يأتي يسوع بقلب العاصفة بكلمتيه بحسب مرقس القول والفعل:
«فاِستَيقَظَ [يسوع] وزَجَرَ الرِّيحَ وقالَ لِلبَحْر: "اُسْكُتْ! اِخَرسْ!" فسكنَتِ الرِّيحُ وحدَثَ هُدوءٌ تَامّ. ثُمَّ قالَ لَهم "ما لَكم خائفينَ هذا الخَوف؟ أَإِلى الآنَ لا إِيمانَ لَكم؟"» (مر 4: 39- 40). أمام قول وفعل الإله الخالق، الّذي يجهله البشر، تستعيد الطبيعة صفاتها الّتي خُلقت عليها. تشيرا كلمتيّ يسوع الأوّلى موجهة للريح والبحر، والأخرى للتلاميذ الّذين يجهلون إلههم. أظهر يسوع أولاً قوته على البحر، وإنتصاراته، لكنه بعد ذلك يدعو تلاميذه إلى سؤال أنفسهم عن إيمانهم، وعن صورة الله، هل فهموا وجه ملكوت الله الّذي إنعكس في يسوع وفي تعلّيمه بالأمثال؟ هل سيفهمون وجه الله الّذي ظهر في آلام الابن؟ صراخ التلاميذ، قد يكون سمّة أو النعمة الّتي تأتينا في أوقات الخطر، هي لجوئنا كبشر للرّبّ ولكن من المخجل إنّه في أوقات الطمأنينة والنجاح نعتقد إننا نسير بشطارتنا وقدراتنا، وهذا الفكر هو من الشّرّير.
توجيه يسوع لتلاميذه، بسؤاله البلاغيّ الّذي نعرف الإجابة حقًا لأنّ إيماننا في الإله الّذي يرافقنا ضعيف فتأتي كلماته لاحقًا لنا كتلاميذه، اليّوم، ليفتح أمامنا العديد من سُبل التحرر من كلّ خوف يحرمنا من التمتع بالسَّلام وإستعادة الثقة ليس في ذواتنا أو مهارتنا بل في الرّبّ وفي حضور الرّبّ فقط. لقد أثار يسوع أسئلة لدى تلاميذه، لا بقدر ما أثار أجوبة: "فمن هو إذن؟" من خلال سلوك الّذي ينام أثناء العاصفة أنّ يثير التساؤلات حول "قدرة الله" وعن حضوره في التاريخ. إندهاش التلاميذ بقولهم: «فخافوا خَوفاً شَديداً وقالَ بَعضُهُم لِبَعْض: "مَن تُرى هذا حتَّى تُطيعَه الرِّيحُ والبحر؟"» (مر 4: 41)، يدلّ حقًا على جهلهم ليسوع المعلّم الّذي يطيعونه دون أن يعرفوا حقيقته، ونحن مَن نطيع؟ يسوع الإنسان أم الإله؟ ثمّ يفاجئنا الإنجيليّ بإنّ طاعتنا للأمر الإلهيّ سيتم بعبورنا لمياه البحر الهائج بالرغم من العواصف والريح وغيره، حيث سنصل مع يسوع المعلّم إلى أرض وثنية، خارج حدود إسرائيل (راج مر 4: 41ت). لابد من العبور، يتوجب علينا المجازفة والخروج من الضمانات والسبب هو ثقتنا بالرّبّ وتحملّ مسئوليتنا بإعلان الملكوت والكرازة به في الأماكن غريبة عنا. قد تسكن هذه الأماكن باطننا، فالأماكن الوثنيّة هي الّـتي تجهل ألوهيّة الرّبّ والخطر إنها بداخلنا ونحن نجهلها. مدعوين أوّلاً باعلان رسالة الملكوت لباطننا فهو الرسالة الأوّلى الّتي ستحملنا للعبور الحقيقي لإعلان الملكوت لآخرين.