18 - 10 - 2017, 09:47 AM | رقم المشاركة : ( 41 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
وقال أيضاً: «يا ابني لا تسكن حيث توجد امرأةٌ لأن هُوَّةَ الهلاكِ كائنةٌ في شفاهِها, وإن تملَّقك الجسدُ قائلاً: إننا منذ زمانٍ طويلٍ قد تحنَّكنا بالتجربةِ، أو إنني قد صرتُ ضعيفاً أو عجوزاً، أو إن الحزنَ والصومَ قد أذلني ولا أستطيعُ مخالفة أمرك. فإياك أن تغترَّ به، لأن الأعداءَ داخله يَكمُنونَ لك، لئلا يَحلِقونَ شعرَ رأسِك أي أفكارَ عقلِك، فيفارقَك روحُ الله وتضعف قوتُك، فيأتي الغرباءُ ويربطونك ويذهبون بك إلى موضعِ الطحنِ حيث تُصبحُ أضحوكةً وألعوبةً، فيقلعون عينيك ويصيِّرونك أعمى لا تعرف طريقَ الخلاصِ. ولن تنفكَّ من أسرِك حتى تموتَ عند الغرباءِ بحزنٍ عظيم. فالآن يا ابني استيقظ واعرف مواعيدك واهرب من القاسي القلب الغاش لئلا يقلع عيني عقلك. تحفَّظ من الزنى واذكر العذابَ المعدَّ للدنسين. اهرب من مصرَ ولا تشرب مياهاً من جيحون التي هي الأفكارُ العاهرة. إذا أحببتَ الأطهارَ فإنهم يكونون لك أصدقاءً ومعهم تصل إلى مدينةِ الله المملوءة نوراً». |
||||
18 - 10 - 2017, 09:47 AM | رقم المشاركة : ( 42 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
في أحدِ الأيامِ جمع الأب باخوميوس الإخوةَ وقال لهم: «أريدُ الآن أن أقولَ لكم وصايا لكي تحفظوها كلُّكم خلاصاً وثباتاً لنفوسِكم، لا سيما لأولئك الذي لم يقووا بعد في الإيمانِ والأعمالِ حتى لا يقعوا في فخِ إبليس، وإياكم أن يشكَ أحدٌ منكم في هذا الكلامِ الذي أقولُه لكم، واذكروا الكلامَ المكتوب: إنكم لا تؤمنون ولا تفهمون. وهذا هو الكلامُ الذي أريدُكم أن تحفظوه: لا يرافق أحدُكم آخرَ لقضاءِ الحاجةِ معاً في مكانٍ واحدٍ. لا يمسك أحدٌ منكم يدَ رفيقِهِ أو يلمس أيَّ شيءٍ من جسدِهِ من غير أمرٍ ضروري إلا في حالةِ رجلٍ مريضٍ أو في حالةِ وقوعِ أحدٍ فيساعدَه آخر حتى يقوم، ويحتاجُ الأمرُ حينئذ أن يمسكَه حتماً ويلمسه. على أنَّ ذلك أيضاً يكونُ بحرصٍ وحَذَرٍ. لا يجلس أحدٌ منكم مع رفيقِهِ في متكأ في عزلةٍ ليتهامسا معاً، بل كونوا بعيدين بعضُكم عن بعضٍ قليلاً حين الكلام مع بعضِكم البعض. لا يرقد أحدُكم على مرقدٍ ليس هو له. لا يَدخل أحدٌ منكم إلى موضعِ رفيقِهِ بغيرِ رسالةٍ أو حاجةٍ، كي لا يجدَ العدو له فينا موضعاً البتةِ». |
||||
18 - 10 - 2017, 09:47 AM | رقم المشاركة : ( 43 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
