الروحي الذي تسلمها من يد القديس مرقس, حسب التقليد الكنسي ومنذ القديس مرقس وحتي الآن وصل التسليم الرسولي إلي العدد 118 بطريرك (رئيس أساقفة) ومن أهمية هذا المنصب الرفيع المستوي والجليل الحدث رتبت الكنيسة طقوس خاصة لتجليس البطريرك أي لإسناد دور الرئاسة الكهنوتية إليه فهو شفيع الكنيسة الأول أمام الله, وهو راعي الرعاة وحبيب المسيح, وثالث عشر الرسل والجالس علي كرسي القديس مرقس فهو يختار من الأساقفة لكثرة علمه وحكمته وقوة إيمانه ونقاوته وشجاعته, لأنه يصلي من أجل الكرازة كلها ويعلم بكل مكان فيها ويدبر أمورها بحكمة بالغة ويدافع عن الإيمان, ويقف بكل شجاعة أمام الهراطقة, وأصحاب البدع كما وقف أثناسيوس وكيرلس وديسقورس وغيرهم من آباء كنيسة الإسكندرية العظماء الذين شهد التاريخ لهم ولفصاحتهم وبقوة حجتهم أمام المعاندين والمخالفين للإيمان الحق, وشهد العالم كله لبطريرك الإسكندرية علي مر التاريخ, أنه قاضي المسكونة وأب الآباء وراعي الرعاة, لذلك كان لازما علي الكنيسة منذ نشأتها أن تضع في طقوسها, طقس تجليس الأب البطريرك, نظرا لأهمية دوره ومكانته في الكنيسة وبين الشعوب, وهذا ما نعرضه في الحلقة القادمة إن شاء الرب وعشنا.