دعوى التحريف!
وبعد أن وصل الأصدقاء إلى دير الملاك أخذوا قسطًا من الراحة، ثم تجمع الأصدقاء أمام باب الدير والشمس مالت للمغيب، فلم يعد هناك وقت آخر، وكان لابد أن يتناولوا النقطة الرابعة من البحث وهي:
الرد علي دعوي تحريف الكتاب المقدس
منير: نريد أن نناقش دعوى التحريف بشيء من التفصيل والرد عليها.
بيتر: لا يوجد رد واحد.. إنما هناك ردود وردود.
الأخ زكريا: نشترك معًا في الرد، واحدًا فواحدًا، ونسلسل الرد.
نادر: أولًا: أليست التوراة والإنجيل كلام الله؟
بلا شك أن الجميع يعترفون بأن التوراة والإنجيل كلام الله، حتى أن اليهود والمسيحيين يُدعوَن بأهل الكتاب، وبلا شك أن الجميع يعرفون أن الله يهتم بكلمته ولا يهملها حتى قال " أنا ساهر على كلمتي لأجريها " (أر1: 12).
وهنا السؤال: كيف يسمح الله بتبديل وتحريف كلماته؟!
وإن كان المثل يقول "كلام الملوك ملوك الكلام" وأيضًا "كلام الملوك لا يُرَد". فما بالك بكلام ملك الملوك ورب الأرباب!!
هل يُرَد؟!.. وهل يتغير؟!!.. وهل يصيبه الضعف والتحريف؟!!!
أليس الذين يَّدعون التحريف يتهمون الله بأنه غير قادر على حفظ كلمته ليجريها؟!
ثانيًا: الجميع يعلمون أن العهد القديم في أيدي اليهود، وفي أيدي المسيحيين، والجميع يعلمون كيف يغالي اليهود في الحفاظ علي كتاب الله، بدرجة تفوق التصور. حتى إنهم قد أحصوا عدد كلماته وحروفه، وعدد كلمات (الله)، والحرف الأوسط في كل سفر.. إلخ.
فنفس العهد القديم الموجود في أيدي اليهود صار في حيازة المسيحيين من القرن الأول الميلادي، والمسيحيون يوقرونه ويجلونه تمامًا مثل العهد الجديد، معترفين بأنه كلام الله الذي لا يزول، ويضعون نصب أعينهم كلام السيد المسيح "لا تظنُّوا إني جئتُ لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمّل. فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (مت 5: 17، 18).
إذن العهد القديم كان في حيازة أمتين، أمة اليهود وأمة المسيحيين، ولا يخفى على أحد العداء العقيدي المستحكم بين اليهود والمسيحيين، ومدى اضطهاد اليهود للمسيحيين.
والسؤال الآن:
تُرى لو قامت فئة من اليهود بتحريف جزء من العهد القديم، هل كان يصمت المسيحيون؟!
ولو حدث العكس.. هل كان يصمت اليهود؟!
إذًا لابد أن يكون العهد القديم صحيحًا تمامًا..
ويكفي أن نعرف أنه من خلال العهد القديم نستطيع أن نصل إلى جميع حقائق العهد الجديد مثل التثليث والتوحيد، والتجسد الإلهي، وألوهية السيد المسيح، والفداء الإلهي على الصليب، والذي يدرس التاريخ الكنسي يعرف أنه في القرن الثاني الميلادي جرت مباحثات بين الشهيد "يوستينوس" الفيلسوف المسيحي وبين "تريفو" اليهودي، وكلاهما استند على آيات العهد القديم، ولم يتهم أحداهما الآخر بالتحريف أو التبديل في كلام الله.
ثالثًا: المسيحية منذ نشأتها والأعداء يتربصون بها من كل ناحية، اليهود من ناحية، والوثنيون من ناحية أخرى، والهراطقة والمبتدعون من ناحية ثالثة، والرؤساء والولاة والملوك والأباطرة من ناحية رابعة..
ومن المعروف أن المسيحية لم تنشأ في ركن محدود من أركان العالم، ولكنها نمت في فلسطين وسريعًا ما انتشرت وملأت أركان العالم، ودخلت إلى جميع البلدان، ووصلت إلى جميع الطبقات، حتى إلى القصر الإمبراطوري وأحدثت المسيحية انقلابًا عظيمًا في العالم للأفضل. إذًا العالم كله انشغل بالمسيحية منذ نشأتها، وكانت الكرازة وبشرى الخلاص تتم شفاهة لعشرات السنين، ثم كتابة عبر الأناجيل والرسائل.