وقال أيضاً:«يا ابني جرِّب كلَّ شيءٍ واختَر لنفسِك الأفضلَ. لا تكن متعظمَ العينِ بل كن متواضعاً. اجتهد في شبابِك لتفرحَ في كِبرك. احتفظ بالقدسَ لئلا تُفتضح في موضعِ الحكمِ. فيبصرَك معارفُك ويعيرونك قائلين: كنا نظنُّك حملاً فوجدناك ذئباً. أين تستر وجهَك وكيف تفتح فاك. وبماذا تتخلَّص من عملِك الملتصق بك كالصبغةِ بالثوبِ وماذا تصنع؟ حينئذ تبكي ولا ينفع البكاءُ. تسأل ولا يُسمع منك. الآن يا بُني ارفض هذا العالم وارذله وامشِ مستقيماً. لا تصادق صبياً ولا تحادث امرأةً ولا تدخل عندها. لأن الحديدَ إذا وقع على الحجرِ قَدَحَ ناراً. احرص على طهارةِ جسدِك وسلامةِ قلبِك. فإنك إن تحقَّقت من نوالهِما أبصرتَ الله ربَكَ. لا تحقد على الناسِ لئلا تصبح مرذولاً من اللهِ. اجعل لك سلاماً مع أخيك لتكونَ محبوباً من ربِك. إذا صرتَ طاهراً في كلِّ شيءٍ ولكن بينك وبين أخيك عداوةً فأنت غريبٌ عن اللهِ. لأنه مكتوبٌ: اتبعوا السلامةَ والقداسةَ اللتين بدونِهما لا يعاينُ أحدٌ الله. وقد قال الربُّ: اغفروا يُغفر لكم. فإن لم تغفر لأخيك لا يغفر هو لك. لأنه يقول: هكذا يصنعُ بكم أبي السماوي إن لم تغفروا لإخوتِكم من كلِّ قلوبِكم. فإن حقِدتَ على أخيك فهيئ نفسَك للعذابِ، لأنه يقول: إنه أسلمه للمعذِّبين. الآن قد صرنا مسكناً للإلهِ الصالح بالعمادِ، فلا ندعه يتركنا بأعمالِنا السيئة. لأنّ كلَّ الذين جازوا في البحرِ الأحمرِ تبدَّدوا في القفرِ لأنهم قاوموا إرادةَ اللهِ وتبعوا أغراضَ قلوبهم. الرهبنةُ هي: الصومُ بمقدارٍ والصلاةُ بمداومةٍ وعفَّةُ الجسدِ وطهارةُ القلبِ وسكوتُ اللسانِ وحفظُ النظرِ والتعبُ بقدرِ الإمكان، والزهدُ في كلِّ شيءٍ. جميعُ آبائنا القديسين بجوعٍ وعطشٍ وحزنٍ كثيرٍ أكملوا سَعيَهم ونالوا المواعيدَ. إن كنتَ قد نذرتَ للهِ بكوريةً بمحبةٍ واشتياقٍ، فاطلبه من كل قلبِك واسلك حسبَ وصاياه. وحينئذ يجعلُك اللهُ ابناً له ويباركك. ويصيِّر بِرْكَتُك نهراً ونهرُك بحراً، ويجعلُك كبِرْكةِ نارٍ، وسراجُه يضيءُ عليك. وتمتلئُ نوراً من الإشراقِ الإلهي. ويُعطيك الإلهُ مجداً مثلَ مجدِ القديسين. فتضعُ ثِقلاً على أراكنةِ الظلمةِ وترى قوةَ اللهِ في يمينك، وتُغرق فرعون وجنودَه في بحرِ الملحِ، وتُخَلِّص شعبَك من عبوديةِ الغرباءِ، وتورِّثهم أرضَ الخيراتِ التي تفيضُ لبناً وعسلاً. التي هي كمالُ سعيِّك وخروجِك من هذا العالمِ بسلامٍ، آمين». |
||||
18 - 10 - 2017, 09:48 AM | رقم المشاركة : ( 44 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
