إنطلاقاً من الرضى الذي حَمَلَته بإيمانها يوم البشارة وحافظت عليه دون ترددٍّ تحت الصليب، تستمرُّ أمومة مريم في تدبير النعمة دون ما انقطاع حتى يبلغ المختارون الكمال الأبدي. وفعلاً إن دورها في الخلاص لم يتوقف بعد صعودها إلى السماء، إنها لا تزال تحصل لنا بشفاعتها على النِعَمِ التي تُؤكِّدُ خلاصَنا الأبدي. إنَّ حبَّها الأمومي يجعلها تصغي إلى إخوةِ ابنها الذين لم يُكملوا غربتهم، أو إنهم لا يزالون عرضةً للمخاطر والضيقات حتى يصلوا إلى الوطن السعيد. لهذا تُدعى الطوباوية العذراء في الكنيسة بألقابٍ عدّة منها الحامية، والمُعينة، والمساعدة، والوسيطة ؛ إنما يُفهم كلُّ هذا بنوعٍ أنه لا ينتج عنه أيُّ نقصان أو زيادة في شرفِ المسيح الوسيط الأوحد وفعاليته.
وبالفعل لا يمكن لخليقةٍ أبداً، أن تُوضع على قدم المساواة مع الكلمة المتأنِّس والمخلص. ولكن كما أنه في كهنوتِ المسيح يشتركُ تحت أشكالٍ شتّى الخَدَمَةُ والشعب المؤمن، وكما أنَّ صلاحَ الله الواحد يفيض فعلاً على الخلائق بأنواعٍ مختلفة، كذلك وساطة المُخلِّص الفريدة لا تمنع، بل بالأحرى تَحثُّ الخلائق على التعاون المتنوِّع المشترَك، النابع من مصدرٍ واحد. وإنَّ الكنيسةَ لتعترف دون تردُّدٍ بمثلِ هذا الدور الذي تقوم به مريم مرتبطةً بابنها، وإنها لا تبرح تختبره، كما أنها لتنصح قلوب المؤمنين، حتى إذا ما ساعدهم هذا العون الأمومي، أن يتمسَّكوا تمسكاً أوثق بالوسيط المخلِّص.