قيل عن الأب باخوميوس إنه كان يديمُ الصلاةَ بنسكٍ زائدٍ وسهرٍ. وإذا أراد أن يرقدَ لم يكن يرقدُ ممتداً، ولا على مصطبةٍ، بل كان يجلسُ مستنداً إلى الحائطِ. وكان إذا مضى إلى موضعٍ خارجِ الديرِ مع الإخوةِ واضُطروا إلى المبيتِ هناك، كان يأمرهم أن يحفرَ كلُّ واحدٍ منهم لنفسِهِ حفرةً في الأرضِ مثل مراقدهم في الدير، قائلاً لهم: «إنه من الواجبِ على الإنسانِ الراهبِ أن يُتعبَ نفسَه في مَرقَدِهِ لكون روحُ الزنا تقفزُ على الرجلِ لتجرِّبَه بشدةٍ، لا سيما إذا رقد على فِراشٍ، ممتداً براحةٍ». وقال أيضاً:«يا ابني احفظ قلبَك كي لا يفرحَ أعداؤك، لأن الإنسانَ إذا لم يحفظ قلبَه وقع في الشَرَكِ. لا تكسل عن أن تتعلَّم خوفَ اللهِ كطفلٍ صغيرٍ. كن رجلاً قوياً جباراً في جميعِ تدابيرك، ولا تُفسد يوماً واحداً من عملِك وتحقَّق مما تقدِمُه للهِ الحقيقي كلَّ يوم. اجلس وحدك مثلَ والٍ حكيمٍ ودِنْ أفكارَك، فما كان نافعاً وموافقاً أبقِهِ واحفظه، وأما ما كان ضاراً فاطرده عنك. الآن يا ابني اجعل ناموسَ اللهِ في قلبِك والزم البكاءَ واجعله لك صديقاً. وليكن جسدُك قبراً لك حتى يقيمك اللهُ ويعطيك تاجَ الغَلَبةِ». |
||||
18 - 10 - 2017, 09:48 AM | رقم المشاركة : ( 45 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
حَدَثَ بينما كان الإخوةُ يقومون بالحصادِ وتادرس يعملُ معهم وهو صائمٌ، أن لَحِقه حرٌ في رأسِه. ومن بعد فروغ العمل جلس يستظلُّ؛ فجاز به الأب باخوميوس وقال له بوجعِ قلبٍ: «يا تادرس، أتستظل»؟ فقام تادرس بسرعةٍ. ولما كان المساءُ تقدم تادرس إليه وقال: «يا أبي إني أشعرُ بألمٍ في رأسي بسبب ضربةِ الشمسِ». قال له الأب: «يا تادرس، رجلٌ راهبٌ يسلكُ طريقَ الكمالِ إذا مكث يعاني مرضاً في جسدِهِ عشرين عاماً وهو متألمٌ، لا يجبُ أن يشكوَ لأحدٍ من الناسِ إلا من تلك الأمراضِ التي لا يمكنه أن يخفيها. وهذه الأخرى أيضاً عليه أن يحتملَها على قدرِ قوتِهِ وألا ينيحَ نفسَه إلا في أمرٍ يفوق طاقته، لأنه مكتوبُ: إن الروحَ مستعدةٌ والجسدَ ضعيفٌ. هل تظن أن تقطيعَ الأعضاءِ والحريقَ وحدَه شهادةٌ؟ لا! بل تعبُ النسكِ والضربات التي من الشياطين والأمراض. فمن يحتملُ كلَّ ذلك بشكرٍ فذلك هو الشهيد، وإلا فما الحاجةُ لأن يكتب بولس الرسول: إني أموتُ كلَّ يومٍ. فإنه لم يكن يموت في الظاهرِ كلَّ يومٍ، بل كان بصبرٍ يحتملُ ما يأتي عليه. وكذلك رجالُ اللهِ اليومَ إذا كانوا في أمراضٍ ويُخفونها عن الناسِ فإنهم يُعتبرون شهداءً أيضاً». |
||||
18 - 10 - 2017, 09:48 AM | رقم المشاركة : ( 46 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
وقال أيضاً:«إذا توبَّخ أحدُنا من أحدِ إخوانِه ولم يقبل، بل حقد عليه، فقد اغتال الشياطينُ نفسَه. ولستُ أقولُ ذلك فقط، بل وإن لم تعتبره كطبيبٍ معالجٍ فقد ظلمتَ نفسَك، لأنه ماذا تقولُ فيما أصابك. ألستَ تعلمُ أنه قد نظَّف أوساخَك؟ فسبيلُك أن تعترفَ له كطبيبٍ أرسله المسيحُ إليك. فإن كنتَ تُحبُّ المرضَ فلا تحتجَّ على الربِّ. أما هذا الوجعُ الذي ظهر لك فذلك دليلٌ على ضعفِ نفسِك. ولولا ذلك ما كنتَ تحزنُ من الدواءِ. لذلك ينبغي أن تعترفَ بالفضلِ للأخِ لأنك به عرفتَ مرضَك القاتل. فعليك أن تقبلَه مثلَ دواءٍ شافٍ مُرسَل من عند يسوع المسيح، ولو أنك لم تقتصر على عدمِ شكرِه فقط بل خلقتَ حوله شكوكاً، وقد كان الأحرى بك أن تقولَ ليسوع المسيح: لستُ أريد أن تشفيني، ولا أشاءُ أن أقبلَ شيئاً من أدويتك. الأحزانُ هي مكاوي يسوع، فمن أراد أن يبرأ من أسقامِه، يلزمه حتماً أن يصبرَ على ما يَرِد عليه من الطبيبِ. ولعمري أن المريضَ ليس من شأنِه أن يستلذَّ الكيَ والبترَ أو شربَ الدواءِ المنقي، بل من طباعِهِ أن يُبغضَ الأدويةَ، ولكنه لإيقانِه أنه بلا علاجٍ لن يحصلَ على الشفاءِ، ولذلك نجده يدفعُ ذاتَه للطبيبِ عالماً أنه بالأدويةِ المُرةِ يتخلَّص من الأخلاطِ الضارةِ الرديئةِ. فمكوى يسوع هو ذاك الذي يُهينُك، لأنه إن كان يشتمُك إلا أنه يريحُك ويخلِّصُك من السبحِ الباطل. ودواءُ يسوع المنقي هو من يُرذلك ويوبخك، لأنه يريحك من التنعم، فإن لم تحتمل شربَ الأدويةِ تَظلِمُ نفسَك وحدَك. أما الأخ فلم يسبب لك ضرراً ما». |
||||
18 - 10 - 2017, 09:48 AM | رقم المشاركة : ( 47 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
وقال أيضاً:«سبيلُ الراهبِ ألا يكتفي بنسكِ الجسدِ وتعبِه وحده، بل عليه أن يحصلَ على خوفِ اللهِ ساكناً فيه، فإنه هو الذي يحرقُ الأفكارَ الرديئة ويُفنيها، كمثلِ النارِ التي تحرقُ الصدأ وتنظِّفُ الحديدَ من الشوائبِ. كذلك خوفُ اللهِ يطردُ كلَّ رذيلةٍ من الإنسانِ ويجعله إناءً للكرامةِ يصلُحُ لعملِ اللهِ». الذي أرشده: «ها قد أريتُك اليوناني والمصري، فمَن مِن الاثنين أرضاك»؟ أجابه قائلاً: «أما أنا فأقولُ إن المصري قد أرضاني». فلما سمع أحدُ الإخوةِ ذلك صلَّى إلى الله قائلاً: «يا ربُّ اكشف لي هذا الأمرَ، فإن قوماً يهربون من الناسِ من أجلِ اسمِك، وقوماً يقبلونهم من أجلِ اسمِك أيضاً. وألحَّ في الصلاةِ والطلبةِ، فتراءت له سفينتان عظيمتان في لُجَّةِ البحرِ. ورأى في إحداهما أنبا أرسانيوس وهو يسير سيراً هادئاً وروحُ الله معه. ورأى في الأخرى أنبا موسى وملائكةُ الله معه وهم يُطعمونه شهدَ العسلِ. زاره مرةً بعضُ الشيوخِ وسألوه عن السكوتِ وعن قلةِ اللقاءِ، فقال لهم: «إن العذراءَ ما دامت في بيتِ والديها فكثيرون يريدون خطوبتها. فإن هي دخلت وخرجت فإنها لن تُرضي كلَّ الناسِ لأن بعضَهم يزدريها وبعضَهم يشتهيها، ولن تكون لها الكرامةُ إلا وهي مختفيةٌ في بيتِ أبيها. هكذا النفسُُ الهادِئةُ المعتكفةُ، متى اشتُهِرت تبهدلت». |
||||
18 - 10 - 2017, 09:49 AM | رقم المشاركة : ( 48 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
قال أنبا أرسانيوس هذا التعليمَ لتلاميذهِ قبل نياحته: «ثلاثةُ أشياءٍ تكونُ من جودةِ العقلِ: الإيمانُ باللهِ والصبرُ على كلِّ محنةٍ وتعبُ الجسدِ حتى يُذَّل. وثلاثةُ أمورٍ يفرحُ بها العقلُ: تمييزُ الخيرِ من الشرِ والتفكر في الأمرِ قبل الإقدامِ عليه والبعدُ عن المكرِ. وثلاثةُ أشياءٍ يستنيرُ بها العقلُ: الإحسانُ إلى من أساء إليك، والصبرُ على ما ينالك من أعدائك، وتركُ النظرِ أو الحسد لمن يتقدمك في الدنيا. وستةُ أشياءٍ يتطهرُ بها العقلُ: الصمتُ، حفظُ الوصايا، الزهدُ في القوتِ، الثقةُ باللهِ في كلِّ الأمورِ مع ترك الاتكال على أيِّ رئيسٍ من رؤساء الدنيا، قمعُ القلبِ عن الفكرِ الرديء وعدم استماع كلام الأغنياء والامتناع من النظر إلى النساء. وأربعةٌ تحفظُ النفسَ: الرحمةُ لجميعِ الناسِ، تركُ الغضب، الاحتمالُ، إخراج الذنب وطرحه من قلبك بالتسبيح. وأربعةٌ تحفظُ الشابَّ من الفكرِ الرديء: القراءةُ في كتبِ الوصايا، طرحُ الكسلِ، القيامُ في الليلِ للصلاةِ والابتهال، والتواضع دائماً. وثلاثةٌ تُظلم النفس: المشي في المدن والقرى، النظرُ إلى مجد العالم، الاختلاطُ بالرؤساءِ في الدنيا. من أربعةِ أمورٍ تتولد للجسد النجاسةُ: الشبع من الطعامِ، السُكر من الشرابِ، وكثرة النوم، نظافةُ البدنِ بالماءِ والطيبِ وتعاهد ذلك كل وقت. وأربعةٌ تُعمي النفس: البغضةُ لأخيك، والازدراءُ بالمساكين خاصةً، الحسدُ، والوقيعةُ. وأربعةٌ يتولد عنها هلاكُ النفسِ وخسارتُها: الجوَلان من موضعٍ إلى موضعٍ، محبةُ الاجتماعِ بأهلِ الدنيا، الإكثارُ من الترفِ والبذخِ، كثرةُ الحقدِ في القلبِ. من أربعةِ أمورٍ يتولد الغضبُ: المعاملةُ، المساومةُ، الانفرادُ برأيك فيما تهواه نفسُك، عِدولك عن مشورةِ الآخرين واتِّباع شهواتك. وثلاثةٌ إذا عَمل بها الإنسانُ يسكنُ في الملكوتِ: الحزنُ والتنهدُ دائماً، البكاءُ على الذنوبِ والآثامِ، وانتظارُ الموتِ في كلِّ يومٍ وساعةٍ. وثلاثةٌ تحاربُ العقلَ: الغفلةُ، الكسلُ، وتركُ الصلاةِ». |
||||
18 - 10 - 2017, 09:49 AM | رقم المشاركة : ( 49 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
ولما قَرُبَ وقتُ نياحته دعا تلاميذَه وعزَّاهم ووعظهم وقال لهم: «اعلموا أن زماني قد قَرُبَ، فلا تهتموا بشيءٍ سوى خلاصِ نفوسِكم ولا تنزعجوا بالنحيبِ عليَّ. ها أنذا واقفٌ معكم أمام مِنبرِ المسيحِ المُهاب، فإذا جاءت الساعةُ رجائي ألا تُعطوا جسدي لأحدٍ من الناسِ». فقالوا له: «فماذا نصنعُ لأننا لا نعرف كيف نكفِّنه»؟ فقال لهم الشيخُ: «أما تعرفون كيف تربطون رجليَّ بحبلٍ وتجرونني إلى الجبلِ لتنتفعَ به الوحوشُ والطيورُ». وكان الشيخُ يقول لنفسِه دائماً: «أرساني أرساني تأمَّل فيما خرجتَ لأجلهِ». |
||||
18 - 10 - 2017, 09:49 AM | رقم المشاركة : ( 50 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب بستان الرهبان
وقال: «كثيراً ما تكلمتُ وندمتُ، وأما عن السكوتِ ما ندمتُ قط». ولما دنت نياحته نظروه يبكي فقالوا له: «يا أبانا أتفزع أنت أيضاً»؟ أجابهم قائلاً: «إن فزعَ هذه الساعةِ ملازمٌ لي منذ جئتُ إلى الرهبنةِ». وهكذا رقدَ ودموعُه تسيلُ من عينيهِ. فبكى تلاميذُه بكاءً مُرّاً وصاروا يقبِّلون قدميه ويودِّعونه كإنسانٍ غريبٍ يريدُ السفرَ إلى بلدهِ الحقيقي. وقد أخبر عنه دانيال تلميذُه فقال: «إنه ما طلب قط أن يتكلمَ من كتابٍ، بل كان يصلِّي من أجلِ ذلك لو أرادَ. وما كان يكتبُ رسالةً. ولما كان يأتي إلى الكنيسةِ كان يقفُ خلفَ العمودِ لئلا يبصرَ إنسانٌ وجهَه. وما كان ينظرُ إلى وجهِ إنسانٍ. وكان منظرُه يشبه منظرَ ملاكٍ. وكان كاملاً في الشيخوخةِ وصحيحَ الجسمِ مبتسماً. وكانت لحيتُه تصلُ إلى بطنهِ، وكان شعرُ جفونِه يتساقط من كثرةِ البكاءِ. وكان طويلُ القامةِ، لكنه انحنى أخيراً من الشيخوخةِ. وبلغ من العمرِ سبعاً وتسعين سنةً، أربعون سنةً منها حتى خروجِه من بلاطِ الملك، وباقيها في الرهبنةِ والوحدةِ. وكان رجلاً صالحاً مملوءاً من الروحِ القدس والإيمان. وقد ترك لي ثوباً من الجلدِ وقميصاً من الشعرِ ونعالاً من ليفٍ، وبهذه الأشياءِ كنتُ أنا غيرُ المستحق أتبارك بها». قيل عن البابا ثاؤفيلس البطريرك لما حضرته الوفاة، قال: «طوباك يا أنبا أرسانيوس لأنك لهذه الساعةِ كنتَ تبكي كلَّ أيامِ حياتك». يتبع |
||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
بستان الرهبان كامل مسموع |
زهور من بستان - كتاب بستان الرهبان |
تحميل كتاب بستان الرهبان كامل مسموع |
كتاب بستان الرهبان لبيلاديوس |
كتاب بستان الرهبان |